الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ادْفِنُوهُ فِي مَوضعِ فِرَاشِهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 1018].
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
5964 -
[9] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: "إِنَّهُ لَنْ يُقْبَضَ نَبِيٌّ حَتَّى يُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرَ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا نزَلَ بِهِ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ:"اللهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". قُلْتُ: إِذَنْ لَا يَخْتَارُنَا. قَالَتْ: وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّهُ لَنْ يُقْبَضَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرَ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلهُ: "اللهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4173، م: 2444].
ــ
الفصل الثالث
5964 -
[9](عائشة) قوله: (حتى يرى) بلفظ المجهول والمعلوم.
وقوله: (مقعده) منصوب على الوجهين.
وقوله: (فلما نزل به) قال النووي (1): ضبطناه بضم نون وكسر زاي، أي: نزله ملك الموت، وفي أكثرها بفتحات، وفي رواية:(فلما نزلت)، قال في (المشارق) (2): يريد منيته.
وقوله: (فكان آخر كلمة. . . إلخ)، قالوا: وكان أول كلمة تكلم بها وهو مسترضع عند حليمة: اللَّه أكبر.
(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 12).
(2)
"مشارق الأنوار"(2/ 9).
5965 -
[10] وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "يَا عَائِشَةُ! مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، وَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 4165].
5966 -
[11] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ". فَقَالَ عُمَرَ: قَدْ غُلِبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهُم يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ،
ــ
5965 -
[10](وعنها) قوله: (أوان) يجوز فيه الرفع والفتح؛ لأن الظروف المضافة إلى الجملة يجوز بناؤها، فإن أُعْرِب كان مرفوعًا لأنه خبر المبتدأ، وسقوط التنوين للإضافة، وإن بني كان مبنيًّا على الفتح، و (الأبهر) عرق فيه وريد العنق يتعلق به القلب.
5966 -
[11](ابن عباس) قوله: (قال: لما حضر) بلفظ المجهول، أي: حضره الموت وكان ذلك يوم الخميس، وعاش بعد ذلك إلى يوم الاثنين، فلا يخلو الكلام عن تجوز.
وقوله: (اكتب لكم كتابًا) قيل: كان أراد أن يكتب تعيين واحد من الصحابة للخلافة لئلا يقع نزاع بينهم، وأراد عمر رضي الله عنه التخفيف على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند شدة الوجع.
وقوله: (حسبكم كتاب اللَّه) خطاب لمن نازعه في ذلك، وقد عرف رضي الله عنه أن ذلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأمر لم يكن جزمًا منه، بل دعا لمصالحهم، وكان أصحابه إذا أمر بشيء غير جازم يراجعونه وكان يتركه برأيهم، ولو كان الأمر مما لا بد منه لما ترك ذلك بسبب اختلافهم، وكان عمر خشي أن يكون ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم شاقًّا عليهم موجبًا لوقوع الفتن بينهم، فلذلك أشار إلى أن تركه أولى، فتركه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مثل ما مر في أول الكتاب من إرساله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بأن يبشر الناس أن من قال: لا إله إلا اللَّه دخل الجنة، فمنعه عمر لئلا يتكلوا فتركه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقيل: إن عمر رضي الله عنه خشي تطرق المنافقين ومن في قلبه مرض لما يكتب في ذلك الكتاب في الخلوة، وأن يقولوا في ذلك الأقاويل كادعاء الوافضة الوصية وغير ذلك، وقالت طائفة: إن معنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مجيبًا في هذا الكتاب لما طلب منه لا أنه ابتدأ بالأمر به بل اقتضاه منه بعض أصحابه فأجاب رغبتهم، وكره ذلك غيرهم للعلل التي ذكرناها، كذا قال القاضي عياض في (الشفا)(1) واللَّه أعلم.
