الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ. قَالَ: "فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ" فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّه أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: "انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4210، م: 2406].
وَذكر حَدِيث الْبَراء قَالَ لعَلي: "أَنْت مني وَأَنا مِنْك" فِي "بَاب بُلُوغ الصَّغِير".
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
6090 -
[4] عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ. . . . .
ــ
وقوله: (أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ ) أي: أحاربهم حتى يكونوا مسلمين.
وقوله: (انفذ) على وزن انصر من النفاذ، أي: امض، (على رسلك) بكسر الراء وسكون السين، أي: على رفقك وتُؤَدتك، و (الساحة) الناحية وفضاءٌ بين دور الحي، والمراد أرضهم.
وقوله: (حمر النعم) بسكون الميم: جمع أحمر، والإبل الحمر أنفس الأموال عند العرب، وقد صارت مثلًا في كل النفيس، وفيه أن تعليم علم يهدى به خير من بذل المال.
الفصل الثاني
6090 -
[4](عمران بن حصين) قوله: (إن عليًّا مني وأنا منه) أي: في النسب
وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 3712].
6091 -
[5] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. [حم: 4/ 368، ت: 3713].
6092 -
[6] وَعَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ، وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا وَعَلِيٌّ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 3719].
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي جُنَادَةَ. [حم: 4/ 164].
ــ
والمصاهرة والمسابقة والمحبة وغير ذلك من المزايا والخصوصيات، لا في محض القرابة، وإلا فجعفر وعقيل شريكان.
وقوله: (وهو ولي كل مؤمن) أي: حبيبه وناصره، وهذا إشارة إلى [أن] قوله تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الآية [المائدة: 55] نزل في علي رضي الله عنه.
6091 -
[5](زيد بن أرقم) قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) أي: ناصره، سيجيء هذا الحديث في (الفصل الثالث) مفصلًا، ونشرحه هناك إن شاء اللَّه تعالى.
6092 -
[6](حبشي بن جنادة) قوله: (وعن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة وشين معجمة في آخره ياءٌ مشددة، (ابن جنادة) بضم الجيم وخفة النون.
وقوله: (ولا يؤدي عني إلا أنا وعلي) لما فرض الحج أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه بأن يحج بالناس، ثم بعث بعد خروجه عليًّا لينبذ على المشركين والمنافقين عهدهم، ويقرأ عليهم سورة براءة، وكان من عادة العرب إذا كان بينهم مقاولة في صلح
6093 -
[7] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ عَلِيٌّ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَلم تُؤاخِ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. [ت: 3720].
6094 -
[8] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَيْرٌ فَقَالَ: "اللهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي هَذَا الطَّيْرَ" فَجَاءَهُ عَلِيٌّ فَأَكَلَ مَعَهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [ت: 3721].
ــ
وعهد ونقض وإبرام لا يؤدي إلا سيد القوم أو من يليه من ذوي قرابته القريبة، ولا يقبلون ممن سواهم، وقال هكذا تكريمًا له رضي الله عنه.
6093 -
[7](ابن عمر) قوله: (آخى بين أصحابه) وفي رواية أخرى: (بين المهاجرين والأنصار)، وكانوا تسعين رجلًا من كل طائفة خمسة وأربعون، على الحق والمواساة والتوارث، وكان ذلك إلى أن نزل ببدر قوله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} الآية [الأنفال: 75]، وكان ذلك بعد قدومه بخمسة أشهر.
6094 -
[8](أنس) قوله: (كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير) أي: مشويٌّ يأكله.
