المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٢

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله وأن المعرفة فعل القلب لقول الله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌وفي هذا الحديث فوائد:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُلقى في النار من الإِيمان

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب تفاضل أهل الإِيمان في الأعمال

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌بابٌ: الحياء من الإِيمان

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب إذا لم يكن الإِسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} ومن يبتغ غير الإِسلام دينًا فلن يقبل منه

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب السلام من الإِسلام

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب كُفران العشير وكفر دون كفر فيه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌بابٌ المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فسماهم المؤمنين

- ‌الحديث الرابع والعشر ون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب ظلم دون ظلم

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب علامات المنافق

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌بابٌ قيام ليلة القدر من الإِيمان

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الجهاد من الإِيمان

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تطوع قيام رمضان من الإِيمان

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب صوم رمضان احتسابًا من الإِيمان

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌بابٌ الدينُ يُسْرٌ

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الصلاة من الإِيمان

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب حسن إسلام المرء

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أحب الدين إلى الله أدْوَمُهُ

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الزكاة من الإِسلام وقوله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب اتِّباعُ الجنائز من الإِيمان

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب: خوف المؤمن من أن يحبطَ عملُه وهو لا يشعر

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإِسلام والإحسان وعلم الساعة

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل من استبرأ لدينه

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب أداء الخمس من الإِيمان

- ‌الحديث السادس والاربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرىء ما نوى

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول النبى صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لله ولرسوله

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خَاتِمَة

الفصل: ‌باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر

وقد مر الكلام على المتابعة في الحديث الرابع من بدء الوحي.

وأما عثمان فهو عثمان بن الهيثم بن جهم بن عيسى بن حسان بن المنذر، وهو الأشَجّ العصري العبدي أبو عمرو البصري، مؤذن الجامع.

قال أبو حاتم: كان صدوقًا، غير أنه بأَخَرَةٍ كان يتلقن ما يلقن. وذكره ابن حِبان في "الثقات"، وقال الساجى: صدوق، ذكر عند أحمد بن حنبل فأومأ إلى أنه ليس بثبت، ولم يحدث عنه، وهو من الأصاغر الذين حدثوا عن ابن جُريج وعوف، وقال الدّارقطني: صدوق كثير الخطأ، وفي الزهرة روى عنه البخاري أربعة عشر حديثًا، وروى عن واحد عنه.

وقال ابن حجر: له في البخاري حديث أبي هُريرة في فضل آية الكرسي، ذكره في مواضع مطولًا ومختصرًا. وروى عنه آخر عن محمد غير منسوب، وهو محمد بن يحيى الذُّهْلي، وآخر في العلم صرح بسماعه منه وهو متابعة.

روى عن أبيه، وعوف الأعرابي، وابن جُريج، ومبارك بن فضاله، ورؤبة بن الحجاج، وهشام بن حسان، وغيرهم.

وروى عنه البخاري، وعلق عنه، وروى عنه عن محمد غير منسوب عنه، وروى النسائي في "اليوم والليلة" عن إبراهيم الجوزجاني عنه، وأبو حاتم الرازي، والذهلي، ومحمد بن عبد الرحيم البزار، وأُسيد بن عاصم، ويعقوب بن سفيان، والكُدَيْميّ، وآخرون.

مات في رجب سنة عشرين ومئتين.

وليس في الستة عثمان بن الهيثم سواه اهـ.

ثم قال البخاري:

‌باب: خوف المؤمن من أن يحبطَ عملُه وهو لا يشعر

.

هذا الباب معقود للرد على المرجئة خاصة، وإن كان أكثر ما مضى

ص: 312

من الأبواب قد تضمن الرد عليهم، لكن قد يشركهم غيرهم من أهل البدع في شيء منها، بخلاف هذا.

والمُرْجِئة -بضم الميم، وكسر الجيم، بعدها ياء مهموزة، ويجوز تشديدها بلا همز- نسبوا إلى الإرجاء، وهو التأخير، لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان، فقالوا: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، ولم يشترط جمهورهم النطق، وجعلوا للعصاة اسم الإيمان على الكمال، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب أصلًا، ومقالاتهم مشهورة في كتب الأصول.

