المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(28) كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق

- ‌1 - باب النفخ في الصور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الحشر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب الحساب والقصاص والميزان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب الحوض والشفاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب صفة الجنة وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب رؤية اللَّه تعالى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب صفة النار وأهلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب خلق الجنة والنار

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(29) كتاب الفضائل والشمائل

- ‌1 - باب فضائل سيد المرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب المبعث وبدء الوحي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب علامات النبوة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب في المعراج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب في المعجزات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الكرامات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(30) [كتاب المناقب]

- ‌1 - باب مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب مناقب الصحابة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب مناقب أبي بكر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب مناقب عمر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب مناقب عثمان رضي الله عنه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب مناقب هؤلاء الثلاثة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب مناقب علي بن أبي طالب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب مناقب العشرة رضي الله عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي اللَّه عنهم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب جامع المناقب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ تَسْمِيَةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي "الْجَامِعِ" لِلْبُخَارِيِّ:

- ‌13 - باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب ثواب هذه الأمة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

6266 -

[1] عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّ رَجُلًا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ إِلَّا مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ".

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُل يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَلَهُ والدةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2542].

ــ

الأشأم جانب الشمال. والقرني: بفتح القاف والراء من بلاد اليمن، وأما القرن الذي هو ميقات أهل نجد عند الطائف فهو بسكون الراء، وغلط الجوهري في تحريكه وفي نسبه بأويس القرني إليه، لأنه منسوب إلى القرن بن رومان بن ناجية بن مراد أحد أجداده.

الفصل الأول

6266 -

[1](عمر بن الخطاب) قوله: (قد كان به بياض) أي: برص.

وقوله: (فليستغفر لكم) أي: التمسوا منه أن يستغفر لكم كما في الرواية الآتية: (فمروه فليستغفر لكم)، وفيه طلب الدعاء من أهل الخير والصلاح، وإن كان الطالب أفضل، وقيل: قال ذلك تطييبًا لقلبه، ودفع توهم من يتوهم أنه تخلف عن صحبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لأنه إنما منعه بره بأمه، وفي الحديث دلالة على أن أويسًا خير التابعين، وفيه منقبة ظاهرة عظيمة، ونقل عن أحمد بن حنبل: أن أفضل التابعين سعيد بن المسيب، وذلك في معرفة العلوم والأحكام، ولكنه لا ينافي خيرية أويس باعتبار كثرة الثواب

ص: 798

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عند اللَّه، وقال في (القاموس) (1): أويس بن عامر من سادات التابعين، ولعل لفظ الحديث محمول على ذلك، واللَّه أعلم.

واعلم أنه قد جاءت أخبار وآثار في شأن أويس القرني رضي الله عنه، ذكر شيئًا منها السيوطي في (جمع الجوامع)(2)، ونريد أن ننقل منها شيئًا وإن أفضى إلى التطويل، فإن عند ذكر أولياء اللَّه تنزل الرحمة، قال: عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد؟ ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن، كان به برص، فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على اللَّه لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل)، فاستغفر لي فاستغفر له، فقال له: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبر الناس أحب إلي، فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس كيف تركته؟ فقال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي عليكم أويس بن عامر)، الحديث المذكور، ثم أتى الرجل أويسًا فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح فاستغفر لي، قال: استغفر لي، قال: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، ففطن له الناس، فانطلق على

(1)"القاموس"(ص: 478).

(2)

انظر: "جامع الأحاديث"(30751)، و"كنز العمال"(37823).

ص: 799

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجهه، أخرجه ابن سعد، ومسلم في (الطبقات)، وأبو عوانة والروياني، ورواه أبو نعيم في (الحلية) والبيهقي في (الدلائل).

