المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(28) كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق

- ‌1 - باب النفخ في الصور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الحشر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الحساب والقصاص والميزان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الحوض والشفاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب صفة الجنة وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رؤية اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب صفة النار وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب خلق الجنة والنار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(29) كتاب الفضائل والشمائل

- ‌1 - باب فضائل سيد المرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المبعث وبدء الوحي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب في المعراج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب في المعجزات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الكرامات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(30) [كتاب المناقب]

- ‌1 - باب مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب مناقب الصحابة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب مناقب أبي بكر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب مناقب عمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مناقب عثمان رضي الله عنه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب مناقب هؤلاء الثلاثة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب مناقب علي بن أبي طالب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب مناقب العشرة رضي الله عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي اللَّه عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب جامع المناقب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي "الْجَامِعِ" لِلْبُخَارِيِّ:

- ‌13 - باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب ثواب هذه الأمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَتِلْكَ آيَةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ {كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى} [البقرة: 73] ". رَوَاهُمَا رَزِينٌ. [حم: 26/ 112].

* * *

‌2 - باب الحشر

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

5532 -

[1] عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ،

ــ

قوله: (خضرًا) بفتح الخاء وكسر الضاد.

2 -

باب الحشر

وهو في اللغة: الجمع، وفي الشرع: جمع الموتى بعد البعث إلى المحشر بالكسر وقد يفتح وهو موضعه، وقد يطلق ويراد به البعث، والحشر يكون قبل يوم القيامة من أشراط الساعة، ويكون بعده وهو المراد هنا، وقد تحمل بعض الأحاديث الواردة فيه على الأول، وسيأتي بيانه.

الفصل الأول

5532 -

[1](سهل بن سعد) قوله: (على أرض بيضاء عفراء) في (القاموس)(1): الأعفر: الأبيض، ليس بالشديد البياض، وهي عفراء، عفر كفرح، والاسم العفرة بالضم، وأيضًا قال: العفراء: البيضاء، وأرض بيضاء لم توطأ، وفي

(1)"القاموس المحيط"(ص: 412).

ص: 16

كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6521، م: 2790].

5533 -

[2] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ، كَمَا يَتَكَفَّأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ". فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ. فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ! أَلَا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "بَلَى". قَالَ: تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً. . . . .

ــ

الحواشي (1): الأعفر: الأبيض الذي لا يخلص بياضه ولا يشتد بل يضرب إلى الحمرة.

و(النقي) بفتح النون: الدقيق المنخول، والتشبيه في اللون والاستدارة.

وقوله: (ليس فيها علم لأحد) من بناء وغيره، بل تكون مستوية وقاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، أو من ملك وتصرف، بل تكون خالية من تصرف الناس، لا يكون الملك إلا للَّه.

5533 -

[2](أبو سعيد الخدري) قوله: (تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها) أي: يقلبها من يد إلى يد ليسويها كما يفعل بالعجينة، إذا أريد خبزها مرققًا مستويًا، وفي رواية مسلم:(يكفأ) بسكون الكاف، كفأه كمنعه: صرفه وقلبه، وأكفأ: أمال وقلب.

وقوله: (في السفر) بفتحتين: ضد الحضر، أي: يستعجل في خبزها، فيكفأها ويلقيها على الرماد الحار، وصحح بضم السين فيكون جمع سفرة بمعنى ما يوضع عليه الطعام، أي: يخبزها ويضعها على السفرة. و (النزل) بضم النون والزاي وسكونها:

(1)"حاشية جمال الدين"(ص: 323).

ص: 17

كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ . . . . . .

ــ

ما يعجل للضيف قبل الطعام.

والحديث قد حمله بعضهم على ظاهره، وهو أن جرم الأرض يجعلها اللَّه تعالى يومئذ خبزة مأكولة نزلًا لأهل الجنة، واللَّه تعالى قادر على كل شيء، ولا يستبعد ذلك من قدرته سبحانه، واستشكله بعضهم لا لاستبعاد قدرة اللَّه تعالى وعجائب صنعه سبحانه، بل لعدم ورود دليل على ذلك، بل لورود خلافه، حيث ورد: أن هذه الأرض برها وبحرها يمتلئ نارًا وينضم إلى جهنم، فالمعنى على تشبيه الأرض في الاستدارة والبياض بالخبزة التي يخلقها الجبار تعالى نزلًا لأهل الجنة، ويتضمن ذلك بيان عظم ما هيئ لأهل الجنة من الأخباز تكون الأرض بمنزلة واحدة منها، أو أراد أن الأرض وما فيها بالنسبة إلى ما هيئ لهم من نعيم الجنة كخبزة يستعجل بها الضيف والمسافر، فيكون حرف التشبيه محذوفًا.

