الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ سَبقَ تَمَامُ الْحَدِيثِ فِي "بَابِ الْكِتَابِ إِلَى الْكُفَّارِ".
* * *
6 - باب في المعراج
ــ
وبهلاكه هلكت المملكة الرومية، كذا ذكروا.
6 -
باب في المعراج
وفي بعض النسخ: (باب المعراج) بترك كلمة (في)، والعروج: الصعود، عرج عروجًا ومعرجًا: ارتقى، والمعراج: آلة الصعود، وهو السلم كأنه وضع له صلى الله عليه وسلم فارتقى به إلى السماء، وقد جاء في الرواية أنه لما صعد الصخرة وضع له سلم منها إلى السماء، وهو الذي تعرج منه الملائكة، وينزل ملك الموت.
والأكثر على أنه وقع في ربيع الأول السنة الثانية عشر من النبوة، وقيل: في السابعة والعشرين من ربيع الآخر، وقيل: في السابعة عشر من رمضان، والمشهور في السابعة والعشرين من رجب، وعليه عمل أهل المدينة في الرجبية، وقيل: في سنة خمس أو ست، ثم هنا إسراء ومعراج، فالإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والمعراج منه إلى السماء.
واختلف أقوال العلماء هل كانا في ليلة واحدة أم لا؟ وهل كانا في يقظة أو منام؟ وهل كانا مرة واحدة أو مرتين أو مرارًا؟ فمرة واحدة في المنام وأخرى في اليقظة، وكان مرة النوم توطئة لما في اليقظة تسهيلًا عليه؛ لأنه أمر عظيم تضعف عنه القوة البشرية كالحكمة في الرؤيا الصادقة في بدء نبوته، أو كان في اليقظة بالجسد إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والتحقيق أنه وقع مرة واحدة في اليقظة بجسده الشريف من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم إلى السماء، ثم إلى ما شاء اللَّه إلى آخر القضية، وإليه ذهب الجمهور من الفقهاء والمتكلمين وأهل التحقيق من الصوفية، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة من حديث أنس وأبي بن كعب وجابر بن عبد اللَّه وبريدة وسمرة بن جندب وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وشداد بن أوس وصهيب وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ومالك بن صعصعة وأبي أمامة وأبي أيوب ودحية وأبي ذر وأبي سعيد الخدري وأبي سفيان بن حرب وأبي هريرة وعائشة الصديقة وأسماء بنت أبي بكر وأم هانئ وأم سلمة وغيرهم.
وتمسك القائلون بأنه في المنام مع اتفاقهم على أن رؤيا الأنبياء وحي بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، قالوا: المراد به المعراج، والرؤيا هي الحلمية، وأما البصرية فالرؤية بالتاء، أجيب بأن الرؤيا والرؤية واحدة كقربى وقربة، وعند البخاري عن ابن عباس، قال: هي رؤيا عين أريها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به (1)، وقال المتنبي:
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض
ومن خطأه فهو مخطئ على أن للمفسرين خلافًا في المراد بهذه الرؤيا، فقيل: هي رؤيا عام الحديبية حين رأى أنه دخل مكة فصده المشركون وافتتن بذلك ناس، وقيل: رؤيا وقعة بدر لقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا} [الأنفال: 43]، وقيل: رأى قومًا من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القرد، فقال: هو حظهم من
(1)"صحيح البخاري"(3888).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدنيا يعطون بإسلامهم، وقد يقال. إنها رؤية عين، وإنما عبر عنها بالرؤيا لوقوعها بالليل وسرعة نقضها كأنها منام، ويقال: تسميتها رؤيا على وجه التشبيه والاستعارة لما فيها من الخوارق التي هي بالمنام أليق في مجاري العادات، ويقال: تسميتها على قول المكذبين حيث قالوا: لعلها رؤيا رأيتها، وتمسكوا أيضًا بقول عائشة: ما فقد جسد محمد ليلة المعراج، وأجيب بأن عائشة لم تحدث به عن مشاهدة؛ لأنها لم تكن إذ ذاك زوجًا ولا في سن من يضبط، أو لم تكن ولدت بعد على الخلاف في سنة الإسراء، أو المراد ما فقد جسده الشريف عن الروح بل كان مع روحه، وكان المعراج للجسد والروح جميعًا، ونقل عن بعض الصوفية أنه كان له صلى الله عليه وسلم أربعة وثلاثين مرة، والذي أسري به منها إسراء واحد بجسمه، والباقي بروحه.
وقال في (المواهب)(1): القول بتعدد وقوعه محض احتمال، ولم يثبت ذلك بالروايات ولم ينقل عن أحد من السلف المتقدمين، وحجة الجمهور في أن الإسراء كان في اليقظة بالجسد قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]، فإن العبد اسم للروح والجسد، كما في قوله تعالى:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 9 - 10] وقوله سبحانه: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] فكذا هنا، وقوله:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1] لأن الرؤية إنما تكون في اليقظة بالجسد، ولا شك أن ظاهر قوله:{أَسْرَى} أن يحمل على اليقظة حتى يدل دليل على خلافه، بل تصدير الكلام بالتسبيح الدال على التعجب تعظيم قدرة اللَّه تعالى، والتمدح بتشريف النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الكرامة له بالإسراء مما يدل عليه أيضًا.
(1) انظر: "المواهب اللدنية"(3/ 79).