ومناسبة إيراد هذه الترجمة عقب التي قبلها من جهة أن اتباع الجنازة مظنةٌ لأن يقصد بها مراعاة أهلها، أو مجموع الأمرين، وسياق الحديث يقتضي أن الأجر الموعود به إنما يحصل لمن صنع ذلك احتسابًا، أي: خالصًا، فعقبه بما يشير إلى أنه قد يعرِضُ للمرء ما يعكر على قصده الخالص، فيُحرم به الثواب الموعود وهو لا يشعر.

وقوله: "من أن يحبط عمله"، حبط من باب علم يعلم، أي: من حبط عمله وهو ثوابه الموعود به؛ لأنه لا يُثاب إلَاّ على ما أخلص فيه. ولفظة "من" ساقطة من رواية ابن عساكر، وهي مقدرة، لأن المعنى عليها.

وقوله: "وهو لا يشعر" جملة اسمية حالية، لا يقال: إنما قاله المؤلف يقوي مذهب الإِحباطية الذين قالوا: إن السيئات يبطلن الحسنات، وحكموا على العاصي بحكم الكافر، وهم معظم القدرية، لأن مراد المؤلف إحباط ثواب ذلك العمل فقط، لأنه لا يُثاب إلا على ما أخلص فيه، لا إحباط جميع الأعمال، كما يقع بالكفر.

قال النوويّ: المراد بالحبط نقصان الإيمان وإبطال بعض العبادات لا الكفر، وقال أبو بكر بن العربي في الرد على الإحباطية: القول الفصل في هذا أن الإحباط إحباطان، أحدهما: إبطال الشيء للشيء وإذهابه جملة، كإحباط الإيمان للكفر، والكفر للإيمان، وذلك في الجهتين إذهاب حقيقي. ثانيهما: إحباط الموازلة إذا جُعلت الحسنات في كفة

ص: 313

والسيئات في كفة، فمن رجحت حسناته نجا، ومن رجحت سيئاته وقف في المشيئة، إما أن يُغفر له، وإما أن يُعذب، فالتوقيف إبطال ما، لأن توقيف المنفعة في وقت الحاجة إليها إبطال لها، والتعذيب إبطال أشد منه إلى حين الخروج من النار، ففي كل منهما إبطال نسبي أطلق عليه اسم الإحباط مجازًا، وليس هو إحباطًا حقيقة، لأنه إذا أخرج من النار وأدخل الجنة عاد إليه ثواب عمله، وهذا بخلاف قول الإحباطية الذين سووا بين الإحباطين، وحكموا على العاصي بحكم الكفر اهـ.

ثم ذكر المؤلف ثلاثة تعاليق:

الأول: (وقال إبراهيم التيمي، ما عرضت قولي على عملي إلا خشيتُ أن أكون مكذبًا) قوله: "مكذبًا" روي بفتح الذال أي خشيت أن يكذبني من رأى عملي مخالفًا لقولي، فيقول: لو كنت صادقًا ما فعلت خلاف ما تقول، وإنما قال ذلك لأنه كان يعظ الناس. وروي بكسر الذال، وهي رواية الأكثر، ومعناه أنه مع وعظه الناس لم يبلغ غاية العمل، فخشي أن يكون مكذبًا أي: مشابهًا للمكذبين، وقد ذم الله تعالى من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقصر في العمل، فقال:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} .

وقال البيضاوي في آية {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} إنها ناعية على من يعظ غيره ولا يعظ نفسه سوء صنيعه وخبث نفسه، وإن فعله فعل الجاهل بالشرع، أو الأحمق الخالي عن العقل فإن الجامع بينهما تأبى عنه شكيمته، والمراد بها حث الواعظ على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل ليقوم فيقيم، لا منع الفاسق من الوعظ، فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر اهـ.

الثاني: (وقال ابن أبي مُليكة: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل).

ص: 314

والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مُليكة من أجلهم عائشة، وأختها أسماء، وأم سلمة، والعبادلة الأربعة، وأبو هريرة، وعُقبة بن الحارث، والمِسور بن مَخْرمة، فهؤلاء سمع منهم، وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء، منهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص.

وقد مر تعريف عائشة، وأبي هريرة، والعبادلة ما عدا عبد الله بن الزبير، وسعد بن أبي وقاص، ويأتي تعريف كل من الباقين في محله.

وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال، ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك، فكأنه إجماع، وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم، بل ذلك منهم على سبيل المبالغة في الورع والتقوى رضي الله تعالى عنهم.

وقال ابن بطّال: إنما خافوا لأنهم طالت أعمارهم، حتى رأوا من التغير ما لم يعهدوه ولم يقدروا على إنكاره، فخافوا أن يكونوا داهنوا بالسكوت.

