الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
5612 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. واقْرَؤُوْا إِنْ شِئْتُمْ:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3244، م: 2824].
ــ
البيضاوي (1): الجنة: المرة من الجن، وهو مصدر جنه: إذا ستره، ومدار التركيب على الستر، سمي به الشجر المظلل لالتفاف أغصانه للمبالغة، كأنه يستر ما تحته سترة واحدة، ثم البستان لما فيه من الأشجار المتكاثفة المظللة، ثم دار الثواب لما فيها من الجنان.
الفصل الأول
5612 -
[1](أبو هريرة) قوله: (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) أي: لم يبصر ذاته عين، ولا سمعت وصفه أذن، ولا خطر ماهيته على قلب، ويحتمل أن يكون المراد بالأولى الصور الحسنة، وبالثانية الأصوات الطيبة، وبالثالثة الخواطر المفرحة.
وقوله: (من قرة عين) قرة العين كناية عن الفرح والسرور، والفوز بالبغية، إما من القر بفتح القاف بمعنى القرار والثبات؛ لأن العين بالنظر إلى المحبوب تقر وتطمئن، ولا تلتفت إلى جانب آخر، وكذلك في حال الفرح والسرور تسكن في مكانها، وبالنظر إلى غير المحبوب تتفرق وتلتفت إلى الجوانب، وكذلك في حال الحزن والخوف تتحرك
(1)"تفسير البيضاوي"(1/ 60).
5613 -
[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
5614 -
[3] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "غَدْوَةٌ فِي سَبِيْلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ. . . . .
ــ
وتضطرب كقوله تعالى: {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 19]، وإما من القر بالضم أخذًا من قوله تعالى:{هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]، بمعنى البرد، وبرد العين ولذتها في مشاهدة المحبوب والفوز بالبغية، وحرها واحتراقها في رؤية الأعداء وحال الاستشراف والانتظار، ولهذا يقال: قرة العين للولد، وقيل: إما من القر بمعنى البرد فهو كناية عن السرور، وحقيقته: أقر اللَّه دمعتك فإن دمعة الفرح باردة، أو من القرار فكناية عن الفوز بالبغية؛ فإن من فاز بها قرّ نفسه، فافهم، وبالوجهين فسر قوله صلى الله عليه وسلم:(وجعلت قرة عيني في الصلاة).
5613 -
[2](وعنه) قوله: (موضع سوط في الجنة) أي: أدنى مكان وأقله، وقد جرت العادة بإلقاء الراكب سوطه في موضع يريد النزول، ويجعله علامة اتخاذه منزلًا.
5614 -
[3](أنس) قوله: (غدوة في سبيل اللَّه أو روحة) الغدوة بالفتح: المرة من الغدو وهو السير أول النهار من غدا يغدو غدوًا، أو بالضم: البكرة، أو ما بين
(1) قال القاري (9/ 3576): وفي "الجامع": رواه البخاري (3295)، والترمذي (1648)، وابن ماجه (4330) عن سهل بن سعد، والترمذي (3013) عن أبي هريرة، فقول المؤلف:"متفق عليه" محل توقف من وجهين. وفي "الجامع": "لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء والأرض"، رواه أحمد عن أبي هريرة.
خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 2796].
ــ
صلاة الغداة وطلوع الشمس، وكذلك الروحة: المرة من الرواح، وهو العشي أو من الزوال إلى الليل، رحنا رواحا وتروحنا: سرنا فيه أو عملنا، والتخصيص بالغدوة والروحة على سبيل العادة، والمراد وقت وساعة مطلقًا لا مقيدًا بالغدوة والرواح، و (في سبيل اللَّه) أعم من الجهاد، ويشمل كل ما يبتغى لوجه اللَّه تعالى كالحج، وطلب العلم، والرزق الحلال للعيال.
وقوله: (خير من الدنيا) أي: إنفاقها في سبيل اللَّه لو ملكها أو من نفسها لو ملكها وتصور تعميرها لأنه زائل لا محالة.
وقوله: (ولو أن امرأة. . . إلخ)، لما كان لثواب الغدوة والروحة في سبيل اللَّه الجنة ذكر من نعيمها شيئًا.