وعن أسير بن جابر (1) قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا، فإذا فرغ من حديثه تفرقوا ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحدًا يتكلم كلامه، فأحببته، ففقدته، فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلًا كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه، ذاك أويس القرني، قلت: فتعلم منزله؟ قال: نعم، فانطلقت معه حتى ضربت حجرته فخرج إلي، قلت: يا أخي! ما حبسك عنا؟ قال: العري، وكان أصحابي يسخرون به ويؤذونه، قلت: خذ هذا البرد فالبسه، قال: لا تفعل؛ فإنهم إذًا يؤذونني إن رأوه علي، فلم أزل به حتى لبسه فخرج عليهم، فقالوا: من ترون خدع عن برده هذا؟ فجاء فوضعه وقال: ألا ترى! فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ قد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة، فأخذتهم بلساني أخذًا شديدًا، فقضي أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: هل ههنا أحد من القرنيين؟ فجاء ذلك الرجل، فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن رجلًا يأتيكم من اليمن يقال له: أويس، لا يدع باليمن غير أم له، وقد كان به بياض، فدعا اللَّه فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدرهم)، فحدث عمر مثل الحديث الذي سبق، وقال في آخره: فقلت: استغفر لي، قال: أو يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين! قال: فاستغفر له، قلت له: أنت أخي لا تفارقني، فاملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة، قال: فجعل ذلك الرجل الذي كان يسخر به ويحقره يقول: ما هذا فينا

(1) انظر: "جامع الأحاديث"(30870)، و"كنز العمال"(37824).

ص: 800

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وما نعرفه، فقال عمر: بلى إنه رجل كذا وكذا، كأنه يضع من شأنه، قال: فينا يا أمير المؤمنين! رجل يقال له: أويس نسخر به، قال: أدرك ولا أراك تدرك، فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذه بعادتك! فما بدا لك؟ قال: سمعت عمر يقول فيك كذا وكذا، فاستغفر لي يا أويس! قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد، ولا تذكر الذي سمعته من عمر إلى أحد فاستغفر له، قال أسير: فما لبثت أن فشا أمره في الكوفة فأتيته فدخلت عليه فقلت له: يا أخي ألا أراك العجب ونحن لا نشعر؟ قال: ما كان في هذا ما أتبلغ به في الناس وما يجزى كل عبد إلا بعمله، ثم املس منهم فذهب، رواه ابن سعد في (الطبقات)، ورواه أبو نعيم في (الحلية) والبيهقي وابن عساكر في (تاريخه).

وعن صعصعة بن معاوية (1) قال: كان أويس بن عامر من التابعين، رجل من قرن، وإن عمر بن الخطاب قال: أخبرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له: أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو اللَّه أن يذهبه. فيقول: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي، فيدع له في جسده ما يذكر به نعمته عليه، فمن أدرك منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له)، رواه الحسن بن سفيان وأبو نعيم في (المعرفة) والبيهقي في (الدلائل)، وابن عساكر في (تاريخه).

وعن يحيى بن سعيد (2) عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم: (يا عمر! )، فقلت: لبيك وسعديك يا رسول اللَّه! فظننت

(1) انظر: "جامع الأحاديث"(30688)، و"كنز العمال"(37826).

(2)

انظر: "جامع الأحاديث"(30538)، و"كنز العمال"(37827).

ص: 801

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنه يبعثني في حاجة، قال:(يا عمر! يكون في أمتي في آخر الزمان رجل يقال له أويس القرني، يصيبه بلاء في جسده، فيدعو اللَّه فيذهب به إلا لمعة في جنبه إذا رآها ذكر اللَّه عز وجل، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام وأمره أن يدعو لك، فإنه كريم على ربه، بار بوالدته، لو يقسم على اللَّه لأبره، يشفع لمثل ربيعة ومضر)، فطلبته حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم أقدر عليه، وطلبته خلافة أبي بكر فلم أقدر عليه، وطلبته شطرًا من إمارتي فبينا أنا أستقرئ الرفاق وأقول: فيكم أحد من مراد؟ فيكم أحد من قرن؟ فيكم أويس القرني؟ فقال شيخ من القوم: هو ابن أخي، إنك تسأل عن رجل وضيع الشأن، ليس مثلك يسأل عنه يا أمير المؤمنين! قلت: أراك فيه من الهالكين، فرد الكلام الأول، فبينا أنا كذلك إذ رفعت لي راحلة رثة الحال عليها رجل رث الحال، فوقع في خلدي أنه أويس، قلت: يا عبد اللَّه أنت أويس القرني؟ قال: نعم، قلت: فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، فقال: على رسول اللَّه السلام وعليك يا أمير المؤمنين! قلت: ويأمرك أن تدعو لي، فكنت ألقاه في كل عام فأخبره بذات نفسي ويخبرني بذات نفسه، رواه أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر الخرقي في (فوائده) والخطيب وابن عساكر، وقال: هذا حديث غريب جدًا.