وقوله: (بأحب خلقك) أوله الشارحون بأن المراد: من أحب خلقك، أو أحب خلق اللَّه من بني عمه، أو بأحب خلقك إليه من ذوي القرابة القريبة، أو من هو أولى وأقرب وأحق بإحسان إليه، وهذا الوجه الأخير أقرب وأوفق بالمقام، هكذا قالوا، ولقد أتى الشيخ ابن حجر في (كتاب الصواعق) في الاعتذار عن التأويل لهذا الحديث بكلام مليح فصيح طويل، وقال: نحن وإن كنا لا نجهل بحمد اللَّه فضل علي رضي الله عنه وقدمه وسوابقه في الإسلام، واختصاصه برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقرابته القريبة ومؤاخاته إياه في الدين،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونتمسك من حبه بأقوى وأولى مما يدعيه الغالون فيه، فلسنا نرى أن نضرب عن تقرير أمثال هذه الأحاديث في نصابها صفحًا لما يُخشى فيها من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين، وهذا باب أمرنا بمحافظته وجيء أمرنا بالذب عنه، فحقيق علينا أن ننصر فيه الحق ونقدم فيه الصدق، وهذا حديث يريش به المبتدع سهامه ويوصّل به المنتحل جناحه فيتخذه ذريعة إلى الطعن في خلافة أبي بكر رضي الله عنه التي هي أول حكم أجمع عليه المسلمون في هذه الأمة، وأقوم عماد أقيم به الدين بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فنقول -وباللَّه التوفيق-: هذا الحديث لا يقاوم ما أوجب تقديم أبي بكر والقولَ بخيريته من الأخبار الصحاح منضمًّا إليها إجماع الصحابة لمكان سنده، فإن فيه لأهل النقل مقالًا، ولا يجوز حمل أمثاله على ما يخالف الإجماع، لا سيما والصحابي الذي يرويه ممن دخل في هذا الإجماع، واستقام عليه مدة عمره، ولم ينقل عنه خلافه، فلو ثبت عنه هذا الحديث فالسبيل أن يؤول على وجه لا ينتقض عليه ما اعتقده، ولا يخالف ما هو أصح منه متنًا وإسنادًا، وهو أن يحمل على أحد الوجوه المذكورة.
قال العبد الضعيف -عصمه اللَّه عما يطمه وصانه عما شانه-: إن من الظاهر أن الحديث غير محمول على الظاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم من جملة خلق اللَّه، وهو أحب الخلق إلى اللَّه من جميع الوجوه والحيثيات، فالمراد أهل زمان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الصحابة وغيرهم، إنما يكون من وجه واحد خاص أو وجوه متعددة مخصوصة، فلا حاجة إلى تخصيص الخلق بل إلى تخصيص الوجه أو الوجوه، فإنه ليس أحب وأفضل من جميع الوجوه سوى سيد المحبوبين وأفضل المخلوقين صلى الله عليه وسلم، ثم الكلام في الصحابة إنما هو في الأفضلية من جهة كثرة الثواب والأحبية وغيرها، كما في القول المشهور من بعض
6095 -
[9] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي، وَإِذَا سَكَتُّ ابْتَدَأَنِي. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. [ت: 3722].
6096 -
[10] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ: رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَرِيكٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الثِّقَاتِ غَيْرَ شَرِيكٍ. [ت: 3723].
ــ
العلماء في الفرق بين الأفضلية والأحبية، والمخلِّص في هذه المسألة اعتبار الوجوه والحيثيات، واللَّه أعلم.
6095 -
[9](علي) قوله: (وإذا سكت) أي: لم أسأل (ابتدأني) أي: أعطاني من غير مسألة، يقال: ابتدأني الشيء: فعله ابتداء، وهذا مقام المحبوبية.
6096 -
[10](وعنه) قوله: (أنا دار الحكمة وعلي بابها) قيل: لا شك أن العلم قد جاء منه صلى الله عليه وسلم من قِبَل باقي الصحابة، وليس منحصرًا في علي المرتضى رضي الله عنه، فلا بد أن يكونوا أبواب العلم، لكن لا بد للتخصيص من وجه بأن يكون متميزًا من سائر الأبواب بالسعة والفتح والعظمة ونحوها، واللَّه أعلم.