وقوله: (لأضاءت ما بينهما) أي: بين الأرض والجنة أو بين المشرق والمغرب، والظاهر أن (أضاءت) هنا استعمل متعديًا، والضمير لـ (امرأة) كما في قوله:(ولملأت ما بينهما ريحًا)، ويحتمل أن يكون لازمًا، و (ما بينهما) فاعل، والتأنيث باعتبار أن (ما) عبارة عن الأمكنة كما ذكر في قوله تعالى:{فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} [البقرة: 17].
وقوله: (ولنصيفها على رأسها) في (القاموس)(1): النصيف كأمير: الخمار والعمامة، وكل ما غطى الرأس، ومن البُرْد: ما له لونان.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 790).
5615 -
[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. . . . .
ــ
5615 -
[4](أبو هريرة) قوله: (يسير الراكب في ظلها) أي: في كنفها، في (القاموس) (1): هو في ظله، أي: كنفه، وإلا فالظل في العرف: ما يبقى من حر الشمس وليس في الجنة، وبالجملة المقصود السير تحتها كظل العرس. وقال الشيخ ابن حجر (2): قال ابن الجوزي: ويقال لهذه الشجرة: طوبى، قلت (3): وشاهد ذلك عند أحمد والطبراني وابن حبان، انتهى.
(ولقاب قوس أحدكم في الجنة) وفي (القاموس)(4): القاب: المقدار كالقيب، كالقاد والقيب، انتهى. وفي (الصراح) (5): يقال: قاب قوس أي: قدر قوس، وفي (المشارق) (6): قوله: (قاب قوس أحدكم من الجنة) أي: قدر طولها، ويحتمل قدر رميتها، يقال: هو قاب رمح، وقاد رمح، وقدى رمح، وقد رمح، وقدة رمح، كله بمعنى، وقيل في قوله تعالى:{قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: 9]: القاب: ما بين المقبض والسِّية، وهو موضع رأس الوتر، ولكل قوس قابان، ولذا قيل: فيه قلب، أي: قابي قوس، وقيل: القوس هنا الذراع بلغة أزد شنوءة، قيل: قدر قوسين، وقيل: القاب: ظفر
(1)"القاموس المحيط"(ص: 946).
(2)
انظر: "فتح الباري"(6/ 326).
(3)
أي: الحافظ ابن حجر.
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 131).
(5)
"الصراح"(ص: 50).
(6)
"مشارق الأنوار"(2/ 193).
أَوْ تَغْرُبُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3252، م: 2826].
5616 -
[5] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا -وَفِي رِوَايَةٍ: طُولُهَا- سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِم الْمُؤْمِنُونَ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جنَّةِ عَدْنٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3243، م: 2838].
ــ
القوس وهو ما وراء معقد الوتر إلى طرفها، وهذا كقوله في الحديث السابق:(موضع سوط في الجنة)، فإن الرجل يلقي قوسه لتعيين المنزل كالراكب سوطه.
وقوله: (أو تغرب) بكلمة (أو) للتعميم.
5616 -
[5](أبو موسى) قوله: (يطوف عليهم المؤمنون) وفي بعض الروايات: (المؤمن)، والمراد الجنس.
وقوله: (وجنتان) الظاهر أن التقدير: وللمؤمن أو للمؤمنين جنتان، كما في قوله سبحانه:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46].
وقوله: (إلا رداء الكبرياء) أي: لم تبق الحجب المكدرة الجسمانية بل ارتفعت كلها إلا سبحات الجلال والكبرياء، فإذا ارتفعت تلك أيضًا أحيانًا رأوه جهارًا، و (العدن) بمعنى الإقامة، والمراد هنا: الخلود، وفي (القاموس) (1): عدن بالبلد يعدن: أقام بها، ومنه {جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: 72].
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1120).
5617 -
[6] وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فِي الْجَنَّةِ مِئَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً، مِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الأَرْبَعَةُ، وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَلَا فِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ. [ت: 2531].
5618 -
[7] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُوْنَ حُسْنًا وَجَمَالًا،
ــ
5617 -
[6](عبادة بن الصامت) قوله: (مئة درجة) حسية أو معنوية.
وقوله: (والفردوس أعلاها) في (القاموس)(1): الفردوس: البستان يجمع كُلَّ ما يكون في البساتين، تكون فيه الكروم، وقد تؤنث، عربية، أو رومية، أو سريانية، و (أنهار الجنة) هي أنهار اللبن والماء والخمر والعسل.