وعن الحسن (1) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة أكثر من ربيعة ومضر، أما أسمي لكم ذلك الرجل؟ ) قالوا: بلى، قال:(ذاك أويس القرني)، ثم قال:(يا عمر إن أدركته فاقرئه مني السلام وقل له حتى يدعو لك، وأعلم أنه كان به وضح فدعا اللَّه فرفع عنه، ثم دعاه فرد عليه بعضه)، فلما كان في خلافة

(1) انظر: "جامع الأحاديث"(31638)، و"كنز العمال"(37828).

ص: 802

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عمر قال عمر وهو بالموسم: ليجلس كل رجل منكم إلا من كان من قرن، فجلسوا إلا رجلًا، فدعاه فقال له: هل تعرف فيكم رجلًا اسمه أويس؟ قال: وما تريد منه؟ فإنه رجل لا يعرف يأوي الخربات لا يخالط الناس، فقال: اقرئه مني السلام، وقل له حتى يلقاني، فأبلغه الرجل رسالة عمر، فقدم عليه، فقال له عمر: أنت أويس؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين! فقال: صدق اللَّه ورسوله، هل كان بك وضح فدعوت اللَّه فرفعه عنك ثم دعوته فرد عليك بعضه؟ فقال: نعم، من أخبرك به؟ فواللَّه ما اطلع عليه غير اللَّه، قال: أخبرني به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأمرني أن أسألك حتى تدعو لي، وقال: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر، ثم سماك، فدعا لعمر، ثم قال له: حاجتي إليك يا أمير المؤمنين أن تكتمها علي وتأذن لي في الانصراف، ففعل، فلم يزل مستخفيًا من الناس حتى قتل يوم نهاوند فيمن استشهد، رواه ابن عساكر.

وعن سعيد بن المسيب (1) قال: نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى يا أهل قرن! فقام مشايخ فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين! قال: أفي قرن من اسمه أويس؟ فقال شيخ: يا أمير المؤمنين! ليس فينا من اسمه أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال ولا يألف ولا يؤلف، فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم إلى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي، وقولوا له: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشرني بك وأمرني أن أقرأ عليك سلامه، فعادوا إلى قرن فطلبوه فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: أعرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي؟ السلام على رسول اللَّه، اللهم صل عليه وعلى آله، وهام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرًا، ثم عاد في أيام علي فقاتل

(1) انظر: "جامع الأحاديث"(31541)، و"كنز العمال"(37829).

ص: 803

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بين يديه، فاستشهد في صفين، رواه ابن عساكر.

وعن صعصعة بن معاوية (1) قال: كان عمر بن الخطاب يسأل وفد أهل الكوفة إذا قدموا عليه: تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا، وكان أويس رجلًا يلزم المسجد بالكوفة فلا يكاد يفارقه، وله ابن عم يغشى السلطان ويؤذي أويسًا، فوفد ابن عمه إلى عمر فيمن وفد من أهل الكوفة، فقال عمر: أتعرفون أويس بن عامر القرني؟ فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين! إن أويسًا لم يبلغ أن تعرفه أنت، إنما هو إنسان دون وهو ابن عمي، فقال له عمر: ويلك هلكت، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حدثنا أنه سيكون في التابعين رجل يقال له: أويس بن عامر القرني، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام، ومره أن يفد إلي، فوفد إليه، فلما دخل عليه قال: أنت أويس بن عامر القرني؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت اللَّه أن يذهبه؟ . . . الحديث، وفي آخره: فقال الناس: استغفر لنا يا أويس فراغ، فما رئي حتى الساعة، رواه ابن يعلى وابن منده وابن عساكر.

