الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
6135 -
[1] عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61]، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ:"اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2404].
ــ
أنه سئل: يا رسول اللَّه! من قرابتك هؤلاء الذين وجب علينا مودتهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (علي وفاطمة وابناهما)، وقال الإمام الرازي: وفيه نصيب عظيم للصحابة رضي الله عنهم؛ لأنه تعالى قال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10 - 11]، بل كل من أطاع اللَّه سبحانه كان مقربًا عند اللَّه، ودخل في قوله:{إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ، فهذه الآية تدل على وجوب حب آل محمد وحب أصحابه، انتهى.
قلت: فعلى هذا تخصيصه صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الأربعة لكمالهم في هذا المعنى ومزيد قربهم منه صلى الله عليه وسلم وحبه إياهم، مع وجوه أخر ذكرت في تفسير الآية، واللَّه أعلم.
والمؤلف ذكر في هذا الباب بعض بني هاشم، وذكر عليًّا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وإبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مارية، وذكر زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد، إما استطرادًا لكمال محبته وعنايته صلى الله عليه وسلم بهم، أو لإدخالهم في أهل البيت، ولم يذكر أزواجه المطهرات، وعقد لهن بابًا على حدة، إما لاستبدادهم بمناقب وفضائل، أو لعدم إدخالهن في أهل البيت على ما هو المتعارف من إطلاقه على الأربعة، واللَّه أعلم.
الفصل الأول
6135 -
[1](سعد بن أبي وقاص) قوله: (لما نزلت هذه الآية {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}) تسمى هذه الآية آية المباهلة، والبهل: اللعن، والبهلة بالضم والفتح:
6136 -
[2] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ،
ــ
اللعنة، بهله اللَّه: لعنه وأبعده من رحمته، وأصله الترك من قولهم: أبهلت الناقة: إذا تركتها بلا صِرارٍ، وأصل الابتهال هذا، ثم استعمل في كل دعاء مجتهد فيه وإن لم يكن لعانًا، كذا في (الكشاف)(1)، والمباهلة: الملاعنة، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة اللَّه على الظالم منا، وقد أُمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمباهلة مع النصارى بقوله تعالى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61]، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محتضنًا الحسين وآخذًا بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها، وهو يقول:"إذا دعوت فأمِّنوا"، فقال أسقفهم: يا معشر النصارى! إني لأرى وجوهًا لو سألوا اللَّه أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا، فأذعنوا وبذلوا الجزية، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارًا، ولاستأصلهم حتى الطير على الشجرة"، كذا في (التفسير).
6136 -
[2](عائشة) قوله: (مرط مرحل) المرط بالكسر: كساء من صوف أو خز يؤتزر به، وربما تلقيه المرأة على رأسها، و (مرحل) بحاء مهملة في أكثر الروايات، وهو الذي نقش فيه من تصاوير الرحال، وقد يروى بجيم وهو ما عليه صورة المراجل، أي: القدور، والأول هو المشهور، وأما ما قيل:(المرجَّل) بالجيم: ما فيه صورة الرجال، فأبعدُ وأبعد، إلا أن يكون ذلك قبل تحريم التصاوير، واللَّه أعلم.
وقوله: (من شعر) بسكون العين ويحرك: نبتة الجسم مما ليس بصوف ولا وبر،
(1)"الكشاف"(1/ 368).
فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2424].
6137 -
[3] وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجنَّة". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 1382].
ــ
و(الرجس) القذر، واستعير للإثم.
6137 -
[3](البراء) قوله: (إن له مرضعًا في الجنة) روي بفتح الميم مصدرًا أي: رضاعًا، وبضمها، أي: من يرضعه، وكان قد توفي قبل أن يتم رضاعه، ويؤول إتمام الرضاع بإتمام اللَّه تعالى له من لذات الجنة ونعيمها ورَوحها ما يقع منه موقع الرضاع، واللَّه أعلم.