وقوله: (ولم أجده في الصحيحين) وقد قيل: إنه موجود في (صحيح البخاري) في موضعين؛ الأول: في (كتاب الجهاد) عن أبي هريرة (2) رضي الله عنه، وفيه تفاوت يسير، والثاني: في باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، وكذا في (صحيح مسلم) في (باب فضل الجهاد في سبيل اللَّه).
5718 -
[7](أنس) قوله: (فتهب ريح الشمال) هو بالفتح: ضد الجنوب،
(1)"القاموس المحيط"(ص: 520).
(2)
"صحيح البخاري"(2790، 4684).
فَيَرْجِعُوْنَ إِلى أَهْلِيْهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسُنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ حُسْنًا وَجَمَالًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2833].
5619 -
[8] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. . . . .
ــ
وفي (القاموس): هو بالفتح وتكسر: الريح التي تهب من قبل الحِجْر، أو ما استقبلك عن يمينك وأنت مستقبل، والصحيح أن ما مهبُّهُ بين مطلع الشمس، وبنات النعش، أو من مطلع الشمس إلى مسقط النسر الطائر، ويكون اسمًا وصفة، ولا تكاد تهب (1) إلا ليلًا، انتهى. وكان المراد هنا ريح تكون كريح الشمال.
وقوله: (أنتم واللَّه لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا) يعني أن الحسن والجمال يشملهم وأهاليهم يصل إليهن في بيوتهن، أو يصل من أنوارهم وأضوائهم إليهن بعلامة المصاحبة والمباشرة والمخالطة، أو أن اللَّه تعالى لما جعل في أبصارهم وبصائرهم من نور المعرفة والشهود يرون كل من وراءهم حسنًا وجميلًا، ويشاهدون أنوار صفات اللَّه وذاته في كل شيء، واللَّه أعلم.
وقوله: (فتحثو) أي: تنتشر المسك وأنواع الطيب.
5619 -
[8](أبو هريرة) قوله: (على صورة القمر ليلة البدر) في الحسن والنورانية والهيئة.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 938)، وفيه:"ولا تكاد تهب ليلًا".
كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيِّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْم مِنَ الْحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، لَا يَسْقَمُونُ، وَلَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ،
ــ
وقوله: (كأشد كوكب دري) أي: في الضوء كما بينه بقوله: (إضاءة)، و (كوكب دري): مضيء، ويثلَّثُ، والدرة: اللؤلؤة العظيمة، والجمع: دُرَرٌ ودُرَّاتٌ، كذا في (القاموس)(1)، وفي (النهاية) (2): الكوكب الدري: الشديد الإنارة، وكأنه نسب إلى الدر تشبيهًا به لصفاته الغراء، هو عند العرب العظيم المقدار، وقيل: هو أحد الكواكب الخمسة السيارة، وقال البيضاوي (3): هو منسوب إلى الدرء، وفعيل من الدرء، فإنه يدفع الظلام بضوئه، أو بعض ضوئه بعضًا من لمعانه إلا أنه قلبت همزته ياء، ويدل عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الأصل.
وقوله: (زوجتان من الحور العين) الحور: جمع حوراء، وهي الشديد بياض العين، شديد سوادها، و (العين) بكسر العين جمع عيناء، وهي الواسعة العين، والإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة، يدل عليه وقوع حور عين في القرآن بالوصف، والمراد لكل امرئ زوجتان بهذه الصفة، ولا ينافي ذلك أن يكون له زوجات أخر، نعم لو ثبت أن لكل واحد من أهل الجنة أو لبعضهم زوجات كثيرة من الحور العين لأشكل ولكنه
(1)"القاموس المحيط"(ص: 365).
(2)
"النهاية"(2/ 113).
(3)
"تفسير البيضاوي"(2/ 124).
وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأَلُوَّةُ،
ــ
لم يثبت، فافهم، واللَّه أعلم. وقيل: المراد من التشبيه التكرير.
وقوله: (وأمشاطهم الذهب) الأمشاط لا يلزم أن يكون لتلبد الشعور ووسخها، بل فيه تزيين ورفاهية، وكذا التبخر لا يلزم أن يكون لدفع النتن وخبث الرائحة، بل يكون لزيادة التطيب والتنعم، فلا يرد أنه لا حاجة لأهل الجنة إلى الامتشاط والتبخر لعدم تلبد شعورهم ولا وسخ فيها، وريحهم أطيب من المسك.