وقوله: (ثم ضحك) لما وجد من موافقة ما يوحى إليه لما رواه اليهودي من التوراة فسر لحصول مزيد إيقان الصحابة وقوة إيمانهم كما مر في خبر الدجال الذي رواه تميم الداري.

وقوله: (حتى بدت نواجذه) النواجذ: أقصى الأضراس وهي أربعة، ويسمى ضرس الحلم؛ لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل، وقال في (القاموس) (1): أو هي الأنياب، أو التي تلي الأنياب، أو هي الأضراس كلها، انتهى. ولا شبهة في أن إرادة هذه المعاني في الحديث أولى وأنسب لما أن في ظهور أقصى الأضراس في الضحك

(1)"القاموس المحيط"(ص: 319).

ص: 18

بَالَامٌ وَالنُّونُ. قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ، يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6520، م: 2792].

5534 -

[3] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ،

ــ

بعدًا لا يخفى، ولا يبعد أن يقال: هذه العبارة كناية عن المبالغة في الضحك من غير ملاحظة معاني مفرداتها وإرادتها، كما قالوا في أمثالها، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله: (بالام والنون) أرادوا بالنون الحوت، ووقع معرفًا باللام، وأما بالام فمنكر بالباء الموحدة واللام، وقالوا في تفسيره: إنه لفظة عبرانية معناه الثور، وإلا لعرفه الصحابة من غير استفسار من اليهودي، وفي (مجمع البحار) من (النهاية): قال الخطابي (1) لعل اليهودي أراد التعمية [فقطع الهجاء]، فقدم أحد الحرفين [على الآخر] وهي لام ألفٍ وياءٌ، يريد لأي بوزن لَعْي، وهو الثور الوحشي، فصحف الراوي الياء بالباء، انتهى فافهم.

وقوله: (يأكل من زائدة كبدهما) قال الكرماني (2): زيادة الكبد: هي القطعة المتفردة المتعلقة بالكبد وهي أهنؤها وأطيبها، والمراد بـ (سبعون ألفًا) هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وقيل: المراد به الكثرة.

5534 -

[3](أبو هريرة) قوله: (يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين، راهبين) الحديث، سيجيء في (الفصل الثاني) من حديث أبي هريرة:(يحشر الناس ثلاثة أصناف: صنفًا مشاةً، وصنفًا ركبانًا، وصنفًا على وجوههم) والأصناف الثلاثة

(1) انظر: "مجمع بحار الأنوار"(1/ 134)، و"النهاية"(1/ 91).

(2)

"شرح الكرماني"(23/ 33).

ص: 19

وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوْا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6522، م: 2861].

ــ

مضمون ذكرهم في هذا الحديث أيضًا، فالراغبون في الجنة وفضل ربهم، الراهبون من النار وعدله تعالى، المطيعون الذين يدعون ربهم خوفًا وطمعًا هم الراكبون على تفاوت درجاتهم، منهم اثنان على بعير، ومنهم أربعة إلى عشرة على بعير، إما اجتماعًا أو مناوبة، فمن كان أعلى مرتبة كان أقلّ شركةً وأشدّ سرعةً وأكثر سبَّاقًا، ولم يذكر ما بين الأربعة والعشرة قياسًا على ما ذكر، وإنما لم يذكر الواحد؛ لأنه درجة أسبق السابقين هم الأنبياء والمرسلون، والمراد بيان أحوال الأمم.

والصنفان الآخران وهم المشاة على أرجلهم، والمشاة على وجوههم مذكوران في بقيتهم الذين تحشرهم النار وتلازمهم وهم العصاة والكفار، ولو جعل الراغبون المطيعون هم الركبان، والراهبون العاصون هم المشاة، وبقيتهم الكافرون هم الماشين على وجوههم لكان له وجه، بل هذا أوجه لما دلّ الحديث الآتي عن أنس: أن المشي على الوجه مخصوص بالكافر، ولكنه لا يساعده ظاهر لفظ الحديث، فنقول: إن الراكبين هم المطيعون، والماشين بأرجلهم أضمر ذكرهم، والمشاؤون على وجوههم البقية المذكورون بقوله:(بقيتهم تحشرهم النار) فليتأمل، هذا توجيه الحديث على وجه يكفي، وأما الكلام في أن المراد بالحشر الحشر إلى المحشر وهو أرض الشام أو يوم القيامة بعد البعث من القبور فطويل، نقله الطيبي (1) من التُّورِبِشْتِي، ولعل

(1) انظر: "شرح الطيبي"(10/ 159)، و"كتاب الميسر"(4/ 1189).

