المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(28) كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق

- ‌1 - باب النفخ في الصور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الحشر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الحساب والقصاص والميزان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الحوض والشفاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب صفة الجنة وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رؤية اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب صفة النار وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب خلق الجنة والنار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(29) كتاب الفضائل والشمائل

- ‌1 - باب فضائل سيد المرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المبعث وبدء الوحي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب في المعراج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب في المعجزات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الكرامات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(30) [كتاب المناقب]

- ‌1 - باب مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب مناقب الصحابة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب مناقب أبي بكر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب مناقب عمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مناقب عثمان رضي الله عنه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب مناقب هؤلاء الثلاثة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب مناقب علي بن أبي طالب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب مناقب العشرة رضي الله عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي اللَّه عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب جامع المناقب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي "الْجَامِعِ" لِلْبُخَارِيِّ:

- ‌13 - باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب ثواب هذه الأمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

5776 -

[1] عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ لِي أَسْمَاءً: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ،

ــ

الفصل الأول

5776 -

[1](جبير بن معطم) قوله: (أنا محمد وأنا أحمد) وزيد في بعض الروايات، وقد جاء في أسمائه صلى الله عليه وسلم محمود أيضًا، وكل ذلك مشتق من الحمد، فمحمود يدل على مطلق كونه محمود الذات والصفات في الدنيا والآخرة، ومحمد مبني عن صيغة التفعيل المبنية عن التضعيف والتكثير إلى عدد لا ينتهي له الإحصاء، فمحمد هو الذي يحمد حمدًا بعد حمد، ولا يكون مفعل إلا لمن تكرر منه الفعل مرة بعد أخرى.

وأحمد على صيغة أفعل المبنية عن الانتهاء إلى غاية ليس وراءها منتهى، فمعنى أحمد: أحمد الحامدين لربه، والأمر كذلك؛ لأنه يفتح عليه في المقام المحمود محامد لم يفتح على أحد قبله فيحمد ربه بها، ولذلك يعقد له لواء الحمد، ويجوز أن يكون أحمد بمعنى المفعول، فهو صلى الله عليه وسلم محمود على لسان الأولين والآخرين، وحمده اللَّه في كلامه القديم.

وهذا الاسم ذكره به عيسى وموسى عليهما السلام، وأما عيسى فكما في قوله تعالى:{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، وموسى حين قال له ربه: تلك أمة أحمد، فقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد، ومحمد (1) ومحمود اسم اللَّه سبحانه

(1) قوله: "ومحمد" كذا في الأصل، والظاهر حذفه.

ص: 252

وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ". وَالْعَاقِبُ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3532، م: 2354].

5777 -

[2] وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً فَقَالَ: "أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي،

ــ

سمى به حبيبه، واشتق منه لحبيبه اسمين: محمدًا وأحمد، وقال حسان بن ثابت:

أغر عليه للنبوة خاتم

من اللَّه من نور يلوح ويشهد

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليجله

فذو العرش محمود وهذا محمد

وقد قيل: إن هذا البيت الأخير لعمه أبي طالب أخرجه البخاري في (تاريخه الصغير) من طريق علي بن زيد ذكره صاحب (المواهب)(1)، واللَّه أعلم.

وقد ورد في حديث أنس بن مالك من طريق أبي نعيم: (إن اللَّه سماه بهذا الاسم قبل الخلق بألفي ألفي عام (2)).

وقوله: (وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي) يروى بلفظ الإفراد والتثنية، ومعناه أنا أول من تنشق عنه الأرض، فسمي حاشرًا؛ لأنه لما حشر أولًا تقدم الناس في ذلك كأنه سبب في حشرهم. و (العاقب) الذي يخلف من كان قبله في الخير كالعقوب، وهو في معنى خاتم الأنبياء.

5777 -

[2](أبو موسى الأشعري) قوله: (والمقفي) صحح بصيغة اسم الفاعل من التقفية، وكل شيء يتبع شيئًا فقد قفاه، فيكون من القفو، والمادة للتأخر والتبعية،

(1)"المواهب اللدنية"(1/ 453).

(2)

كذا في الأصول، وفي "المواهب":"بألفي ألف عام".

ص: 253

وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2355].

5778 -

[3] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟ يَشْتُمُونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 3533].

5779 -

[4] وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ،

ــ

ومنه قافية البيت، وقافية الرأس، والقفا: خلف الوجه، فيكون في معنى آخر الأنبياء وخاتمهم، ويكون العاقب والمقفي بمعنى واحد.

(ونبي التوبة) أي: تواب كثير التوبة حيث كان يستغفر كل يوم سبعين مرة أو مئة، وفي تحقيق هذا التوبة والاستغفار وجوه أحسنها أنه كان للأمة، ويجوز أن يكون المعنى الذي تاب على يده الناس ما لم يتب على يد أحد من الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، أو تاب اللَّه عليهم ببركته.

