المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(28) كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق

- ‌1 - باب النفخ في الصور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الحشر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الحساب والقصاص والميزان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الحوض والشفاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب صفة الجنة وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رؤية اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب صفة النار وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب خلق الجنة والنار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(29) كتاب الفضائل والشمائل

- ‌1 - باب فضائل سيد المرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المبعث وبدء الوحي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب في المعراج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب في المعجزات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الكرامات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(30) [كتاب المناقب]

- ‌1 - باب مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب مناقب الصحابة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب مناقب أبي بكر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب مناقب عمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مناقب عثمان رضي الله عنه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب مناقب هؤلاء الثلاثة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب مناقب علي بن أبي طالب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب مناقب العشرة رضي الله عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي اللَّه عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب جامع المناقب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي "الْجَامِعِ" لِلْبُخَارِيِّ:

- ‌13 - باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب ثواب هذه الأمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

‌12 - باب جامع المناقب

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

6196 -

[1] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ، لَا أَهْوِي بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: . . . . .

ــ

فضلًا وكرامة وسببًا لفصاحتها.

12 -

باب جامع المناقب

ذكر فيه مناقب بعض الصحابة من غير تخصيص بطائفة منهم مخصوصة مترجمة بترجمة مخصوصة كالعشرة وأهل البيت والمهاجرين والأنصار.

الفصل الأول

6196 -

[1](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (سرقة) أي: قطعة، وسبق معناه في الباب السابق.

وقوله: (لا أهوي بها إلى مكان) بكسر الواو هوى يهوي من ضرب هَوِيًّا بالفتح مشددًا: إذا هبط، وهُويًا بالضم: إذا صعد، ولم يفرق بينهما صاحب (العين)، وجعلهما لغتين، ويجيء بمعنى الإسراع، هوت الناقة: أسرعت، ومنه:{تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ} [الحج: 31] أي: تمر به في سرعة، وبمعنى السقوط، هوى الشيء: سقط، والعقاب: انقضت على صيد أو غيره.

والباء في (إلا طارت بي) للتعدية، والمعنى: لا أقصد ولا أريد الهبوط والصعود إلى مكان في الجنة إلا كانت تلك السرقة مطيرة بي ومبلّغة إياي إلى ذلك المكان،

ص: 739

"إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالحٌ" أَوْ: "إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالحٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7015، 2478].

6197 -

[2] وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلًّا وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. . . . .

ــ

فكأنها صارت مثل جناح الطير.

وقوله: (إن أخاك رجل صالح) أي: يبلغ صلاحه إلى ما يريد الوصول إلى المنازل الشريفة، ويصلح ويستعد للبلوغ إلى الكمالات والمقامات في الجنة.

6197 -

[2](حذيفة) قوله: (دلًّا وسمتًا وهديًا) الدل بفتح دال وشدة لام، والسمت بفتح السين وسكون الميم، والهدي بفتح الهاء وسكون الدال، ومنه:(رأيت امرأة أعجبني دلُّها) أي: حسن هيئتها، وقيل: حسن حديثها، كأنه مأخوذ مما يدل ظاهر حاله على حسن سريرته، وفي (القاموس) (1): الدل كالهدي: وهما من السكينة والوقار وحسن المنظر، وفي (مجمع البحار) (2): الدل: الشكل والشمائل، والسمت: الطريق القصد، ويستعار لطريق أهل الخير، وفي الحديث:(ويتسمت في ملاءته)، أي: يلزم طريقة أهل الخير في اشتمال الملحفة، وفي (القاموس) (3): السمت: الطريق وهيئة أهل الخير، والهدي: الطريقة والسيرة والهيئة.

وفي الحديث: (الهدي الصالح والسمت الصالح جزء من خمسة وعشرين من النبوة)، يعني أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء، وجزء معلوم من أجزاء أفعالهم،

(1)"القاموس"(ص: 900).

(2)

"مجمع بحار الأنوار"(2/ 199، و 3/ 115).

(3)

"القاموس"(ص: 142، 1210).

ص: 740

لِابْنُ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ إِذَا خَلَا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 6097].

6198 -

[3] وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ، فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نَرَى إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. . . . .

ــ

ولا يريد أن النبوة تتجزى، وتخصيص هذا العدد مما يستأثر النبي صلى الله عليه وسلم بمعرفته.

وبالجملة الثلاثة المذكورة عبارة عن حالة الإنسان من السكينة والوقار، وحسن السيرة والطريق، واستقامة الهيئة، و (ابن أم عبد) هو عبد اللَّه بن مسعود، كانت أمه تكنى بأم عبد.

وقوله: (لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا) جملة مستأنفة يريد: أنا نشهد له ما يستبين لنا من ظاهر حاله، ولا ندري ما بطن له، قال ذلك من غاية استغراب طريقته وحاله وحسنه وكماله، وأن هذه الطريقة والحال هل يستمر في أهله في الخلوة لأن الإنسان قد يتكلف في الظاهر عند الناس ولا يستقيم له ذلك في الباطن والخلوة بالأهل، وفي هذا غاية المبالغة في حسن حاله وطريقته بأن الاستقامة على مثل هذه الحال مما يصعب ويتعذر في الخلوة والملأ، مع ما كان عند حذيفة رضي الله عنه من خوف التكلف والتصنع والنفاق، وعنده علم المنافقين، وقد كان عمر رضي الله عنه يسأله: يا حذيفة هل تجد فينا من علامات النفاق، فافهم.