وقال البيهقي: قد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر، ثم ترك ذلك اعتمادًا على ما علم من تقدير اللَّه تعالى، وعلى أنهم لا يجاوزون ذلك، كما قال: يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر كما يأتي من حديث البخاري وقدمناه في شرح الترجمة، وادعاء الشيعة أن غرضه صلى الله عليه وسلم كان كتابة الوصية لعلي رضي الله عنه لا يخلو عن تناقض، إذ هم يقولون: إن استخلافه رضي الله عنه ثبت بنص قطعي يوم غدير خم، فلا حاجة إلى كتابة الآن، بل هذه الكتابة ربما ينظر إلى أنه لم تثبت قبل ذلك وصيته وخلافته رضي الله عنه، فافهم. والمراد بأهل البيت من كان في البيت حينئذٍ، ولم يرد أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)"الشفا بتعريف حقوق المصطفى"(2/ 433، 437).
فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُومُوا عَنِّي". قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابنُ عباسٍ يَقُول: إِنَّ الرَّزِيئَةَ كُلَّ الرَّزِيئَةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.
وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الأَحْوَلِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى. قُلْتُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ فَقَالَ: "ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا"، فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُغٌ
ــ
و(اللغط) بفتح اللام وسكون الغين المعجمة ويحرك: الصوت أو أصوات مبهمة لا تفهم، و (الرزيئة) المصيبة بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ثم همزة على وزن الخطيئة، وقد تسهل وتشدد الياء.
وقوله: (يوم الخميس) خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف.
وقوله: (ثم بكى) يحتمل أن يكون البكاء لتذكر وفاته صلى الله عليه وسلم وتجدد الحزن عليه، أو لفوات ما فات في معتقده من الخير.
وقوله: (قلت: يا ابن عباس) قائله سعيد بن جبير الراوي عن ابن عباس، وظاهر عبارة المؤلف يقتضي أن قائله سليمان وليس كذلك، وهذا ظاهر من سياق (صحيح البخاري).
وقوله: (أبدًا) ربما ينظر إلى أن المراد كان كتابة الأحكام تفصيلًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (ولا ينبغي عند نبي تنازع) هو من جملة الحديث المرفوع، ويحتمل أن يكون مدرجًا من قول ابن عباس، والصواب الأول، فقد تقدم في (كتاب العلم) بلفظ:
فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ، فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: "دَعُونِي ذَرُونِي،
ــ
(ولا ينبغي عندي التنازع)، كذا قال الشيخ (1).
وقوله: (ما شأنه أهجر؟ ) بألف الاستفهام، أي: اختلط كلامه بسبب المرض، قالوا ذلك إنكارًا على من قال: لا يكتبها، أي: لا تجعلوا أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كأمر من هجر في كلامه، ولا يجوز أن يكون بمعنى هذي وفحش؛ لأن القائل بعدم الكتابة عمر رضي الله عنه، ولا يظن به ذلك حتى ينكر، وفي ظاهر كلام القاضي عياض دلالة على جواز إرادة ذلك، وهو صحيح لأن المقصد النفي والإنكار.
وفي رواية: (هجر) بلا استفهام، ولا يصح إلا أن يقال: بحذف حرف الاستفهام، قال في (المشارق) (2): قوله: أهجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كذا هو الصحيح بفتح الهاء، أي: هذي، والهجر: الهذيان، وككلام المبرسم والنائم، وكذلك يقال في من كثر كلامه وجاوز حده، يقال منه: هجر، وقول هذا في حقه صلى الله عليه وسلم إنما يصح على طريق استفهام التقرير والإنكار لمن ظن ذلك به إذ لا يليق به الهذيان، ولا قول غير مضبوط في حالة من حالاته صلى الله عليه وسلم؛ لأن جميع ما يتكلم به حق وصحيح ولا سهو فيه ولا خلف ولا غلط في حال صحته ومرضه ونومه ويقظته ورضاه وغضبه، إلا أن يتأول هجر أيضًا على المعنى الأول، وحذف ألف الاستفهام، وجاء في رواية: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يهجر.