(ونبي الرحمة) لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] وقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]، وقوله:(أنا رحمة مهداة)، أو تراحم المؤمنون فيما بينهم ببركة ورحمة قوله تعالى:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

5778 -

[3](أبو هريرة) قوله: (يشتمون مذممًا وأنا محمد) كان المشركون يسمون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مذممًا ويشتمونه، فقال رسول اللَّه تعالى صلى الله عليه وسلم:(قد دفع اللَّه عني شتمهم فإنه إنما يشتمون مذممًا وأنا محمد).

5779 -

[4](جابر بن سمرة) قوله: (قد شمط) في (القاموس)(1): الشمط:

(1)"القاموس المحيط"(ص: 621).

ص: 254

وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، فَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ؟ . . . . .

ــ

بياض الرأس يخالط سواده.

وقوله: (وكان إذا ادهن) من الادهان بتشديد الدال، افتعال من دهن بالفتح يدهن بالحركات الثلاث دهنًا ودهنة: بلَّ الشعر وغيره بالدهن بالضم، وقد روي في حديث الترمذي (1) وغيره:(إذا دهن) من الثلاثي، وهما بمعنى واحد.

وقوله: (لم يتبين) أي: الأبيض من الشعرات، إما (2) لأنها عند الادهان تجتمع فكان الأبيض منها لقلته غير متبين، (فإذا شعث) بكسر العين، أي: انتشر شعر رأسه، والشعث محركة في الأصل: انتشار الأمر، يقال: الأشدث للمغبر الرأس، (تبين) البياض ويتميز من السواد، وقيل: منشأ عدم رؤية الشيب إذا ادهن رأسه؛ لأن الشعر حينئذ يكون براقًا لامعًا، وهو سبب الاشتباه ومانع عن الامتياز، وقد جاء في شيب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أنس أنه قال: ما عددت في رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا أربع عشرة شعرة بيضاء (3)، وعن ابن عمر: إنما كان شيب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نحو من عشرين شعرة بيضاء (4)، وليس بينهما تخالف؛ لأن أربعة عشر نحو من عشرين.

وقوله: (وكان كثير شعر اللحية) كأنه تفسير لما وقع في حديث آخر: (كث اللحية)، وقالوا في تفسيره: أي غير خفيفة اللحية ولا طويلة، وفي (القاموس) (5):

(1)"الشمائل المحمدية"(ح: 38).

(2)

لفظ "إما" كذا في الأصل، والظاهر حذفه.

(3)

أخرجه أحمد في "مسنده"(3/ 165).

(4)

أخرجه ابن ماجه في "سننه"(3630).

(5)

"القاموس المحيط"(ص: 173).

ص: 255

قَالَ: لَا بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا،

ــ

الكث: الكثيف، ورجل كث اللحية كثيفها، ولحية كثة وكثاء، وقوم كُثّ بالضم، ويأتي في (الفصل الثاني):(ضخم الرأس واللحية).

وقوله: (لا بل كان مثل الشمس والقمر) أي: كان مثل الشمس في نهاية البهجة والإشراق، ومثل القمر في الحسن والملاحة، شبه الرجل وجهه المبارك بالسيف في الحسن والبريق واللمعان، والسيف قد يوصف بالحسن، ولما كان هذا التشبيه ناقصًا قال جابر: لم يكن مثل السيف بل مثل الشمس، فيكون التشبيه جامعًا بين الصفتين: البريق والميل إلى الاستدارة، والأبهة والجلالة.

وقد وقع في حديث الترمذي من البراء بن عازب: لا بل مثل القمر، وفي حديث كعب بن مالك: كأن وجهه قطعة قمر، وقد قيل في حديث البراء: معناه لم يكن مثل السيف، بل لم يكن مثل القمر أيضًا، بل كان أحسن منه، ويؤيده ما جاء في (الفصل الثاني) من حديث جابر بن سمرة: فإذا هو عندي أحسن من القمر، وأما فيما نحن فيه لا يمكن إجراء هذا المعنى لقوله: بل كان مثل الشمس والقمر، ويأتي في حديث أبي هريرة: كأن الشمس تجري في وجهه.

وقوله: (وكان مستديرًا) فيه تأكيد لنفي التشبيه بالسيف وإثباته بالشمس والقمر، ولكنه ليس المراد بالاستدارة مثل ما في الشمس والقمر؛ لأنه لم يكن مكلثمًا كما يجيء، بل المراد أنه كان فيه شيء من التدوير مع طول، ولم يكن طويلًا كل الطول، كما هو اللائق بحال الحسن والجمال، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سُرّ فكأنّ وجهه المرآة، وكان الجدر تلاحك وجهه، والملاحكة: شدة الملائمة، أي: يرى شخص الجدر في وجهه، وفي حديث ابن لأبي هالة: يتلألأ وجهه تلالأ القمر ليلة البدر.

ص: 256

وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2344].

