المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثالث: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(28) كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق

- ‌1 - باب النفخ في الصور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الحشر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الحساب والقصاص والميزان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الحوض والشفاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب صفة الجنة وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رؤية اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب صفة النار وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب خلق الجنة والنار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(29) كتاب الفضائل والشمائل

- ‌1 - باب فضائل سيد المرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المبعث وبدء الوحي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب في المعراج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب في المعجزات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الكرامات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(30) [كتاب المناقب]

- ‌1 - باب مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب مناقب الصحابة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب مناقب أبي بكر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب مناقب عمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مناقب عثمان رضي الله عنه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب مناقب هؤلاء الثلاثة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب مناقب علي بن أبي طالب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب مناقب العشرة رضي الله عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي اللَّه عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب جامع المناقب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي "الْجَامِعِ" لِلْبُخَارِيِّ:

- ‌13 - باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب ثواب هذه الأمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الثالث:

*‌

‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

6100 -

[14] عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُحِبُّ عَلِيًّا مُنَافِقٌ وَلَا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِسْنَادًا. [ت: 3717].

6101 -

[15] وَعَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 6/ 323].

6102 -

[16] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1): "فِيكَ مَثَلٌ مِنْ عِيسَى، أَبْغَضَتْهُ الْيَهُودُ حَتَّى بَهَتُوا أُمَّهُ، وَأَحَبَّتْهُ النَّصَارَى حَتَّى أَنْزَلُوهُ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهُ". ثُمَّ قَالَ: يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يُقَرِّظُنِي بِمَا لَيْسَ فِيَّ،

ــ

الفصل الثالث

6100 -

[14](أم سلمة) قوله: (لا يحب عليًّا منافق) وكان المنافقون يبغضونه رضي الله عنه لما كانوا يرون من جماله وكماله وسطوته في الدين، وفيه أن حب علي آية الإيمان، اللهم ثبتنا.

6101 -

[15](وعنها) قوله: (من سب عليًّا فقد سبني) وذلك لِمَا أنه يلزم من سبِّه سبُّه ومن طعنه في نسبه الطعنُ في نسبه؛ للقرابة القريبة بينهما ما لم يكن بين أحد من أصحابه.

6102 -

[16](علي) قوله: (يقرظني) أي: يمدحني، والتقريظ بالظاء المعجمة:

(1) في نسخة: "النبي".

ص: 663

وَمُبْغِضٌ يَحْمِلُهُ شَنَآنِي عَلَى أَنْ يَبْهَتَنِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ. [فضائل الصحابة لأحمد: 1221].

6103 -

[17] وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ بِغَدِيرِ خُمٍّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ " قَالُوا: بَلَى،

ــ

مدح الحي ووصفه، وفي (القاموس) (1) موافقًا لما في (الصحاح) (2): التقريظ: مدح الإنسان وهو حي بحق أو باطل، وهما يتقارظان المدح: يمدح كل صاحبه. و (الشنآن) بفتح النون وبسكونها والمد: العداوة، وقيل: شدة البغض، وفسر البيضاوي قوله:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [المائدة: 2] بشدة بغضهم وعدواتهم.

6103 -

[17](البراء بن عازب وزيد بن أرقم) قوله: (لما نزل) أي: في مرجعه من حجة الوداع. (بغدير خم) بضم خاء معجمة وتشديد ميم. في (القاموس)(3): موضع بالجحفة بين الحرمين، أو (خم) اسم غيضة هناك بها غدير ماء.

وقوله: (فقال) بعد أن جمع الصحابة: (ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وفي بعض الروايات كرره ثلاثًا، وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف، يريد به قوله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآية [الأحزاب: 6] أي: في الأمور كلها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحبَّ إليهم من أنفسهم، وأمرُه أنفذَ عليهم من أمرها،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 586).

(2)

"الصحاح"(3/ 1177).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 996).

ص: 664

قَالَ: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟ " قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ:"اللهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ". فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: هَنِيئًا يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ [حم: 4/ 281].

ــ

وشفقتهم عليه أتمَّ من شفقتهم عليها، روي أنه صلى الله عليه وسلم أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج، فقال ناس: نستأذن آباءنا وأمهاتنا، فنزلت.

وقرئ: (وهو أب لهم) أي: في الدين، فإن كل نبي أبٌ لأمته من حيث إنه أصل فيما به الحياة الأبدية، ولذلك صار المؤمنون إخوة، كذا في (تفسير البيضاوي)(1).

وقوله: (أني أولى بكل مؤمن من نفسه) تأكيد وتكرير يفيد كونه أولى بكل واحد من المؤمنين كما أن الأول يفيده بالنسبة إليهم جميعًا.

وقوله: (اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه) وفي رواية: (ثم رفع يد علي وقال).

وقوله: (وعاد من عاداه) وزاد في رواية: (وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأَدِرِ الحق معه حيث دار).