ص: 20

5535 -

[4] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا" ثُمَّ قَرَأَ: " {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ،

ــ

الصواب هو الثاني فطالعه ثمة.

5535 -

[4](ابن عباس) قوله: (إنكم محشورون حفاة) الظاهر العموم، وقد علم الركوب أيضًا، فلعل أحدهما بعد البعث من القبر، والآخر بعد السوق إلى المحشر.

وقوله: (غرلا) جمع أغرل وهو الأقلف، أي: الذي لم يختن، أي: يحشرون كما خُلِقوا، لا يفقد منهم شيء، ولا يدرى أن بعد ذلك تغير خلقهم على هيئة الختان أو يبقون كذلك، والأمر محتمل، واللَّه أعلم.

وما ذكر الإمام فخر الدين الرازي لشرعية الختان نكتة معقولة، وهي أن الحشفة لما كانت مستورةً بالقلفة كانت لينة وقويت لذته عند المباشرة، وإذا قطع جلد القلفة اشتد وصلب وضعفت اللذة، وبالجملة الإحساس واللمس بالسطح المستور أتم وأكمل من السطح المكشوف كما يظهر من حال الشفتين واللسان، واللائق بهذه الشريعة المعتدلة والمتوسطة بين جانبي الإفراط والتفريط التقليل.

وقوله: (وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) قيل: لأنهّ أول من عري وجرد في سبيل اللَّه من النبيين حين ألقي في النار، لا لأنه أفضل من نبينا، أو لكونه أباه، فتقدمه لعزة أبوته له صلى الله عليه وسلم، على أنه قيل: إن نبينا صلى الله عليه وسلم يخرج باللباس من قبره في ثيابه التي دفن فيها، كذا في الحواشي (1).

(1)"حاشية جمال الدين"(ص: 322).

ص: 21

وَإِنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ: أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوْا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مذْ فَارَقْتَهُمْ. فَأَقُوْلُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلى قَوْلِهِ: . . . . .

ــ

وقوله: (أصيحابي أصيحابي) مكررًا على صيغة التصغير لقلتهم، وقد يروى مكبرًا، والأصحاب صيغة جمع قلة، والأول أوفق بقوله:(إن ناسًا من أصحابي).

قال الكرماني (1): لم يرد به خواص أصحابه ولا بالردة الرجوع عن الدين، وإنما هو التأخر عن بعض الحقوق، ولم يرتد بحمد اللَّه أحد من أصحابه، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب من المؤلفة، انتهى.

وقال الخطابي (2): لم يرتد أحد من الصحابة، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا بصيرة له في الدين، وذلك لا يقدح في الصحابة المشهورين، وليس المراد الارتداد عن الإِسلام، بل الخروج عن حد الاستقامة، وإساءة السريرة، والرجوع عما كانوا عليه من محض الإخلاص وصدق النية، والإعراض عن الدنيا، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخشى عليهم من فتنة الدنيا، وقيل: يجوز استعمال الأصحاب في كل من تبعه أو أدرك حضرته، أو وفد عليه ولو مرة.

وبالجملة حمل بعضهم الردة على الحقيقة، والصحابة على المجاز من جفاة العرب من أصحاب مسيلمة والأسود، وبعضهم الردة على التقصير في بعض الحقوق، والصحابة على غير الخواص من الصحابة، واللَّه أعلم.

وقوله: (كما قال العبد الصالح) وهو عيسى بن مريم.

(1)"شرح الكرماني"(23/ 36).

(2)

انظر: "فتح الباري"(11/ 385).

ص: 22

{الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 117 - 118]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3349، م: 2760].

5536 -

[5] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6527، م: 2859].

5537 -

[6] وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3350، م: 2806].

5538 -

[7] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. . . . .

ــ

5536 -

[5](عائشة) قوله: (ينظر بعضهم إلى بعض) أي: الرجال إلى الرجال والنساء وكذلك النساء، فافهم.

5537 -

[6](أنس) قوله: (قادر) بالرفع على أن في (ليس) ضمير الشأن.

