المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(28) كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق

- ‌1 - باب النفخ في الصور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الحشر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الحساب والقصاص والميزان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الحوض والشفاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب صفة الجنة وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رؤية اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب صفة النار وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب خلق الجنة والنار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(29) كتاب الفضائل والشمائل

- ‌1 - باب فضائل سيد المرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المبعث وبدء الوحي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب في المعراج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب في المعجزات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الكرامات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(30) [كتاب المناقب]

- ‌1 - باب مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب مناقب الصحابة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب مناقب أبي بكر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب مناقب عمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مناقب عثمان رضي الله عنه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب مناقب هؤلاء الثلاثة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب مناقب علي بن أبي طالب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب مناقب العشرة رضي الله عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي اللَّه عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب جامع المناقب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي "الْجَامِعِ" لِلْبُخَارِيِّ:

- ‌13 - باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب ثواب هذه الأمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

5852 -

[1] عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً. فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَةُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ،

ــ

الفصل الأول

5852 -

[1](أنس) قوله: (فصرعه) أي: ألقاه على الأرض (فشق عن قلبه) أي: صدعه، وكلمة (عن) لتضمين معنى الكشف، والعلقة بفتحات: دم غليظ أسود، قيل: هو أم المفاسد والمعاصي في القلب، وفي (القاموس) (1): العلق محركة: الدم عامة، أو الشديد الحمرة، أو الغليظ، أو الجامد، والقطعة منه بهاء.

وقوله: (هذا حظ الشيطان منك) الظاهر أنه متعلق بحظ، ويجوز أن يكون ظرفًا مستقرًا، قالوا: نزع منه صلى الله عليه وسلم حظ الشيطان منه رأسًا، وكذا كليات النفس، وأبقى بعض جزئياتها بحسب الجبلة البشرية ليكون سببًا لنزول القرآن، وباعثًا على تشريع الأحكام، وتلك أيضًا في صفاء ونورانية ولطافة، وذلك قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110]، كذا قال في (العوارف)، واللَّه أعلم.

(الطست) بالسين والشين، قالوا: أصله طس بدليل جمعه على طساس أبدلت سينه تاء، ونقل عن الأزهري: أن هذه اللفظة دخيلة في كلام العرب لأن التاء والطاء لا يجتمعان في كلمة عربية.

وقوله: (بماء زمزم) استدل بهذا على أن ماء زمزم أفضل وأشرف من ماء الجنة إذ لو لم تكن كذلك لغسله به، قيل: كان ماء زمزم حاضرًا بخلاف ماء الجنة، وهذا

(1)"القاموس المحيط"(ص: 839).

ص: 352

ثُمَّ لأَمَهُ وَأَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمُّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ. فَقَالُوا: إِنْ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ، قَالَ أَنَسٌ: فَكُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 162].

ــ

كما يرى ضعيف سخيف من القول على أنه لو سلم فإنما يصح ظاهرًا في الشق ليلة المعراج، إذ كان في الحرم، والشق في الصغر كان عند حليمة، فافهم.

وقوله: (ثم لأمه) بلفظ الماضي مهموز العين من القيام بالجراحة، أي: جمعه وضمه.

وقوله: (منتقع اللون) بالقاف المفتوحة، أي: متغيره ومغبره، افتعال من النقع بمعنى الغبار. و (المخيط) إما مصدر يتم بمعنى الخياطة، ويجوز أن يكون اسم مفعول، يقال: ثوب مخيط ومخيوط.

اعلم أن شق صدره الشريف كان أربع مرار، الأولى: في صغره عند حليمة كما ذكر في الكتاب من مسلم عن أنس، وروى أحمد كذلك، وفي لفظ آخر عند أحمد والدارمي والحاكم وصححه، والطبراني والبيهقي وأبو نعيم (1) عن عتبة بن عبد السلمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا، ولم نأخذ معنا زادًا، فقلت: يا أخي! اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا، فانطلق أخي ومكثت عند البهم، فأقبل إليّ طيران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، فأقبلا يبتدرانني فأخذاني فبطحاني إلى القفا، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي، فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني

(1)"مسند أحمد"(4/ 184)، و"سنن الدارمي"(1/ 13)، و"المستدرك"(2/ 673)، و"دلائل النبوة" للبيهقي (1/ 295)، و"دلائل النبوة" لأبي نعيم (1/ 112 - 113).