وقوله: "ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل" أي: لا يجزم أحد منهم بعدم عروض النفاق له، كما يجزم بذلك في إيمان جبريل وميكائيل، لأنهما معصومان لا يطرأ عليهما ما يطرأ على غيرهما من البشر.

وفي هذا إشارة إلى أن المذكورين كانوا قائلين بتفاوت درجات المؤمنين في الإيمان، خلافًا للمرجئة القائلين بأن إيمان الصديقين وغيرهم بمنزلة واحدة.

الثالث: (ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق).

قد استشكل ترك البخاري الجزم به مع صحته عن الحسن، وفعله هذا لقاعدة عنده، وهي أنه لا يخص صيغة التمريض بضعف الإِسناد،

ص: 315

بل إذا ذكر المتن بالمعنى أو اختصره أتى بها أيضًا، لما علم من الخلاف في ذلك، فهنا كذلك، ولأجل اختصاره له، وقع الخلاف في فهمه، فجعل النووي الضمير في خافه وأمنه لله تعالى، قال تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وقال: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} وهذا وإن كان صحيحًا في نفسه، لكنه ليس مرادًا للمصنف، بل مراده رجوع الضمير في الفعلين للنفاق، كما هو جمبين عند الفِرْيابيّ عن المعلّى بن زياد قال: سمعت الحسن يحلِف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو، ما مضى مؤمن قطٌّ وما بقي إلا وهو من النفاق مشفق، وما مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن. وهو عند أحمد بلفظ: والله ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق، ولا أمنه إلا منافق اهـ.

والتعاليق الثلاثة:

الأول منها: رواه أبو القاسم اللالَكائي في "سننه" بسند جيد، ورواه البخاري في "تاريخه" عن أبي نُعيم، وأحمد بن حَنبل في "الزهد" كلاهما عن سفيان الثوري، عن أبي حيان التيمي، عن إبراهيم التيمي المذكور.

والثاني أخرجه ابن أبي خَيْثمة موصولًا من غير بيان العدد، وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الإيمان له مطولًا.

وقد رُوِي بمعناه حديث مرفوع عن عائشة، رواه الطبراني في "الأوسط" لكن سنده ضعيف.

والثالث وصله جعفر الفِرْيابي في كتاب "صفة المنافق" من طرق متعددة بألفاظ مختلفة اهـ.

ورجال التعاليق ثلاثة:

الأول: إبراهيم بن يزيد بن شَريك التَّيْمي تيم الرباب، أبو أسماء الكوفي، كان من العباد.

قال الأعمش: كان إبراهيم إذا سجد تجيء العصافير تنقر على ظهره.

ص: 316

وقال لي: ما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب. وقال ابن حِبّان في "الثقات": كان عابدًا، صابرًا على الجوع الدائم. وقال ابن مَعين: ثقة. وقال أبو زُرعة: ثقة مرجىء، قتله الحجاج بن يوسف. وقيل: مات في سجنه، لما طلب إبراهيم النَّخَعي وقع الرسول في إبراهيم التَّيْمِي، فأخذه وحبسه، فقيل له: ليس إياك أراد. فقال: أكره أن أدفع عن نفسي، وأكون سببًا لحبس رجل مسلم بريء الساحة، فصبر في السجن حتى مات. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

روى عن أنس، وأبيه، والحارث بن سُوَيْد، وعَمرو بن مَيْمون، وأرسل عن عائشة.

قال الدّارقُطني: لم يسمع من عائشة ولا من حَفْصة، ولا أدرك زمانهما. وقال أحمد: لم يلق أبا ذر. وقال ابن المدِيني: لم يسمع من علي، ولا من ابن عباس.

وروى عنه: بَيان بن بِشْر، والحَكَم بن عُتيبة، وزُبَيْد بن الحارث، ومسلم البَطِين، وجماعة.

مات سنة اثنتين وتسعين. وقيل أربع وتسعين. وقال أبو داود: مات ولم يبلغ أربعين سنة.

وفي الستة إبراهيم بن يزيد سواه ثلاثة: النَّخَعِيّ، والمَخْزُوميّ والخُوزي الأُمَويّ، وفي الرواة غير الستة ثلاثة أيضًا: الكوفي أبو إسحاق، والبَصْريّ، والشَاميّ.

والتَّيْمِيّ في نسبه مر الكلام عليه في الثاني من كتاب الإيمان اهـ.