وعن نهشل بن سعيد (2) عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: مكث عمر يسأل عن أويس القرني عشر سنين، فذكر أنه قال: يا أهل اليمن! من كان من مراد فليقم، فقام من كان من مراد وقعد آخرون، فقال: أفيكم أويس؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين لا نعرف أويسًا، ولكن ابن أخ لي يقال له: أويس، هو أضعف وأَمْهَنُ من أن يسأل مثلك عن مثله، قال له: أبحر منا هو؟ قال: نعم هو بالأراك بعرفة يرعى إبل

(1) انظر: "جامع الأحاديث"(30789)، و"كنز العمال"(37830).

(2)

انظر: "جامع الأحاديث"(31461)، و"كنز العمال"(37831).

ص: 804

6267 -

[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا. . . . . .

ــ

القوم، فركب عمر وعلي رضي الله عنهما حمارين، ثم انطلقا حتى أتيا الأراك، فإذا هو قائم يصلي يضرب ببصره نحو مسجده، وقد دخل بعضه في بعض، فلما رأياه قال أحدهما لصاحبه: إن يك أحد الذي نطلبه فهذا هو، فلما سمع حسهما خفف وانصرف فسلما عليه فرد عليهما: وعليكما السلام ورحمة اللَّه وبركاته، فقالا له: ما اسمك رحمك اللَّه؟ قال: أنا راعي هذه الإبل، قالا: أخبرنا باسمك؟ قال: أنا أجير القوم، قالا: ما اسمك؟ قال: أنا عبد اللَّه، فقال له علي: قد علمنا أن من في السماوات والأرض عبد اللَّه، فأنشدك برب هذه الكعبة ورب هذا الحرم ما اسمك الذي سمتك به أمك؟ قال: وما تريدان من ذلك؟ أنا أويس بن عامر، فقالا له: اكشف لنا عن شقك الأيسر، فكشف لهما؛ فإذا لمعة بيضاء قدر الدرهم من غير سوء، فابتدرا يقبلان الموضع ثم قالا له: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقرئك السلام، وأن نسألك أن تدعو لنا، فقال: إن دعائي في شرق الأرض وغربها لجميع المؤمنين والمؤمنات، فقالا: ادع لنا فدعا لهما وللمؤمنين والمؤمنات، فقال له عمر: أعطيك شيئًا من رزقي أو من عطائي تستعين به، فقال: ثوباي جديدان، ونعلاي مخصوفتان، ومعي أربعة دراهم، ولي فضلة عند القوم، فمتى أفني هذا، إنه من أمل جمعة أمل شهرًا، ومن أمل شهرًا أمل سنة، ثم رد على القوم إبلهم، ثم فارقهم، فلم ير بعد ذلك، رواه ابن عساكر في (تاريخه)(1)، واللَّه أعلم.

6267 -

[2](أبو هريرة) قوله: (هم أرق أفئدة وألين قلوبًا) الأفئدة جمع فؤاد بضم الفاء وبالهمزة، والفؤاد بفتح الفاء والواو غريب، وقد قرئ به. وفي

(1)"تاربخ دمشق"(9/ 422).

ص: 805

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(القاموس)(1): فأد الخبز كمنع: جعله في الْمَلَّةِ، واللحم في النار: شَوَاهُ، وافتأدوا: أوقدوا نارًا، والتفؤد: التحرق، ومنه الفؤاد للقلب، وقال في باب الباء: قلبه يقلبه: حوله عن وجهه كأقلبه، والقلب: الفؤاد، أو أخص منه، والعقل، ومحض كل شيء، انتهى. ولعل أخصية القلب من الفؤاد يأخذ معنى القلب واعتباره فيه، فالقلب هو الفؤاد باعتبار كونه متقلبًا حالًا فحالًا بسبب ما تعتريه من الأحوال، كما في الحديث:(مثل القلب كريشة في فلاة تقلبها الرياح)(2)، ويشعر به قوله صلى الله عليه وسلم:(اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على الإيمان).