ص: 353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بماء وثلج، فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد، فغسلا به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة فذرَّاها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: حصه فحاصه، وختم عليه بخاتم النبوة).

والمرة الثانية: وهو ابن عشر سنين، روى عبد اللَّه بن الإمام أحمد في (زوائد المسند) بسند رجاله ثقات، وابن حبان والحاكم وأبو نعيم وابن عساكر والضياء في (المختارة) عن أبي بن كعب أن أبا هريرة قال: يا رسول اللَّه! ما أول ما ابتدأت من أمر النبوة؟ قال: إني لفي صحراء ابن عشر حجج إذا أنا برجلين فوق رأسى يقول أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، فأخذاني فاستقبلاني بوجوه، لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلاني يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسًّا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه فاضجعاني بلا قصر ولا هصر) (1)، وفي لفظ:(فلصقاني بحلاوة القفا، ثم شقا بطني)، وفي لفظ: (فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري، ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع، فكان أحدهما يختلف بالماء في طست من ذهب، والآخر يغسل جوفي، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فإذا صدري فيما أرى مفلوقًا لا أجد له وجعًا، ثم قال: اشقق قلبه، فشق قلبي فقال: أخرج الغل والحسد منه، فأخرج شبه العلقة فنبذ به، ثم قال: أدخل الرأفة والرحمة في قلبه، فأدخل شيئًا كهيئة الفضة، ثم أخرج ذرورًا كان معه فذره عليه ثم نقر إبهامي ثم قال: اغد، فرجعت بما لم أغد به

(1)"مسند أحمد"(5/ 139)، و"دلائل النبوة"(1/ 199)، و"الأحاديث المختارة"(4/ 38)، و"تاريخ دمشق"(3/ 463).

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من رحمتي للصغير ورأفتي على الكبير).

المرة الثالثة: عند البعثة، روى أبو داود الطيالسي والحارث بن أبي أسامة في (مسنديهما) والبيهقي وأبو نعيم (1) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نذر أن يعتكف شهرًا هو وخديجة [بحراء]، فوافق ذلك شهر رمضان، فخرج ذات ليلة فسمع السلام عليك، قال: فظننتها فجأة الجن، فجئت مسرعًا حتى دخلت على خديجة [فسجتني ثوبًا]، وقالت: ما شأنك؟ فأخبرتها، فقالت: أبشر فإن السلام خير، ثم خرجت مرة أخرى فإذا جبريل على الشمس جناح له بالمشرق، وجناح له بالمغرب، فجفلتُ منه فجئت مسرعًا، فإذا هو بيني وبين الباب، فكلمني حتى انست به، ثم وعدني موعدًا فجئت إليه، فأبطأ علي، فأردت أن أرجع، فإذا أنا به وبميكائيل قد سدّا الأفق، فهبط جبريل فبقي جبريل بين السماء والأرض، فأخذني جبريل فسلقني بحلاوة القفا، ثم شق عن قلبي فاستخرجه، ثم استخرج منه ما شاء اللَّه أن يستخرج، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه، ثم لأمه، ثم كفأني كما يكفأ الإناء، ثم ختم في ظهري حتى وجدت مس الخاتم في قلبي، وذكر الحديث.

المرة الرابعة: ليلة الإسراء، روى مسلم (2) عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أتيت وأنا في أهلي؛ فانطلق بي إلى زمزم، فشرح صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئة إيمانًا وحكمة، فحشي بها صدري -قال أنس:

(1)"مسند أبي داود"(3/ 125)، و"مسند الحارث"(2/ 867)، و"دلائل النبوة" لأبي نعيم (1/ 215).

(2)

"صحيح مسلم"(164).

ص: 355

5853 -

[2] وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2277].