6198 -

[3](أبو موسى الأشعري) قوله: (ما نرى) بضم النون، أي: نظن، وهو حال من فاعل (مكثنا).

وقوله: (لما نرى من دخوله) بفتح النون، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أذن له أن يدخل

ص: 741

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3763، م: 2460].

6199 -

[4] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اسْتَقْرِؤُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمِ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3760، م: 2464].

6200 -

[5] وَعَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْداءِ. قُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَيَسَّرَكَ لِي، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: أَوَ لَيْسَ عنْدكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادَةِ وَالْمِطْهَرَةِ،

ــ

عليه إذا رأى واحدًا أو اثنين عنده.

6199 -

[4](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (استقرؤوا) أي: اطلبوا قراءة القرآن وتعلموه منهم.

6200 -

[5](علقمة) قوله: (من أنت؟ ) قيل: صوابه: مِن أين أنت؟ لقوله في الجواب: (من أهل الكوفة)، ولعل لفظ أين سقطت من القلم أو من بعض الرواة، أو صحِّف أين بـ (أنت)، ومن الجارة بـ (مَن) الاستفهامية، انتهى.

ويحتمل -واللَّه أعلم- أنه أسقط نفسه من مرتبة التعيين حتى يقول: أنا فلان، بل قال: أنا رجل من الكوفة.

وقوله: (صاحب النعلين والوسادة والمطهرة) بكسر الميم وسكون الطاء، يعني

ص: 742

وَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نبَيِّهِ؟ يَعْنِي عَمَّارًا، أَوَ لَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ يَعْنِي حُذَيْفَةَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3742].

6201 -

[6] وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُرِيْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ امْرَأَةَ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي فَإِذَا بِلَالٌ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2457].

ــ

كانت هذه الأشياء عنده كما يكون عند الخدام، والمقصود كونه خادمًا وملازمًا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحالات كلها في المجالس والخلوات.

وقوله: (أجاره اللَّه من الشيطان على لسان نبيه) فإنه صلى الله عليه وسلم سماه طيِّبًا مطيَّبًا، وبشره بالجنة، ودعا له حين حرقه المشركون بقوله:(يا نار كوني بردًا وسلامًا على عمار كما كنت على إبراهيم)، ولا يَبعد أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم:(يقتلك الفئة الباغية، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار) أيضًا في معنى إجارة اللَّه إياه من الشيطان باتباعه سبيل الهدى واستقامته على طريق الحق، ولم نجد الآن ما يدل على صريح ما يدل بلفظه على ذلك، واللَّه أعلم.

وقوله: (يعني حذيفة) وكان رضي الله عنه صاحب سر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعنده علم المنافقين.

6201 -

[6](جابر) قوله: (وسمعت خشخشة) في (القاموس)(1): الخشخشة: صوت السلاح، وكل شيء يابس إذا حُكَّ بعضُه ببعض.

(1)"القاموس"(ص: 533).

ص: 743

6202 -

[7] وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ نَفَرٍ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئونَ عَلَيْنَا. قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2413].

6203 -

[8] وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "يَا أَبَا مُوسَى! لَقَدْ أُعْطِيْتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5048، م: 793].

ــ

6202 -

[7](سعد) قوله: (اطرد هؤلاء) أي: ادفعهم وبعِّدهم وأقمهم عن مجلسك نحادثك.

وقوله: (ورجلان) قيل: هما خباب وعمار، وإنما قال:(لست أسميهما) لمصلحة في ذلك عند الرواية، وقيل: للنسيان، والأول أظهر من العبارة، كذا نقل عن (الأزهار).

وقوله: (فحدث نفسه) يعني: أراد أن يطردهم طمعًا في إيمان المشركين واستمالة لقلوبهم، وورد أنه صلى الله عليه وسلم قال:(ما أنا بطارد الذين آمنوا)، ثم رأى أن ينحيهم إذا جاؤوا فنزلت.

6203 -

[8](أبو موسى) قوله: (لقد أعطيت مزمارًا من مزامير آل داود) والمزمار بالكسر: آلة الزمر، وهو التغني، في (القاموس) (1): زمر يزمُر ويزمِر زَمْرًا

(1)"القاموس"(ص: 361).

ص: 744

6204 -

[9] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةٌ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ، قِيلَ لأَنسٍ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3810، م: 2465].

ــ

وزَمِيرًا: غنى في القصب، أطلق هنا على الصوت الحسن، ولفظ (آل) مقحمة؛ لأن الذي اشتهر بحسن الصوت هو داود عليه السلام نفسه لا آله، وقيل:(آل) هنا بمعنى الشخص، وعده في (القاموس)(1) من معنى الآل.

6204 -

[9](أنس) قوله: (جمع القرآن أربعة) أي: من الأنصار، بل من بين الخزرج منهم، وهم رهط أنس، قاله لما افتخرت الأوس بأربعة، منهم حنظلة الذي هو غسيل الملائكة، وعاصم بن ثابت الذي حمته الدَّبْر، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وسعد بن معاذ الذي اهتز له العرش، فقالوا: منا أربعة الذين هم جمعوا القرآن على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كذا قال الشيخ التُّوربِشْتِي (2)، ولو عمم فليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه؛ لأن مفهوم العدد غير معتبر كما قيل، وقد ثبت حفظ كثير من الصحابة منهم السبعون الذين قتلوا يوم اليمامة وغيرهم، وتمام الكلام فيه في (الإتقان)(3) للسيوطي.