قال في (المشارق)(3): أضعف قلوبًا، ويروى: ألين قلوبًا، وأرق أفئدة، وقال: الفؤاد والقلب لفظان بمعنى كرر لفظهما لاختلافه تأكيدًا، وقيل: الفؤاد عبارة عن باطن القلب، وقيل: الفؤاد عين القلب، وقيل: غشاء القلب، والقلب جثته، ومعنى الضعف والرقة واللين هنا كناية عن سرعة الإجابة وضد القسوة التي وصف بها غيرهم، انتهى كلام المشارق. ويشير إلى اتحادهما في المعنى، وهو صحيح باعتبار ما أريد هنا، ولهذا قال في حديث:(أفئدتهم مثل أفئدة الطير) حيث قال: يريد في الرقة واللين، وفي اللغة الرقة ضد الغلظة، واللين ضد الصلابة، فالزجاج مثلًا رقيق وليس بلين، فالقلب إذا لم يتأثر عن الآيات والنذر يوصف بالغلظة والصلابة، وإذا كان بعكس ذلك يوصف بالرقة واللين، وقيل: بناء على القول بأن الفؤاد غشاء القلب أنه إذ رق

(1)"القاموس المحيط"(ص: 276، 117).

(2)

أخرجه أحمد في "مسنده"(19757).

(3)

"مشارق الأنوار"(2/ 144).

ص: 806

الإيمَان يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ،

ــ

الفؤاد نفذ القول فيه، ووصل إلى ما وراء القلب، وإذا غلظ تعذر وصوله إلى داخله، وقال الطيبي (1): يحتمل أن يكون المراد بالرقة جودة الفهم، وباللين قبول الحق، فتدبر.

وقوله: (الإيمان يمان) أصله يمني حذف إحدى اليائين وعوض عنها الألف، وقيل: قدم إحداها وقلبت ألفًا فصار كقاضٍ، وبالجملة كانت صيغة النسبة بمعنى يمني.

وقوله: (والحكمة يمانية) بخفة الياء على الأصح المشهور، وحكي تشديدها، وفيه جمع بين العوض والمعوض عنه، قال في (المشارق) (2): قوله: يمانية خفف الياء ولم يشددها لأن الألف عوض من ياء النسبة، فلا تجتمعان عند أكثر النحاة، وحكي عن سيبويه جواز تشديد الياء.

ثم اختلفوا في أن نسبة الإيمان والحكمة إلى اليمن، فقيل: لأن الدين بدأ من مكة وهي تهامة، وتهامة من أرض اليمن، ولذا يقال: الكعبة يمانية، وقيل: قال صلى الله عليه وسلم هذا القول وهو بتبوك، ومكة والمدينة بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد الحرمين، وابتداء الإيمان من مكة وظهوره من المدينة، وقيل: أراد به الأنصار وهم من عرب اليمن في الأصل وهم نصروا الإيمان والمؤمنين، وآووهم، فنسب الإيمان إليهم، وعليه حمل بعضهم قوله صلى الله عليه وسلم:(إني لأجد نَفَسَ الرحمن من جانب اليمن)، يريد تنفيسه وتفريجه من الكرب الذي لحقه في تتميم الإيمان وتبليغ الأحكام.

(1)"شرح الطيبي"(12/ 361).

(2)

"مشارق الأنوار"(2/ 304).

ص: 807

وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4388، م: 85].