5538 -

[7](أبو هريرة) قوله: (أباه آزر) ظاهر العبارة أنه عطف بيان لـ (أباه)، والتحقيق أن آزر عم إبراهيم سمي أبًا مجازًا متعارفًا، واسم أبيه تارخ، قاله بعض المحققين من العلماء الذين نفوا الكفر عن آباء نبينا صلى الله عليه وسلم إلى آدم عليه السلام، فعلى هذا ذكر آزر لبيان أن ليس المراد من الأب والده، ولعله كان اختلاط إبراهيم وألفته مع عمه هذا أكثر وأغلب من والده، وكان هو رئيس المشركين، ووقع مناظرته معه، فافهم.

ص: 23

وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ لَهُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا ربِّ إِنَّك وَعَدْتَنِي أَلَّا تُخْزِيَنِيْ يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ لإِبْرَاهِيمَ: مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ". . . . .

ــ

وقوله: (وعلى وجه آزر) أتى بالمظهر موضع المضمر لئلا يتوهم أن الضمير لإبراهيم عليه السلام وأن على وجهه قترة وغبرة لأجل الهم والحزن من جهة والده، وإن كان عند من يعلم أن ذلك للكفرة الفجرة دليل على خلافه، و (قترة) و (غبرة) كلاهما بفتحات، في (القاموس) (1): القتر والقترة: الغبار، وقيل: القترة: الغبرة التي معها سواد، وقيل في قوله تعالى:{غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 40 - 41]، أي: غبار يعلوها سواد كالدخان ولا أوحش من اجتماعهما، وقال البيضاوي (2): غبار وكدورة يَغشاها سواد وظلمة، وهذا مبني على ما قيل: إن الغبرة: الغبار من التراب، والقترة: السواد الكائن عن الكآبة.

وقوله: (من أبي الأبعد) أي: من خزي أبي، (الأبعد) من البعد بمعنى الهلاك، و (الأبعد): الخائن أيضًا، كذا في (مجمع البحار)(3)، والمراد: الأبعد من رحمة اللَّه.

وقوله: (فإذا هو بذيخ) الذيخ بكسر الذال وسكون الياء التحتانية آخرها خاء

(1)"القاموس المحيط"(ص: 427).

(2)

"تفسير البيضاوي"(5/ 288).

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(1/ 198).

ص: 24

رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3350].

5539 -

[8] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6532، م: 2863].

5540 -

[9] وَعَنِ الْمِقْدَادِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ. . . . .

ــ

معجمة: ذكر الضباع الكثير الشعر، والأنثى بالهاء، والجمع ذيوخ وأذباخ. وفي نسخة بموحدة ساكنة وحاء مهملة بمعنى ما يذبح، والحكمة فيه أنه لما رآه مسخًا يخرج من قلبه محبته، ولئلا يحزنه أن لو راه قد ألقي في النار على صورته، فإن قلت: قد كان تبرّأ إبراهيم من أبيه في الدنيا فما باله سأل له ربَّه في الآخرة؟ قيل: لما رآه يوم القيامة أدركته الرأفة فسأل، فلما رآه مسخ أيس منه وتبرأ تبرأً أبديًّا، وقيل: إن إبراهيم عليه السلام لم يتيقن بموته على الكفر لجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع إبراهيم عليه، وكان تبرئته في الظاهر، فإذا سأل يوم القيامة ولم يقبل تيقن بذلك، ومعنى (متلطخ) بالطين أو برجيعه، كذا في (مشارق الأنوار)(1).

5539 -

[81](وعنه) قوله: (يعرق) بفتح الراء من سمع يسمع.

وقوله: (ويلجمهم) أي: يصل العرق إلى أفواههم ليصير لهم كاللجام يمنعهم عن الكلام.

5540 -

[9](المفداد) قوله: (كمقدار ميل) الظاهر أن المراد ميل الفرسخ، وكفى

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 272).

ص: 25

فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا"، وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2864].

5541 -

[10] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ! فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ. قَالَ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ ألفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ،

ــ

ذلك في تعذيبهم وإيذائهم، وأما احتمال إرادة ميل المكحلة فبعيد، وقد قيل به.

وقوله: (إلى حقويه) الحقو بفتح الحاء المهملة وسكون القاف: موضع شد الإزار.

5541 -

[10](أبو سعيد الخدري) قوله: (وما بعث النار؟ ) أي: ما مقدار بعث النار، والبعث: الجيش الذي يبعث.