ــ

ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم البدر، ولذا أنشدوا حين قدم المدينة:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

ولقد أحسن من قال:

كالبدر والكافُ إن أنصفتَ زائدةٌ

فلا تظنَّنَّها كافًا لتشبيه

قال صاحب (المواهب)(1) رحمه الله: هذه التشبيهات التي وردت في صفاته صلى الله عليه وسلم إنما هي على عادة الشعراء والعرب، وإلا فلا شيء في [هذه]، المحدثات [ما] يعادل صفاته الخلقية والخلقية، وللَّه در إمام العارفين سيدي محمد بن وفا:

كم فيه للأبصار حسن مدهش

كم فيه للأرواح راح مسكر

سبحان من أنشأه من سبحاته

بشرًا بأسرار الغيوب يبشر

صلى اللَّه عليه وآله وأصحابه وأتباعه أجمعين.

وقوله: (رأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده) أي: في اللون والصفاء والنورانية، اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين كتفيه شيء ناتِ من أجزاء جسده الشريف يسمى خاتم النبوة، إما بكسر التاء فاعل الختم بمعنى الإتمام وبلوغ الآخر، أو بفتحها بمعنى الطابع، ومعناه الشيء الذي هو دليل على أنه لا نبي بعده، وقيل: سبب التسمية بذلك أنه نعت في الكتب المقدمة، فكان علامة يعلم بها أنه النبي المبشر به، وصيانة عن أن يتطرق إليها قدح كالشيء المستوثق عليه بالختم، وكان آية من اللَّه

(1)"المواهب اللدنية"(2/ 12).

ص: 257

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسرًّا عظيمًا مخصوصًا به صلى الله عليه وسلم.

وقال الحاكم في (المستدرك)(1) عن وهب بن منبه أنه قال: ولم يبعث اللَّه نبيًّا إلا وقد كانت عليه شامة النبوة في يده اليمنى إلا [أن يكون] نبينا [محمد]صلى الله عليه وسلم، فإن شامة النبوة كانت بين كتفيه، كذا في حواشي (الشمائل)(2)، وجاء في بعض الروايات أنه غاب بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وبغيبوبته عرف موته، ولعلها كانت لتعريفهم موته، أو لأنه لم تبق حاجة إلى إثبات النبوة الآن، أو لسر آخر لا لأن الأنبياء لم يبقوا أنبياء بعد موتهم، فإن مرتبة النبوة والرسالة باقية بعد الموت.

وفي (شرح الشيخ): وفي رواية: (كبيضة حمام مكتوب فيه: اللَّه وحده لا شريك له، توجه حيث كنت فإنك منصور)، وفي رواية:(كان نورًا يتلألأ)، والرواة قد ذكروا صورته وظاهر شكله، وشبهوها بأشياء يعرفها الناس، فمنها مثل بيضة الحمامة كما ورد في هذا الحديث، والحمامة واحدة حمام وليست تاؤه للتأنيث. وفي (الصحاح) (3): هي عند العرب ذوات الأطواق من نحو الفواخت والقماري وأشباه ذلك، وعند العامة أنها الدواجن فقط، وفي (القاموس) (4): حمام كسحاب: طائر بَرّيٌّ لا يألف البيوت، أو كل ذي طوق.

وفي حديث آخر: (غدة حمراء)، والغدة بضم الغين وتشديد الدال: كل عقدة

(1)"المستدرك"(2/ 631).

(2)

انظر: "جمع الوسائل في شرح الشمائل" لعلي القاري (ص: 59).

(3)

"الصحاح"(5/ 1906).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 1012).

ص: 258

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تكون في الجسد أطاف بها شحم، وكل قطعة صلبة بين العصب، والجمع غدد، والمراد أنه كان شبيهًا بالغدة، وحمراء بمعنى مائلًا إلى الحمرة فلا ينافي كون لون خاتم النبوة كلون بدنه صلى الله عليه وسلم، فهذا رد لمن قال: إنه أسود أو أخضر، كذا في (شرح الشيخ للشمائل). وقد وقع الجمع بين غدة حمراء وبيضة الحمامة بيانًا وتفسيرًا للغدة.

وفي حديث آخر: (كزر الحجلة) والزر بتقديم الزاي المكسورة على الراء المشددة: واحد الأزرار التي تكون على جيب القميص، والحجلة بفتح الحاء والجيم واحد الحجال: بيت كالقبة لها أزرار كبار، وهذا ما عليه الجمهور.

وعن بعضهم الحجلة: طائر معروف وزرها بيضها، ويؤيده حديث جابر بن سمرة: كبيضة الحمامة، غير أن الزر لم يجع في كلام العرب بمعنى البيض، إلا أن يحمل على الاستعارة تشبيهًا لضها بأزرار الحجال، كذا في بعض شروح (الشمائل). وذكر الخطابي أنه روي بتقديم الراء على الزاي والمراد به البيضة من أرزت الجرادة: إذا غرزت ذنبها في الأرض فباضت، وكذا رزت.

وفي حديث آخر للترمذي: (شعرات مجتمعات)(1)، أي: ذو شعرات، وكان عليه الشعرات، فظن الراوي أنه الشعرات، وفي آخر له:(كان في ظهره بضعة ناشزة)(2)، والبضعة: قطعة من اللحم، و (ناشزة) أي: مرتفعة من جسمه، من النشوز، وهو الارتفاع، والنشزة: مكان مرتفع كالنشاز بالفتح، ومنه: نشوز أحد الزوجين لتعالي أحدهما على الآخر، وأيضًا في حديث: (مثل الجمع حولها خيلان كأمثال

(1) أخرجه الترمذي في "الشمائل"(19).