ــ

ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرينا أثره-، فعرج بي الملك إلى السماء الدنيا)، وذكر حديث المعراج.

واعلم أنه قد ذكر في بعض طرق هذه الأحاديث ذكر خاتم النبوة، وفي بعضها:(فختم به قلبي فامتلأ نورًا، وذلك نور النبوة والحكمة، فوجدت برد ذلك في صدري)، وفي بعضها:(ثم ختم في ظهري حتى وجدت مس الخاتم في قلبي)، وقد ثبت أن خاتم النبوة كان في ظهره، والقول بختم قلبه صلى الله عليه وسلم وصول أثره إليه، كما يدل عليه لفظ الحديث، واللَّه أعلم.

ثم اعلم أنه قد اختلف: هل كان شق الصدر وغسل القلب مختصًا بنبينا صلى الله عليه وسلم أو وقع لغيره من الأنبياء أيضًا سلام اللَّه عليهم أجمعين؟ ونقل في (المواهب اللدنية)(1) عن ابن عباس: أنه قد ورد في خبر التابوت والسكينة: أنه كان فيه الطست الذي غسلت فيه قلوب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

5853 -

[2](جابر بن سمرة) قوله: (إني لأعرف حجرًا بمكة) قيل: هو الحجر الأسود، وقيل: هو الحجر البارز الآن بزقاق المرفق المقابل لباب الجنائز في طريق بيت خديجة، كذا ذكر الشيخ ابن حجر المكي، وقال: قد توارث ذلك عن أهل مكة خلفًا عن سلف، واللَّه أعلم.

(1)"المواهب اللدنية"(1/ 158).

ص: 356

5854 -

[3] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 868، م: 2802].

ــ

5854 -

[3](أنس) قوله: (شقتين) بكسر، أي: نصفين، وعند مسلم: فأراهم انشقاق القمر مرتين، وكذا في (مصنف عبد الرزاق) عن معمر بلفظ: مرتين، واتفقت رواية الشيخين بلفظ: فرقتين، وفي رواية: فلقتين، وفي حديث جبير: انشق القمر باثنتين، وفي رواية أبي نعيم في (الدلائل): فصار قمرين، فيكون المراد بقوله: مرتين فرقتين جمعًا بين الدلائل، ولم يجزم أحد من علماء الحديث بتعدد وقوع الانشقاق منه صلى الله عليه وسلم، كذا قالوا. و (الحراء) جبل معروف بمكة، وقد عرف ضبطه في (باب بدء الوحي).

اعلم أن انشقاق القمر قد وقع لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع المفسرون على وقوعه، فإن كفار قريش لما كذبوه طلبوا منه آية تدل على صدقه في دعواه، فأعطاه اللَّه تعالى هذه الآية العظيمة التي لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء عليهم السلام لظهورها في ملكوت السموات خارجًا عن جملة طباع ما في هذا العالم، فلذلك صار برهانه به أظهر وأبهر، وعن ابن عباس قال: لما اجتمع المشركون إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل ونظراؤهم فقالوا [للنبي صلى الله عليه وسلم] إن كنت صادقًا فشق لنا القمر فرقتين، فسأل ربه فانشق، وابن عباس إن لم يشاهد القصة لكنه حمله عن ابن مسعود، ففي حديث ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(اشهدوا)(1).

(1) أخرجه البخاري في "صحيحه"(4864)، ومسلم في "صحيحه"(2800).

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال ابن عبد البر: قد روي حديث انشقاق القمر عن جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا وتأيد بالآية الكريمة. وقال العلامة ابن السبكي في (شرحه لمختصر ابن الحاجب): والصحيح عندي أن انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن، مروي في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة بحيث لا يمترى في تواتره، كذا نقل في (المواهب)(1).

وقوله: منصوص عليه في القرآن المراد به قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} الآية [القمر: 1]، والمراد وقوع انشقاقه بدليل قوله تعالى:{وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2]؛ لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة، وعند الإمام أحمد: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، وفي حديث ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال كفار قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، قال: فقالوا: انتظروا ما يأتيكم بالسفار، فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. قال: فجاء السفار فأخبروهم بذلك.