وقوله: (ووقود مجامرهم الألوة) الوقود بالضم بمعنى المصدر كالوقد بمعنى إيقاد النار، وبالفتح اسم ما يوقد به النار، وقد جاء المصدر بالفتح والاسم بالضم، ذكره البيضاوي (1)، ففي الحديث بالفتح كذا الرواية والمصحح في النسخ المعتمدة، وقد صحح في بعض النسخ بالضم، ولو اعتمد عليه كان مبنيًا على ما ذكره البيضاوي من مجيء استعمال الاسم بالضم، وفي (المشارق) (2):(وقود مجامرهم) بفتح الواو معناه ما يوقد به، أي: حطبها، قال اللَّه تعالى:{وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24]، وبضم الواو: اسم للفعل من وقدت ومصدره، والمجامر: جمع مجمر، وهو كمنبر: الذي يوضع فيه الجمر بالدخنة ويؤنث كالمجمرة، والعود نفسه كالمجمر بالضم فيهما، كذا في (القاموس)(3)، وقيل: المجمر بالفتح: ما يوضع فيه الجمر، وبكسرها: الآلة، وعلى كل تقدير المراد هنا موضع وضع النار، لا ما يتبخر على ما ذكر في بعض الشروح، ولعله سهو من قائله.
(1)"تفسير البيضاوي"(1/ 58).
(2)
"مشارق الأنوار"(2/ 293).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 344).
وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3245، م: 2834].
ــ
و(الألوة) بفتح الهمزة وضمها وضم اللام وتشديد الواو: عود يتبخر به، وهذا بخلاف مجامر الدنيا فإن وقودها قطع الحطب، ومجامر الجنة وقودها العود الذي يتبخر به، وقد جاء في بعض الأحاديث:(ومجامرهم الألوة) بحذف وقود، وأريد بالمجمر: هو اسم للآلة التي يتبخر بها البخور الذي هو العود، كذا في (المشارق)(1).
و(الرشح) العرق، رشح كمنع: عرق، والمراد أن عرقهم كالمسك في طيب الرائحة، أو المراد أن عرقهم المسك المذاب، والمصحح في النسخ وهو المعلوم من كتب اللغة أنها بفتح الراء وسكون الشين، وفي (مجمع البحار) (2) عن الكرماني: هو بفتحتين، وكذا في حديث:(بلغ الرشح آذانهم). وقال في (المشارق)(3): في حديث: (يقوم أحدهم في رشحه) أي: عرقه، وبكسرها للأصيلي وهو الاسم، والفتح هنا أوجه، انتهى.
وقوله: (على خلق رجل واحد) قال في (المشارق)(4): كذا هو بفتح الخاء وسكون اللام لجماعتهم عن البخاري، وفي رواية النسفي:(على خلق) بضمهما، وقد ذكر مسلم الروايتين بالضم عن ابن أبي شيبة، وبالسكون عن أبي كريب، وكلاهما صحيح، لكن الرواية بضم اللام [أصح] لقوله قبلها:(أخلاقهم) أي: أنهم على خلق
(1)"مشارق الأنوار"(1/ 152).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(2/ 331).
(3)
"مشارق الأنوار"(1/ 300).
(4)
"مشارق الأنوار"(1/ 239 - 240).
5620 -
[9] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمتَخِطُونَ". قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: "جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2835].
5621 -
[10] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ، وَلَا يَبْأَسُ، وَلَا يَبْلَى ثِيَابُهُ،
ــ
رجل واحد من التودد وحسن الخلق والموافقة ليس في أحد منهم خلق مذموم كما قال في الحديث الآخر: (لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد)، ويكون قوله بعد:(على صورة أبيهم آدم) ابتداء كلام آخر، انتهى.
قال العبد الضعيف -عفا اللَّه عنه-: الأرجح الفتح؛ رواية لكونه رواية الجماعة، ودراية لكونه شاملًا للخلق الظاهر والباطن، فإن الخلق بالفتح: الإبداع والتقدير الذي معناه آفريدن أي آفريده شده، ويشمل القبيلين وإنما يفرق بينه وبين الضم إذا قوبل به، نعم الخلق بالضم يختص بالصفات الباطنة، فهو كالفذلكة للمجموع على ما قال الطيبي (1)، واللَّه أعلم.