ــ

ونقل عن النووي: أنه قال: لا مانع من حمله على الحقيقة لأن من قوي في شيء نسب إليه، وهكذا كان حال الوافدين منهم لقوله:(جاءكم أهل اليمن وهم أرق أفئدة. . . إلخ)، مع أنه لا ينفي الإيمان عن غيرهم، ولا ينبغي كونه حجازيًّا، وإنما ينبيء عن استعداد اليمن لقبول ذلك واستقرار أمرهم عليه، ثم المراد الموجودون منهم حينئذ، لا كلهم في كل زمان، ثم في قوله صلى الله عليه وسلم:(والإيمان يمان والحكمة يمانية) إشارة إلى ما جاء في الأحاديث الصحيحة أنه لما جاء أهل اليمن، ووفد منهم أبو موسى الأشعري في جماعة من رفقاء، فقالوا: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتيناك للتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر كيف كان؟ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (كان اللَّه ولم يكن معه شيء، وكان عرشه على الماء، ثم كتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض)، فسألوا عن أصول الدين الذي عليه مدار الإيمان، وهو يشمل على معرفة حقائق الأشياء التي هي معنى الحكمة، وسبق شرح الحديث في (باب بدء الخلق)، والتفصيل هناك أكثر، ولقد تكرر بعض المعاني والفوائد في مواضع متفرقة من هذا الشرح، ولا بأس، فإن الحوالة بالرجوع إلى ما ذكر ووجدانه بالفحص عن تلك المواضع عسير جدًّا، ولقد فعل بعض الشارحين كذلك خصوصًا الكرماني فاتبعناهم، وهو أسهل وأقرب.

وقوله: (والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل. . . إلخ) الفخر: المباهاة والمنافسة، قال في (القاموس) (1): الفخر والفخار بفتحهما: التمدح بالخصال، والخيلاء بضم المعجمة وفتح التحتانية ممدودًا: الكبر الناشئ عن تخيل الإنسان

(1)"القاموس"(ص: 242).

ص: 808

6268 -

[3] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ. . . . .

ــ

فضيلة من نفسه والعجب به، فإذا أظهره على الغير واستحقره سمي تكبرًا، ومنه سمي الفرس خيلًا لأن أكثر من ركبه يقع في هذا الخيال، ووجد في نفسه شيئًا من ذلك، والحديث دل على أن مخالطة الحيوانات مما تؤثر في نفس الآدمي وتُعَدِّي إليها هيئاتٍ تناسب طباعها، فالراعي خلقه يناسب ما يرعاه، فلما كان في طبيعة الإبل قساوة وفظاظة، وفي الغنم لين وسكينة تعديا إلى راعيها، كذا قالوا، وقيل: لا بد لأصحاب الغنم من مقاربة العمرانات والاختلاط بأهلها، فإن الغنم لا تصبر عن الماء، ولا تحتمل البرد، فذلك يؤدي إلى عدم خروجهم عن طاعة الإمام، وأما أصحاب الإبل فإن بعدهم عن العمرانات، وكونهم في البوادي والصحاري، وقلة اختلاطهم بالخلق يحملهم على الطغيان والخروج عن الطاعة، هذا والظاهر أن المالية في الإبل كثيرة فيفضي إلى الفخر والتكبر بخلاف الغنم، وإن لفظ الأصحاب ليس أظهر في الرعاة منها في ملاكها، بل لا يبعد أن يكون في ملاكهم أظهر من الرعاة، واللَّه أعلم.

6268 -

[3](وعنه) قوله: (رأس الكفر نحو المشرق) أي: منه يظهر الكفر والفتن كالدجال ويأجوج ومأجوج وكفرة الترك، قال السيوطي: قال الباجي: يحتمل أن يريد فارس وأن يريد أهل نجد، وقال في (المشارق) (1): هذا كناية عن معظمه أو إشارة إلى معين مخصوص كالدجال ويأجوج ومأجوج أو غيره من رؤساء الضلال، أو يكون إشارة إلى إبليس لأن الشمس تطلع بين قرني الشيطان على أحد التأويلات، انتهى. أقول: وإليه ينظر الحديث الآتي في آخر الفصل، لكن على هذا ينبغي أن يحمل

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 276).

ص: 809

وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ وَالْفَدَّادِينَ. . . . .

ــ

على المجموع.

وقوله: (في أهل الخيل) كون الفخر والخيلاء في أهل الخيل ظاهر كما عرفت في شرح الحديث السابق، ولا حاجة إلى القول باكتساب الإنسان الأخلاق من الحيوانات، ويقرب الذهاب إلى الوجه الذي ذكرنا في كون الفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، وإلى حمل الأصحاب على الملاك دون الرعاة، فليتأمل.