وقوله: (من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين) هكذا في نسخ (المشكاة) و (المصابيح)، وتقديره: أخرج من كل ألف هذا العدد، وفي (الدر المنثور) (1) للسيوطي لفظ الحديث:(تسع مئة وتسعة وتسعون) بالرفع، وهو ظاهر في جواب (وما بعث النار) أي: بعث النار هذا، ثم هذا يخالف ما جاء في حديث أبي هريرة:(من كل مئة تسعة وتسعون)، وأجاب الكرماني (2): بأن مفهوم العدد لا اعتبار له، والمقصود من

(1)"الدر المنثور"(6/ 4).

(2)

"شرح الكرماني"(23/ 38).

ص: 26

{وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: "أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ"،

ــ

العددين تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين، ويمكن حمل حديث أبي سعيد على جميع ذرية آدم، ويحمل حديث أبي هريرة على من عدا يأجوج ومأجوج.

ويستأنس لهذا التأويل بأن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة، ويحتمل أن يكون الأول يتعلق بالخلق أجمعين، والثاني مخصوص بهذه الأمة المرحومة، وأن يكون المراد بـ (بعث النار): الكفار ومن يدخل النار من العصاة، فيكون من كل ألف تسع مئة وتسعين كافرًا، ومن مئة تسعة وتسعين عاصيًا، كذا قال الشيخ ابن حجر (1).

وقوله: ({وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا}) قال المفسرون: إنه في معنى الشرط أي: إن وجدت ذات حمل، وأول بعضهم بأن ذلك قبل قيام الساعة، أي: عند أشراطها، لكن صدر الحديث لا يلائمه، نعم وقد وقع في التنزيل وضع الأحمال في زلزلة الساعة وذلك في أشراطها، وقيل: يحتمل أن يبعث من يكون حاملًا، انتهى.

أقول: وهكذا ينبغي أن يؤول في الصغار بأنهم يبعثون صغارًا فيشيبون، ثم يجعلون في الجنة شبابًا، والظاهر أن هذا كناية عن شدة المحنة والهم والحزن من غير نظر إلى خصوص معاني المفردات، واللَّه أعلم.

وقوله: (وأينا ذلك الواحد؟ ) لما سمعوا أن أهل الجنة واحد من ألف استعظموا ذلك واستشعروا الخوف منه، بأنه لما كان الأمر كذلك كان أهل الجنة أقل قليل، فمن

(1)"فتح الباري"(11/ 390).

ص: 27

ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ:"أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ (1):"أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَكَبَّرْنَا، قَالَ:"مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3348، م: 222].

5542 -

[11] وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَكْشِفُ ربُنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ (2) لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً،

ــ

يكون منا أهلًا لها؟ فلا همّ بأن هؤلاء الأكثرين الذين هم بعث النار يأجوج ومأجوج، فإنهم في الكثرة على حد لو كان واحد من ألف من الناس من أهل الجنة لكانوا أكثرين.

ثم أشار إلى أن الأمم السالفة ما عدا يأجوج ومأجوج أيضًا في غاية الكثرة بحيث يفوقون الحصر حتى لو كنتم نصف أهل الجنة لكنتم واحدًا من ألف من مجموع الناس غيركم لكونكم في غاية القلة بالنسبة إليهم، وإليه أشار بقوله:(ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود).

وقوله: (فكبرنا) قالوا: ذلك استبشار وتعظيم بهذه النعمة.

5542 -

[11](وعنه) قوله: (يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن. . . إلخ)، قيل: هذا من المتشابهات فلا يتعرض له، وقيل: يأول بشدة

(1) في نسخة: "قال".

(2)

وفي نسخة: "ويسجد".

ص: 28

فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُوْدُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4919، م: 183].

5543 -

[12] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّه جَناحَ بَعُوضَةٍ". وَقَالَ: "اقْرَؤُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4729، م: 2785].

ــ

الأمر وعظمته يعني أنه تعالى يأخذهم بالشدائد كمن يكشف عن ساقه بالتشمير في أمر، فالإضافة إلى الرب إيذان بأن الساق هي الشدة التي لا يجليها لوقتها إلا هو، وقد وقع منكرًا في قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]، والإضافة في الحديث لمعنى ذكرنا، وقد سبق ذكره في آخر (باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس).

وقوله: (فيعود ظهره طبقًا) في (القاموس)(1): الطبق: عظم رقيق يفصل بين كل فَقَارين، والمراد أنه يصير ظهره عظمًا واحدًا ليس بين فقراته مفاصل يتيسر الرفع والخفض في السجود.

5543 -

[12](أبو هريرة) قوله: (اقرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}) أول الآية: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ} الآية [الكهف: 104 - 105] وقال اللَّه تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} الآية [المنافقون: 4].

(1)"القاموس المحيط"(ص: 831).

ص: 29