وقال في (المواهب)(2): وقد يذكر بعض القصاص: أن القمر دخل في جيب النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من كمه، وقد حكاه الشيخ بدر الدين الزركشي عن شيخه العماد بن كثير، انتهى.

وقد أنكر هذه المعجزة جماعة من المبتدعة المتفلسة متمسكين بأن الخرق

(1)"المواهب اللدنية"(2/ 522).

(2)

"المواهب اللدنية"(2/ 527).

ص: 358

5855 -

[4] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اشْهَدُوا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4864، م: 2800].

ــ

والالتئام على الفلكيات ممتنع، وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الإسراء، وهؤلاء إن كانوا كفارًا يناظروا على ثبوت دين الإسلام، فإن أسلموا فلا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من وقوع ذلك يوم القيامة، وإذا ثبت ذلك استلزم الجواز والوقوع معجزة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يعرف هؤلاء أن القمر وجميع الأجرام العلوية مخلوق اللَّه سبحانه وتعالى، يفعل فيه ما يشاء، كما يكورها يوم القيامة، وقال بعض الملاحدة: لو كان وقع لتناقلته العوام وأهل السير والتواريخ متواترًا، ولاشترك أهل الأرض كلهم في معرفته، ولم يختص بها أهل مكة؛ لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة، والدواعي متوفرة على رواية كل غريب ونقل ما لم يعهد.

والجواب بأنه طلبه قوم خاص كما حكاه أنس فأراهم ذلك ليلًا، وكثير من الناس نيام، وكان ذلك في قدر لحظة، وقد يكون القمر حينئذ في بعض المنازل التي يظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يكون ظاهرًا لقوم غائبًا لقوم، وكما يجد الكسوف أهل بلد دون أهل بلد آخر مع أنه قد روي أنه قد رآه غير أهل مكة أيضًا كما ذكرنا من أخبار السفار، وقد أبدى الخطابي حكمة بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شيء منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع ولا خلاف كالقرآن ما حاصله: أن معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلاك من كذب بها من قومه، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين، فاقتصر على الحاضرين المكذبين المتمردين الغالين في العتو والاستكبار.

5855 -

[4](ابن مسعود) قوله: (فرقتين) قد علم شرحه في الحديث السابق.

ص: 359

5856 -

[5] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ. فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي -زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ- فَمَا فجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: . . . . .

ــ

5856 -

[5](أبو هريرة) قوله: (هل يعفر محمد وجهه) في التراب، التعفير: تتريب الوجه، عفر وجهه في التراب: مرّغه فيه، كناية عن السجدة، و (اللات) اسم صنم لثقيف بالطائف، و (العزى) اسم شجرة كانت لغطفان يعبدونها.

وقوله: (زعم) حال من فاعل (أتى)، أي: طمع وأراد، ونقل الطيبي (1) من (أساس البلاغة): أن من المجاز: زعم فلان في غير مزعم، أي: طمع في غير مطمع.

وقوله: (ليطأ) بكسر اللام ونصب الفعل بتقدير (أن)، وفي بعض النسخ بفتح اللام ورفع الفعل.

وقوله: (فما فجئهم) بلفظ الماضي بكسر الجيم من باب علم.

و(ينكص) بضم الكاف وبكسرها، أي: يرجع القهقرى ومشى على مؤخر قدميه، وأعرب الطيبي هذا التركيب بوجهين: أحدهما: أن قوله: (إلا وهو ينكص) سد مسد الفاعل كما سد مسد الخبر في قوله: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، فمعناه ما فجئ أصحاب أبي جهل من أمر أبي جهل إلا نكوص عقبيه، وثانيهما: أن الضمير في فجئ راجع إلى أبي جهل، وفي (منه) إلى الأمر، أي: ما فجئ أبو جهل أصحابه كائنًا من أمره على حال من الأحوال إلا هذه الحال، فافهم.

(1)"شرح الطيبي"(11/ 68).

ص: 360

إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2797].