وقوله: (والفدادين) في (القاموس)(1): الفديد الصوت أو شدته، والفداد: الصَّيِّتُ الجافي الكلام، والمتكبر، وقال في (المشارق) (2):(فدد) الجفاء والقسوة [في الفدادين]، الرواية في هذا الحرف بتشديد الدال الأولى عند أهل الحديث وجمهور أهل اللغة والمعرفة، وكذا قاله الأصمعي مشددًا، وقال: هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم وأموالهم، يقال منه: فد الرجل يفد بكسر الفاء فديدًا: إذا اشتد صوته، وقال أبو عبيد: هم المكثرون من الإبل، وهم جفاة أهل خيلاء، وقال المبرد: هم الرعيان والجمالون والبقارون، وقال مالك: الفدادون أهل الجفاء، وقيل: الأعراب، وقال أبو عمرو بن العلاء: هم الفدادون مخففة واحدها فدان مشددًا، وهي البقرة التي تحرث بها، وأهلها أهل جفاء لبعدهم عن الأمصار، قال أبو بكر: أراد أصحاب الفدادين فحذف مضاف، وقال: ولا يحتاج في هذا إلى حذف مضاف، وإنما يكون على هذا الفدادون بالشد صاحب الفدادين بالتخفيف، كما يقال: بغال لصاحب البغال، وجمال لصاحب الجمال، انتهى كلام القاضي في (المشارق).

(1)"القاموس"(ص: 276).

(2)

"مشارق الأنوار"(2/ 148).

ص: 810

أَهْلِ الْوَبَرِ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3301، م: 85].

6269 -

[4] وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مِنْ هَهُنَا جَاءَتِ الْفِتَنُ -نَحْوَ الْمَشْرِقِ-، وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ. . . . .

ــ

وقال التُّوربِشْتِي (1): الفدادون يروى من وجهين بالتشديد، وهم الذين تعلو أصواتهم في أموالهم ومواشيهم، وبالتخفيف وهي البقر التي تحرث بها، واحدها فدان بالتشديد، تقديره: في أهل الفدادين، وأرى أصوب الروايتين بالتشديد، لما في حديث أبي مسعود الذي يتلو هذا الحديث، والتخفيف في هذه الرواية غير مستقيم، وتقدير الحذف مستبعد، فرددنا المختلف فيه إلى المتفق عليه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى سكة أو شيئًا من آلة الحرث، فقال:"ما دخل هذا دار قوم إلا دخل عليهم الذل"، وأن إيقاع الفخر والجفاء في موقع الذل، انتهى، فتدبر.

وقوله: (أهل الوبر) بيان للفدادين، وهم سكان البوادي يسكنونها في الخيام، وربما يؤيد هذا أن لا يكون المراد أهل الحراثة بل أهل المواشي وسكان البادية، كما اختاره التُّوربِشْتِي.

6269 -

[4](أبو مسعود) قوله: (نحو المشرق) بالنصب، أي: حال كونه مشيرًا نحوه.

وقوله: (والجفاء وغلظ القلوب) وفي رواية: (والجفاء والقسوة).

وقوله: (عند أصول أذناب الإبل) ظرف للفدادين، أي: لهم صياح عند سوقهم لها، ويجوز أن يكون ظرفًا مستقرًا، أي: كانتين عندها.

(1)"كتاب الميسر"(4/ 1356).

ص: 811

فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3498، م: 81].

6270 -

[5] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ، وَالإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 92].

6271 -

[6] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: "اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي نَجْدِنَا؟ فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 7094].

ــ

وقوله: (في ربيعة ومضر) بدل من الفدادين.

6270 -

[5](جابر) قوله: (غلظ القلوب والجفاء في المشرق) لكونه محل الكفر والفتن.

6271 -

[6](ابن عمر) قوله: (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا) قيل: إنما خص الشام واليمن بالدعاء، لأن مكة مولده، وهي من اليمن، والمدينة مسكنه ومدفنه، وهي من الشام (1)، والنجد: اسم لما ارتفع من الأرض، وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق: ضد الغور، وهي تهامة.

وقوله: (وبها يطلع قرن الشيطان) أي: حزبه وأعوانه.

(1) انظر: "مرقاة المفاتيح"(9/ 4038).

ص: 812