وقوله: (وأبو زيد) الأنصاري، اختلف في اسمه، فقيل: سعد بن عمرو، وقيل: قيس بن السكن، والعمومة جمع العم كالأعمام والأَعُمِّ، كذا في (القاموس)(4).

(1) المصدر السابق (ص: 867).

(2)

"كتاب الميسر"(4/ 1345).

(3)

"الإتقان في علوم القرآن"(1/ 202).

(4)

"القاموس"(ص: 1039).

ص: 745

6205 -

[10] وَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةٌ، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"غُطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ". وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ. . . . .

ــ

6205 -

[10](خباب بن الأرت) قوله: (عن خباب) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة الأولى (ابن الأرت) بفتح الهمزة وتشديد المثناة الفوقية.

وقوله: (لم يأكل من أجره شيئًا) كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح، أي: عُجِّل إليه بعض ثوابه وأجره. و (النمرة) بفتح النون وكسر الميم: شملة فيها خطوط بيض وسوداء، وبردة من صوف يلبسها الأعراب، والنَّمُرة بالضم: النكتة من أيّ لون كان، وبه سمي السبع المعروف، وفي (مختصر النهاية) (1): كل شملة من مآزر الأعراب، وفي (المشارق) (2): هي شملة مخططة من صوف، وقيل: فيها أمثال الأهلة، وقيل: المرافق.

وقوله: (من أينعت له ثمرته) أي: أدركت وطابت، أينع الثمر يونع ويَنَع يَيْنع فهو مونعٌ ويانعٌ: إذا أدرك ونضج، كذا في (مجمع البحار)(3)، وفي (القاموس) (4):

(1) انظر: "النهاية"(5/ 118).

(2)

"مشارق الأنوار"(2/ 13).

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(5/ 206).

(4)

"القاموس"(ص: 700).

ص: 746

فَهُوَ يَهْدِبُهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1276، 3898، م: 940].

6206 -

[11] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ". وَفِي رِوَايَةٍ (1): "اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3803، م: 2466].

6207 -

[12] وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ لِينِهَا،

ــ

ينع الثمر كمنع وضرب يَنْعًا ويُنوعًا: حان قطافه، كأينع، واليانع: الثمر الناضج.

وقوله: (يهدبها) بالدال المهملة المسكورة، كذا في (الصحاح)(2)، وضبطه النووي بضم الدال، وحكى ابن التين تثليثها، أي: يجتنيها، هدب الثمرة: اجتناها.

6206 -

[11](جابر) قوله: (اهتز العرش لموت سعد) قيل: اهتزازه كناية عن فرحه ونشاطه بقدوم روحه إليه، وذلك إما حقيقة أو مجاز، والأول هو الصواب، فقد جعل اللَّه تعالى في الجمادات علمًا وتمييزًا، كما في قوله:(أحد جبل يحبنا ونحبه) إن جعل ذلك أيضًا حقيقة، وقيل: المراد فرح أهله، وقيل: جعل حركته علامة للملائكة على موته، وقيل: اهتزازه كناية عن عظم شأن وفاته، كما يقال: قامت القيامة بموت فلان، وقيل: اهتزازه لفقده ومصيبته كما يشير إليه قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ} [الدخان: 29]، وقد سبق الكلام فيه في أوائل الكتاب في (الفصل الثالث) من (باب إثبات عذاب القبر).

6207 -

[12](البراء) قوله: (ويتعجبون من لينها) وجاء في رواية: (وكانوا

(1) زاد بعده في نسخة: "قال".

(2)

"الصحاح"(1/ 237).

ص: 747

فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الجنَّةِ خيرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3802، 2468].

6208 -

[13] وَعَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَسٌ خَادِمُكَ ادعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ:"اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ" قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِئَةِ الْيَوْمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1982، م: 2480].

6209 -

[14] وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ: "إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3812، م: 2483].

ــ

يقولون: أنزلت عليه من السماء) لغاية تعجبهم وعدم رؤيتهم مثل ذلك قط.

وقوله: (لمناديل) هو جمع منديل بكسر الميم وفتحها وكمنبر: الذي تندل به اليد، أي: تمسح، وتمندل: تمسَّح، وأصله من الندل، وهو الوسخ، ندلت يده كفرح، وفي ذكر المناديل دون سائر الثياب مبالغة لا تخفى.

6208 -

[13](أم سليم) قوله: (إن مالي لكثير) وفي رواية: (وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين).

وقوله: (ولدي وولد ولدي) وفي رواية: أنه قال: رزقت من صلبي سوى ولد ولدي مئة وخمسة وعشرين، وقالت بنته: دفنت من أولاده الصلبية نحو مئة، وتمامه في ترجمته.

6209 -

[14](سعد بن أبي وقاص) قوله: (ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد)

ص: 748

6210 -

[15] وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الْخُشُوعِ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ وَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ،

ــ

الحديث، نفي سماعه لا يدل على نفي البشارة لغيره، فقد ثبت للعشرة ولغيرهم، كما ذكرنا، وقيل: قال سعد هذا القول بعد موت المبشَّرين، وكان عبد اللَّه بن سلام حينئذ باقيًا ولم يكن إذ ذاك إلا سعد وسعيد، ولم يذكر نفسه لنفي التزكية، ولم يسمع لسعيد خبر في ذلك، وأنه أراد هذا القائل بـ (أحد يمشي في الأرض) مَن كان حيًا في هذا الوقت وماشيًا فيه، والظاهر أنه للعموم والتأكيد، كقوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} [هود: 6]، ووقع عند الدارقطني (1):(ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي: إنه من أهل الجنة)، فتدبر.