(2)

أخرجه الترمذي في "الشمائل"(21).

ص: 259

5780 -

[5] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا -أَوْ قَالَ: ثَرِيدًا- ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، جُمْعًا عَلَيْهِ،

ــ

الثآليل) (1)، والجمع بضم الجيم وسكون الميم في الأصل بمعنى المجموع، والمراد هنا جمع الكف حين يجمع الأصابع ويضمها، والخيلان بالكسر جمع خال، والثآليل بفتح المثلثة وبالهمزة على وزن مصابيح جمع ثؤلول، وهي غدة الحبة التي تظهر في الجلد مثل حمصة.

وفي (القاموس)(2): الثؤلول كزُنْبور: حلمة الثدي، وَبَثْرٌ صغير صُلبٌ مستدير على صور شتى، وكله من خِلطِ غليظ يابس، بَلْغَمِيٍّ أو سوداويٍّ أو مركب منهما، وهذه كلها بيان لصورته الظاهرة وشكله في رأي العين، ومن دون ذلك سر عظيم مخصوص به صلى الله عليه وسلم لم يكن لأحد من الأنبياء والمرسلين، واللَّه أعلم.

5780 -

[5](عبد اللَّه بن سرجس) قوله: (عند ناغض كتفه اليسرى) الناغض بنون وغين وضاد معجمتين: الكتف، وقيل: عظم رقيق على طرفها، وقيل: أصل العنق، وقال التُّورِبِشْتِي (3): الناغض: الغضروف، وهو ما لان من العظم، وأكثر ما وقع في الروايات (بين كتفيه)، قال التُّورِبِشْتِي (4): ولا اختلاف بين القولين، فإنه يحتمل أنه وجد كذلك، والقول الآخر: بين كتفيه لا يقتضي أن يكون بينهما على السواء، بل

(1) أخرجه مسلم في "صحيحه"(2346) نحوه.

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 894).

(3)

"كتاب الميسر"(4/ 1250).

(4)

"كتاب الميسر"(4/ 1250).

ص: 260

خَيْلَانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2346].

5781 -

[6] وَعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَة سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ فَقَالَ: "ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ" فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ، فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا. قَالَ:"أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي"، وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ. فَقَالَ:"يَا أُمَّ خَالِدٍ! هَذَا سَنَاهْ" وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ: حَسَنَةٌ. قَالَتْ: . . . . .

ــ

يكون على تفاوت أحد الجانبين، أو كان على السواء وخيّل إليه أنه إلى اليسرى أقرب، وكذلك القول فيمن روى عند كتفه اليمنى.

وقوله: (كأمثال الثآليل) بفتح المثلثة ومد الهمزة جمع ثؤلول: الحبوب التي تنبت على البدن أمثال الحمص، وقد يجيء بمعنى حلمة الثدي.

5781 -

[6](أم خالد) قوله: (خميصة) على وزن كريمة: كساء أسود مربع له علمان.

وقوله: (فأتي بها تحمل) بلفظ المجهول وكانت صبية.

وقوله: (أبلي) من البلى و (أخلقي) من الخلق بمعنى واحد، وكلاهما من باب الإفعال، و (سناه) بسين مفتوحة فنون فالف فهاء السكت، وروي (سنه) بلا ألف ونون خفيفة أو مشددة، وهي بفتح أوله عند الجميع إلا عند القابسي فإنه يكسرها، وروي:(سنه سنه)، و (سناه سناه) مكررًا بالتشديد والتخفيف فيها، كذا في (مجمع البحار)(1)، وقال الكرماني (2): لقائل أن يمنع كونها عجمية، فلعل أصله حسنة فحذف حاؤه.

(1)"مجمع بحار الأنوار"(3/ 138).

(2)

انظر: "شرح الكرماني"(21/ 75).

ص: 261

فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أَبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"دَعْهَا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5823].

5782 -

[7] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَا بِالآدَمِ. . . . .

ــ

وقوله: (فزبرني) أي: زجرني ومنعني.

5782 -

[7](أنس) قوله: (ليس بالطويل البائن) أي: المفرط طولًا خارجًا عن الاعتدال، (البائن) اسم فاعل من بأن: إذا ظهر، وهذا يشير إلى أنه قد كان في قده صلى الله عليه وسلم طول، والأمر كذلك، فإنه كان مربوعًا مائلًا إلى الطول بالنسبة إلى القصر، وهو الممدوح، وفيه من الحسن والجمال والأبهة ما لا يخفى، وأما ما جاء من: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في الجماعة يرى طويلًا في الكل وإن كانوا طوالًا، فليس من جهة الطول بل لسبب العزة والرفعة والعظمة، وفي الحقيقة هو معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم، وأما القصر فمنفي أصلًا، ولذا لم يقيده بقيد. و (الأبيض الأمهق) الذي لا يخالط حمرة، وليس بنير كالجص كذا في (القاموس)(1)، ويوافقه كلام الجوهري (2).