واعلم أن المشهور من لفظ الحديث في هذا المعنى (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها)، وقد تكلم النقاد فيه، وأصله عن أبي الصلت عبد السلام وكان شيعيًا، وقد تكلِّم فيه، وصحح هذا الحديث الحاكم وحسنه الترمذي، وضعفه آخرون، ونسبه إلى الوضع طائفة، ونحن ننقل ما ذكره علماؤنا في ذلك بعباراتهم وإن كانت مشتملةً على التكرار، فنقول:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الشيخ مجد الدين الشيرازي اللغوي صاحب (القاموس) في (نقد الصحيح): حديث: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في (الموضوعات) من عدة طرق وجزم ببطلان الكل، وقال مثل ذلك جماعة، وعندي في ذلك نظر كما سنبينه، والمشهور برواية أبي الصلت عبد السلام بن صلاح الهروي، عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعبد السلام هذا ضعفوه جدًا واتهم بالرفض، ومع ذلك فقد روى عباس بن محمد الزوزني في سؤالاته يحيى بنَ معين أنه سأله عن أبي الصلت هذا فوثقه، فقال: أليس قد حدث (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، وكذلك روى صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة، وأبو الصلت محمد بن محرز عن يحيى بن معين أيضًا، وفي رواية أبي الصلت بن محرز قال يحيى في هذا الحديث: هو من حديث أبي معاوية أخبرني ابن نمير، قال: حدث به أبو معاوية قديمًا ثم كف عنه، وكان أبو الصلت الهروي رجلًا موسرًا يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ، يعني فخصه أبو معاوية بهذا الحديث، فقد برئ عبد السلام عن عهدة هذا الحديث، وأبو معاوية الضرير حافظ يحتج بأفراده كابن عيينه وغيره، ليس هذا الحديث من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول، بل هو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث:(أرأف أمتي أبو بكر) الحديث، وقد حسنه الترمذي وصححه غيره، ولم يأت من تكلم على حديث (أنا مدينة العلم) بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين، والحكم عليه بالوضع باطل قطعًا، إنما سكت أبو معاوية عن روايته شائعًا لغرابته لا لبطلانه، إذ لو كان كذلك لم يحدث به أصلًا مع حفظه وإتقانه، وللحديث طريق أخرى رواها الترمذي في (جامعه)(1) عن إسماعيل بن موسى الفزاري، عن محمد بن عمر بن الرومي،
(1)"سنن الترمذي"(3723).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن شريك بن عبد اللَّه، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن أبي عبد اللَّه بن الصنابحي، عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا دار الحكمة وعلي بابها)، وتابعه أبو مسلم الكجي وغيره على روايته عن محمد بن عمر بن الرومي، ومحمد هذا روى عنه البخاري في غير الصحيح، ووثقه ابن حبان وضعفه أبو داود، وقال الترمذي بعد سياق الحديث: هذا حديث غريب، وقد روى بعضهم هذا عن شريك ولم يذكر فيه الصنابحي، ولا يعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريك، قلت: فلم يبق الحديث من أفراد محمد الرومي، وشريكٌ احتج به مسلم وعلق له البخاري، ووثقه ابن معين والعجلي، وزاد: حسن الحديث، وقال عيسى بن يونس: ما رأيت أحدًا قط أورع في علمه من شريك، فعلى هذا يكون تفرده حسنًا، ولا يَرِدُ عليه رواية من أسقط الصنابحي منه؛ لأن سويد ابن غفلة تابعي مخضرم، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وسمع، فيكون ذكر الصنابحي فيه من باب المزيد في متصل الأسانيد، والحاصل أن الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتج به، ولا يكون ضعيفًا فضلًا عن أن يكون موضوعًا، ولم أجد لمن ذكره في الموضوعات طعنًا مؤثرًا في هذين السندين، وباللَّه التوفيق (1)، انتهى كلام الشيخ مجد الدين.