5620 -
[9](جابر) قوله: (فما بال الطعام) أي: فما بال فضل الطعام. و (الجشاء) بضم الجيم: تنفس المعدة من الامتلاء، ويقال بالفارسية: آروغ.
وقوله: (كما تلهمون النفس) مشاكلة.
5621 -
[10](أبو هريرة) قوله: (ينعم ولا يبأس. . . إلخ)، يعني ليس في الجنة
(1)"شرح الطيبي"(10/ 240).
وَلَا يفْنى شَبَابُهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2836].
5622، 5623 - [11، 12] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2837].
5624 -
[13] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ. . . . .
ــ
بؤس ومشقة وشعدة وتغير وفساد.
5622، 5623 - [11، 12](أبو سعيد، وأبو هريرة) قوله: (أن تصحوا فلا تسقموا. . . إلخ)، سقم كفرح وكرم، (شب) كضرب، و (هرم) يهرم كسمع.
5624 -
[13](أبو سعيد الخدري) قوله: (يتراءون) تراءَوا: رأى بعضهم بعضًا، و (الغرف) بضم الغين وفتح الراء: جمع غرفة بالضم والسكون، وهو القصر الرفيع، قيل: الجنة طبقات أعاليها للسابقين، وأوساطها للمقتصدين، وأسافلها للمخلطين.
و(الغابر) من غبر: مكث وذهب، ضد، غبر الشيء بالضم: بقيته، والمعنى الكوكب الدري الذاهب الماضي المستبقي والباقي في الأفق في جانب الشرق أو الغرب، فإنه يرى فيه مضيئًا جدًا مع البعد والرفعة، ويروى:(الغائر) من الغور، والمراد المستشرف على الغور: الداخل في الغروب، ومع ذلك لا يصح في المشرق إلا أن يراد بالغور الانحطاط والتسفل، والحق أنه تصحيف، وكذا الحال في رواية:(الغارب) بتقديم الراء على الباء، وروي:(العازب) بالعين المهملة والزاي بمعنى البعيد الذاهب،
مِنَ الْمَشْرِقِ أَو الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ، لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ:"بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3256، م: 2831].
5625 -
[14] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2840].
ــ
والرواية المشهورة هي (الغابر) بالمعجمة قبل الموحدة، واللَّه أعلم.
وقوله: (من المشرق أو المغرب) بـ (أو) في أكثر الروايات، وفي بعضها بالواو وهو الموجود في نسخ (المصابيح).
وقوله: (قال: بلى) أي: بلى يبلغها غيرهم لمتابعتهم ومحبتهم؛ لأن المرء مع من أحب، ولكن التفاوت في القرب المعنوي بالباطن باق.
5625 -
[14](أبو هريرة) قوله: (أفئدتهم) جمع فؤاد وهو القلب، وفي (المشارق) (1): قيل: الفؤاد عبارة عن باطن القلب، وقيل: الفؤاد عين القلب، وفي (القاموس) (2): التفؤد: التحرق، والتوقد، ومنه الفؤاد للقلب، والجمع أفئدة، قال الطيبي (3): والقريحة إذا أريد وصفها بشدة الإدراك وصفت بالوقود، انتهى، ومنه شعلة الإدراك، ويقال لمن مات متوقدًا متيقظًا، ومات شابًّا: مات بشعلة الإدراك.
وقوله: (مثل أفئدة الطير) يريد في الرقة واللين، كذا في (المشارق)(4)، وقيل:
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 144).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 290).
(3)
"شرح الطيبي"(10/ 244).
(4)
"مشارق الأنوار"(2/ 144).
5626 -
[15] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ! وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ! وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6549، م: 2829].
ــ
في الخوف من اللَّه تعالى، فإن الطير أكثر الحيوانات خوفًا، وقيل: الخروج إلى طلب الرزق متوكلًا على اللَّه تعالى كما ورد: (تغدو خماصًا وتروح بطانًا)، ومما ذكرنا ظهر أن وجه ذكر الأفئدة دون القلوب كونها أعلاها وأتم، وقال في (المشارق) أيضًا: إنه قيل: القلب أخص من الفؤاد، وقيل: الفؤاد غشاء القلب، والقلب جثته، وعلى هذا فالظاهر أنه ذكر الفؤاد هنا لكونه أدنى وأنقص، يعني أنهم بأدنى مرتبتهم يستأهلون دخول الجنة فكيف بأعلاها، واللَّه أعلم.