وقال في (مشارق الأنوار)(3): هو الخالص البياض الذي لا يشوبه حمرة ولا صفرة، ولا سمرة، ولا إشراق، وقال الخليل: المهق: بياض في زرقة، وقيل: هو مثل بياض البرص، وقد وقع في البخاري في رواية المروزي:(أزهر أمهق)، وهو خطأ، والأمهق غير الأزهر، وجاء في أكثر الروايات:(ليس بالأبيض الأمهق). و (الأدمة)

(1)"القاموس المحيط"(ص: 852).

(2)

انظر: "الصحاح"(4/ 1557).

(3)

"مشارق الأنوار"(1/ 389 - 390).

ص: 262

وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ،

ــ

السمرة الشديدة، وهي منزلة بين السواد والبياض، وقال في (القاموس) (1): والأدمة بالضم في الإبل: لون مشرب سوادًا أو بياضًا، أو هو البياض الفاضح، أو في الظباء: لون مشرب بياضًا، وفي الإنسان: السمرة الشديدة، وفي (مختصر النهاية) (2): الأدمة في الإبل البياض مع سواد المقلتين.

وبالجملة اتفقوا على أن الأدمة في الإنسان شدة السمرة، وهو صلى الله عليه وسلم كان أسمر لا آدم، وجاء في موسى أنه كان آدم، هذا وقد تكلم في وصفه بالسمرة؛ لأنه قد ثبت أنه كان شديد البياض، وأجيب بأن المراد مشربًا بالسمرة، وهي الحمرة التي كانت تخالط البياض، والعرب يطلق على كل من كان كذلك أسمر، نعم الأدمة أشد منه يضرب إلى السواد، وقيل: السمرة لما ضحى للشمس والريح كالوجه والعنق، وما تحت الثياب فهو الأبيض الخالص، وتعقب بأنه قد ثبت أنه لم يكن للشمس والريح فيه تأثير، وقد ورد:(أنور المتجرد).

وقوله: (وليس بالجعد القطط ولا بالسبط) في (القاموس)(3): الجعد بفتح الجيم وسكون العين من الشعر خلاف السبط، ونقل عن (مطالع الأنوار): الجعد: ضد السبط، وهو الذي فيه رجوع في نفسه ليس باللين في استرساله، فإذا وصف بالقطط كان الشديد الجعودة، كشعور السودان، ومثله في (مشارق الأنوار)(4)، والقطط بفتح القاف

(1)"القاموس المحيط"(ص: 852).

(2)

"الدر النثير"(1/ 18).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 261).

(4)

"مشارق الأنوار"(1/ 248).

ص: 263

بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. وَفِي رِوَايَةٍ يَصِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ. وَقَالَ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3548، م: 2347].

ــ

وكسر الطاء أو بفتحها: الشديد الجعودة، والسبط بفتح السين وسكون الباء وفتحها وكسرها: الشعر المترسل، ضد الجعودة.

وقوله: (على رأس أربعين سنة) أي: على تمام أربعين وآخرها، وهذا معنى قوله:(على رأس مئة سنة) ومثله، وقد حققناه في موضعه (فأقام) يعني بعد البعثة (عشر سنين)، والأصح أنه أقام بها ثلاث عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة، ومن هذا سرى الاختلاف في عمره صلى الله عليه وسلم، وقالوا: من ذكر عشرًا اقتصر على العقد وترك الكسر، ومن ذكر خمس عشرة سنة ذكر عامَي الولادة الوفاة، فتدبر، وقد بين في موضعه. وأما الإقامة بالمدينة فعشر سنين من غير خلاف.

و(الربعة) بفتح الراء وسكون الباء: معتدل القامة كما فسره: ليس بالطويل ولا بالقصير، والميل إلى الطول الذي أثبت له صلى الله عليه وسلم لا ينافي التوسط والاعتدال بل يحققه، وقد سبق تحقيق هذا اللفظ في (كتاب بدء الخلق) في وصف موسى عليه السلام. و (الأزهر) الأبيض المستنير، والزهرة بالضم: البياض والحسن، وزهرة الدنيا: بهجتها ونضارتها، والأزهر من اللون: النير والمشرق الوجه.

وقوله: (إلى أنصاف أذنيه) قد وردت الأحاديث في شعره صلى الله عليه وسلم مختلفة، ففي

ص: 264

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ: كَانَ ضَخْمَ الرَّأْسِ وَالْقَدَمَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ بَسْطَ الكفَّينِ. وَفِي أُخْرَى لَهُ قَالَ: كَانَ شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ. [خ: 5907، 5910].

