الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
5979 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3495، م: 1818].
ــ
الفصل الأول
5979 -
[1](أبو هريرة) قوله: (في هذا الشأن) ظاهر سوق الحديث يقتضي أن يكون المراد به الدِّين وجودًا وعدمًا، فقريش أقدم وأسبق في أمر الدين، وقدوة الناس في الإيمان والكفر، فيكون المسلمون أتباعًا لمسلميهم، والكافرون أتباعًا لكافريهم، ووقع مصداق ذلك أن العرب كانت تنتظر أمر قريش في الإسلام، وكانوا يقولون: ننظر ماذا يصنع قومه، فلما فتح مكة وأسلمت قريش تبعهم العرب ودخلوا في دين اللَّه أفواجًا، والمقصود بيان تقدمهم ورياستهم على الناس في الإسلام والجاهلية، لكن الفضل والشرف يكون باعتبار الأول دون الثاني إلا أن يراد أعم من الشرف باعتبار الدين أو الدنيا، فكان البيت مناصبه من السدانة والسقاية والرفادة وأمثالها فيهم دون مَن عداهم، وقد يحمل (الشأن) على الخلافة والإمامة وهو لا يلائم سياق الحديث، واللَّه أعلم.
وقيل: (الناس تبع) خبر بمعنى الأمر، وإلا فقد خرج هذا الأمر عن قريش في أكثر البلاد، أو المراد بالناس بعض الناس، انتهى.
وبما ذكرنا من التقرير لا يَرِدُ هذا ولا يحتاج إلى توجيهه، فإن المراد بتقدمهم وسبقهم في هذا الشأن، ولا ينافيه خروجه عنهم في أكثر البلاد.
ثم قيل في معنى الحديث: إن المراد أن الناس إن كانوا أخيارًا سلط اللَّه عليهم
5980 -
[2] وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1819].
5981 -
[3] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَان". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3501، م: 1820].
5982 -
[4] وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3500].
ــ
أخيارًا منهم، وإن كانوا أشرارًا سلط اللَّه عليهم الأشرار، كما قيل: أعمالكم عمالكم، وهذا المعنى إنما يناسب حمل الشأن على الخلافة كما لا يخفى.
5980 -
[2](جابر) قوله: (في الخير والشر) أي: في الإسلام والكفر، وقد تبين معناه في شرح الحديث السابق.
5981 -
[3](ابن عمر) قوله: (لا يزال هذا الأمر في قريش) ظاهر هذا الحديث والذي يأتي بعده أن المراد بالأمر أمر الخلافة، وينبغي أن يحمل الخبر على معنى الأمر كما عرفت.
وقوله: (ما بقي منهم اثنان) أي: سوى الخليفة، وقيل: اثنان واحد خليفة وواحد تابع.
5982 -
[4](معاوية) قوله: (لا يعاديهم أحد) أي: لا يخالفهم (إلا كبه اللَّه) أي: أذله وخذله.
وقوله: (ما أقاموا الدين) قيل: المراد به الصلاة كما سميت إيمانا في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] لرواية: (ما أقاموا الصلاة). وهذا
5983 -
[5] وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَزَالُ الإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ". وَفِي رِوَايَةٍ: "لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا كلُّهُم مِنْ قُرَيشٍ". وَفِي رِوَايَةٍ: "لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7222، م: 1821].
ــ
الحديث يدل على أن الأمر إنما يكون في قريش إذا أقاموا الدين، وإذا لم يقيموا الدين فلا أمر منهم سواء حمل على الخبر أو على معنى الأمر. وقيل: إنه متعلق بـ (كب) لا بقوله: إن الأمر فيهم؛ لأنه كان فيهم مَن غيَّر وبدَّل ولم يصرف عنه الأمر، كذا قال التُّوربِشْتِي (1)، اللهم إلا أن يقال: إن المقصود تحريضهم على إقامة الدين وأنهم إن لم يقيموا الدين كاد أن يخرج عنهم الأمر ويغلبهم فيه غيرهم، وهذا المعنى بمعنى الخبر أنسب دون الأمر، فافهم.
5983 -
[5](جابر بن سمرة) قوله: (لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش) إلى آخر الروايات، وفي بعض طرق هذا الحديث في آخره:(أبو بكر لا يلبث إلا قليلا)(2)، واستشكل هذا الحديث بأن الظاهر منه أن اثني عشر خليفة يكون بعده صلى الله عليه وسلم على الولاء، يستقيم بهم أمر الدين، ويعز الإسلام، وتجري الأحكام مع أن الوجود لا يشهد له، فإن فيهم من أمراء الجور والفساد من بني مروان من لا تُمدح طريقتهم، ولا تَحْسن سيرتهم، وأيضًا قد صح:(الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يصير ملكًا عضوضًا)، واتفقوا على أنه لا يسمَّى مَن بعده خلفاء بل ملوكًا
(1)"كتاب الميسر"(4/ 1307).