وعند أبي ذر: هُجِرَ على ما لم يسم فاعله، وعند غيره: هجر بفتحها، وعند
(1)"فتح الباري"(8/ 133).
(2)
"مشارق الأنوار"(1/ 449، 451).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مسلم في حديث أبي إسحاق: يهجر، وفي رواية قبيصة: هجر، وأكثر الروايات فيه أهجر بألف الاستفهام على ما قررناه وهو الأظهر والأولى، وكذا وقع عند البخاري من رواية ابن عيينة، وجل الرواة في حديث الزهري، وفي حديث محمد بن سلام عن ابن عيينة، وكذا ضبطه الأصيلي بخطه في كتابه من هذه الطرق، وهذا أرفع للإشكال وأقرب لفظًا للصواب.
وقد يتأول (هجر) على ما قدمناه، وقد يكون ذلك من قائله دهشًا لعظيم ما شاهد من حال النبي صلى الله عليه وسلم واشتداد الوجع به -كما جاء في الحديث- وعظيم الأمر الذي كانت فيه المخالفة حتى لم يضبط كلامه ولا ثقفه ولم يضبط لفظه، وأجرى الهجر مجرى شدة الوجع كما جاء في الرواية الأخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، لا أنه اعتقد أنه يجوز عيه الهجر، كما حملهم الإشفاق على حراسته، واللَّه تعالى يقول:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]، وكما اتفق لعمر رضي الله عنه من أنه لم يمت، هذا كلامه في (المشارق).
وقال في (الشفا)(1): قال أئمتنا في هذا الحديث: النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم من الأمراض وما يكون من عوارضها من شدة وجع وغشي ونحوه مما يطرأ على جسمه، ومعصوم أن يكون منه من القول أثناء ذلك ما يطعَن في معجزته ويؤدي إلى فساد في شريعته من هذيان أو اختلال في كلام، وعلى هذا لا يصح رواية من روى في الحديث: هجر، إذ معناه هذي، وإنما الأصح والأولى: أهجر، على طريق الإنكار على من قال: لا يكتب، وهكذا الروايات، وقد تحمل عليه رواية من روى: هجر على حذف ألف الاستفهام، أو أن يحمل قول القائل: هجر، دهشة من قائل ذلك لعظيم ما شاهد
(1)"الشفا بتعريف حقوق المصطفى"(2/ 432، 434).
فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ". فَأَمَرَهُمْ بِثَلَاثٍ: فَقَالَ: "أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ". وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا، قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا مِنْ قَولِ سُلَيْمَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6932، م: 1637].
ــ
من حال الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة وجعه، وهو المقام الذي اختلف فيه عليه، والأمر الذي همّ بالكتاب فيه.
وقوله: (فالذي أنا فيه خير) يعني: مراقبة الحق والتأهب للقائه خير مما أنتم فيه من النزاع والخلاف واللغط.
وقوله: (من جزيرة العرب) عرف تحديد جزيرة العرب في أول الكتاب في (باب الوسوسة)، و (أجيزوا) من الإجازة بمعنى إعطاء الجائزة وهي العطية (الوفد) سواء كانوا مؤمنين أو كافرين.
وقوله: (وسكت) أي: ابن عباس، وقائل هذا الكلام سعيد بن جبير الراوي عن ابن عباس، فيكون هو الناسي، ثم قيل: الثالثة تجهيز جيش أسامة بن زيد إلى أبنى بضم الهمزة ناحية بالبلقاء، وقال: سر إلى موضع مقتل أبيك بهذا الجيش فأوطئهم الخيل وحرق عليهم، وكان لأربع ليال بقين من صفو سنة إحدى عشرة، وهي آخر سرية جهزها النبي صلى الله عليه وسلم فصدع صلى الله عليه وسلم وعقد بنفسه لواء، وقال:(اغز في سبيل اللَّه)، فخرج وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزاة حتى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فتقاول الناس. . . الحديث، فاشتد وجعه صلى الله عليه وسلم ولم يتسر (1) فكانت وقعة وفاته صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد بالثالثة قوله: (لا تتخذوا قبري
(1) كذا في الأصل.