ويرجح رواية المصدر بأنه يدل على وجود الرضاع له بالفعل دون المرضع، فإن قلت: المرضع اسم فاعل من الإرضاع، فيدل على وجود الرضاع لا محالة، فما الفرق؟ قلنا: الفرق أن المرضع بدون التاء بمعنى التي من شأنها الإرضاع، وإن لم تُرضع بالفعل، ولم تلقم ثديها في فم الصبي، والتي تُرضع بالفعل وتلقم ثديها في فيه إنما هي المرضعة بالتاء، وهذا كالحائض والحائضة، فإن الأولى اسم من كان في سن الحيض، وإن لم تحض وترى الدم، والثانية من حاضت بالفعل ورأت الدم، ويقال للأول بمعنى الدوام وللثاني بمعنى الحدوث، وبهذا وجَّه صاحب (الكشاف)(1) قوله
(1)"الكشاف"(3/ 142).
6138 -
[4] وَعَنْ عَائِشَةَ: قَالَتْ: كُنَّا -أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ:"مَرْحَبًا بِابْنَتِي" ثُمَّ أَجْلَسَهَا، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ،
ــ
تعالى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2]، وقال: إنما تدل على أن هول زلزلة الساعة إذا فجأ يكون بحيث إذا ألقمت المرضعة ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة، نعم لو كانت الرواية: إن له مرضعة، بالتاء، لكانت الروايتان موافقتين، لكن الرواية بدون التاء، كذا قالوا.
6138 -
[4](عائشة) قوله: (كنا أزواج النبي) بالنصب على المدح بتقدير أعني.
وقوله: (ما تخفى مشيتها) بكسر الميم للهيئة، أي: ما تمتاز هيئة مشيتها من مشية الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كانت صلى الله عليه وسلم مشابهة به صلى الله عليه وسلم في المشي والسَّمْت، وجاء في الروايات: أنها كانت لما أتت النبي صلى الله عليه وسلم قام لها وأقبل إليها -وفي رواية: وقبلها- ولما أتاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قامت له وأقبلت إليه، أو كما جاء.
وقوله: (ثم سارّها) بتشديد الراء، أي: كلمها سرًّا.
وقوله: (عما سارّك؟ ) ما استفهامية.
وقولها: (ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) فيه استحباب كتمان أسرار الكبراء والأحباء من الأغيار، وهذا المستند في كتمان المريدين في أسرار مشايخهم، وأما بعد ذهابهم من الدنيا فقد يفشى تأثمًا عن كتمان العلم، ولهذا قالت رضي الله عنها:(أما الآن فنعم).
فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِيَ عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِينِي (1). قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأَمْرِ الأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي:"أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي بهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَى الأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ" فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِيَ الثَّانِيَةَ قَالَ: "يَا فَاطِمَةُ،
ــ
و(عزمت عليك) أي: أقسمتُ، في (القاموس) (2): عزم على الرجل: أقسم.
وقوله: (لما أخبرتني) لما بمعنى إلا، أي: لا أطلب منك إلا إخبارك، ولما يجيء بمعنى إلا، يقال: سألتك لما فعلت، ومنه قوله تعالى:{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4]، {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: 32]، كذا قال صاحب (القاموس)(3)، وقال: وإنكار الجوهري كونه بمعنى إلا غير جيد، انتهى.
وقال الجوهري (4): قول من قال: لما بمعنى إلا فليس يعرف في اللغة.
وقوله: (يعارض القرآن) من المعارضة بمعنى المقابلة، يقال: عارض الكتاب: قابله، والمراد ههنا المدارسة وقراءة كل واحد منهما مع الآخر.
و(لا أرى) بضم الهمزة، أي: لا أظن، و (الأجل إلا قد اقترب) لأن معارضة القرآن مرتين يشعر بالوصية على حفظه وحفظ أحكامه حتى يكمل أمر الدين ويتم.
وقوله: (فإني نعم السلف أنا لك) الجملة الإنشائية خبر (إني) بتأويل القول.
(1) كذا في النسخة الهندية بإشباع التاء، وفي نسخة بدونها.
(2)
"القاموس"(ص: 1025).
(3)
المصدر السابق (ص: 1045).
(4)
"الصحاح"(5/ 2033).
أَلَا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ ". وَفِي رِوَايَةٍ: فَسَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6285، م: 2450].
6139 -
[5] وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي". وَفِي رِوَايَةٍ: "يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5230، م: 2449].
ــ
وقوله: (أتبعه) بالتخفيف من التبع، وفي بعض النسخ بالتشديد من الاتباع.
6139 -
[5](المسور بن مخرمة) قوله: (بضعة منى) بفتح الباء وسكون الضاد: القطعة، وقد يضم ويكسر، والفتح هو المشهور، وقد مر ذكره في أول الكتاب في حديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة).
قوله: (يريبني ما أرابها) أي: يسوءني ما أساءها، وأصل الريب الشك، وقيل: الشك مع التهمة، يقال: رابني الشيء وأرابني بمعنى شككني.
وقوله: (ويؤذيني ما آذاها) وأول حديث المسور بن مخرمة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، إنما هي بضعة مني)، الحديث، رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه (1)، ولهذا الحديث طرق كثيرة بألفاظ مختلفة، وفي رواية: (فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها،
(1)"مسند أحمد"(18926)، و"صحيح البخاري"(5230)، و"صحيح مسلم"(2449)، و"سنن أبي داود"(2071)، و"سنن الترمذي"(3867)، و"سنن ابن ماجه"(1998).
6140 -
[6] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى: خُمًّا، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ. . . . .
ــ
ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري).
وعن سويد بن غفلة قال: خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:(أعن حسبها تسألني؟ ) قال علي: قد أعلم ما حسبها ولكن أتأمرني بها؟ فقال: (لا، فاطمة مضغة مني، ولا أحسب إلا وأنها تحزن أو تجزع)، فقال علي: لا آتي شيئًا تكرهه، رواه أبو يعلى (1)، وروى عبد الرزاق (2) عن الشعبي نحوه. وفي رواية له عن أبي جعفر قال: خطب علي ابنة أبي جهل، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال:(إن عليًّا خطب العوراء ابنة أبي جهل، ولم يكن ذلك له أن تجتمع بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبنت عدو اللَّه، وإنما فاطمة بضعة مني).
وروي نحوه عن ابن أبي مليكة، وفيه: أن فاطمة قالت لأبيها: يزعم الناس أنك لا تغضب لبناتك، وهذا أبو الحسن قد خطب ابنة أبي جهل، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا، وذكر أبا العاص بن الربيع، فأثنى عليه في صهره، ثم قال:(إنما فاطمة بضعة مني، وإني أخشى أن يفتنوها، واللَّه لا تجتمع بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبنت عدو اللَّه تحت رجل)، وفيه: تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مما أصله مباح، وكمال محبته لفاطمة وشفقته على علي رضي الله عنهما.
6140 -
[6](زيد بن أرقم) قوله: (بماء يدعى خُمًّا) الخم اسم موضع فيه
(1) لم أجده في "مسند أبي يعلى" ولا في "معجمه"، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(4749).
(2)
"مصنف عبد الرزاق"(13268، 13267، 13269).
وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ أَلا أيُّها النَّاس! إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَني رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ". فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:"وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي"، وَفِي رِوَايَةٍ:"كِتَابُ اللَّهِ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى الضَّلَالَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2408].
ــ
ماء يسمى غدير خم، كما سبق، وقد يسمى الماء أيضًا خُمًّا.
وقوله: (وذكر) بالتشديد من التذكير، والمراد بـ (رسول ربي) ملك الموت.
وقوله: (وإني تارك فيكم الثقلين) الثقل بكسر المثلثة وفتح القاف ضد الخفة، والثقل بالضم وبفتحتين: متاع المسافر وحشمه، وكل شيء نفيس مصون، ومنه الحديث:(إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي)، كذا في (القاموس)(1)، وقيل: سميا بهما لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال للجن والإنس: الثقلان؛ لأنهما يسكنان الأرض وتعمر بهما، فكأنهما بالثقلين، وقيل: وجه تسمية الجن والإنس بالثقلين أيضًا باعتبار نفاستهما وقدرهما لفضل تميزهما على سائر الحيوان، فتدبر.
وقوله: (أذكركم) من التذكير، أي: أحذركم في شأنهم بأن تحفظوا حقوقهم ولا تؤذوهم.
وقوله: (كتاب اللَّه هو حبل اللَّه)، وفي رواية:(كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض)، قيل: أي: نور ممدود، أي: نورُ هُداه، ويشبهون النور بالحبل والخيط،
(1)"القاموس"(ص: 875).
6141 -
[7] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3709].
6142 -
[8] وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ: "اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3749، م: 2422].
ــ
نحو {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} [البقرة: 187] يعني: نورَ الصبح من ظلمة الليل، وسياق الحديث ظاهر في هذا المعنى، وقيل: عهده وأمانه الذي يؤمن من العذاب، والحبل العهد والميثاق، وفي الحديث:(بيننا وبين القوم حبال) أي: عهود ومواثيق، وقيل: أي: وصلة لمزيد الترقي إلى معارج القدس، وفيه تلويح إلى معنى قوله تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف: 176].
6141 -
[7](ابن عمر) قوله: (يا ابن ذي الجناحين) لقَّبه بهذا اللقب لأنه رضي الله عنه لما استشهد بغزوة موتة رآه صلى الله عليه وسلم له جناحان يطير بهما مع الملائكة، وقد ورد بطرق متعددة:(رأيت جعفرًا في الجنة يطير في الملائكة)، وفي حديث: قال لعبد اللَّه بن جعفر: (هنيئًا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء).
6142 -
[8](البراء) قوله: (على عاتقه) العاتق هو من المنكب إلى أصل العنق، هذا قول أبي عبيدة، وقال الأصمعي: هو موضع الرداء من الجانبين، كذا في (المشارق)(1)، وأقول: العاتق هو يثنى ويجمع، أما التثنية فظاهر، وأما الجمع فلعله بإرادة ما فوق الواحد أو لتعدد أجزائهما.
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 49).
6143 -
[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ فَقَالَ: "أَثَمَّ لُكَعُ؟ أَثَمَّ لُكَعُ؟ " يَعْنِي حَسَنًا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2122، م: 2421].
6144 -
[10] وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 2704].
ــ
6143 -
[9](أبو هريرة) قوله: (خباء فاطمة) أراد به البيت، وفي بعض النسخ:(خباب فاطمة)، والظاهر أنه تصحيف وتغيير.
وقوله: (أثم لكع؟ ) الهمزة للاستفهام و (ثم) بفتح المثلثة اسم إشارة للمكان، كما في قولهم: ومِن ثَم، و (اللُّكَعُ) على وزن صرد يجيء لمعان منها الصغير، وهو المراد هنا.
6144 -
[10](أبو بكرة) قوله: (إن ابني هذا سيد) السيد الذي يفوق قومه في الخير، وقيل: السيد من لا يغلبه غضبه، وقيل:(سيد) أي: حكيم، والسيد يطلق على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم، ومتحمل أذى قومه، والزوج والرئيس والمقدم.
وقوله: (ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) إخبار عن تفرق المسلمين فرقتين، فرقة مع الحسن وفرقة مع معاوية، وكان الحسن رضي الله عنه أحق
6145 -
[11] وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْمُحْرِمِ -قَالَ شُعْبَةُ: أَحْسَبُهُ: يَقْتُلُ الذُّبَابَ- قَالَ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونِي عَنِ الذُّبَابِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هُمَا رَيْحَانَيَّ مِنَ الدُّنْيَا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3753].
ــ
بذلك، وقد بقي ستة أشهر من ثلاثين سنة التي بها يتم ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(الخلافة بعدي ثلاثون سنة)، فدعاه شفقته رضي الله عنه على أمة جده إلى ترك المُلك رغبة فيما عند اللَّه، وروي عنه أنه قال: ما أحببت أن لي أمر أمة محمد على أن يهراق في ذلك محجمة دم، ودل الحديث أن كلا الفريقين كانا على ملة الإسلام مع كون إحداهما مصيبة والأخرى مخطئة، وصلح الحسن مع معاوية دليل على صحة إمارته.
6145 -
[11] قوله: (وعن عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وسكون المهملة.
وقوله: (سمعت عبد اللَّه بن عمر) مفعوله (قال) في قوله: (قال أهل العراق).
وقوله: (أهل العراق يسألوني) مبتدأ أو خبر مقول (قال).
وقوله: (وسأله رجل) حال من ضمير (قال)، والرجل من قوم قتلوا سيدنا الإمام الحسين سلام اللَّه عليه وعلى آبائه الكرام.
وقوله: (أحسبه: يقتل الذباب) تفسير لسؤال الرجل، أي: أحسب الرجل سأله ما حكم قتل المحرم الذباب: هل يبطل إحرامه، وهل يلزمه جزاء؟ .
وقوله: (هما ريحاني) بلفظ التثنية مضاف إلى ياء المتكلم بإبدال الألف ياء على الشذوذ، أو النصب على المدح، وروي:(ريحانتاي) و (ريحاناي) و (ريحاني) أي: كل واحد، والريحان يطلق على الرزق والرحمة والراحة، ويطلق على الولد، وورد في
6146 -
[12] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِي الْحَسَنِ أَيْضًا: كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 3752].
6147 -
[13] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ فَقَالَ: "اللهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ". وَفي رِوَايَةٍ: "عَلِّمْهُ الْكِتَابَ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 3756].
6148 -
[14] وَعَنْهُ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ:"مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ ". . . . .
ــ
شأن أولادهم: (مبخلة مجبنة مجهلة، وإنهم لمن ريحان اللَّه)، أي: مع كونهم مظنة أن يحملوا الآباء على البخل والجبن عن الغزو، من ريحان اللَّه، أي: رزقه وعطائه ورحمته، ويجوز أن يطلق بمعنى الريحان المشموم أيضًا، وهو كل نبت مشموم طيب الرائحة لأن الأولاد يشمُّون ويقبَّلون.
6146 -
[12](أنس) قوله: (وقال في الحسن أيضًا: كان أشبههم) لا شك أن في إثبات الأشبهية لكل من الإمامين منافاة، إلا أن يراد في الإمام الأول الحقيقي، وفي الثاني الإضافي، أو يخص كل واحد منهما عن الناس، فافهم. وتحقيق التطبيق بينهما بما يأتي في (الفصل الثاني) من حديث علي قال: الحسن أشبه ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين ما كان أسفل من ذلك.
6147 -
[13](ابن عباس) قوله: (اللهم علمه الحكمة) المراد معرفة حقائق الأشياء والعمل بما ينبغي، وهو المذكور في كتاب اللَّه تعالى.
6148 -
[14](وعنه) قوله: (دخل الخلاء فوضعت له وضوءًا) بفتح الواو
فَأُخبِرَ فَقَالَ: "اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 143، م: 2477].
6149 -
[15] وَعَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ فَيَقُولُ: "اللهُمَّ أَحِبَّهُمَا فَإِنِّي أُحبُّهُمَا".
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ:"اللهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3735].
6150 -
[16] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ،
ــ
وكان ذلك في ليلة بات في بيت ميمونة خالته رضي الله عنهما، وتمام الحديث مذكور في (باب قيام الليل)، وكان ابن عباس في حضرته صلى الله عليه وسلم، لكنه لما لم يخاطبه، وسأل مَن عنده مِن أهله، أتى بضمير الغائب، فجعلُ الطيبي إياه من الدعاء بظهر الغيب محلُّ نظر، والمراد بالفقه هنا: معرفة النفس ما لها وما عليها، وفي الحديث حصول الفيض والنعمة من خدمة الأكابر ورضائهم ودعائهم.
6149 -
[15](أسامة بن زيد) قوله: (ثم يضمهما) قال الطيبي (1): الضمير للحسن وأسامة، ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة، ويجوز أن يجعل للفخدين، فافهم.
وقوله: (أرحمهما) أي: أحبهما، والرحمة لازمة للمحبة.
6150 -
[16](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (بعث بعثًا وأمر عليهم أسامة) من التأمير،
(1)"شرح الطيبي"(11/ 295).
فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ،
ــ
أي: جعله أميرًا، بعثه إلى أُبنى بضم الهمزة وسكون الموحدة في آخره ألف: ناحية بالبلقاء لغزوة الروم مكان قُتِلَ أبوه زيد، وكان آخر سرية جهزها النبي صلى الله عليه وسلم، وعقد لأسامة رضي الله عنه لواء بيده، وعسكر بالجرف، فحم وصدع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب [في تلك الغزوة] فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين، فخرج صلى الله عليه وسلم وقد عصب رأسه فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال:(أما بعد: أيها الناس)، الحديث، فغلبه الوجع، وتوفي صلى الله عليه وسلم، فلم يتم الأمر.
وقوله: (فطعن) كمنع في العرض والنسب، وبالضم بالرمح واليد، وقيل: هما لغتان، كذا قال الشيخ (1)، وفي (القاموس) (2): طعنه بالرمح كمنعه ونصره طعنًا: ضربه ووخزه، فهو مطعون وطعين، و [الجمع] طُعْن بالضم، وفيه بالقول [طَعْنا وطَعَنانًا].
وقوله: (في إمارة أبيه) يريد إمارة زيد بن حارثة في غزوة موتة، وفيهم خيار الصحابة منهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وعند النسائي عن عائشة [قالت: ] ما بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمَّره عليهم، رواه النسائي، وفيه جواز إمارة المولى، وتولية الصغار على الكبار، والمفضول على الفاضل، كذا قال الشيخ (3).
(1) انظر: "فتح الباري"(7/ 87).
(2)
"القاموس"(ص: 1093).
(3)
انظر: "فتح الباري"(7/ 87).
وَأَيْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3730، م: 2426].
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ وَفِي آخِره: "أُوصِيكُمْ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ".
6151 -
[17] وَعَنْهُ قَالَ: إِنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زيدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآن: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4782، م: 2425].
وَذُكرَ حَدِيثُ الْبَراءِ قَالَ لعليّ: "أَنْتَ مِنِّي" فِي "بَابِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَحَضَانتَهِ".
ــ
وقوله: (وإن كان) أي: أبوه زيد، والطعن في إمارة الموالي كان من عادة الجاهلية، فلما جاء اللَّه بالإسلام، ورفع قدر من لم يكن له عندهم قدر بالإيمان والهجرة والعلم، ارتفعت الجاهلية وعاداتها، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى فضله بقوله:(وإن كان لمن أحب الناس إليّ) وأيّ فضيلة بعد ثبوت محبته صلى الله عليه وسلم، خصوصًا الأحبية.
وقوله: (أوصيكم به فإنه من صالحيكم) وفي رواية: (فاستوصوا به خيرًا، فإنه من خياركم).
6151 -
[17](وعنه) قوله: (إلا زيد بن محمد) لأنه قد تبناه، وكانت العرب تَتَبنى مواليهم ويوارثونهم، فلما نزل القرآن ارتفع ذلك.