6210 -

[15](قيس بن عباد) قوله: (وعن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة.

وقوله: (تجوز فيهما) أي: خفَّفهما، في (القاموس) (2): تجوز في الصلاة: خفف، وفي الكلام: تكلم بالمجاز.

وقوله: (واللَّه ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم) الظاهر أن المراد تصديقه إياهم فيما قالوا، يعني أنهم لما قالوا ذلك لابد أن يكون لهم علم بذلك، وأنا أيضًا

(1) لم أجده في "سنن الدارقطني"، وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(776).

(2)

"القاموس"(ص: 456).

ص: 749

فَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ؟ رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ -ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا- وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لِيَ: ارْقَهْ، فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَأَتَانِي مِنْصَفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي فرقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَاهُ، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ فَقِيلَ: اسْتَمْسِكْ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلَامُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسلَامِ،

ــ

أعلم شيئًا من ذلك، وهو أني (رأيت رؤيا)، الحديث، فهؤلاء إما علموا ذلك من هذه الرؤيا التي قصصتها على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهم سمعوها أو علموا من طريق آخر، وهذا مبني على أنه لم يسمع حديث سعد وهم سمعوه، ويحتمل أنه كره الثناء عليه تواضعًا وكراهة أن يشار إليه بالأصابع، فتوقف في خبرهم مع شيء من الإنكار، ويكون المقصد من قوله:(فسأحدثك لم ذاك؟ ) أن الذي وقع من ذلك هو هذه الرؤيا، وهو ليس بدليل قطعي، وهذا أيضًا تواضع وهضم للنفس وإلا فلا محل للشك والإنكار بعد ما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(فأنت على الإسلام حتى تموت).

وقيل: الأولى أن يقال: إنما أنكر لأنهم لم يسمعوا ذلك صريحًا بل قالوه استدلالًا واجتهادًا، فهو في مشيئة اللَّه تعالى، فتدبر.

وقوله: (وسطها) بسكون السين منصوب على الظرفية.

وقوله: (في أعلاه عروة) العروة في الأصل للدلو والكوز: مقبضهما، ويستعار لما يوثق به ويعول عليه، وهو المراد هنا. و (ارقه) أمر من رَقِيَ يرقى كسمع يسمع، والهاء للسكت أو ضمير عائد إلى العمود. و (المنصف) بكسر الميم وفتح الصاد المهملة،

ص: 750

وَتِلْكَ العُرْوَةُ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ"، وَذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3813، م: 2484].

6211 -

[16] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ خَطِيبَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، جَلَسَ ثَابِتٌ فِي بَيْتِهِ وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ:"مَا شَأْنُ ثَابِتٍ أَيَشْتَكِي؟ " فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ ثَابِتٌ: . . . . .

ــ

ويقال: بفتح الميم، والكسر أشهر بمعنى الخادم، من نَصَفْتُه: إذا خدمته، والنَّصْف كالضرب: الخدمة، وفي حديث داود عليه السلام:(دخل المحراب وأقعد على الباب مِنْصفًا).

وقوله: (تلك العروة العروة الوثقى) إشارة إلى قوله تعالى: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256]، وجاء في رواية أخرى:(يموت عبد اللَّه وهو آخذ بالعروة الوثقى)(1).

وقوله: (وذلك الرجل عبد اللَّه بن سلام) الظاهر أنه من قول قيس بن عباد، وقيل: هو قول عبد اللَّه بن سلام، ولا مانع من أن يخبر به عن نفسه، ولكن هذا لا يلائم سَوق الحديث.

6211 -

[16](أنس) قوله: (ابن شماس) بفتح الشين وتشديد الميم في آخره مهملة.

(1)"صحيح البخاري"(7010).

ص: 751

أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَذَكرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 119].

6212 -

[17] وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَزَلَتْ سُورَةُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] قَالُوا: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ:"لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4897، م: 2546].

ــ

وقوله: (فأنا من أهل النار) رتب في نص القرآن حَبْط العمل على رفع الصوت على صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من خواص الردة وأهل النار.

وقوله: (بل هو من أهل الجنة) وجاء في رواية أخرى: (أما ترضى يا ثابت أن تعيش حميدًا فتقتل شهيدًا وتدخل الجنة)، ووقع مصداق ذلك أنه قتل باليمامة شهيدًا، وقال أنس رضي الله عنه: لما كان يوم قتال مسيلمة الكذاب تحنط ولبس كفنه، فقاتل حتى قتل في كفنه.

6212 -

[17](أبو هريرة) قوله: (قال) أي: الراوي.

وقوله: (لو كان الإيمان عند الثريا. . . إلخ)، وفي رواية:(لو كان الدين معلقًا بالثريا لناله رجل أو رجال من فارس) على شك الراوي، فإن كانت الرواية (رجل) فالمراد سلمان، وإن كانت (رجال) فالمراد هو وأضرابه من أهل فارس أو من العجم مطلقًا، والمقصد أن المراد بالذين لم يلحقوا بهم أهل العجم من التابعين لحقوا بالصحابة، وأكثر التابعين من أهل العجم، والصحابة من العرب، ولقد ظهر بسطة

ص: 752

6213 -

[18] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا" يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ "وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِم الْمُؤمنِينَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2491].

