المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثالث: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(28) كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق

- ‌1 - باب النفخ في الصور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الحشر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الحساب والقصاص والميزان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الحوض والشفاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب صفة الجنة وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رؤية اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب صفة النار وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب خلق الجنة والنار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(29) كتاب الفضائل والشمائل

- ‌1 - باب فضائل سيد المرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المبعث وبدء الوحي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب في المعراج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب في المعجزات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الكرامات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(30) [كتاب المناقب]

- ‌1 - باب مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب مناقب الصحابة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب مناقب أبي بكر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب مناقب عمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مناقب عثمان رضي الله عنه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب مناقب هؤلاء الثلاثة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب مناقب علي بن أبي طالب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب مناقب العشرة رضي الله عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي اللَّه عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب جامع المناقب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي "الْجَامِعِ" لِلْبُخَارِيِّ:

- ‌13 - باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب ثواب هذه الأمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الثالث:

*‌

‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

5861 -

[10] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ قَالَ: . . . . .

ــ

مسلم)، انتهى.

وقال القاضي عياض في (المشارق)(1): ولقد بلغن تاعوس البحر، كذا للسجزي، وعند العذري والفارسي: قاعوس بالقاف، وكلاهما بعين وسين مهملتين، وذكره الدمشقي: قاموس البحر بالقاف والميم، وهو الذي يعرفه أهل اللغة، ورواه أبو داود: قاموس أو قايوس على الشك في الميم أو الياء، وفي رواية علي بن المديني: ناموس بالنون، وقد روي عن ابن الحذاء: ياعوس بالياء باثنتين تحتها، وروي عن غيره بالباء بواحدة، وكله وهم وغلط، قال الجياني: لم أجد لهذه اللفظة ثلجًا.

قال أبو مروان بن سراج: قاموس البحر فاعول من قمسه إذا غمسه، قال أبو عبيدة: قاموس البحر: وسطه، وفي (الجمهرة): لجته، وفي (العين): قال فلان قولًا بلغ قاموس البحر: أي: قعره الأقصى، وهذا أبين في هذا الحديث على هذه الرواية، وقال لي شيخنا أبو الحسين: قاعوس البحر صحيح مثل: قاموس كأنه من القعس وهو دخول الظهر وتعمقه، أي: بلغن عمق البحر ولجته الداخلة، وقال المطرز: صوابه الفاعوس بالفاء: الحية، والناعوس غير معروف في اسم الحية، أي: بلغن دواب البحر، انتهى، واللَّه أعلم.

الفصل الثالث

5861 -

[10](ابن عباس) قوله: (من فيه إلى في) أي: حديثًا مبتدأ من فيه

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 190).

ص: 369

انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَبينا أَنَا بِالشَّام إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ. قَالَ: وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ، فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ، فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ،

ــ

منتهيًا إلى فيّ، أي: من غير واسطة بيني وبينه.

وقوله: (في المدة التي كانت بيني وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) يريد مدة صلح الحديبية، وكان بين قريش كلهم، لكن أبا سفيان رئيسهم بعد هلاكهم في غزوة بدر، و (هرقل) اسم ملك الروم وقيصره، وهو بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف، ويقال: بكسر الهاء والقاف وسكون الراء، غير منصرف، و (دحية) بقتح الدال وكسرها.

وقوله: (فدفعه إلى عظيم بصرى) بضم الباء وسكون الصاد، وهكذا أمره صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى، وهو يدفعه إلى هرقل، وكان من أعاظم أمرائه، والدفع بالدال يطلق على الحركة من الأعلى إلى الأسفل، فلذا ذكره هنا دون الرفع بالراء كما يكتب في المراسلات تعظيمًا للمرسل إليه، وإنما ذكر الدفع في إرسال عظيم بصرى إلى هرقل إما مشاكلة وإما لأن الكتاب واحد، والطريق واحد، فافهم.

وقوله: (في نفر من قريش) وكانوا ثلاثين، رواه الحاكم في (الإكليل)، ولابن السكن: نحو من عشرين، كذا في (فتح الباري)(1).

وقوله: (فأجلسنا) بلفظ المجهول من الإجلاس، كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: بلفظ المعلوم، أي: أمر بإجلاسنا.

(1)"فتح الباري"(1/ 33).

ص: 370

فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا، فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي، ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَأيْمُ اللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ الْكَذِبُ لَكَذَبْتُهُ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلَكٍ؟ . . . . .

ــ

وقوله: (فقلت: أنا) لأنه لم يكن في النفر أحد من بني عبد مناف غيري، وأرجح اللغات في الترجمان فتح التاء وضم الجيم، (وقل لهم) أي: لأصحاب أبي سفيان.

وقوله: (هذا) إشارة إلى أبي سفيان.

وقوله: (فإن كذبني) بالتخفيف، أي: يقول كذبًا، (فكذبوه) بالتشديد بلفظ الأمر.

وقوله: (لولا مخافة أن يؤثر عليّ الكذب لكذبته) يؤثر من الأثر، أي: لولا مخافة أن يروى عني الكذب في قومي لكذبت، أي: لقلت كذبًا، والضمير لهرقل، ويحتمل أن يكون معناه: لولا مخافة أن يكذبني هؤلاء الذين معي، وفيه أن الكذب كان قبيحًا في الجاهلية أيضًا.