5857 -

[6] وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ الآخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ. فَقَالَ: "يَا عَدِيُّ! هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ فَلَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّه، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى،

ــ

و(الخندق) بفتح الخاء والدال: حفير حول أسوار المدن، معرب كنده، و (الهول) المخافة من الأمر لا يدرى ما هجم عليه منه.

وقوله: (وأجنحة) هي أجنحة الملائكة حفظوه صلى الله عليه وسلم من شر ذلك اللعين.

5857 -

[6](عدي بن حاتم) قوله: (هل رأيت الحيرة) بكسر الحاء وسكون التحتانية وبالراء: قرية قرب فارس، وبلد قرب غانة، ومحلة نيسابور، وبلد قديم قرب الكوفة، والظاهر أن المراد هو البلد المعروفة بقرب كوفة، والنسبة حيري وحاري.

وقوله: (فلترين) بلفظ الواحد المخاطب. و (الظعينة) المرأة التي في الهودج، وقد يطلق على المرأة بلا هودج، وعلى الهودج فيه امرأة أو لا، وأصله من ظعن كمنع ظعنًا ويحرك: سار، وأظعنه: سيره، ويجيء بمعنى السفر والارتحال كما في قوله تعالى:{يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل: 80].

يعني إن طال عمرك رأيت أمن الطريق بحيث تذهب المرأة من الحيرة إلى مكة قاصدة بيت اللَّه امنة غير خائفة مما سوى اللَّه، يعني أن الخوف سينقلب أمنًا والفقر غنى.

ص: 361

وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ فَلَا يجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَلَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغُكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: . . . . .

ــ

وقوله: (فلا يجد أحدًا يقبله منه) لعدم الفقر والفقراء في ذلك الزمان، قيل: ذلك عند نزول عيسى عليه السلام، كما ورد في الحديث، وقد سبق في (باب نزول عيسى)، وقيل: قد وقع مثل هذا في زمن عمر بن عبد العزيز مما يصدق الحديث، وبذلك جزم البيهقي، ويرجح هذا الاحتمال قوله:(ولئن طالت بك حياة)، انتهى. و (ترجمان) بفتح مثناة وقد تضم وضم جيم وقد يفتحان، كذا في (مجمع البحار)(1) عن الكرماني، وهو من يترجم الكلام، أي: ينقله من لغة إلى الأخرى، والمراد هنا المفسر والمبيّن.

وقوله: (وأفضل) بالجزم عطف على (ألم أعطك) من الإفضال، لما بشرهم صلى الله عليه وسلم باليسر والغنى أنذرهم بأنهما وإن كان فيهما راحة في الدنيا لكن فيهما مشقة ومحنة في الآخرة إلا من اتقى اللَّه وتصدق وصرف المال في مصارف الخير جمعًا بين الإبشار والإنذار كما هو شأن النبوة.

(1)"مجمع بحار الأنوار"(1/ 261).

ص: 362

"يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3595].

5858 -

[7] وَعَنْ خبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْنَا: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ، فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ وَقَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِمِنْشَارٍ، فَيُوضَعُ فَوْقَ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ وَعَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتَمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ،

ــ

وقوله: (يخرج ملء كفه) أي: مصدوق قوله صلى الله عليه وسلم: (ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه. . . إلخ).

5858 -

[7](خباب بن الأرتّ) قوله: (وعن خباب) بفتح المعجمة وشدة الموحدة (ابن الأرت) بفتح الهمزة والراء وتشديد الفوقانية.

وقوله: (وهو متوسد بردة) توسد الشيء ووسده: جعله تحت رأسه، والبردة بالضم: كساء مخطط، أي: جعلها كالوسادة تحت رأسه. و (المنشار) بكسر الميم: آلة يشق بها الخشبة.

وقوله: (من عظم) بيان ما في (ما دون لحمه).

وقوله: (ليتمن هذا الأمر) أي: يتم ويكمل أمر الدين.

و(صنعاء) بلد باليمن كثيرة الأشجار والمياه تشبه دمشق، وقرية بباب دمشق، كذا في (القاموس) (1). و (حضرموت) بسكون الضاد وقد يضم الميم: بلدة معروفة

(1)"القاموس المحيط"(ص: 682).