6214 -

[19] وَعَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو: أَن أَبَا سُفْيَان أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا: مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: . . . . .

ــ

العلم والاجتهاد في التابعين ما لم يظهر في غيرهم.

6213 -

[18](وعنه) قوله: (اللهم حبب) أمر من التفعيل، أي: اجعله محبوبًا.

وقوله: (وحبب إليهم المؤمنين) هكذا بضمير الجمع في نسخ (المشكاة) و (صحيح مسلم)، وذلك إما باعتبار أن أقل الجمع اثنان، أو المراد أهلهما وأولادهما من ينسب إليهما، أو تنزيلًا لهما منزلة الجماعة كتنزيل إبراهيم منزلة الأمة، وقد جعل في نسخة مصححة:(إليهما) بضمير التثنية بعد ما كان في أصل النسخة: (إليهم) بضمير الجمع، ولعله من تصرف الناسخ من غير مراجعة إلى الأصول، واللَّه أعلم.

6214 -

[19](عائذ بن عمرو) قوله: (وعن عائذ) بالذال المعجمة بلفظ اسم الفاعل من العوذ.

وقوله: (إن أبا سفيان أتى) هذا الإتيان كان من أبي سفيان وهو كافر بعد صلح الحديبية لما نقض المشركون العهد، فأتى أبو سفيان المدينة ليجدد العهد، فأعرض عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يقبل ذلك، فرجع إلى مكة خائبًا خاسرًا، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لفتح مكة.

ص: 753

أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:"يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ" فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2504].

6215 -

[20] وَعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3784، م: 74].

ــ

وقوله: (أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ ) لعله قال ذلك دفعًا لإثارة الشر وتأليفًا لقلبه.

وقوله: (فأتى) أي: أبو بكر، (فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم. . . إلخ)، وفي رواية:(أدرك يا أبا بكر فإنك إن آذيتهم فقد آذيت رب العرش)، أو كما قال.

(قالوا: لا) نفي لإغضابه إياهم، و (يغفر اللَّه لك) دعاء له، وفيه شائبة توهم من ذلك، يعني وإن كان شيء من ذلك غفر اللَّه لك وتجاوز عنك. و (يا أخي) يروى مصغرًا ومكبرًا، والظاهر: يا أخانا، ولعله حكاية قول كل أحد، أو قال ذلك واحد منهم، ونسبة القول إلى الكل على وتيرة قولهم: قتله بنو فلان، وفيه من تعظيم شأن الفقر والفقراء واستغنائهم وسطوتهم ما لا يخفى، وإن الصحابة كلهم كانوا سواء في أخوة الإسلام.

6215 -

[20](أنس) قوله: (آية الإيمان حب الأنصار) جمع ناصر أو نصير، واللام للعهد، والمراد أنصار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، وقد صار علمًا لهم، وأطلق على أولادهم وحلفائهم ومواليهم، وكان نصرتهم وإيواؤهم النبي صلى الله عليه وسلم موجبًا لمعاداة كفار العرب والعجم إياهم، فلذا جاء التحذير عن بغضهم، والترغيب

ص: 754

6216 -

[21] وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3784، م: 75].

6217 -

[22] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّ ناسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ فَطَفِقَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِئَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَدَعُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ،

ــ

في حبهم.

6216 -

[21](البراء) قوله: (لا يحبهم إلا مؤمن) حصر محبتهم في المؤمنين، فلذلك صارت علامة للإيمان، وكذا بغضهم.

6217 -

[22](أنس) قوله: (ما أفاء) في هذا الإبهام تفخيم وتكثير لما أفاء، فإن الفيء الحاصل منهم كان عظيمًا كثيرًا مما لا يعدُّ ولا يحصى، وجاء في الروايات: ستة آلاف من السبي، وأربع وعشرون [ألفًا من] الإبل، وأربعة آلاف أوقية من الفضة، وأكثر من أربعين ألف شاة، وفي رواية: كان كثرة الشياه على حد يفوته الحصر.

وقوله: (يعطي رجالًا من قريش) وهم أهل مكة من مُسلمة الفتح المؤلفة القلوب، أي: يعطي كل واحد منهم المئة من الإبل أكثر وأكثر من ذلك، كما جاء في الأخبار.

وقوله: (وسيوفنا تقطر من دمائهم) من باب القلب، وفيه من المبالغة

ص: 755

فَحُدِّثَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ "، فَقَالَ فُقَهَاؤُهُمْ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُناسٌ مِنَّا حَدِيثةٌ أَسْنَانُهُمْ قَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَدَعُ الأَنْصَارَ وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي أُعطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم". قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3147، م: 1059].

ــ

ما لا يخفى، كقوله:

كما طيَّنْتَ بالفَدَنِ السِّيَاعا (1)

ويجوز أن يكون التقدير: تقطر منها، ويكون (من دمائهم) فاعل (تقطر)، و (من) زائدة أو تبعيضيه، فلا يكون قلبًا.

وقوله: (من أدم) بفتحتين: الجلد، وكذا الأديم، أو هو أحمره أو مدبوغه، والأدم اسم للجمع، كذا في (القاموس)(2).

وقوله: (ولم يدع) بفتح الدال وجزم العين، أو سكون الدال ورفع العين.

(1) الفدن: القصر، والسياع: الطين، والبيت للقطامي يصف ناقة، وصدره:

فلما أن جرى سِمَنٌ عليها

انظر: "مغني اللبيب"(ص: 913).

(2)

"القاموس"(ص: 969).