ــ

رواية: (إلى أنصاف أذنيه)، وفي أخرى:(بين أذنيه وعاتقه)، وفي أخرى:(إلى شحمة أذنيه)، وفي أخرى:(له شعر يضرب منكبيه)، والاختلاف باختلاف الأحوال من الامتشاط والادهان وعدمهما، ونبات الشعر بعد الحلق، وقال في (مجمع البحار) (1): ووجه اختلافات الروايات في قدر شعره صلى الله عليه وسلم اختلاف الأوقات، فإذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب، وإذا قصرها كانت إلى أنصاف الأذنين.

وقوله: (ضخم الرأس) بسكون الخاء، أي: عظيمه، يعني: ليس بصغير، لا المفرط في العظم، بل المعتدل بينهما.

وقوله: (والقدمين) عطف على (الرأس)، وفي رواية:(شثن القدمين) بمعنى الغليظ.

وقوله: (لم أر بعده ولا قبله مثله) أي: لم أعلم، أو المراد الرؤية البصرية، وهذه العبارة كناية عن عدم كون أحد مثله.

وقوله: (بسط الكفين) بتقديم الموحدة على المهملة، أي: تام الكفين، وفي حديث الملاعنة:(إن جاءت أصغر بسطًا فهو لزوجها)، أي: تام الخلق، ويؤيده ما جاء في رواية:(رحب الراحة)، وقد يروى:(سبط الكفين) بتقديم المهملة على الموحدة بمعنى ألينهما وينافيه قوله: (شثن القدمين والكفين) فسره الأصمعي بالغليظ الأصابع من الكفين والقدمين، وفسره أبو عبيد بالغلظ مع القصر، وتعقب بأنه قد ثبت في وصفه:

(1)"مجمع بحار الأنوار"(1/ 394).

ص: 265

5783 -

[8] وَعَنِ الْبَرَّاءِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا، بُعَيْدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعْرٌ بَلَغَ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. [خ: 3551، م: 2337].

ــ

(سائل الأطراف)، والظاهر من الحديث أن الكفين والقدمين أنفسهما كانا غليظين، وقد حملوه على ذلك، وقالوا: المراد أنهما كانا يميلان إلى الغلظ والقصر، ويحمد ذلك في الرجال دون النساء، والجمع بين هذا الحديث وبين حديث:(ولا شيئًا كان ألين من كفه صلى الله عليه وسلم): أن اللين في الجلد والغلظ في العظام، فجمع له نعومة البدن وقوته.

5783 -

[8](البراء) قوله: (بعيد ما بين المنكبين) بفتح الباء وضمها، ويلزم من ذلك الوصف بعريض الصدر.

وقوله: (في حلة حمراء) الحلة: إزار ورداء، ولا تسمى حلة إلا أن يكون ثوبين، وقيل: من جنس واحد، وحلة كانت عليه صلى الله عليه وسلم من برود اليمن فيه خطوط حمراء، ولذلك سميت حمراء لا أنه كله أحمر، وغلط من توهم ذلك، كذا حققه المحدثون.

وقوله: (لم أر شيئًا قط أحسن منه) يعني: هو أحسن من كل شيء، وفي التعبير بشيء مبالغة ما ليس في قوله: رجل.

وقوله: (من ذي لمة) اعلم أن لشعر الإنسان ثلاثة أسماء: الجمة بضم الجيم وتشديد الميم، واللمة بكسر اللام وتشديد الميم، والوفرة بفتح الواو وسكون الفاء،

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فاللمة من الشعر: ما يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغت المنكبين فهو جمة، والوفرة: الشعر إلى شحمة الأذن، ويوافقه ما قال في (المشارق) (1): الجمة أكثر (2) من الوفرة، وذلك إذا سقطت على المنكبين، والوفرة إلى شحمة الأذن، واللمة بينهما تلم المنكبين.

وبالجملة اتفقت عبارات الشارحين في أن الجمة ما بلغت المنكبين، والوفرة إلى شحمة الأذن، واللمة ما جاوزها فهو بين بين، ولكن قال في (القاموس) (3): الوفرة: الشعر المجتمع على الرأس، أو ما سأل على الأذنين منه، أو ما جاوز شحمة الأذن، ثم الجمة، ثم اللمة.

وقد مر في (الفصل الثاني) من (باب الترجل) من حديث عائشة رضي الله عنها: كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شعر فوق الجمة ودون الوفرة. رواه الترمذي، فيفهم من هذا أنه كان لمة كما في هذا الحديث عن البراء: ما رأيت من ذي لمة أحسن، الحديث، ولكن وقع في حديث الترمذي في (الشمائل) (4): عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، فقيل: المراد بالجمة هنا الشعر، وقد فسرها في (القاموس)(5) بمجتمع شعر الرأس، والجم: الكثير من كل شيء، وأيضًا في حديثه: فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذًا هو وفرة.

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 153).

(2)

كذا في جميع النسخ المخطوطة، وفي "المشارق":"أكبر من الوفرة".

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 458).

(4)

"الشمائل" للترمذي (3).

(5)

"القاموس المحيط"(ص: 1006).