5967 -
[12] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتُهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ. فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: إِنِّي لَا أَبْكِي أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ، فَجعلَا يَبْكِيَانِ مَعهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2454].
5968 -
[13] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، حَتَّى أَهْوَى نَحْوَ الْمِنْبَرِ، فَاسْتَوَى عَلَيْهِ وَأَتْبَعْنَاهُ، قَالَ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى الْحَوْضِ مِنْ مَقَامِي هَذَا"، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ عَبْدًا عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا فَاخْتَارَ الآخِرَةَ"، قَالَ: فَلَمْ يَفْطِنْ لَهَا أَحَدٌ. . . . .
ــ
وثنًا يعبد).
5967 -
[12](أنس) قوله: (إلى أم أيمن) بفتح الهمزة والميم مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أم أسامة بن زيد، وكانت حاضنته صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (فلما انتهينا) هكذا في أكثر النسخ بلفظ التكلم مع الغير كان أنسًا كان معهما في الانطلاق، وفي بعضها:(انتهيا) بلفظ التثنية.
وقوله: (أني) بالفتح بتقدير حرف الجر، أي: لأجل أني لا أعلم.
وقوله: (فهيجتهما) أي: أم أيمن أو هذه الكلمة منها.
5968 -
[13](أبو سعيد الخدري) قوله: (فلم يفطن) فطن به وله من سمع ونصر وكرم.
غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: بَلْ نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا وأمَّهاتِنا وَأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ هَبَطَ فَمَا قَامَ عَلَيْهِ حَتَّى السَّاعَةِ. رَوَاهُ الدَّارمِيُّ. [دي: 1/ 215].
5969 -
[14] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ قَالَ: "نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي"، فَبَكَتْ، قَالَ:"لَا تَبْكِي، فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لَاحِقٌ بِي"، فَضَحِكَتْ، فَرَآهَا بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَ: يَا فَاطِمَةُ! رَأَيْنَاكِ بَكَيْتِ ثُمَّ ضَحِكْتِ، قَالَتْ: إِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نفسُهُ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ لِي: لَا تَبْكِي فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لَاحِقٌ بِي فَضَحِكْتُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: . . . . .
ــ
وقوله: (حتى الساعة) أي: إلى القيامة.
5969 -
[14](ابن عباس) قوله: (نعيت إلي نفسي) أي: أُنْهِيَ إلي نعي نفسي، أي: خبر موتي.
وقوله: (فإنك أول أهلي لاحق بي) الصحيح أنها عاشت بعده ستة أشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: ثلاثة، وقيل: سبعين يومًا، وقيل: شهرين، والمراد بـ (بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) عائشة رضي الله عنها كما جاء صريحًا في رواية أخرى، وفي التعبير بالبعض تعظيم لشأنها كقوله:{وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253].
وقوله: (فقلن) أيضًا للتعظيم، لكن الجمع في غير التكلم للتعظيم نادر، بل غير واقع، ويحتمل أنه لم يتعين عند الراوي أنها كانت واحدة أو أكثر، واللَّه أعلم.
وقوله: (قالت: إنه أخبرني) وجاء في بعض الروايات: أن فاطمة رضي الله عنها لم تخبرها بذلك وقالت: إنه سر بيني وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا أخبر به أحدًا، ثم أخبرت بعد وفاته.
"إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ". رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ. [دي: 1/ 216].
ــ
وقوله: (وجاء أهل اليمن) لما كان نعيه صلى الله عليه وسلم في سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ذكر مجيء أهل اليمن إشارة إلى ما هو المراد بقوله تعالى: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ} [النصر: 2].