وقوله: (كيف حسبه فيكم؟ ) وفي (صحيح البخاري): كيف نسبه فيكم؟ والحسب محركة: ما يعده الرجل من مفاخر آبائه، ويجيء بمعنى الكرم والشرف في الفعل، والشرف الثابت في الآباء، ويرجع إلى شرف النسب، فتتطابق الروايتان.

وقوله: (فهل كان من آبائه من ملك) هكذا بحرف الجر، و (ملك) صفة مشبه في رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، ولأبي ذر عن الكشميهني: (مَنْ

ص: 371

قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: وَمَنْ يَتْبَعُهُ؟ (1) أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: . . . . .

ــ

مَلَكَ) بفتح (مَنْ)، و (مَلَكَ) فعل ماض، ولأبي ذر في رواية:(من آبائه ملك) بإسقاط (من)، والأول أشهر.

وقوله: (أشراف الناس) بحذف ألف الاستفهام من تتمة السؤال، والمراد بأشراف الناس هنا أهل النخوة والتكبر منهم لا كل شريف، وأيّ رجل أشرف من علي وأبي بكر وأمثالهما ممن أسلم قبل سؤال هرقل، ووقع في رواية ابن إسحاق: تبعه منا الضعفاء والمساكين والأحداث، فأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم، وهو محمول على الأكثر الأغلب، فافهم.

وقوله: (سخطة) بضم أوله وفتحه وسكون الثاني، وخرج به من ارتد مكرهًا لا لسخط لدين الإسلام بل لحظ نفساني كما وقع لعبيد اللَّه بن جحش، كذا قال الشيخ (2).

وقوله: (فكيف كان قتالكم إياه؟ ) أي: تقع النصرة له أو لكم؟ أو تارة فتارة؟

(1) قال القاري (9/ 3753) بسكون التاء وفتح الباء، وفي نسخة بتشديد الفوقية وكسر الموحدة.

(2)

"فتح الباري"(1/ 35).

ص: 372

تَكُونُ (1) الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ،

ــ

فأجاب بالشق الأخير. و (السجال) بكسر المهملة جمع سجل بفتحها، و (الحرب) اسم جنس فصح الإخبار عنه بالجمع، أشار أبو سفيان بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر، وغزوة أحد، وقد صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد في قوله: يوم بيوم بدر والحرب سجال، وقيل: وكذلك يوم الخندق أصيب من الطائفتين ناس قليل.

وقوله: (يصيب منا ونصيب منه) هذا اللفظ يحتمل معنيين، أحدهما: يبلينا بالمصيبة ونبليه كما جاء في الحديث: (من يرد اللَّه به خيرًا يصب منه)(2) أي: أبلاه بالمصائب، وثانيهما: أنه يصيب البلاء من جانبنا ونصيبه من جانبه على عكس المعنى الأول، والمآل واحد، والظاهر هو الأول من مثل هذه العبارة كما ذكرنا، وفي رواية: ينال منا وننال منه.

وقوله: (في هذه المدة) أي: مدة الصلح.

وقوله: (قال) أي: أبو سفيان: (ما أمكنني أن أدخل فيها) أي: في الكلمات التي قلت في صفات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مما يشير إلى نسبة نقص إليه صلى الله عليه وسلم غير هذه الكلمة، فإنها يشير إلى احتمال وقوع العذر منه صلى الله عليه وسلم.

(1) بالتأنيث ويذكر، قاله القاري (9/ 3753).

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(5645)، ومالك في "الموطأ"(1978).

ص: 373

وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ. قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ، فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا، يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ: رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ،

ــ

وقوله: (وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها) تأنيث الضمير باعتبار الجماعة. فقوله: (إذا خالط بشاشته القلوب) بشاشته فاعل (خالط)، و (القلوب) مفعوله، وروي: خالط بشاشة القلوب، من غير اتصال ضمير، ففي (خالط) ضمير للإيمان و (بشاشة) مفعوله مضاف إلى (القلوب)، والبش والبشاشة: طلاقة الوجه، والإقبال على أخيك، والضحك إليه، وفرح الصديق، والمراد هنا اللذة والحلاوة والانشراح.

ص: 374

قَالَ: ثُمَّ قَالَ: بِمَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْنَا: يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. قَالَ: إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمَ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ، وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ. ثم دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4553، م: 1773].

ــ

وقوله: (قال: ثم قال) أي: قال أبو سفيان: ثم قال هرقل وسألني، وذكر في (صحيح البخاري) (1): أن هرقل نظر في النجوم فقال لهم: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون، فقال: هذا ملك هذه الأمة.

وقوله: (ولو أعلم أني أخلص) بضم اللام، أي: أصل إليه.

وقوله: (فقرأه) وتتمة الحديث في (صحيح البخاري): أن هرقل دعا قومه إلى الإيمان فأبوا، فتركهم على ذلك، واختلف في إيمان هرقل، والأرجح بقاؤه على الكفر. ففي (مسند أحمد) (2): أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إني مسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(كذب بل هو على النصرانية)، وقالوا: قد عرف هرقل صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما شح بالملك ورغب في الرئاسة فآثرها على الإسلام، وقيل: إنه جهز الجيوش إلى تبوك، وجهز الجيوش على أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقاتلهم، ولم يقصر في تجهيز الجيش عليهم من الروم وغيره كرة بعد كرة، فيهزمهم اللَّه ويهلكهم، ولا يرجع إليه منهم إلا أقلهم، واستمر على ذلك إلى أن مات وقد فتح أكثر بلاد الشام، ثم ولي بعده ولده،

(1)"صحيح البخاري"(7).

(2)

انظر: "صحيح ابن حبان"(10/ 357).

ص: 375