ص: 267

5784 -

[9] وَعَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَلِيعَ الْفَم، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ،

ــ

5784 -

[9](سماك بن حرب) قوله: (ضليع الفم) أي: عظيمه، كما فسر في الحديث، وفي بعض شروح (الشمائل): إما أن يريد به سعة الفم؛ إذ العرب يمدح به يعني الرجال، ويذم بصغره، وإما أن يريد به قوة الشفتين، وقيل: عظيم الفم كناية عن الفصاحة، وزاد في حديث جابر: ضليع الفم يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، يعني لسعة فمه.

وقوله: (طويل شق العين) بفتح الشين، قال عياض (1): لم يقل سماك في هذا التفسير شيئًا، والوجه فيه ما اتفق عليه أئمة اللغة أنها حمرة في بياض العين يخالطها، وتسمى السُّجْرة أيضًا بالضم، والشهلة: حمرة يخالط سوادها، وهذا قول أبي عبيد وغيره. وقال في (القاموس) (2): الأشكل: ما فيه حمرة وبياض مختلط، أو ما فيه بياض يضرب إلى الحمرة، ومن الإبل: ما يخلط سواده حمرة، واسم اللون: الشُّكْلَةُ بالضم، ومنه: الشُّكلةُ فِي العين، والشهلة: أن تشرب الحدقة حمرة، وليست خطوطًا كالشكلة، ولكنها قلة سواد الحدقة حتى كأنه يضرب إلى الحمرة، وكان صلى الله عليه وسلم أشكل العين، أي: طويل شق العين، انتهى.

وفي (الصحاح)(3): والشكلة: بالضم حمرة في بياض العين، كالشهلة في سوادها، شكل بالتحريك مصدره، وعين شكلاء، ودم أشكل، ورجل أشكل العين:

(1) انظر: "مشارق الأنوار"(2/ 253).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 938).

(3)

"الصحاح"(5/ 1736).

ص: 268

مَنْهُوشَ الْعَقِبَيْنِ، قِيلَ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ. قِيلَ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ. قِيلَ: مَا مَنْهُوشُ الْعَقِبَيْنِ؟ قَالَ: قَلِيْلُ لَحْم الْعَقِبِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2339].

5785 -

[10] وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2340].

5786 -

[11] وَعَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ رَسُول صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا يَخْضِبُ،

ــ

إذا كان فيه بياض وحمرة.

وقوله: (منهوش العقبين) في (المشارق)(1): بالسين المهملة، ويقال: بالمعجمة أيضًا، أي: قليل لحمهما، وقيل: هو بالمعجمة ناتئ العقبين معروقهما، وفسر في حديث شعبة بالمهملة قال: قليل لحم العقب، وهما بمعنى متقارب.

5785 -

[10](أبو الطفيل) قوله: (مقصدًا) بضم ميم وفتح صاد مهملة مشددة، أي: معتدلًا لا طويلًا، ولا قصيرًا، ولا جسيمًا، ولا نحيفًا، ويحتمل أن يكون المقصد في الأمور كلها، والأول أظهر بالسياق.

5786 -

[11](ثابت) قوله: (إنه لم يبلغ ما يخضب) أي: كان شيبه قليلًا لا يظهر في بادئ النظر لقلته كما يظهر من سياق الحديث، أو لعدم خلوص البياض كما يكون في ابتداء الشيب، وعليه يحمل ما جاء في حديث آخر: وكان شيبه أحمر أي: لم يبلغ البياض، وقد يحمل على أنه كان يخضب بالحناء، والصحيح عند المحدثين أنه صلى الله عليه وسلم

(1)"المشارق"(2/ 30).

ص: 269

لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لِحْيَتِهِ -وَفِى رِوَايَةٍ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي رَأْسِهِ- فَعَلْتُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5895، م: 2341].

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ الْبَيَاضُ قِي عَنْفَقَتِهِ، وَفِي الصُّدْغَيْنِ وَفِي الرَّأْسِ نَبْذٌ.

5787 -

[12] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ،

ــ

لم يخضب، واللَّه أعلم.

وقوله: (أن أعدّ شمطاته) بفتح الشين والميم، أي: شعراته البيض.

وقوله: (والعنفقة) بفتح المهملة وسكون، النون وفتح الفاء والقاف في آخرها، في (القاموس) (1): العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. و (الصدغ) بالضم ما بين العين إلى شحمة الأذنين، ويسمى الشعر المتدلي عليه صدغًا أيضًا. و (نبذ) بضم النون وفتح الموحدة، وبفتح وسكون، أي: شيء يسير وشعرات متفرقة.

قال الطيبي (2): (نبذ) مبتدأ و (في عنفقته) خبر، والجملة خبر (كان)، ويحتمل أن يكون خبر (كان) في (عنفقته)، و (نبذ) استئناف بحذف صدره.

5787 -

[12](أنس) قوله: (كأن عرقه اللؤلؤ) كأنه من تتمة قوله: (أزهر اللون) في حكم التأكيد والبيان؛ لأن زهرة اللون تؤثر في صفاء العرق، ولذا لم يعطف، وأما ترك العطف في قوله:(إذا مشى تكفأ) فلأنه فصل آخر من الكلام.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 841).

(2)

"شرح الطيبي"(11/ 17).