وقوله: (هم أرق أفئدة) في (القاموس)(1): التفؤد: التحرق، والتوقد، ومنه: الفؤاد للقلب، وجمعه أفئدة، ذكره في المهموز، وقال: والفواد بالفتح والواو غريب، انتهى. وزاد في رواية:(وألين قلوبًا)، وفي (مجمع البحار) (2): فيه تفنن على اتحاد القلب والفؤاد، وقيل: الفؤاد: وسط القلب أو غشاؤه، أقوال، والقلب حبته وسويداؤه، وأريد بالرق واللين الخشية وسرعة الإجابة، والتأثر بقوارع التذكير، والسلامة عن غلظ وقساوة.
وقوله: (والإيمان يمان) أي يمني، وفعال بالكسر كلمة النسبة، وقالوا: الألف فيه عوض عن إحدى يائي النسبة، وقيل: قدمت إحدى اليائين وقلبت أَلْفًا، وهذا أوجه لتقديم الألف، وكذلك يمانية بتخفيف الياء، والألف فيه عوض، وحكي التشديد، وقال عياض (3): معنى نسبته إلى اليمن أن الإيمان بدأ من مكة، ومكة من تهامة، وتهامة من أرض اليمن.
وقال أبو عبيد: المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل، فنسب الإيمان
(1)"القاموس المحيط"(ص: 290).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 90).
(3)
"مشارق الأنوار"(2/ 519).
5970 -
[15] وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: وَارَأْسَاهُ! ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ"،
ــ
إليهم مبالغة في مدحهم لكونهم أنصاره، وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم:(إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن) لوجود التنفيس والتفريح من جانبهم، وقال الشيخ أبو عمر: بل المراد أهل اليمن كلهم كما هو الظاهر، نُسِبَ الإيمان إليهم إشعارًا بكماله فيهم، وليس ذلك نفيًا له عن غيرهم، فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: الإيمان في أهل الحجاز.
ثم المراد به الموجودون في ذلك العصر لا كل أهل اليمن في كل أحيان، كذا في (شرح ابن الملك)(1)، وقيل: قاله بتبوك، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد الحرمين، انتهى. ولا يخفى أن سياق الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في مرضه إلا أن يقال: هذا حديث آخر أدخله الراوي في هذا الحديث لمناسبة ذكر النعي وسورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، واللَّه أعلمْ.
5970 -
[15](عائشة) قوله: (وارأساه) هو تفجع من شدة صداع الرأس، وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية؛ لأنه قد يسكت وهو شاك، وقد يذكره وهو راض، وقال الطيبي (2): ندبت نفسها وأشارت إلى الموت، انتهى. كأنه حمل الرأس على الذات كما جاء في هذه الأعضاء ويلائم هذا المعنى بسياق الحديث، ومع ذلك لا بعد في الحمل على المعنى الأول باعتبار استلزام المرض الموت، ويؤيده ما يأتي في الحديث الآتي من قولها: وأنا أجد صداعًا.
وقوله: (ذاك لو كان) بكسر الكاف، أي: إن حصل موتك.
(1) انظر: "مرقاة المفاتيح"(11/ 120).
(2)
"شرح الطيبي"(11/ 189).
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلَيَاهْ! وَاللَّهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعْرِسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ! لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدُ. . . . .
ــ
وقوله: (واثكلياه) بفتح المثلثة وضمها: الموت، والهلاك، وفقدان الحبيب أو الولد، وفي (مجمع البحار) (1): واثكلياه إما ندبة للثكل مصدر واللام مكسورة، وإما لثكلى صفة واللام مفتوحة، واثكل أمياه بضم ثاء وسكون كاف وبفتحهما، وليست حقيقة الكلام مرادة، بل هو كلام مجرى على ألسنتهم عند التوجع والتعجب، و (ظللت) بكسر اللام من الأفعال الناقصة.