وقال السخاوي في (المقاصد الحسنة)(2): حديث: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، ذكره الحاكم في المناقب من (مستدركه)، والطبراني في (معجمه الكبير)، وأبو الشيخ ابن حبان في (السُّنة) له وغيرهم، كلهم من حديث أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن
(1) انظر: "النقد الصحيح لما اعترض من أحاديث المصابيح"(ص: 53 - 55).
(2)
"المقاصد الحسنة"(ص: 169).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا به، بزيادة:(فمن أتى العلم فليأت الباب)، ورواه الترمذي في المناقب من (جامعه)، وأبو نعيم في (الحلية)، وغيرهما من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أنا دار الحكمة وعلي بابها).
قال الدارقطني في (العلل) عقب ثانيهما: إنه حديث مضطرب غير ثابت، وقال الترمذي: إنه منكر، وكذا قال شيخه البخاري، وقال: إنه ليس له وجه صحيح، وقال ابن معين فيما حكاه الخطيب في (تاريخ بغداد): إنه كذب لا أصل له، وقال الحاكم عقب أولهما: إنه صحيح الإسناد، وأورده ابن الجوزي من هذين الوجهين في (الموضوعات)، ووافقه الذهبي وغيره على ذلك، وأشار إلى هذا ابن دقيق العيد بقوله: هذا الحديث لم يثبتوه، وقيل: إنه باطل، وهو مشعر بتوقفه فيما ذهبوا إليه من الحكم بكذبه، بل صرح العلائي بالتوقف في الحكم عليه بذلك، فقال: وعندي فيه نظر، ثم بين ما يشهد لكون أبي معاوية راوي حديث ابن عباس حدث به، فزال المحذور ممن هو دونه، قال: وأبو معاوية ثقة حافظ يحتج بأفراده كابن عيينة وغيره، فمن حكم على الحديث مع ذلك بالكذب فقد أخطأ، وقد أخرج الديلمي في (مسنده) بسند ضعيف جدًا عن ابن عمر مرفوعًا:(علي بن أبي طابى باب حطة فمن دخل فيه كان مؤمنًا، ومن خرج منه كان كافرًا)، ومن حديث أبي ذر رفعه:(علي باب علمي ومبينٌ لأمتي ما أرسلْتُ به من بعدي، حبه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه عبادة)، ومن حديث ابن عباس رفعه:(أنا ميزان العلم، وعلي كفَّتاه، والحسن والحسين خيوطه)، الحديث، وأورد صاحب (الفردوس) وتبعه ابنه المذكور بلا إسناد عن ابن مسعود رفعه:(أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعلي بابها)، انتهى كلام (المقاصد الحسنة).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي (فصل الخطاب من كتاب الأنساب) للإمام عبد الكريم بن محمد السمعاني رحمه الله في ترجمة الهروي: أبو الصلت عبد السلام بن صالح بن سليمان الهروي، مولى عبد الرحمن بن سمرة، أدرك حماد بن زيد ومالك بن أنس وسفيان بن عيينه وغيرهم، وكان صاحب قشافة وزهد، قدم مرو أيام المأمون، فلما سمع كلامه جعله من الخاصة من إخوانه، وكان أبو الصلت يرد على أهل الاهواء من المرجئة، والجهمية، والزنادقة، والقدرية، وكان يعرف بالتشيع، وقال أحمد بن سيار المروزي: ناظرته فلم أره يُفْرِط، ورأيته يقدم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان لا يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالجميل، وكان يقول: هذا مذهبي الذي أدين اللَّه به. وقال يحيى بن معين: أبو الصلت ثقة صدوق إلا أنه يتشيع. وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أبو الصلت ليس بثقة. توفي أبو الصلت في شوال سنة ست وثلاثين ومئتين.