ص: 270

إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَمَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا شَمَمْتُ مِسْكًا وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3651، م: 2330].

ــ

وقوله: (تكفأ) مهموزًا وَغير مهموز، والأصل الهمز ومعناه تقلع، أي: كان يرفع رجله عن قوة وجلادة، ويثبت في مشيه كما هو شأن الأقوياء والشجعان، ولا ينافي ذلك أنه كان سريع المشية؛ لأنه يتابع الخطوات مع التثبت، كذا في بعض شروح (الشمائل).

وجاء بمعنى صب الشيء ودفعه، ويفسر التكفأ بالتمايل إلى القدام، ويأتي في (الفصل الثاني) من رواية الترمذي:(كأنما ينحط من صبب)، هذا وقد يفسر التكفأ بالتمايل يمينًا وشمالًا كما تتمايل السفينة، وفي الحديث في صفة حال المؤمن بالبلاء:(كخامة الزرع تتكفؤها الريح)، ومن هنا فسره بعض الشارحين: أي يميل كما يميل الغصن إذا هبت الريح، واللَّه أعلم.

وقوله: (وما مسست) بكسر المهملة الأولى على الأفصح، وكذا (شممت) بكسر الميم الأولى، والمضارع بالفتح فيهما، وقد جاء فيهما فتح العين، فالمضارع بضمهما، و (الديباج) بكسر الدال وحكي بفتحها: نوع من الحرير، كذا قال الشيخ (1)، وهو فارسي معرب، والتاء للوحدة، فيكون قوله:(ولا حريرًا) تعميمًا بعد التخصيص.

وقوله: (أطيب من رائحة النبي) وفي رواية الترمذي: (ولا شممت مسكًا ولا عطرًا

(1)"فتح الباري"(6/ 576).

ص: 271

5788 -

[13] وَعَنْ أُمِّ سُلَيْمِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِيهَا، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا، فَتَبْسُطُ نِطْعًا فَيَقِيلُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ، فَكَانَتْ تَجْمَعُ عَرَقَهُ فَتَجْعَلَهُ فِي الطِّيبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا أُمَّ سُلَيْمٍ! مَا هَذَا؟ " قَالَتْ: عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا، قَالَ:"أَصَبْتِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6281، م: 2331].

ــ

كان أطيب من عرق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) (1)، وقد كانت الرائحة الطيبة صفته صلى الله عليه وسلم وإن لم يمس طيبًا، وقد ذكرنا نبذة منه في (شرح سفر السعادة)(2).

5788 -

[13](أم سليم) قوله: (فتبسط نطعًا) بفتح النون وكسرها مع فتح طاء وسكونها والأول أشهر الأربع: بساط من الأديم، والجمع أنطاع ونطوع، قال التُّورِبِشْتِي (3): إن أم سليم كانت من محارم النبي صلى الله عليه وسلم رضاعًا، وأطال الكلام في إثبات ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقيل في بيت أجنبية.

ونقل الطيبي (4) من (شرح صحيح مسلم): أن أم سليم وأم حرام وهي أخت أم سليم كانتا خالتين لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إما من الرضاع وإما من النسب، فتحل الخلوة بهما، وكان يدخل عليهما خاصة ولا يدخل على من سواهما من النساء، انتهى. ويظهر من هذا أن نساء الأمة معه صلى الله عليه وسلم في حكم الأجنبيات، وليس كما اشتهر في الناس أن حكمه

(1) أخرجه الترمذي في "سننه"(2015).

(2)

"شرح سفر السعادة"(ص: 486 - 487).

(3)

"كتاب الميسر"(4/ 1253).

(4)

"شرح الطيبي"(11/ 18).

ص: 272

5789 -

[14] وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدَّيَّ، فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَو رِيحًا. . . . .

ــ

معهن حكم الأب مع البنات، هذا وذكر في (المواهب اللدنية)(1) في خصائصه صلى الله عليه وسلم إباحة النظر إلى الأجنبيات وجواز الخلوة بهن، ونقل عن (فتح الباري)(2) أن الذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها، وتدل عليه قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها، وتفليتها رأسه، ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية، قال العبد الضعيف: وهذا هو الظاهر من الأحاديث الواردة في مجيء النساء إليه صلى الله عليه وسلم وسؤالهن عنه إلا أن يحمل مجيئهن مستورة العورات، واللَّه أعلم.

5789 -

[14](جابر بن سمرة) قوله: (صلاة الأولى) أي: صلاة الظهر، وقد مرّ في (كتاب مواقيت الصلاة).

وقوله: (يمسح خدي) بلفظ التثنية مضافًا إلى (أحدهم).

وقوله: (وأما أنا فمسح خدي) مضافًا إلى ياء المتكلم، وفي بعض النسخ:(خدي) بالإفراد.

وقوله: (بردًا أو ريحًا) بلفظ (أو) في جميع النسخ، والظاهر أنه من شك الراوي.

(1)"المواهب اللدنية"(2/ 329).

(2)

"فتح الباري"(9/ 203).

ص: 273