وقوله: (معرسًا) من الإعراس وعرس وأعرس: بنى على زوجته، ثم استعمل في كل اجتماع، وفي (مجمع البحار) (2): وروي من التعريس، والمقصود أنك تفرغت لغيري ونسيتني.
وقوله: (بل أنا وارأساه) إضراب، أي: أعرضي عن حكاية وجع رأسك ودعي ما تجدين من وجع رأسك، واشتغلي بوجع رأسي، إذ لا بأس عليك وأنت تعيشين بعدي، عرفه بالوحي.
وقوله: (لقد هممت) استطراد بذكر ما يقع بعد وفاته من خلافة أبي بكر، وتطييب لقلب عائشة وتبشير لها.
وقوله: (أن أرسل إلى أبي بكر وابنه) وهو عبد الرحمن، أي: أطلبهما عندي، و (أعهد) أي: أوصي أبا بكر بالخلافة وأجعله ولي عهدي.
(1)"مجمع بحار الأنوار"(1/ 296).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 559).
أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5342].
5971 -
[16] وَعَنْهَا: قَالَتْ: رَجَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جَنَازَةٍ مِنَ الْبَقِيعِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا، وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهْ! قَالَ: "بَلْ أَنَا يَا عَائِشَةُ! وَارَأْسَاهْ" قَالَ: "وَمَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ؟ " قُلْتُ: لَكَأَنِيِّ بِكَ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَرَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَعَرَّسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بُدِيءَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ. [دي: 1/ 217].
ــ
وقوله: (أن يقول) أي: كراهة أن يقول قائل: لم يعهد رسول اللَّه إلى أبي بكر، أو يقول: أنا أحق منه بالخلافة، أو يتمنى أحد الخلافة لنفسه أو يتمنى أن يكون غيره خليفة.
وقوله: (ثم قلت) هذا من تتمة كلام الرسول، أي: ما أرسلت وما عهدت وتركت الإيصاء، وقلت:(يأبى اللَّه) أن يكون غيره خليفة ولا يريده (ويدفع المؤمنون) خلافة غيره، ولا يجمعون إلا عليه لما عندهم من دلائل خلافته، من ذلك استخلافي إياه في إمامة الصلاة، وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وإخبار عن الغيب بما سيقع، فكان كما قال.
5971 -
[16](وعنها) قوله: (وما ضرك) وما بعده خطابات لعائشة رضي الله عنها كما أن الخطابات في قول عائشة رضي الله عنها لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واللام في (لكأني) جواب قسم محذوف.
وقوله: (بدئ) بلفظ المجهول، أي: أوقع البداية.
5972 -
[17] وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: بَلَى حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جِبْرَئِيلُ فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ تَكْرِيمًا لَكَ، وَتَشْرِيفًا لَكَ، خَاصَّةً لَكَ يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، يَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: "أَجِدُنِي يَا جِبْرَئِيلُ! مَغْمُومًا، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرَئِيلُ! مَكْرُوبًا"، ثُمَّ جَاءَ الْيَوْمَ الثَّانِي، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَدَّ أَوَّلَ يَوْمٍ، ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رَدَّ عَلَيْهِ، وَجَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ، يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ عَلَى مِئَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، كُلُّ مَلَكٍ عَلَى مِئَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ جِبْرَئيِلُ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ،
ــ
5972 -
[17](جعفر بن محمد) قوله: (أجدني يا جبرئيل مغمومًا) لعل الغم والكرب لأجل الأمة والدين ماذا يقع وعلى ما يكون الأمر بعده.
وقوله: (يقال له: إسماعيل) قال السيوطي في (الحبائك في أخبار الملائك)(1): هو صاحب سماء الدنيا، وقال: أخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه قال: إن في السماء ملكًا يقال له: إسماعيل، لو أُذِنَ له فَفَتَحَ أُذُنًا من آذانه فسبح الرحمن لمات من في السماوات والأرض.
