الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
5725 -
[28] عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيْن كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءٍ، مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: الْعَمَاءُ: أَيْ لَيْسَ مَعَه شَيْءٌ. [ت: 3109].
ــ
الفصل الثاني
5725 -
[28](أبو رزين) قوله: (أين كان ربنا) قال التُّورِبِشْتِي (1): ذهب بعض أهل العلم فيه إلى أن التقدير: أين كان عرش ربنا، قال: ويدل عليه قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]، وفسروا (العماء) ممدودًا بسحاب رقيق أو كثيف مطبق، وروي (عمى) بالقصر، ومعناه ليس له معه شيء، وقيل: هو كل أمر لا تدركه عقول بني آدم ولا يبلغ كنهه الوصف.
وقوله: (ما تحته هواء، وما فوقه هواء) كناية عن أنه ليس معه شيء، وقيل: هو تتميم لدفع توهم المكان، فإن الغمام المتعارف يستحيل وجوده بدون مكان، وقال الأزهري: نحن نؤمن به ولا نكيفه بشيء.
وقوله: (العماء: أي ليس معه شيء) أي قوله: (كان في عماء) كناية عن أنه ليس معه شيء، فهو معنى (كان اللَّه ولم يكن معه شيء)، وقال بعضهم: سئل عن المكان وأجاب عن أن لا مكان، يعني إن كان هذا مكانًا فهو في غير مكان، ويدل عليه أن السؤال كان عما قبل أن بخلق خلقه، فلو كان العماء أمرًا موجودًا لكان مخلوقًا،
(1)"كتاب الميسر"(4/ 1241).
5726 -
[29] وَعَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِيهِمْ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرُوا إِلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟ ". قَالُوا: السَّحَابَ. قَالَ: "وَالْمُزْنَ؟ " قَالُوا: وَالْمُزْنَ. قَالَ: "وَالْعَنَانَ؟ " قَالُوا: وَالْعَنَانَ. قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟ " قَالُوا: لَا نَدْرِي،
ــ
فلم يكن الجواب مطابقًا للسؤال، هذا ما ذكروه في هذا المقام، وفي كلام بعض الصوفية له بيان آخر مذكور في كتبهم، واللَّه أعلم.
5726 -
[29](العباس بن عبد المطلب) قوله: (زعم) قال الطيبي (1): نسبة الزعم إلى العباس رمز إلى أنه لم يكن حينئذ مسلمًا ولا تلك العصابة كانوا مسلمين، يدل عليه قوله:(في البطحاء)، انتهى. لعل الدلالة لأجل أن هذا لسان أهل الجاهلية، ولسان أهل الإسلام أن يقولوا: بمكة، أو في الحرم ونحو ذلك، وأقول: ومما يدل على ذلك أيضًا قولهم: (لا ندري)، وعادة الصحابة استمرت على أن يقولوا: اللَّه ورسوله أعلم، وجاء في بعض الروايات عن العباس بن عبد المطلب: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث.
وقوله: (السحاب) روي بالنصب والرفع.
وقوله: (قال: والمزن؟ ) بالنصب أي: وتسمون المزن.
وقوله: (قالوا: والمزن) أي: ونسمي المزن، والمزن بالضم: السحاب أو أبيضه، كذا في (القاموس)(2)، ومثله في (النهاية)(3)، و (العنان) كسحاب زِنةً ومعنًى، وفي
(1)"شرح الطيبي"(10/ 327).
(2)
"القاموس"(ص: 1137).
(3)
"النهاية"(4/ 325).
قَالَ: "إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ وَإِمَّا اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَالسَّمَاءُ الَّتِي فَوْقَهَا كَذَلِكَ" حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ. ثُمَّ "فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَمَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ، بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَوُرُكِهِنَّ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِنَّ الْعَرْشُ، بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ فَوْقَ ذَلِكَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. [ت: 3320، د: 723].
ــ
(القاموس)(1): السحاب، أو التي تمسك الماء، واحدته بهاء.
وقوله: (إما واحدة) أي: واحدة وسبعون، وإما اثنتان وسبعون، وإما ثلاث وسبعون، ولعل الترديد من شك الراوي، وقد جاء في الأخبار: أن بُعْدَ ما بين السماء والأرض خمس مئة عام، وكذلك بين السموات السبع، وكذلك بين كل سماء، وقال الطيبي (2): المراد بالسبعين في الحديث التكثير لهذه الأخبار، ولكن يختلج أنه لا فائدة على تقدير إرادة التكثير في زيادة واحدة أو اثنتان أو ثلاث على السبعين، واللَّه أعلم.
وقوله: (ثمانية أوعال) جمع وعل بالفتح وككتف ودئل، وهذا نادر: تيس الجبل، والمراد الملائكة على صورة الأوعال، و (الأظلاف) جمع ظلف بالكسر هو للبقر والغنم، كالحافر للفرس والبغل، والخف للبعير. و (الورك) بالفتح والكسر وككتف: ما فوق الفخذ، وما ذكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تصوير لعظمة اللَّه سبحانه وفوقيته على العرش بالعلو والعظمة والحكم، لا الحلول والمكان.