ص: 756

6218 -

[23] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ،

ــ

6218 -

[23](أبو هريرة) قوله: (لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار) أي: لولا فضيلة الهجرة وشرافة نسبتها لانتسبت إلى الأنصار وديارهم ولانتقلت عن اسم المهاجرين إلى الأنصار.

وفيه بيان إكرام الأنصار، وفضل نسبة النصرة، ومع ذلك فيه إشارة إلى أفضلية الهجرة وجلالة رتبة المهاجرين، لأنهم هجروا الأوطان وتركوا الأموال والأهل والأولاد نصرة للَّه ورسوله، والنصرة والإيثار والإيواء فضيلة كاملة، لكنهم ساكنون في أوطانهم وأحبائهم، فلا فضل بعد الهجرة إلا للنصرة، ولا بعد المهاجرين إلا للأنصار.

وقيل: المراد: إني إنما أمتاز عنهم بالهجرة، ولولا الهجرة لكنت داخلًا فيهم ومساويًا لهم ومثلهم، وفيه تواضع عظيم ورفع لمنزلتهم.

وقوله: (ولو سلك الناس واديًا) الحديث، الوادي: مفرج بين جبال أو تلال أو آكام، والجمع أوداء وأودية، و (الشعب) بكسر الشين: الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن [أرضٍ]، أو ما انفرج بين الجبلين، وقد يقال: أراد بالوادي والطريق الرأي والمذهب، يريد حسن موافقتهم لما شهد منهم من حسن الوفاء وحسن الجوار، لا اتِّباعه لهم لأنه المتبوع المطلق، والناس كلهم أتباع له، و (الشعار) ما يلي الجسد من الثياب لِلُصوقهِ بالشعر، شبه الأنصار به لاتصالهم به، وقربتهم إليه صلى الله عليه وسلم، و (الدثار) ما فوقه كالرداء، تدثر بالثوب: اشتمل به.

ص: 757

إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 4330].

6219 -

[24] وَعَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ". فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ. . . . .

ــ

وقوله: (إنكم سترون بعدي أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة، وبضم الهمزة وسكون المثلثة، وقد تفتح، اسم من آثر يؤثر لمعنى الاستئثار والاختيار، أي: يُستأثر عليكم في أمور الدنيا ويفضَّل عليكم غيركم، أي: أمراؤكم يفضلون عليكم في الإمارة من هو أدنى منكم، وقد وقع ذلك بعده صلى الله عليه وسلم خصوصًا في زمن عثمان رضي الله عنه ومن بعده.

وقوله: (فاصبروا) على هذه الشدة والابتلاء ولا تخالفوهم، روي أنه قد جاء بعض الأنصار إلى معاوية شاكيًا من بعض المهاجرين فلم يُشْكِه، فقال الأنصاري: صدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون بعدي أثرة)، فقال معاوية: فبماذا أمركم؟ قال: بالصبر، قال: فافعلوا ما أمرتم به واصبروا.

وقوله: (حتى تلقوني على الحوض) بشارة لهم بالجنة جزاءً لصبرهم.

6219 -

[24](عنه) قوله: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) قاله يوم الفتح حين أسلم أبو سفيان، قال العباس: إنه رجل يحب الفخر فاجعل له شيئًا، فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وقيل: إن أبا سفيان قد آمن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومًا في داره في أيام موادعة قريش فكان ذلك مكافأة له منه صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (فقالت الأنصار) القائل بذلك أناس منهم حديثة أسنانهم، والمراد ما عليه جَبِلة البشرية من الميل إلى العشيرة والأقارب، فنزل الوحي بما تقاولوا،

ص: 758

وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، كَلَّا إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وإلَيْكُمْ، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ" قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قُلْنَا إِلَّا ضِنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: "فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيُعْذِرَانِكُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1780].

6220 -

[25] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى صِبْيَانًا وَنِسَاءً مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: . . . . .

ــ

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (كلا) أي: ليس الأمر كما توهمتم من العمل بمقتضى البشرية، وأشار بقوله:(إني عبد اللَّه ورسوله) أن هاتين الصفتين تقتضيان أن لا أفعل إلا ما أمرني اللَّه به، ثم قال تسلية لهم:(هاجرت إلى اللَّه) أي: إلى ثوابه، (وإليكم) أي: إلى دياركم، (المحيا محياكم والممات مماتكم) أي: لا أفارقكم في الحياة والممات.

وقوله: (إلا ضنًّا باللَّه ورسوله) الضِّنُّ والضِّنَّة بالكسر: البخل، من ضَنَّ يضن بالكسر والفتح.

وقوله: (باللَّه) أي: بنعمته وفضله علينا، (وبرسوله) أي: بشرف جوارك وصحبتك خشية على ذلك بميلك إلى بلدك وأقاربك.

وقوله: (يعذرانكم) بضم الياء وسكون العين من أعذره: إذا قبل اعتذاره، يعني: أن اللَّه تعالى قبل اعتذاركم وصدقكم فيما تقولون من دعوى الضنية.

6220 -

[25](أنس) قوله: (صبيانًا ونساء) من الأنصار.

ص: 759

"اللهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، اللهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ" يَعْنِي الأَنْصَارَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3785، م: 2508].

6221 -

[26] وَعَنْهُ قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ بِمَجْلِسٍ من مجَالِس الأَنْصَار وهم يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمْ؟ فَقَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَّا، فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وقَدْ عَصَّبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَر وَلَمْ يَصْعَدْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي،

ــ

وقوله: (اللهم) أي: أنت تعلم صدقي فيما أقول في حق الأنصار، ثم خاطبهم بقوله:(أنتم).

