الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
6007 -
[1] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدُكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا. . . . .
ــ
قول سالم.
قال أبو عمر: فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية.
وأجابوا عن هذه الأحاديث بما ذكر في محله، وقالوا: إن المفضول قد يكون فيه مزية لا توجد في الفاضل، وأيضًا مجرد زيادة الأجر لا تستلزم الأفضلية المطلقة، وأيضًا الخيرية إنما تكون باعتبار ما يمكن أن يجتمعا فيه وهو عموم الطاعات المشتركة بين سائر المؤمنين، فلا يبعد حينئذ تفضيل بعض من يأتي على بعض من الصحابة في ذلك، وأما ما اختص به الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم أجمعين وفازوا من مشاهدة طلعته صلى الله عليه وسلم ورؤية ذاته المشرفة المكرمة فأمر من وراء العقل، إذ لا يسع أحد أن يأتي من الأعمال وإن جلت بما يقارب ذلك فضلًا عن أن يماثله، وعلم من قول أبي عمر بن عبد البر: إلا أهل بدر والحديبية أن الكلام في غير أكابر الصحابة ممن لم يفز إلا بمجرد رؤيته صلى الله عليه وسلم، وقد ظهر أنه فاز بما لم يَقْرَبْه مَن بعده، واللَّه أعلم.
الفصل الأول
6007 -
[1](أبو سعيد الخدري) قوله: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم) الظاهر أن الخطاب لمن بعد الصحابة نزلوا منزلة الموجودين الحاضرين، وقيل: للموجودين من العوام في ذلك الزمان الذين لم يصاحبوه صلى الله عليه وسلم، ويفهم خطابُ مَن بعدهم بدلالة النص، وقال السيوطي: الخطاب بذلك للصحابة، لِمَا ورد أن سبب الحديث أنه
مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3673، م: 2541].
6008 -
[2] وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَفَعَ -يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ: "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ،
ــ
كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فالمراد بـ (أصحابي) أصحاب مخصوصون وهم السابقون على المخاطبين في الإسلام، وقيل: نَزّل الساب منهم لتعاطيه ما لا يليق به من السب منزلة غيرهم، فخاطبه خطاب غير الصحابة، ولا يخفى ما فيه من التكلف، والوجه هو الأول.
و(المد) بالضم المكيال وهو رطلان أو رطل وثلث، والجمع أمداد، و (النصيف) لغة في النصف، وقيل: مكيال دون المُد، وعلى الأول ضمير (نصيفه) للمُد وعلى الثاني لـ (أحدهم).
6008 -
[2](أبو بردة) قوله: (وعن أبي بردة) اسمه عامر، وقيل: الحارث (عن أبيه) وهو أبو موسى الأشعري.
وقوله: (وكان كثيرًا مما يرفع رأسه) والظاهر أن (كثيرًا) صفة زمان محذوف، و (مما) خبر كان، وكلمة (ما) يعم العقلاء، أي: كان صلى الله عليه وسلم ممن يرفع رأسه كثيرًا، أو (من) زائدة، وما ذكره الطيبي في توجيهه حيث قال: من بيان لـ (كثيرًا) وهو خبر (كان) أي: كان كثيرًا رَفْعُ رأسِهِ، و (ما) مصدرية، لا يخلو عن شيء.
وقوله: (النجوم أمنة) بفتحات بمعنى الأمن، أي: سبب أمن، أمن كفرح أمنًا وأمانًا وأمنة، ومنه قوله تعالى:{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً} [الأنفال: 11]، ويروى:(أمنة) بسكون الميم مرة من الأمن، أو جمع أمين بمعنى الحافظ كسفير وسَفَرة، أو
فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومَ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَنَا أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2531].
6009 -
[3] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ (1): هَلْ فِيكُمْ مِنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ،
ــ
جمع آمن كبارٍّ وبررة، ولعل هذا يجعله صيغة النسبة، وعلى كل تقدير لفظ الجمع بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يكون من قبيل {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120].
وقوله: (فإذا ذهبت النجوم) ذهاب النجوم تكديرها وانكدارها وإعدامها، وقد جعله اللَّه سبحانه سبب إتيان السماء ما توعد -وهو انفطارها وانشقاقها- وأمارةً عليه.
ويحتمل أن يكون ذلك من قِبَل أن النجوم نورانية وزينة للسماء، وواسطة في حدوث بعض الحوادث في الأرض مثل الحر والبرد، ونضج الأثمار ونزول الأمطار، يجعل اللَّه إياها أسبابًا عادية، واللَّه أعلم.
والمراد بما توعد الأصحاب: الفتنُ والحروبُ وارتدادُ الأعراب، وبما توعد الأمة: البدع والحوادث والفتن وذهاب الخير ومجيء الشر.
6009 -
[3](أبو سعيد الخدري) قوله: (فيغزو فئام) بكسر الفاء والهمزة:
(1) في نسخة: "فيقال".
ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُبْعَثُ مِنْهُمُ الْبَعْثُ، فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فِيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يُبْعَثُ البَعْثُ الثَّاني،
ــ
الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه، والجمع: فُؤُم ككتب، كذا في (القاموس)(1)، وفي (المشارق) (2): قال بعضهم: هو بفتح الفاء، حكاه الخليل وهو رواية القابسي، وأدخله صاحب (العين) في حرف الياء بغير همزة وغيره بهمزة، وكذا قاله القابسي، وحكى الخطابي أن بعضهم رواه (فيّام) بالفتح مشدد الياء وهو غلط، وفي المهموز ذكره الهروي، وكذا قيد عن أبي ذر بالهمزة.
وقوله: (يبعث) أي: يرسل فيهم (البعث) أي: الجيش، قال في (القاموس) (3): البعث ويحرك: الجيش، والجمع البعوث.
وقوله: (هل تجدون فيكم) بكاف الخطاب، وفي قرائنه:(فيهم) بلفظ الغائب.
وقوله: (البعث الثاني) بالتوصيف وكذا في البعث الثالث، وفي الرابع بالإضافة، كذا وجدنا في نسخ (المشكاة) و (المصابيح)، وتأويله: بعث القوم الرابع، ففي هذه
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1032).
(2)
"مشارق الأنوار"(2/ 144).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 152).
فيَقُولونَ: هَلْ فِيْهِمْ مَن رَأَى أَصْحَابَ رَسَولِ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم؟ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّالِثُ، فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ ثُمَّ يَكُونُ بَعْثُ الرَّابعِ، فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ أَحَدًا رَأَى مَنْ رَأَى أَحَدًا رَأَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَه" (2). [خ: 3649، م: 2532].
6010 -
[4] وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،
ــ
الرواية وقع إلى أربعة مراتب، وهكذا وقع في رواية للبخاري حديث (خير القرون) إلى أربعة.
6010، 6011 - [4، 5](عمران بن حصين) قوله: (خير أمتي قرني) القرن أهل زمان واحد متقارب أشركوا في أمر من الأمور المقصودة، وقد يطلق على طائفة من الزمان، واختلفوا في تحديده، وقد ذكرناه من قبل مع الإشارة إلى ما هو الأصح، وقيل: الأصح أنه لا يضبط بمدة، فقرنه صلى الله عليه وسلم هم الصحابة، وكانت مدتهم من البعث إلى آخر من مات منهم مئةً وعشرين سنة، وقرن التابعين من سنة مئة إلى نحو سبعين، وقرن أتباع [التابعين] من ثم إلى حدود العشرين ومئتين، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا، وأطلقت المعتزلة ألسنتهم، ورفعت الفلاسفة رؤوسهم، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرًا شديدًا، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن، وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم:(يفشو الكذب)، كذا ذكر السيوطي.
(1) في نسخة: "النبي".
(2)
في نسخة: "لهم".
ثُمَّ إِنَّ بَعْدَهُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ،
ــ
وقوله: (يشهدون ولا يستشهدون) ذم على الشهادة قبل الاستشهاد، وقد ورد:(خير الشهود من يأتي بالشهادة قبل أن يسأل)، فقيل في الجمع بينهما: إن الذم في حق من يعلم كونه شاهدًا، فيشهد قبل أن يسألها صاحبها، والمدح فيمن لا يعلم شهادته، فيخبر بها حتى يستشهد عند القاضي، وقيل: هي الأمانة والوديعة وما لا يعلمه غيره، وقيل: هو مثلٌ في سرعة إجابته إذا استشهد عند القاضي، وحديث المدح مخصوص، وحديث الذم عام فيمن يؤدي الشهادة قبل أن يسألها صاحب الحق فلا يقبل، أو معناه: يتحملون الشهادة بدون التحميل.
وقيل: المدح محمول على شهادة الحسبة كالطلاق والعتاق، أو على مبالغة في أدائها بعد طلبها نحو: الجواد يعطي قبل سؤاله، والذم محمول على من ليس بأهل لها أو على شهادة الزور، وقيل: الذم في حقوق الناس، والمدح في حقوق اللَّه تعالى إذا لم ير المصلحة في الستر، وقيل: أراد بالشهادة المذمومة التألي على اللَّه نحو: فلان في الجنة وفلان في النار.
وقال القاضي عياض (1): وقيل: معناه ههنا: يحلفون كذبًا ولا يُستحلفون كما قال في الرواية الأخرى، وجاء في رواية:(تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)(2)، والحلف يسمى شهادة، قال اللَّه تعالى:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} الآية [النور: 6]، انتهى.
قال الكرماني (3): فإن قلت: تقديم الشهادة على اليمين وعكسه ورد؟ قلت: أراد حرصهم عليها وقلة مبالاة بالدين بحيث تارة يكون هذا وتارة عكسه.
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 259).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2652).
(3)
انظر: "شرح الكرماني"(11/ 173).