الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - باب في المعجزات
ــ
معنى يدفع قولها؟ قال بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها، وقد أنكر بعضهم نسبة هذا القول إلى أحمد، واللَّه أعلم.
قال العبد الضعيف -صانه اللَّه عما شانه-: إنه قد ثبت أنه رفعت الحجب كلها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة، وقد ثبت جواز رؤية اللَّه تعالى في الدنيا والآخرة، والمانع من الرؤية إنما هو الحجب، وقد ارتفعت، فما المانع بعد ذلك عن الرؤية، وأما غيره صلى الله عليه وسلم فلم يرفع الحجب كلها عنه حتى جبرئيل عليه السلام، واللَّه أعلم. وقد مرّ الكلام فيه في (باب رؤية اللَّه في الجنة)، والأحاديث الواردة فيه فتذكر، ومنهم من توقف في هذه المسألة، ورجح القرطبي هذا القول، وعزاه لجماعة من المحققين، وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع وليس مما يكتفى فيه لمجرد الظن.
7 -
باب في المعجزات
قالوا: المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي يظهر به صدق مدعي النبوة، ومعنى التحدي: طلب المعارضة والمقابلة، وفي (الصحاح) (1): تَحَدَّيْتُ فلانًا: إذا باريته في فعل، ونازعته للغلبة، انتهى. وأصله من حدا يحدو حداء واحتداء بالإبل: إذا غنى، وفي (الأساس): ومن المجاز تحدى أقرانه: إذا باراهم ونازعهم للغلبة، وأصله: الحداء يتبارى فيه الحاديان ويتعارضان، فيتحدى كل واحد منهما صاحبه، أي: يطلب الحداء منه كما يقال: توفاه بمعنى استوفاه.
كان من عادتهم عند الحدو أن يقوم حاد عن يمين القطار، وحاد عن يساره، يتحدى كل واحد صاحبه بمعنى يستحديه، أي: يطلب عنه الحداء، ثم اتسع فيه حتى
(1)"الصحاح"(6/ 2310).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
استعمل في كل مباراة، كذا نقل صاحب (المواهب)(1).
وفي اشتراط التحدي بهذا المعنى في المعجزة نظر إذ كان كثير من المعجزات يظهر على يدي النبي صلى الله عليه وسلم كتكثير الطعام ونبع الماء وشكوى البعير وأمثالها بما كان يظهر بين أظهر الصحابة من غير تحد ومباراة ومعارضة، لعدم حضور المخاصمين هناك، وهذا ظاهر، اللهم إلا أن يراد ما من شأنه التحدي، كما أشرنا إليه سابقًا في (باب علامات النبوة)، وكل ما يظهر من خوارق العادات على يدي مدعي النبوة من شأنه ذلك كما لا يخفى.
وقال بعض المحققين: التحدي هو دعوى الرسالة، وهو قريب مما قلنا: إن المراد ما من شأنه التحدي، وهو موجود في المواضع المذكورة ومتضمن له، إذ إظهارها إنما كان لإظهار صدق دعوى النبوة، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في بعض الأوقات عند ظهورها:(أشهد أني رسول اللَّه)، فافهم.
وخرج بقيد المقارنة الخوارق المتقدمة على التحدي، كإظلال الغمام وشق الصدر الواقعين له صلى الله عليه وسلم قبل دعوى الرسالة، وتسمى إرهاصات، والإرهاص: تأسيس البناء بالطين والحجارة، والرهص بالكسر: الطين الذي يبنى به، ويجعل بعضه على بعض، فكان فيها تأسيسًا لأمر النبوة، ويخرج بقيد ظهور صدق دعوى النبوة ما كان يظهر أحيانًا على يد من يدعي النبوة كاذبًا، وكان يظهر على يديه الخارق، وقد جرت عادة اللَّه سبحانه أن لا يظهر موافقًا لدعواه، كما نقل عن مسيلمة الكذاب -لعنة اللَّه عليه- تفل في بئر ليكثر ماؤها فغارت، وتفل في عين أرمد فعمي.
(1)"المواهب اللدنية"(2/ 495 - 496).