اعلم أن هذا الحديث أقوى ما تمسكت به الشيعة في ادعائهم النص التفصيلي المصرِّح بخلافة علي رضي الله عنه، فإنهم قالوا: المولى بمعنى: الأولى بالولاية، بدليل قوله:(ألست أولى بكم) لا الناصر والمحبوب، وإلا لما احتاج إلى جمعهم لذلك مع الدعاء له لأن ذلك يعرفه كل أحد، قالوا: ولا يكون هذا الدعاء إلا لإمام معصوم مفترَضِ الطاعة، فلعليٍّ عليهم من الولاء ما له صلى الله عليه وسلم عليهم منه، فهذا نص صريح على خلافته،

(1)"تفسير البيضاوي"(4/ 225).

ص: 665

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وطرقه كثيرة جدًّا، رواه ستة عشر صحابيًا، وفي رواية لأحمد: أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون صحابيًا، وشهدوا به لعلي صلى الله عليه وسلم لما نوزع أيام خلافته، وكثير من أسانيده صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته، ولا إلى قول بعضهم: إن زيادة: (اللهم وال من والاه)، إلى آخره موضوع، فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرًا منها، كذا قال الشيخ ابن حجر في (الصواعق المحرقة)(1).

وقال أيضًا: ولكن نقول إلزامًا للشيعة: إنهم اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدل به على الإمامة، وهو منتفٍ فيه للخلاف في صحته، وإن كان مردودًا، بل الطاعنون في صحته جماعة من أئمة الحديث وعدوله المرجوع إليهم فيه، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم، ولم يروه بعض المتقنين الحافظين الذين طافوا البلاد وساروا الأمصار في طلب الحديث كالإمام البخاري ومسلم والواقدي وغيرهم من أكابر أهل الحديث، وهذا وإن لم يُخلَّ بصحته لكن دعوى التواتر في مثله أعجب من كل عجب، وقد اشترطوا التواتر في أحاديث الإمامة.

هذا وقد رد عليهم أهل السنة والجماعة، وكلامهم في ذلك طويل مذكور في (الصواعق المحرقة) للشيخ ابن حجر المكي، ونحن نقلنا منه ما تيسر اختصارًا، قال: لا نسلم أن معنى المولى ما ذكروه، بل معناه الناصر لأنه مشترك بين معان كالمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والناصر والمحبوب، وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكمٌ لا يعتد به، ونحن وهم متفقون على صحة إرادة الحِب -بالكسر-

(1)"الصواعق المحرقة"(1/ 106 - 119).

ص: 666

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والناصر، وعلي رضي الله عنه سيدنا وحبيبنا وناصرنا، على أن كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة ولا شرعًا، ولم يذكر أحد من أئمة اللغة أن مَفْعلًا يأتي بمعنى أفعل، ويقال: هو أولى من كذا، دون: مولى من كذا، وأولى الرجلين دون مولاهما، فالغرض من التنصيص على موالاته الاجتناب من بغضه؛ لأن التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه، وصدَّره بـ (ألست أولى بكم من أنفسكم) ليكون أثبت على قبولهم إياه، وكذا بالدعاء له لأجل ذلك أيضًا، ويرشد لما ذكرناه حثه صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة على أهل بيته عمومًا وعلى علي خصوصًا، كما جاء عند الطبراني وغيره بسند صحيح، وأيضًا سبب ذلك كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن إسحاق: أن عليًا تكلم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم حجه خطبها تنبيهًا على قدره وردًّا على من تكلم فيه كبريدة، كما ذكر في (صحيح البخاري) أنه كان يبغضه، وذكر الذهبي وصححه (1): أنه خرج معه إلى اليمن فرأى منه جفوة فنقصه للنبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يتغير وجهه ويقول:(يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال:(من كنت مولاه فعلي مولاه)، سلمنا أنه أولى، لكن لانسلِّم أن المراد أنه أولى بالإمامة بل بالاتباع والقرب منه فهو كقوله تعالى:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران: 68] ولا قاطع ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما في فهم الحديث، فإنهما لما سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، أخرجه الدارقطني. وأخرج أيضًا أنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئًا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه مولاي،

(1) انظر: "المستدرك"(4578).

ص: 667

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سلمنا أولى بالإمامة، فالمراد المآل وإلا لكان هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه وسلم، ولا تعرض فيه لوقت المآل، فكان المراد حين يوجد عقد البيعة له، فلا ينافي حينئذ تقديم الأئمة الثلاثة عليه، لانعقاد الإجماع حتى من عليٍّ فيه، للأخبار المصرِّحة بإبامة أبي بكر بعده صلى الله عليه وسلم، وكيف كان نصًا على إمامته ولم يَحتجَّ به ولا العباس ولا غيرهما وقت الحاجة إليه، وإنما احتج به علي في خلافته، فسكوته عن الإفصاح إلى أيام خلافته قاض بأنه علم منه أنه لا نص فيه على خلافته عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، على أن عليًّا رضي الله عنه صرح بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينص عليه ولا على غيره، كما جاء في الأخبار الصحيحة.