(1)"القاموس"(ص: 1122).
(2)
"شرح الطيبي"(10/ 328).
5727 -
[30] وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: جُهِدَتِ الأَنْفُسُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ، وَنَسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ". فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِك فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ:"وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا" وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ، "وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4726].
ــ
5727 -
[30](جبير بن مطعم) قوله: (جهدت) بلفظ المجهول، أي: أوقعت في المشقة.
وقوله: (ونهكت الأموال) أيضًا بلفظ المجهول، أي: نقصت، نهك الضرع: استوفى جميع ما فيه، ونهكته الحمى: أضنته وهزلته وجهدته.
وقوله: (فإنا نستشفع بك على اللَّه، ونستشفع باللَّه عليك) استشفعت بفلان على فلان: ذهبت إليه واستعنت ليشفع له إليه، فالاستشفاع به على اللَّه تعالى جائز، وأما الاستشفاع باللَّه عليه فكلا، ولهذا سبح صلى الله عليه وسلم ونزه اللَّه عن ذلك، وكرر ذلك وغضب، حتى تغير وجهه الشريف، وعرف أثر ذلك التغير في وجوه أصحابه أيضًا.
وقوله: (أتدري ما اللَّه؟ ) أي: ما عظمة اللَّه وكبرياؤه؟ (وقال) أي: أشار، و (مثل القبة) نصب على الحالية.
وقوله: (عليه) أي: على الكف، (وإنه) أي: العرش مع ما وصف من عظمته وسعته (ليئط) بفتح الياء وكسر الهمزة من الأطيط، أي: يصوت من أطّ الرحل يئط
5728 -
[31] وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، أَنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ إِلَى عَاتِقَيْهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِئَةِ عَامٍ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4727].
5729 -
[32] وَعَن زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِجِبْرِيلَ: "هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَانْتَفَضَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، لَوْ دَنَوتُ مِنْ بَعْضِهَا لَاحْتَرَقْتُ". هَكَذَا فِي "الْمَصَابِيحِ".
5730 -
[33] وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ" عَنْ أَنَسٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: "فَانتُفَضَ جِبْرِيلُ". [حلية الأولياء: 4/ 80].
ــ
أطيطًا: صوت، والأطيط: صوت الرحل والإبل من ثقلها، وصوت الظهر والجوف من الجوع، والمراد أنه يعجز العرش من عظمته وحمل أحكامه كعجز الرحل عن احتمال الراكب، وهذا تصوير وتفهيم لعظمة اللَّه تعالى للأعرابي على قدر فهمه وحاله.
5728 -
[31](جابر بن عبد اللَّه) قوله: (إلى عاتقيه) العاتق: المنكب، وقيل: هو ما بين المنكب والعنق موضع الرداء.
5729، 5730 - [32، 33](زرارة بن أوفى) قوله: (وعن زرارة) بضم الراء (ابن أوفى)، وفي نسخة:(ابن أبي أوفى)، وكذلك في (التقريب)(1).
وقوله: (فانتفض) بالضاد المعجمة، أي: ارتعد من عظمة ذلك السؤال، نفض الثوب: حركه لينتفض.
وقوله: (سبعين حجابًا من نور) وهي الصفات الملكية في جبرئيل أو صفات
(1)"تقريب التهذيب"(ص: 215، رقم: 2099).
5731 -
[34] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ إِسْرَافِيلَ مُنْذُ يَوْمِ خَلْقِهُ صَافًّا قَدَمَيْهِ لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ تبارك وتعالى سَبْعُونَ نُورًا، مَا مِنْهَا مِنْ نُورٍ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (1).
5732 -
[35] وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَذُرَّيَتَهُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ! خَلَقْتَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَنْكِحُونَ وَيَرْكَبُونَ، فَاجْعَلْ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا أَجْعَلُ مَنْ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي كَمَنْ قُلْتُ لَهُ: كُنْ، فَكَانَ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". [شعب: 147].
ــ
اللَّه تعالى، والعلم بتعيين العدد موكول إلى الشارع، واللَّه أعلم.
وفي الحديث دليل حجة رؤية اللَّه تعالى لسؤاله صلى الله عليه وسلم عنها، ولو كانت ممتنعة لما سأل، ويفهم من جواب جبرئيل أيضًا، لقوله:(بيني وبينه. . . إلخ)، يعني عدم رؤيته تعالى ليس لامتناعها بل لتمنعه بحجاب العزة والكبرياء، وقد ترتفع الحجب، وأيضًا أخبر عن رؤيته لقوله:(بيني وبينه)، ولعل الحجب لم تكن بين غيره وبين اللَّه كما كان لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
5731 -
[34](ابن عباس) قوله: (صافًّا قدميه لا يرفع بصره) أي: عن الصور، وذلك عبارة عن تهيئه وانتظاره لأمر اللَّه بالنفخ حتى ينفخ.
5732 -
[35](جابر) قوله: (لا أجعل من خلقته بيدي) الحديث، دليل على
(1) لم أجده في "سنن الترمذي"، وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(155).