الثاني: ابن أبي مُلَيْكة، وهو عبد الله بنُ عبيد الله -بتكبير الابن وتصغير الأب- ابن أبي مُلَيْكة. واسم أبي مُلَيْكة -بضم الميم- زهير بن عبد الله بن جَدْعان بن عمرو بن كعب بن تَيْم بن مُرة أبو بكر، ويقال: أبو محمد التيميّ المكيّ، كان قاضيًا لابن الزبير ومؤذنًا له.

ص: 317

قال ابن سعد: ولاه ابن الزبير قضاء الطائف، وكان ثقة كثير الحديث. وقال العِجْليّ: مكي تابعي ثقة. وقال أبو حاتم وأبو زُرعة: ثقة. وقال ابن حِبّان في "الثقات": رأى ثمانين من الصحابة. وقال البخاري: قال ابن أبي مُليكة: أدركت ثلاثين من الصحابة.

روى عن العبادلة الأربعة، وعائشة، وأختها أسماء، وأم سلمة، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وطلحة بن عُبيد الله، وقيل: لم يسمع منه، وعثمان بن عفان، وذكوان مولى عائشة، وحُميد بن عبد الرحمن بن عوف، والقاسم بن محمد، وعُروة بن الزبير، وغيرهم.

وروى عنه: ابنه يحيى، وابن أخته عبد الرحمن بن أبي بكر، وعطاء ابن أبي وباح وهو من أقرانه -وحُميد الطويل، وعمرو بن دينار، وابن جُرَيْج، وأبو العُمَيْس المسعودي، وعبد الواحد بن أيمن، وغيرهم.

مات سنة سبع عشرة ومئة.

وفي الستة عبد الله بن عبيد الله سواه ثلاثة: ابن أبي رافع، وابن عبيد الله بن عباس، وابن عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وليس فيهم ابن أبي مُلَيكة سواه اهـ.

الثالث: الحسن البصري، وقد مر في الرابع والعشرين من كتاب الإيمان هذا.

ثم قال المصنف:

(وما يُحْذَر من الإصرار على التقاتلِ والعصيانِ من غير توبةٍ لقولِ الله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}).

وهذا من تمام الترجمة، عطف على قوله:"خوف المؤمن، أي: باب خوف المؤمن، وما يحذر .. إلخ".

و"ما": مصدرية، و"يُحذر" بضم الياء، وفتح الذال مخففة أو مشددة كما في "الفتح"، والظاهر عندي أنها في هذه الحالة بكسر الذال، كما

ص: 318

يدل عليه المعنى، وإنما فصل بين الترجمتين بالأثار التي ذكرها لتعلقها بالأولى فقط، وأما الحديثان فالأول منهما متعلق بالثانية، والثاني متعلق بالأولى، ففيه لف ونشر غير مرتب، على حد قوله تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ .. الآية} .

وقوله: "على التقاتل" كذا في أكثر الروايات، وهو المناسب لحديث الباب، لقوله فيه:"وقتاله كفر" وفي رواية: "على النفاق".

قال في "الفتح": معناه صحيح وإن لم تثبت به الرواية.

قال القَسْطَلاني: بل ثبتت به الرواية عن أبي ذَرٍّ، ونسخة السُّمَيْساطي.

وقوله: "لقول الله تعالى"، وفي رواية:"عز وجل"، وفي رواية:"لقوله عز وجل".

وقوله: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} أي: لم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين، لأن من أصر على نفاق المعصية خُشِيَ عليه أن يفضي به إلى نفاق الكفر، وقد روى الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه:"ما أصرَّ من استغفر وإن عادَ في اليومِ سبعينَ مرةً".

وقوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} حال من يُصروا، أي: لم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به، فقد روى أحمد من حديث ابن عُمر مرفوعًا:"ويلٌ للمصّرينَ الذينَ يصرّونَ على ما فعلوا وهم يعلمون" أي: يعلمون أن من تاب تاب الله عليه، ثم لا يستغفرون. قاله مجاهد وغيره.

ومراد المصنف الرد على المرجئة، حيث قالوا: لا حذر من المعاصي مع حصول الإيمان، ومفهوم الآية التي ذكرها يرد عليهم، لأنه تعالى مدح من استغفر لذنبه ولم يقم عليه، فمفهومه ذم من لم يفعل ذلك، وأدل على المراد من هذه الآية قوله تعالى:{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} اهـ.

ص: 319