5626 -
[15](أبو سعيد) قوله: (أحل عليكم رضواني) أي: أنزله وأورده عليكم كالوافد ينزل على الملك العظيم ويأتيه بأنواع من الهدايا والتحف والأخبار من ملك آخر لما سأل عن رضاهم عنه وأخبروه بوجوده أتم وأكمل ما يكون أخبرهم برضاه عنهم؛ تنبيهًا على أن رضا المولى تعالى علامته ودليله رضا العبد عنه، كما روي أن الصحابة رضوان اللَّه عليهم أجمعين كانوا يبحثون عما يعرف رضا اللَّه عن العبد فيجمعون على أنه إذا رضي عنه تعالى فليعلم أنه تعالى راض عنه، فذلك دليل هذا، ثم بشرهم بأن رضاه عنهم دائم باق لا يفنى ولا يتبدل بالسخط أبدًا، وهذا غاية المطالب
5627 -
[16] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَمَنَّ، فَيَتمَنَّى وَيَتَمَنَّى، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيْتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 182].
5628 -
[17] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّة". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2839].
ــ
وأعظم الرغائب، وبه يتم الفوز بالمقصود، كيف ورضوان قليل منه أكبر من الجنان وما فيها، فكيف بالدائم الأبدي، ورؤيته سبحانه وتعالى من أثره ونتيجته، فافهم.
5627 -
[16](أبو هريرة) قوله: (إن أدنى مقعد أحدكم. . . إلخ)، أي: أدنى منزل أحدكم في الجنة أن ينال أمانيه كلها مع زيادة ومضاعفة.
5628 -
[17](وعنه) قوله: (سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة): قد اختلف كلماتهم في تعيين سيحان وجيحان، قال الطيبي (1): سيحان وجيحان نهران بالعواصم عند المصيصة وطرطوس، هذا هو الصواب، انتهى، وقيل: سيحان نهر بالشام، وجيحان نهر بلخ، وقيل غير ذلك، وسيحان وجيحان غير سيحون نهر الترك، وجيحون نهر بلخ، وقيل: جيحون نهر خراسان، وسيحون نهر بالسند، والفرات نهر الكوفة، والنيل نهر مصر، وفي (القاموس) (2): سيحان: نهر بالشام، وآخر بالبصرة، ويقال فيها: ساحين، وسيحون: نهر بما وراء النهر، ونهر بالهند، وقال: جيحون: نهر خوارزم، وجيحان: نهر بين الشام والروم، وإنما خص الأربعة لعذوبة مائها وكثرته
(1)"شرح الطيبي"(10/ 246).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 219، 1092).
5629 -
[18] وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا، لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا، وَاللَّهِ لَتُمْلأَنَّ، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2967].
ــ
كأنها من أنهار الجنة، وقيل: سمي أنهار الجنة بأسامي أنهار الدنيا إشارة إلى أن ما في الدنيا من المنافع أنموذجات لما في الآخرة، وقيل: معنى كونها من أنهار الجنة أن الإيمان يعم بلادها وأن شاربيها صائرة إليها، والأصح أنه على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة، فقد ذكر مسلم أن الفرات والنيل يجريان من الجنة، وفي (صحيح البخاري) من أصل سدرة المنتهى، وفي (معالم التنزيل): إن اللَّه تعالى أبرز هذه الأربعة من الجنة استودعها الجبال وأجراها في الأرض كذا ذكر الطيبي (1)، واللَّه أعلم بحقيقة الحال.
5629 -
[18](عتبة بن غزوان) قوله: (وعن عتبة) بالتاء (ابن غزوان) بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي.
وقوله: (من شفة جهنم) شفة الراكي: حافة البئر.
وقوله: (فيهوي) أي: يسقط، هوى يهوي بمعنى السقوط من ضرب يضرب، وبمعنى المحبة من سمع يسمع.
وقوله: (وهو كظيظ) أي: ممتلئ، وكظ الطعام: ملأه حتى لا يطيق النفسَ، فاكتظ، لازم ومتعد.
(1)"شرح الطيبي"(10/ 246 - 247).