ص: 363

أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3852].

5859 -

[8] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ، ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ،

ــ

باليمن، مكان الصالحين من عباد اللَّه حتى قيل: حضرموت ينبت الأولياء، قيل: سمي به لأنه حضره صالح عليه السلام فمات فيه، وقيل: حضر فيه موت جرجيس، وقيل: اسم قبيلة.

وقوله: (أو الذئب) أي: أو يخاف الذئب على غنمه؛ لأن المقصد بيان الأمن من عدوان الناس بعضهم على بعض كما كان في الجاهلية، ومن الجبابرة من الناس، لا الأمن من عدوان الذئب، فإن ذلك خارج عن العادة، وقد يكون ذلك أيضًا في آخر الزمان عند نزول عيسى عليه السلام.

5859 -

[8](أنس) قوله: (يدخل على أم حرام) بلفظ ضد الحلال (بنت ملحان) بكسر الميم وسكون اللام، وهي خالة أنس بن مالك أخت أمه أم سليم، قال النووي (1): اتفق العلماء على أنها كانت محرمًا له صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة، وقال آخرون: بل كانت خالة أبيه أو لجده عبد المطلب، وكانت أمه من بني النجار، كذا ذكر السيوطي، واللَّه أعلم، وقد مرّ الكلام فيه في الفصل الأول (من باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم) من حديث أم سليم.

وقوله: (ثم جلست تفلي رأسه) فلا رأسه: بحثه عن القمل، وقد مرّ الكلام فيه في الفصل الثاني من (باب أخلاقه صلى الله عليه وسلم).

(1)"شرح النووي"(13/ 57).

ص: 364

فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ (1) مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ". كَمَا قَالَ فِي الأُولَى. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ". فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6282، م: 1912].

ــ

وقوله: (يركبون ثبج هذا البحر) أي: ظهره ووسطه، وثبج الشيء بمثلثة فموحدة مفتوحة فجيم: وسط الشيء ومعظمه، شبه البحر بظهر الأرض والسفينة بالسرير، فجعل الجلوس عليها مشابهًا بجلوس الملوك على أسرتهم.

وقوله: (كما قال في الأولى) الظاهر أنه عرض في هذه المرة طائفة غير الطائفة الأولى، أي: يغزون طائفة بعد طائفة بقرينة قوله: (أنت من الأولين)، فافهم.

وقوله: (في زمن معاوية) قيل: كان ذلك في خلافته، قاله الباجي والقاضي عياض وهو الأظهر، وقيل: في إمارته في غزاة قبرس في خلافة عثمان سنة ثمان وعشرين، وعليه أكثر العلماء وأهل السير، كذا ذكر السيوطي.

وقوله: (فصرعت) بلفظ المجهول، أي: سقطت وطرحت أم حرام.

(1) في نسخة: "أناس" في الموضعين.

ص: 365

5860 -

[9] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذَا الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ. قَالَ: فَلَقِيَهُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذَا الرِّيحِ، فَهَلْ لَكَ؟ . . . . .

ــ

5860 -

[9](ابن عباس) قوله: (إن ضمادًا) بكسر الضاد المعجمة، كذا في النسخ المصححة، وفي (القاموس) (1): وقد يقال بالضم أيضًا، والدال في آخره، وقد يقال: ضمام بالميم في آخره، وقيل: ضمام غير ضماد، وضماد كان رجلًا متطببًا راقيًا طالبًا للعلم من بين أهل اليمن، وضمام جاء وافدًا من جهة بني سعد بن بكر، وكلاهما ابن ثعلبة.

وقوله: (وكان من أزد شنوءة) بفتح الهمزة وسكون الزاي وكسر الدال وفتح الشين المعجمة وبضم النون بعدها همزة وهاء: قبيلة من اليمن، وقد تبدل الزاي سينًا، قال في (القاموس) (2): أزد بن الغوث، وبالسين أفصح: أبو حي باليمن، ومن أولاده الأنصار كلهم، ويقال: أزد شنوءة، وقال في فصل الشين من باب الهمزة: أزد شنوءة، وقد تشدد الواو: قبيلة سميت لشنآن بينهم، والنسبة: شنائي.