وأيضًا في (الأنساب)(1): قال أبو حاتم بن حبان: وهو الذي روى عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت من قبل الباب)، وهذا شيءٌ لا أصل له، ليس من حديث ابن عباس ولا مجاهد ولا الأعمش ولا أبو معاوية حدث به، وكل من حدث بهذا المتن فإنه سرقه من أبي الصلت هذا، انتهى كلام (فصل الخطاب)، وفيه الطعن في الحديث فقط، لكن الكلام الجامع من مهرة الفن ما ذكرناه قبل، ولعل ذلك هو الصواب، ولكن لا يقتضي ذلك الحصر في هذا الباب، وهذا باب خاص ومخصوص بدخول العلم، فقد جاء:(أقضاكم علي) ولكل من الخيرات والمبرات والأنوار والأسرار
(1)(1/ 505).
6097 -
[11] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا يَوْمَ الطَّائِفِ فَانْتَجَاهُ، فَقَالَ النَّاسُ: لَقَدْ طَالَ نَجْوَاهُ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا انْتَجَيْتُهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ انْتَجَاهُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 3726].
6098 -
[12] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: "يَا عَلِيُّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي. . . . .
ــ
التي أشرقت وظهرت من شمس النبوة لها مظاهر ومحالٌّ متعددة بل لا تعدُّ ولا تحصى، فإنه شمس فضل هم كواكبها، يظهرون أنوارها للناس في الظلم، (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، وفي الحقيقة لمسألة الفضيلة وجوه وحيثيات، وهذا هو المخلص والمسلك في هذا الباب، واللَّه أعلم بالحق والصواب، وإليه المرجع والمآب.
6097 -
[11](جابر) قوله: (يوم الطائف) الظاهر أن المراد: يوم غزوة الطائف.
وقوله: (فانتجاه) أي: قال معه نجوى، والمناجاة: المسارَّة، انتجى القوم وتناجوا، أي: تسارُّوا، وانتجيته: إذا خصصته بمناجاتك، والاسم النجوى، وقوله تعالى:{وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [الإسراء: 47] فجعلهم نجوى، وإنما النجوى فعلُهم، كذا في (الصحاح)(1).
وقوله: (ما انتجيته ولكن اللَّه انتجاه) أي: ما خصصته بمناجاتي من عند نفسي، ولكن اللَّه أمرني أن أنتجيه فانتجيته امتثالًا لأمر اللَّه تعالى.
6098 -
[12](أبو سعيد) قوله: (لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري)
(1)"الصحاح"(6/ 2503).
وَغَيرُكَ" (1)، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ: فَقُلْتُ لِضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ: مَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرَكَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. [ت: 3727].
6099 -
[13] وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشًا فِيهِمْ عَلِيٌّ قَالَتْ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَقُولُ: "اللهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُرِيَنِي عَلِيًّا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 3737].
ــ
يحتمل أن يكون (يجنب) بتقدير (أنْ) فاعل (لا يحل)، و (في هذا المسجد) ظرف (يجنب)، والمراد: أن يمر جنبًا فيه، وأن يكون (يجنب) صفة (أحد)، ويقدر قبل قوله:(في هذا المسجد): يمر، وذلك لأنه كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولعلي رضي الله عنه باب وممر في المسجد، ويجوز لمن كان له باب في المسجد مروره منه جنبًا، ولهذا قيده بقوله:(هذا المسجد) احترازًا عن سائر المساجد.
وقوله: (لضرار) بكسر المعجمة وخفة الراء الأولى، و (صرد) بضم المهملة وفتح الراء.
6099 -
[13](أم عطية) قوله: (لا تمتني) لعله كان في آخر أمره صلى الله عليه وسلم حيث كمل الدين، وإلا فكان بقاؤه صلى الله عليه وسلم إلى كمال أمر الدين حتمًا مقضيًّا، أو كان قبل أن يوحى إليه ذلك، أو كان مكثُ علي رضي الله عنه إلى مدة عمره صلى الله عليه وسلم محتملًا، وذلك بعيد، فافهم، وفيه الدعاء لمن غاب حبيبه بالرجوع سالمًا.
(1) قال القاري (9/ 3941): بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالرَّفْعِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: خَبَرُ مُبْتَدَأ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُوَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ.