الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
6184 -
[1] عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3432، م: 2430].
ــ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} الآية [الأحزاب: 28 - 29]، فاختارت الدنيا، وتفاصيلها في (جامع الأصول)(1) فلينظر ثمة.
وأما سراريه فقيل: إنهن أربعٌ؛ أشهرها مارية القبطية بنت شمعون أم إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ماتت سنة ست عشرة، وريحانة بنت شمعون، وقيل: بنت زيد، وقد تقدم ذكرها في جملة أزواجه، ويقال: إنه لم يعتقها، وإنما وطئها بملك اليمين، وأخرى وهبتها له زينب بنت جحش، وأخرى أصابها في بعض السبي، واللَّه أعلم.
الفصل الأول
6184 -
[1](علي) قوله: (خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة) قال الشيخ (2): قال القرطبي: الضمير عائد إلى غير مذكور لكنه يفسره الحال والمشاهدة، يعني به الدنيا، وقال الطيبي: الضمير الأول للأمة التي كانت مريم فيها، والثاني إلى هذه الأمة. والذي يظهر لي أن قوله:(خير نسائها) خبر مقدم والضمير لمريم، فكأنه قال: مريم خير نساء زمانها، انتهى كلام الشيخ.
(1)"جامع الأصول"(12/ 95 - 106).
(2)
"فتح الباري"(7/ 135).
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
ــ
لا يخفى أن الوجه الأول -وهو عود الضمير إلى الدنيا- لا يظهر منه وجه وجيه للتكرار، كما في الوجهين الأخيرين.
وقوله: (وأشار وكيع إلى السماء والأرض) قيل: أراد بإشارته إلى السماء والأرض أنها خير ممن هو فوق الأرض وتحت السماء لا تفسيرًا للضمير لأنه مفرد، وقيل: أراد تفسير الضمير بتأويل جملة طبقات السماء وأقطار الأرض، أو بتأويل الدنيا، فإنه قد يعبر بالسماء والأرض عن العالم كله، كقوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: 1]، وقوله:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35]، فافهم.
ثم إنه قد ظهر من الحديث كون مريم وخديجة خير نساء أمتهما، أما النسبة بينهما بالفضل فلم تعلم، ونقل عن التفسير للنسفي: أن خديجة وعائشة أفضل من مريم رضي الله عنهن، وهذا إذا قلنا بالأصح أنها ليست بنبية، وقد تقرر أن هذه الأمة أفضل من غيرها، ثم اختلفوا في فضل عائشة على خديجة، وكذا في فضل فاطمة على عائشة أو العكس، ونقل عن مالك أنه قال: فاطمة بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أفضِّل [أحدًا] على بضعة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وسئل الإمام السبكي (1) عن ذلك فقال: الذي نختاره وندين اللَّه به أن فاطمة أفضل، ثم أمها خديجة ثم عائشة، وقال السيوطي في (الفتاوى) في فاطمة وعائشة أيتهما أفضل؟ : فيه ثلاث مذاهب أصحها: أن فاطمة أفضل، ومال بعضهم إلى الوقف، واللَّه أعلم.
(1) انظر: "أسنى المطالب في شرح روضة الطالب"(1/ 103).
6185 -
[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدامٌ وَطَعَامٌ، فَإِذَا أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. . . . .
ــ
6185 -
[2](أبو هريرة) قوله: (هذه خديجة قد أتت) قيل: أتته من مكة وهو صلى الله عليه وسلم بحراء، أتته بطعام يقتات صلى الله عليه وسلم في خلوته، ولا يذهب عليك أن المشهور أن خلوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحراء كان قبل نزول جبريل، ولعله صلى الله عليه وسلم أقام بها بعد نزوله أيضًا مدة، وإتيان خديجة بطعام كان في تلك المدة، واللَّه أعلم.
وقوله: (فاقرأ) بهمزة الوصل من القراءة، وإنما تكون هذه اللفظة بهمزة القطع من الإقراء إذا كان متعديًا بنفسه، نحو: أقرئ فلانًا السلام، وفلان يقرئك السلام، كما يأتي في الحديث الآتي.
وقوله: (من ربها) قيل: فيه فضل خديجة على عائشة لما يأتي فيها من الاكتفاء بسلام جبرئيل.
وقوله: (قصب) محركة: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر، والقصب من الجواهر ما استطال منه في تجويف، وقال في (المشارق) (1): قد ذكر ابن وهب في روايته تفسيره في الحديث نفسه، قالت: يا رسول اللَّه! ما بيت من قصب؟ قال: (هو بيت من لؤلؤة مجبَّأة)، قال ابن وهب: أي: مجوفة، ويروى (مجوبة) بمعناه، قالوا: القصب هو اللؤلؤ المجوف الواسع كالقصر المنيف، وقال الخليل: القصب ما كان من الجوهر مستطيلًا أجوف، ويؤيد تفسيرهم قوله في الحديث الآخر:(قباب اللؤلؤ)، وفي الآخر:(قصر من درة مجوفة)، هذا وما قيل: فيه إشارة إلى قصب سبقها في الإسلام، ولهذا
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 187).
لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3820، م: 2432].
6186 -
[3] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَم تَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةَ، فَيقُول:"إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3818، م: 2435].
ــ
لم يقل: من لؤلؤة، لا يخلو عن خفاء، فافهم.
وقوله: (لا صخب فيه ولا نصب) الصخب بفتحتين: شدة الصوت، وقيل: الصوت المختلط، والنصب التعب، كما يكون في بيوت الدنيا، يكون الصخب في من يسكنها، والتعب في بنائها، أو كلاهما في البناء فإنه لا يتسبَّب إلا لصخب ونصب، وليس ذلك في بيوت الجنة، قيل: وذلك لأنها رضي الله عنها أسلمت أولًا طوعًا بلا رفع صوت ولا منازعة ولا تعب.
6186 -
[3](عائشة) قوله: (ما غرت) بكسر الغين من غار يغار غيرة وغيرًا، و (ما) نافية، وفي قوله:(ما غرت) مصدرية، أي: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم مثل غيرتي على خديجة.
وقوله: (ثم يقطعها) بالتشديد، و (صدائق) جمع صديقة.
وقوله: (كانت وكانت) المراد عدّ فضائلها وخصالها وتكريرها.
وقوله: (وكان لي ولد) أي: أولاد، وكل أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة إلا إبراهيم من مارية، وأيّ ولد مثل فاطمة سيدة نساء العالمين أم الحسن والحسين سلام اللَّه عليهم أجمعين.
6187 -
[4] وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ". قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. قَالَتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لَا أَرَى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3768، م: 2438].
6188 -
[5] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُريتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: . . . . .
ــ
6187 -
[4](أبو سلمة) قوله: (يا عائش) ترخيم عائشة بفتح الشين وضمها، و (يقرئك) بضم الياء من الإقراء، كما قلنا، ووجهه أن المسلِّم يجعل المسلَّم عليه قارئًا للسلام ومتكلمًا به برده.
وقوله: (قالت) أي: عائشة: (وهو) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (يرى ما لا أرى) وهو جبرئيل.
6188 -
[5](عائشة) قوله: (في سرقة) بفتحات، أي: قطعة من جيِّد الحرير، جمعها سَرَقٌ بدون التاء، وفي (القاموس) (1): السرق محركة: شُقَقُ الحرير الأبيض، أو الحريرُ عامة، الواحدة بهاء، وفي (مختصر النهاية) (2) للسيوطي: قال أبو عبيد: إنها الشقق إلا أنها البيض خاصة، وهي فارسية أصلها سَرَه، وهو الجيِّد.
وفي (المشارق)(3): قال أبو عبيد: وأحسب الكلمة فارسية، قال ابن دريد: أصله سره، أي: جيد. قال الشيخ (4): والجمع بينه وبين قولها: نزل جبرئيل بصورتي
(1)"القاموس"(ص: 804).
(2)
انظر: "النهاية"(2/ 362).
(3)
"مشارق الأنوار"(2/ 213).
(4)
"فتح الباري"(9/ 181).
هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3895، م: 2438].
ــ
في راحته حين أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، بأن المراد أن صورتها كانت في الخرقة، والخرقة في راحته، ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين، لقولها في نفس الخبر: نزل مرتين، انتهى.
قلت: قد وقع في هذا الحديث (ثلاث ليال)، فلا بد من وجه الجمع، أو حمل مرتين على معنى التكرار، واللَّه أعلم.
ثم الظاهر أنها كانت في السرقة، والتصاوير إنما حرمت بعد النبوة بل بعد القدوم بالمدينة، وأيضًا حرمتُها إنما كانت في هذا العالم لا في ذلك العالم، كما ورد في حديث شقِّ قلبه صلى الله عليه وسلم وغسله في طست من ذهب.
وقوله: (فكشفت عن وجهك الثوب) يحمل على معنيين: أحدهما: عن وجه صورتك التي في السرقة فإذا أنت الآن تلك الصورة، وثانيهما: عن وجهك عند مشاهدتك فإذا أنت مثل الصورة التي رأيتها في المنام، وهذا تشبيه حذفت أداته للمبالغة.
وقوله: (إن يكن هذا من عند اللَّه يمضه) قيل: هذا الشرط لتقرير الوقوع بقوله المتحقق بثبوت الأمر وصحته، كقول السلطان لمن تحت يده: إن أكن سلطانًا انتقمت منك، ونقل الطيبي (1) عن القاضي عياض: إن كانت هذه الرؤيا قبل النبوة فلا إشكال في الشك، وإن كان بعدها فالشك في أن: هل هذه الرؤيا محمولة على ظاهرها أو لها تعبيرٌ يصرفها عن ظاهرها؟ والمراد زوجته في الدنيا أو في الآخرة؟ أو ما ذكره من
(1)"شرح الطيبي"(12/ 314).
6189 -
[6] وَعَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُنَّ حِزْبَيْنِ: فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَالْحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَة فَقُلْنَ لَهَا: كلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَلِّم النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ. فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ لَهَا: "لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ. . . . .
ــ
المعنى، انتهى ملخصًا.
والظاهر أن هذه الرؤية بعد موت خديجة فيكون في أيام النبوة، واللَّه أعلم. فإن قلت: مجيء الملك بها هل يقطع احتمال كونه قبل النبوة؟ قلت: لا، إذ ملاقاة الملك لا يتوقف على النبوة نومًا أو يقظة، كذا في (مجمع البحار)(1).
قلت: يريد أنه يمكن أن يكون ذلك في مبادئ النبوة أو قبلها مطلقًا، وهو الظاهر، فإن رؤية الملك لا تختص بالنبي، وإنما المخصوص به إتيان الملك بالوحي من اللَّه سبحانه.
6189 -
[6](وعنها) قوله: (يتحرون) أي: يقصدون، والتحري: القصد والاجتهاد في الطلب، ومنه: تحري القبلة، وتحري ليلة القدر، وفي (القاموس) (2): تحراه: تعمَّده وطلب ما هو أحرى بالاستعمال.
وقوله: (يكلم الناس) بالجزم جوابًا للأمر وكسرت الميم لالتقاء الساكنين،
(1)"مجمع بحار الأنوار"(3/ 64).
(2)
"القاموس"(ص: 1146).