6221 -

[26](أنس) قوله: (فقالوا: ذكرنا مجلس النبيّ) كان ذلك في مرضه صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (فإنهم كرشي وعيبتي) الكرش بفتح الكاف وكسر الراء لكل مجتر: بمنزلة المعدة للإنسان، والعيبة بفتح العين المهملة وسكون المثناة وفتح الموحدة: ما يجعل فيه الثياب، وفي (القاموس) (1): زبيل من أدم، ومن الرجل: موضع سره، والمراد أنهم بطانته وموضع سره ومعتمده، واستعار الكرش والعيبة لذلك لأن المجتر يجمع علفه في كرشه، والرجل يضع ثيابه في عيبته، والعرب قد تكني عن القلب والصدر بالعيبة.

وقيل: أراد أنهم جماعتي وصحابتي، يقال: كرش الناس لجماعة منهم، ومن

(1)"القاموس"(ص: 110).

ص: 760

وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3799].

6222 -

[27] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ! فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَلْيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3628].

ــ

معاني الكرش: عيال الرجل وصغار ولده.

وقوله: (وقد قضوا الذي عليهم) إشارة إلى ما عاهدوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة من النصرة، وبذل المهج والأموال بأن لهم الجنة، وهو المراد من قوله:(وبقي الذي لهم).

6222 -

[27](ابن عباس) قوله: (ويقل الأنصار) لأنه لا بدل لهم لأنهم الذين آووا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونصروه، وهذا أمر قد انقضى زمانه، كذا قال التُّوربِشْتِي (1)، وقال الطيبي (2): هذا المعنى قائم في حق المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، فالظاهر أنه إخبار من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكثرة المهاجرين وأولادهم، وتبسطهم في البلاد وتملكهم إياها بخلاف الأنصار، فإنه يقل وجودهم بموتهم وعدم بقاء أولادهم، وقد وقع ما أخبر، هذا تقرير الطيبي، ومع قطع النظر عن الأولاد يمكن أن يكون المراد كثرة وجود المهاجرين وبقاؤهم دون الأنصار، واللَّه أعلم.

(1)"كتاب الميسر"(4/ 1349).

(2)

"شرح الطيبي"(12/ 335).

ص: 761

6223 -

[28] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2506].

6224 -

[29] وَعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3789، م: 2511].

6225 -

[30] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا. . . . .

ــ

6223 -

[28](زيد بن أرقم) قوله: (ولأبناء أبناء الأنصار) ظاهره تخصيص طلب المغفرة إلى مرتبتين: الأبناء وأبناء الأبناء، ولو حمل على آخر مراتب الأبناء بالغًا ما بلغ إلى مدة بقائهم لم يبعد، بل لو حمل الأبناء على معنى الأولاد كان له وجه.

6224 -

[29](أبو أسيد) قوله: (أبي أسيد) بصيغة التصغير، وقيل: بفتح همزة فمكسورة.

وقوله: (وفي كل دور الأنصار) أي: قبائلهم، (خير) بمعنى أن الفضل حاصل في جميع قبائلهم وإن تفاوتت مراتبهم، فالخير في الأول بمعنى التفضيل، وفي الآخر بمعنى أصل الخيرية، في (الصراح) (1): خير نيكو ونيكوئي ونيكوتر.

6225 -

[30](علي) قوله: (أنا) من استعارة الضمير المرفوع للمنصوب،

(1)"الصراح"(ص: 175).

ص: 762

وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ -وَفِي رِوَايَة: أَبَا مَرْثَدٍ بَدَلَ الْمِقْدَادِ- فَقَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوا مِنْهَا"، فَانْطَلَقْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَة، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ. . . . .

ــ

و(أبا مرثد) بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة. و (خاخ) بخائين معجمتين: موضع بقرب المدينة من جهة مكة، وخاخ يصرف ويمنع. و (الظعينة) المرأة في الهودج.

وقوله: (تتعادى) أي: تسارع من العدو.

وقوله: (لتخرجن) بكسر الجيم بلفظ المخاطبة من الإخراج، (أو لنلقين الثياب) بالنون بلفظ المتكلم من الإلقاء، كذا في نسخ (البخاري)، ويؤيده ما فيه في (باب من شهد بدرًا) بلفظ:(لتخرجن الكتاب أو لنجردنك)، وفي بعض النسخ:(لتلقين) بالتاء وكسر الياء وفتحها، أما الكسر فظاهر كما في (لتخرجن)، وأما الفتح فبلفظ الغائبة على طريقة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، كذا في الحواشي، وفي بعضها:(لتلقن) بحذف الياء.

وقوله: (من عقاصها) بكسر العين جمع عقيصة وهي الضفيرة، وفي رواية:(من حجزتها) بضم المهملة وسكون الجيم وبالزاي، وهو معقد الإزار، وقد يجمع بينهما بأن عقاصها كانت طويلة بحيث تصل إلى حجزتها.

وقوله: (من حاطب) بالحاء المهملة وكسر الطاء (ابن أبي بلتعة) بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح المثناة.

ص: 763

إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَنْ مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُمْ قَرَابَةٌ يحْمُونَ بهَا أَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رِضًى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ"، فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: . . . . .