وقوله: (وكان يرقي) أي: يعالج بقراءة ونفث.

وقوله: (هذا الريح) الإشارة بهذا إلى جنس العلة التي كانوا يرونها الريح، أي: من العلة الحاصلة من مس الجن، وكأنهم كانوا يرون الأدواء التي تمسهم نفحة من نفحات الجن، والريح هنا بمعنى الجن، سموا بها لأنهم لا يرون كالريح.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 281).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 54، 254).

ص: 366

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ" فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ. وَلَقَدْ بَلَغْنَ قَامُوسَ الْبَحْرِ، هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلَامِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 868].

وَفِي بَعْضِ نُسَخِ "الْمَصَابِيحِ": بَلَغْنَا ناعُوسَ الْبَحْرِ. وَذُكِرَ حَدِيثَا أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: "يَهْلِكُ كِسْرَى" وَالآخَرَ: "لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ" فِي "بَابِ الْمَلَاحِمِ".

ــ

وقوله: (فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن الحمد للَّه) لم يلتفت صلى الله عليه وسلم إلى جوابه صريحًا بقوله: ما أنا بمجنون، وذكر هذا الكلام الدال على أن قائله أعقل العقلاء رمزًا إلى قوله تعالى:{وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 51 - 52]، وقد شهد على أنه رسول اللَّه، ورسول اللَّه لا يكون مجنونًا.

وقوله: (ولقد بلغن قاموس البحر) في (القاموس)(1): القمس: الغوص، ومعظم ماء البحر، أو البحر، أو أبعد موضع فيه غورًا، أي: هذه الكلمات بلغن غاية الفصاحة والبلاغة بحيث لم يدرك غوره.

وقوله: (وفي بعض نسخ المصابيح: بلغنا ناعوس) بالنون والعين المهملة،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 525).

ص: 367

وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي.

ــ

موجود في (صحيح مسلم)، فقيل: إنه بمعنى القاموس، وقيل: تصحيف، وأما لفظ (بلغنا) فلم يوجد إلا في بعض نسخ (المصابيح).

وقال التُّورِبِشْتِي (1): هو خطأ لا سبيل إلى تقويمه من طريق المعنى، والرواية لم ترد به، وقال الطيبي (2): خطأه بحسب الرواية ظاهر، لأنه لم يوجد في الأصول، وأما المعنى فصحيح، أي: وصلنا من هذه الكلمات لجة البحر ومحل اللآلئ والدرر، وقول الطيبي صحيح، وكان التُّورِبِشْتِي أراد أن المقصود توصيف الكلمات بأنها بلغن غاية الفصاحة، والأظهر في بيان هذا المعنى (بلغن) لا (بلغنا)، والأمر في ذلك سهل، ثم قال التُّورِبِشْتِي: وناعوس البحر أيضًا خطأ، وكذلك رواه مسلم في كتابه وغيره من أهل الحديث، وقد وهموا فيه، والظاهر أنه سمع بعض الرواة أخطأ فيه فروي ملحونًا، وهذه من الألفاظ التي لم تسمع في لغة العرب، والصواب قاموس البحر، وهو وسطه ومعظمه، من القمس وهو الغوص، والقماس: الغواص، انتهى.

وفي (مجمع البحار)(3) من (النهاية): لعله لم يجوِّد كِتبته فصحف، انتهى، وفيه أن عند بعض: قاعوس بقاف وعين، وعند بعض: تاعوص بالمثناة فوق والعين، ونقل عن الشيخ محيي الدين في (شرح صحيح مسلم): ناعوس البحر، ضبطناه بوجهين: أشهرهما بالنون والعين، وهذا هو الموجود في أكثر نسخ ديارنا، والثاني: قاموس البحر بالقاف والميم، وهذا الثاني هو المشهور في روايات الحديث في غير (صحيح

(1)"كتاب الميسر"(4/ 1270).

(2)

"شرح الطيبي"(11/ 73).

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 756).

ص: 368