وفي (صحيح البخاري) وغيره خروج علي والعباس من عند النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث، ولو كان حديث (من كنت مولاه) نصًا في إمامة علي لم يحتج هو والعباس إلى مراجعته صلى الله عليه وسلم، ولما قال العباس: فإن كان هذا الأمر فينا علمناه، مع قرب العهد جدًا بيوم الغدير نحو الشهرين، وتجويز النسيان على سائر الصحابة السامعين بخبر يوم الغدير وسترهم لذلك مع وجود العلم مُحالٌ عادي، [يجزم العاقل بأدنى بديهته بأنه لم يقع منهم نسيان ولا تفريط] وأنهم كانوا حال بيعتهم لأبي بكر متذكرين لذلك الحديث عالمين [به وبمعناه]، على أنه صلى الله عليه وسلم خطب بعد يوم الغدير وأعلن بحق أبي بكر وعمر، وقال لهما:(لا يتأمر عليكما أحد بعدي)، أخرجه ابن سعد عن بسطام بن أسلم، وقد ثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنما حث على مودة أهل بيته ومحبتهم واتباعهم، وشتان ما بينهما وبين مقام الخلافة.

وزعم الشيعة والرافضة بأن الصحابة علموا هذا النص، ولم ينقادوا له عنادًا ومكابرة وظلمًا، وإنما تركه عليٌّ تقيةً، وهذا كذب وافتراء لأنه كان في منعةٍ من قومه

ص: 668

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مع كثرتهم وشجاعتهم، وإذا احتج أبو بكر بخبر:(الأئمة من قريش)، فكيف سلَّموا له هذا الاستدلال؟ ولأي شيء لم يقولوا له: ورد النص على إمامة عليٍّ فكيف تحتج بمثل هذا العموم؟

وقد أخرج البيهقي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال: أصل عقيدة الشيعة تضليل الصحابة، والرافضة يقولون بتكفيرهم؛ لأنهم غاندوا بترك النص على إمامة علي رضي الله عنهم أجمعين.

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: إن فيما ذهبت إليه الرافضة مما ذكر إبطالًا للإسلام رأسًا؛ لأنه إذا أمكن اجتماعهم على كتم النصوص أمكن منهم نقل الكذب والتواطؤ عليه لغرض، فيمكن أن سائر ما فعلوه من الأحاديث زور وباطل.

وأيضًا ما المانع من قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته السابقة يوم الغدير: هذا الخليفة بعدي، فعدوله إلى ما سبق من قوله:(من كنت مولاه) إلى آخره ظاهر في عدم إرادة ذلك، وقد أخرج أبو نعيم عن الحسن المثنى بن الحسين السبط أنه لما قيل له ذلك -أي: خبر (من كنت مولاه) نص في إمامة علي- فقال: أما واللَّه لو كان يعني به النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الإمارة والسلطان لأفصح لهم به، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان أفصح الناس للمسلمين، ولقال لهم: يا أيها الناس هذا ولي أمري والقائم عليكم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، فواللَّه لئن كان اللَّه ورسوله اختارا عليًّا لهذا الأمر، والقيام به للمسلمين من بعده، ثم ترك علي أمر اللَّه ورسوله أن يقوم به أو يُعْذِر فيه إلى المسلمين، إن كان أعظم الناس خطيئةً لعليٌّ، إذ ترك أمر اللَّه ورسوله وحاشاه من ذلك، وقد بينتُ بالدلائل الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم لم ينص على خلافة أحد، ثبت ذلك من كلام علي رضي الله عنه، والكلام في هذا المقام

ص: 669

6104 -

[18] وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهَا صَغِيرَةٌ"، ثُمَّ خَطَبَهَا عليٌّ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. [ن: 3221].

6105 -

[19] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِسَدِّ الأَبْوَابِ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [ت: 3732].

6106 -

[20] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَتْ لِي مَنْزِلَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلَائِقِ، آتِيهِ بِأَعْلَى سَحَرٍ، فَأَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَإِنْ تَنَحْنَحَ انْصَرَفْتُ إِلَى أَهْلِي وَإِلَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. [ن: 1213].

ــ

طويل، وهذا القدر يكفي لمن أنصف، ومن تعصب وزاغ فلا كلام معه إلا السكوت، واللَّه أعلم وعلمه أحكم.

6104 -

[18](بريدة) قوله: (ثم خطبها علي) وجاء في بعض الروايات: أنه قالت أم أيمن له رضي الله عنه: كيف لا تخطب فاطمة وأنت ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال علي: أنا أستحيي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أخطبه لذلك، فلما علم رضي الله عنه رضاه بذلك خطبه، أو كما جاء.

6105 -

[19](ابن عباس) قوله: (أمر بسد الأبواب إلا باب علي) قد مرّ الكلام عليه في (مناقب أبي بكر) في سد كل خوخة إلا خوخة أبي بكر.

6106 -

[20](علي) قوله: (لم تكن لأحد من الخلائق) يريد كمالَ قربه وخصوصيته برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقَدْرَه ومنزلته عنده، وإنما قال:(لأحد من الخلائق)

ص: 670