الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُثْنِي بِخَيْرِ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُول: هَاهُنَا إِذًا، ثم يُقَالُ: الآنَ نَبْعَثْ شَاهِدًا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي سخطَهُ اللَّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2968]. وذُكِرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ" فِي "بَابِ التَّوَكُّلِ" بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
5556 -
[8] عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: . . . . .
ــ
اعترف بحقيقة الحال.
وقوله: (فيثني) أي: العبد على نفسه (بخير) كثير (فيقول) أي: اللَّه تعالى (هاهنا إذا) أي: إذا أثنيت على نفسك بما أثنيت فاثبت وقِفْ هناك نريك أعمالك بإقامة الشاهد عليها، (فيختم) على صيغة المضارع المجهول، ويجوز أن يكون بلفظ المعلوم. (ويقال لفخذه: انطقي) لعل تخصيص الفخذ إشارة إلى الشنيعة الفاحشة، أعني: الزنا، وكذا اللحم والعظام، والمذكور في القرآن شهادة الأيدي والأرجل والألسن والجلود، فافهم.
وقوله: (وذلك) أي: المذكور من السؤال والجواب ونطق الفخذ وغيرها، (ليعذر) الروابة ببناء الفاعل من الإعذار، أي: يزيل عذره من قبل نفسه فالهمزة للإزالة، وقيل: يصيّره اللَّه ذا عذر في تعذيبه من قبل نفس العبد.
الفصل الثاني
5556 -
[8](أبو أمامة) قوله: . . . . .
"وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ ألفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [حم: 5/ 268، ت: 2437، جه: 4286].
5557 -
[9] وَعَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ: فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَأَمَّا الْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ،
ــ
(سبعين ألفًا. . . إلخ)، كناية عن الكثرة والمبالغة فيها.
وقوله: (ثلاث) بالرفع عطف على (سبعون)، وهذا أشدّ مبالغة من نصبه عطفًا على (سبعين)، إذ يفيد كون ثلاث حثيات مع كل ألف من سبعين ألفًا، وعلى تقدير النصب يفيد كونها مع سبعين ألفًا، والحثية ما يعطي المعطي بكفيه دفعة واحدة.
5557، 5558 - [9، 10](الحسن) قوله: (فجدال ومعاذير) المراد بالجدال: دفع الذنوب بإنكار إبلاع الرسل، وبعدم ثبوت صدقهم عندهم، والمعاذير: عبارة عن اعتراف العبد بالذنوب، والاعتذار بالسهر والنسيان، وكونهم مضطرين مجبورين، وأما في العرضة الثالثة فيثبت الحجة عليهم ويحق الحق بثبوت صدق الأنبياء بشهادة الملائكة ومحمد صلى الله عليه وسلم وأمته على ذلك.
وقوله: (فآخذ بيمينه وآخذ بشماله) بلفظ اسم الفاعل، أي: فمنهم من يأخذ الصحيفة بيمينه، ومنهم من يأخذها بشماله، فتتم القضية ويرتفع الجدال والمعاذير.
وَقَالَ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [ت: 2425].
5558 -
[10] وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبَي مُوسَى.
ــ
وقوله: (من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة) وُلِد الحسن البصري لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه، وتوفي في مستهل رجب من سنة عشر ومئة، وكان عمره ثمان وثمانين سنة، وتوفي أبو هريرة سنة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وخمسين سنة، وهو ابن ثمان وسبعين، فلا شك أن صحبته معه وسماعه منه ممكن، ولكن ثبوت السماع شيء آخر، فلعله لم يثبت عند أهل الأخبار، كما أنهم لم يثبتوا سماع الحسن عن علي رضي الله عنه مع وجود إمكانه (1)، وكما أن إمكان صحبة أبي حنيفة مع الصحابة ممكن لوجود عدة نفر منهم في زمانه مع أن الشافعية يقولون: لم يثبت ذلك عند أهل العلم بالأخبار، وذلك ليس ببعيد، واللَّه أعلم.
وروي أن الحسن البصري كان يقول: حدثنا أبو هريرة، ويأول أهل المدينة كما كان يقول: خطبنا ابن عباس بالبصرة، ويريد: أهلها، مع أنه لم يسمع منها (2)، هذا وقد قال الشيخ الجزري في (تصحيح المصابيح): إن البخاري أخرج في (صحيحه) للحسن عن أبي هريرة ثلاثة أحاديث وبيّنها، وقال: وأما مسلم فلم يخرج للحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه شيئًا، كذا قال بعض شارحي (المشكاة)(3).
(1) وفي "جامع الأصول"(12/ 308): قيل: إن الحسن البصري لقي [عليًّا] بالمدينة، وأما بالبصرة فإن رؤيته إياه لم تصح، لأنه كان في وادي القرى متوجهًا نحو البصرة حين قدم علي بن أبي طالب [البصرة].
(2)
وتوفي ابن عباس سنة ثمان وستين بالطائف.
(3)
وهو ميرك شاه رحمة اللَّه عليه. وانظر: "مرقاة المفاتيح"(8/ 3530).
5559 -
[11] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُوْنَ؟ فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ! فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ قَالَ: لَا، يَا رَبِّ! فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ،
ــ
5559 -
[11](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (سجلًا) السجل بكسرتين وتشديد اللام: الكتاب الكبير، و (البطاقة) على وزن الكتابة: الرقعة الصغيرة المنوطة بالثوب التي فيها رقم ثمنه، سميت بها لأنها تشد بطاقة من [هدب] الثوب، كذا في (القاموس) (1). قال الطيبي (2): فتكون الباء حينئذ زائدة، انتهى. وكأنه أبقيت الباء الجارة التي هي صلة الفعل وهي لغة أهل مصر، وليس مادة (بطق)، ومشتقاته مذكورة في الكتب.
وقوله: (فيقول: إنك لا تظلم) أي: هذه البطاقة وإن كانت حقيرة خفيفة في نظرك لكنها عظيمة ثقيلة في نفس الأمر، فلو تركناه لزم الظلم، أو المراد لا نترك من عملك شيئًا جليلًا كان أو حقيرًا؛ لئلا يلزم الظلم عليك فلا بد من وزنها.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 801).
(2)
"شرح الطيبي"(10/ 182).
فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [ت: 2639، جه: 4300].
5560 -
[12] وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا يُبْكِيكِ؟ ". قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَمْ يَثْقُلُ؟ وَعِنْدَ الْكِتَابِ حِينَ يُقَالُ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ أَفِي يَمِينِهِ أم فِي شِمَاله؟ أم مِنْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ؟ وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضعَ بينَ ظَهْري جَهَنَّم". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4755].
ــ
وقوله: (فلا يثقل مع اسم اللَّه شيء) أي: ذكر اللَّه يترجح عن جميع المعاصي ويمحها.
5560 -
[12](عائشة) قوله: (أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا) قد يأتي من حديث أنس في (الفصل الثاني) من (باب الحوض والشفاعة) ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في هذه المواطن كيف لا؟
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
…
في كل هول من الأهوال مقتحم
ووجه التوفيق أنه إنما قال هذا لعائشة مبالغة في أن هذه المواطن ليست مما يتيسر فيها أن يذكر فيها أحد أحدًا؛ لئلا تتكل على أنها حرم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال لأنس ذلك لئلا ييأس.
وقوله: (أم من وراء ظهره) هكذا في (سنن أبي داود)، وفي بعض نسخ