(2)
انظر: "المعجم الكبير" للطبراني (ح: 12، 142).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأمراء، واختلفوا في توجيهه على أقوال:
أحدها: أن المراد اثنا عشر نَفْسًا قاموا من بعده صلى الله عليه وسلم بالسلطنة والإمارة، وانتظم أمر السلطنة واستقام من غير نزاع وخلاف واختلال في أمور المسلمين والرعايا، وإن كان بعضهم جائرين خارجين عن دائرة العدل والإحسان، وقد وقع الاختلال في زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي هو الثاني عشر، اجتمعوا عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، كذا قال القاضي عياض، واستحسنه الشيخ ابن حجر في (فتح الباري) (1) وقال: وهذا أحسن ما قيل في هذا الحديث وأرجحه، لتأييده بقوله في بعض طرقه الصحيحة:(كلهم يجتمع عليه الناس)، والمراد باجتماعهم انقيادهم لبيعته، ولم يَرِدِ الحديث على مدحهم والثناء عليهم بالدين والعدالة إلا من هذه الجهة أعني الانتظام والاجتماع واتحاد الكلمة، والخلافة التي حَكَم الحديث بانتهائها إلى ثلاثين سنة إنما هو الخلافة الكبرى التي هي خلافة النبوة، وهذه خلافة إمارة، وقد استمر القول بتسمية الأمراء بعد الخلفاء الراشدين خلفاء كالخلفاء العباسية وإن كانت بالمجاز، انتهى.
وهذا الوجه لا يخلو عن عدم الملاءمة لسياق الحديث من قوله: (لا يزال الإسلام عزيزًا) و (لا يزال الدين قائمًا)، وإن كانت ملائمة برواية أخرى:(لا يزال أمر الناس ماضيًا)، والحديث صريحٌ في مدحهم بأن صلاح الدين وظهور الحق وقوة الإسلام في زمانهم وعدالتهم.
وثانيها: أن المراد المقسطون من الأمراء لأنهم هم المستحقون لاسم الخلافة على
(1)"فتح الباري"(13/ 214).
5984 -
[6] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "غِفَارُ. . . . .
ــ
الحقيقة، لكن لا يلزم أن يكونوا على الولاء، بل يتم هذا العدد إلى زمان حتى إلى قبيل قيام الساعة، قال التُّوربِشْتِي (1): وهذا هو السبيل في هذا الحديث وما يعتقبه في هذا المعنى.
وثالثها: أن المراد وجودهم بعد موت المهدي، فقد جاء أنه إذا مات المهدي عليه السلام ملك الأمر خمسة رجال من ولد السبط الأكبر يعني الإمام الحسن رضي الله عنه، ثم يملك خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بخلافة رجل من ولد الحسن، ثم يملك بعده ولده فيتم به اثنا عشر، كل منهم إمام عادل هاد مهديٌّ، وهذا وجه لكن الكلام في صحة هذا الحديث، وذكر عن ابن عباس في وصف المهدي: يفرج اللَّه تعالى عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بِعَدلِه كل جور، ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر، خمسين ومئة سنة، ثم يفسد الزمان.
ورابعها: أنه أراد هذا العدد في عصر واحد يتبع كلَّ واحد طائفةٌ، ويؤيده حديث:(سيكون بعدي خلفاء فيكثرون) أراد صلى الله عليه وسلم بأعاجيب تكون بعده من الفتن حتى يتفرق الناس في وقت واحد إلى اثني عشر أميرًا، والغاية على هذا الوجه تكون على أغلب استعمالها من عدم دخولها في حكم المغيَّا، وعلى الوجوه السابقة تكون داخلة فيه، هذا ما وجدنا في كلامهم في شرح هذا الحديث، واللَّه أعلم بمراد رسوله.
5984 -
[6](ابن عمر) قوله: (كفار) بكسر الغين وتخفيف الفاء وبالراء: قبيلة، أبو ذر الغفاري منها.
(1)"كتاب الميسر"(4/ 1307).
غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3513، م: 2518].
5985 -
[7] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3512، م: 2520].
5986 -
[8] وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيم وَبَنِي عَامِرٍ،
ــ
وقوله: (غفر اللَّه لها) يحتمل الخبر والدعاء وهو الأظهر، وقيل: كانوا يسرقون الحجاج، فدعا لهم بعد أن أسلموا ليمحو عنهم ذلك العار -مع أن الإسلام يجبّ ما قبله- تأكيدًا ومبالغة في تطهيرهم.
وقوله: (وأسلم سالمها اللَّه) أي: عاملهم اللَّه بما يوافقهم ولا يؤذيهم، أيضًا يحتمل الخبر والدعاء، وقيل: إنما دعا لهما لأنهما دخلا في الإسلام بلا حرب. (وعصية) بضم العين وفتح الصاد وتشديد الياء، وهم الذي قتلوا القراء ببئر معونة، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم في القنوت، وهذا إخبار قطعًا لا يحتمل الدعاء، وربما ينظر هذا إلى أن يكون ما قبله أيضًا خبرًا، واللَّه أعلم.
5985 -
[7](أبو هريرة) قوله: (وجهينة) بضم الجيم (ومزينة) بضم الميم وفتح ما بعدهما: قبيلتان، (موالي) بالإضافة إلى ياء المتكلم، أي: أوليائي وأنصاري، وروي (موالي) بالتنوين، أي: بعضهم أحباء وأنصار بعضهم.
وقوله: (ليس لهم مولًى) أي: ناصر وولي.
5986 -
[8](أبو بكرة) قوله: (خير من بني تميم. . . إلخ)، إنما فضلهم