ــ

وقوله: (فإذا فيه: من حاطب) أي: مكتوب منه، وليست هذه العبارة كتبت في أول المكتوب، فافهم.

وقوله: (إلى ناس من المشركين) الظاهر أنه من كلام الراوي، وضعه موضع إلى فلان وفلان، لأن حاطبًا كتب تطييبًا لقلوبهم واستمالة لها، فكيف يكتب إلى ناس من المشركين! .

وقوله: (يخبرهم) حال منه، تقديره: كتب حاطب هذا حال كونه مخبرًا إياهم (ببعض أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) وهو توجهه إلى أهل مكة للفتح، ولم يعلم به أحدًا وكتمه.

وقوله: (ملصقًا في قريش) أي: كنت حليفًا لهم، وقيل: كان عبدًا لهم.

وقوله: (أن أتخذ) مفعول (أحببت)، والمراد باليد [يد] إنعام أو قدرة.

وقوله: (فقال عمر: دعني يا رسول اللَّه أضرب عنق هذا المنافق) لعل في بيان القصة تقديمًا وتأخيرًا، لأن قول عمر هذا بعد تصديق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به بعيد.

ص: 764

"إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ". وَفِي رِوَايَةٍ: "فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6259، م: 2494].

6226 -

[31] وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ ". قَالَ: "مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ" أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 3992].

6227 -

[32] وَعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ". . . . .

ــ

وقوله: (وما يدريك لعل اللَّه اطلع) أي: أيّ شيء يعلمك أنه مستحق للقتل، لعل اللَّه اطلع على أهل بدر، أي: نظر إليهم بنظر الرحمة والمغفرة، وأما الترجي فقيل: هو راجع إلى عمر؛ لأن وقوع هذا الأمر محقق عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن ذلك لئلا يتكل من شهد بدرًا على ذلك وينقطع عن العمل، والمراد بقوله:(اعملوا ما شئتم) إظهار العناية والترخص لهم في كل فعل، لا حقيقة الأمر بكل ما شاؤوا وإن كان حرامًا ومعصية.

6226 -

[31](رفاعة بن رافع) قوله: (وعن رفاعة) بكسر الراء.

وقوله: (ما تعدون) أي: ممن تَعدون، ليطابق قوله:(من أفضل المسلمين، قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة) أي: نعدّهم من أفضل الملائكة.

6227 -

[32](حفصة) قوله: (إن شاء اللَّه) للترغيب والتفويض إلى مشيئة

ص: 765

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]؟ قَالَ: "فَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72] ". وَفي رِوَايَةٍ: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تحتهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2496].

6228 -

[33] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِئَةٍ. قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4154، م: 1856].

ــ

اللَّه تعالى تأدبًا لا للشك، واللَّه أعلم.

وقوله: ({ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}) فتكون بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم، ويمرون عليها كالبرق الخاطف والريح العاصفة، وهذا هو المراد بنفي الدخول، ويكون للأتقياء، وأهل بدر والحديبية منهم.

وقوله: (الذين بايعوا تحتها) بيان لـ (أصحاب الشجرة) أو بدل عنها.

6228 -

[33](جابر) قوله: (ألفًا وأربع مئة) ويقال: ألفًا وخمس مئة، وقيل: ألف وثلاث مئة، والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربع مئة، فمن قال: ألفًا وخمس مئة جبر الكسر، ومن قال: ألفًا وأربع مئة ألقاه، ويؤيده رواية البراء: ألف وأربع مئة أو أكثر، وأما رواية: ألف وثلاث مئة فيمكن حملها على ما اطلع هو عليه، واطلع غيره على زيادة مئتين لم يطلع هو عليه، والزيادة من الثقة مقبولة، وأما قول ابن إسحاق: كانوا سبع مئة، فلم يوافقه أحد عليه، وجاء في رواية: ألف وست مئة وفي أخرى: ألف وسبع مئة، واللَّه أعلم.

ص: 766

6229 -

[34] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَصْعَدِ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ". فَكَانَ (1) أَوَّلَ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا خَيْلُ بَنِي الْخَزْرجِ، ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"كُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الأَحْمَرِ". فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا: تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2880].

ــ

6229 -

[34](جابر) قوله: (ثنية المرار) بضم الميم، وقد يكسر ويفتح والضم هو الأشهر، قال في (القاموس) (2): ثنية المرار بالضم: مهبط الحديبية، وصلوا إليها ليلًا عام الحديبية فرغبهم في صعودها، واللَّه أعلم بالحكمة فيه، وقال: من يصعدها (فإنه يحط عنه ما حط) أي: مثل ما حط (عن بنى إسرائيل) يريد قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58]، فإن بني إسرائيل أمروا بعد أن أخرجوا من التيه، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، بدخول قرية من الشام اسمها أريحا ودخول بابها سجدًا، وبالدعاء وبطلب حطة الذنوب عنهم ليغفر عنهم خطاياهم، لكنهم بدلوا بما أمروا به من التوبة والاستغفار طلب ما يشتهون من أعراض الدنيا، فأنزل عليهم العذاب.

وقوله: (فكان أول من صعدها) منصوب على أنه خبر كان، و (خيلنا) بالرفع اسمه، أي: كان خيلنا أولَ خيلِ مَن صعدها، والمراد بالخيل الرجال مجازًا.

وقوله: (تتام) بلفظ الماضي تفاعل من التمام على وزن تماد، أي: جاؤوه

(1) في نسخة: "وكان".

(2)

"القاموس"(ص: 428).

ص: 767