وقوله: (فسأله عنه، ثم قال جبرئيل: هذا ملك الموت) تقدير الكلام: سأل
(1)"الحبائك في أخبار الملائك"(ص: 64)، و"العظمة" لأبي الشيخ (2/ 750).
مَا اسْتَأْذَنَ عَلَى آدَمِيِّ قَبْلَكَ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدَمِيٍّ بَعْدَكَ. فَقَالَ:"ائْذَنْ لَهُ" فَأَذِنَ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، فَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ رُوحَكَ قَبَضْتُ، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهُ تَرَكْتُهُ، فَقَالَ:"وَتَفْعَلُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، بِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأُمِرْتُ أَنْ أُطِيعَكَ. قَالَ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرَئيِل عليه السلام، فَقَالَ جِبْرَئيِلُ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَلَكِ الْمَوْتِ:"امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ"، فَقَبَضَ رُوحَهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ سَمِعُوا صَوْتًا مِنْ ناحِيَةِ الْبَيْتِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هالكٍ، ودَركًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ،
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن إسماعيل من هو؟ فقال جبرئيل عليه السلام: هو ملك كذا وكذا، ثم قال جبرئيل عليه السلام: هذا ملك الموت يستأذن عليك، كأنه قد حضر ملك الموت في الساعة، فاشار جبرئيل عليه السلام، وقال السيوطي: وأخرج البيهقي في (الدلائل)(1) بلفظ: فلما كان اليوم الثالث هبط إليه جبرئيل عليه السلام معه ملك الموت، ومعهما ملك في الهواء، يقال له: إسماعيل على سبعين ألف ملك، كل ملك منهم على سبعين ألف ملك.
وقوله: (في اللَّه عزاءً من كل مصيبة) العزاء بفتح المهملة: الصبر، والتعزية حمل الغير على ذلك، فقيل: المراد بالعزاء هنا التعزية إقامة للاسم مقام المصدر، والتقدير أن في كتاب اللَّه تعزية وتسلية من كل مصيبة إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّا لِلَّهِ
(1)"دلائل النبوة"(7/ 211).
فَبِاللَّهِ فَاتَّقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هُوَ الْخَضِرُ عليه السلام. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ". [دلائل النبوة: 7/ 268].
* * *
ــ
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، ويجوز أن يكون التقدير في دين اللَّه، أي: شرع فيه وحرض عليه في دين الإسلام، وقيل: المصدر بمعنى اسم الفاعل، والتركيب من باب التجريد، أي: إن اللَّه معز ومسل، نحو: وفي الرحمن للضعفاء كاف، أقول: ويجوز أن يكون العزاء على معناه، أي: في ثواب اللَّه والنظر إليه حاملًا على الصبر من كل فائت وعلى كل مصيبة، ولعل هذا هو المراد من قول من قال: التقدير أن في لقاء اللَّه تسلية وتصبرًا من كل مصيبة، أو المراد بلقاء اللَّه الموت كما هو المشهور، فافهم. وقيل: المراد أن اللَّه يكفي عن كل شيء ولا يكفي عنه شيء، ويناسبه قرينتاه.
وقوله: (فباللَّه فاتقوا) وفي بعض النسخ: (فَثِقُوا) وهو الأشهر، والفاء الأول فصيحة، والثانية لتأكيد الربط نحو قوله تعالى:{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56]، والباء على النسخة الأولى للاستعانة وعلى الثانية صلة (اتقوا).
وقوله: (فقال علي) يعني: علي بن أبي طالب، وصرح به في (الحصن الحصين)، وقيل: المراد علي زين العابدين، و (الخضر) بفتح فكسر، ويجوز إسكان الضاد مع فتح الخاء وكسرها، وحياته في ذلك الزمان ثابت بلا خلاف، وإنما خالف من خالف بعد رأس المئة.