الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
6272 -
[7] عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ قِبَلَ الْيَمَنِ فَقَالَ: "اللهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا ومُدِّنَا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 3934].
6273 -
[8] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى لِلشَّامِ"، قُلْنَا: لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. [حم: 5/ 184، ت: 3954].
ــ
الفصل الثاني
6272 -
[7](أنس) قوله: (اللهم أقبل بقلوبهم) أي: اجعل قلوبهم مقبلة إلينا، ووجه مناسبة الدعاء بالبركة في الصاع والمد لأن أهل المدينة كانوا في ضيق عيش لا يقوم [بهم]، فلما دعا بإقبال قلوب اليمن إليها، وهم جم غفير فقراء دعا بالبركة في طعام أهلها ليتسع على المقيمين والقادمين.
6273 -
[8](زيد بن ثابت) قوله: (طوبى) فعلى من الطيب أصله طيبي، أبدلت ياؤه واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها.
وقوله: (لأي ذلك) بالتنوين بدلًا عن المضاف إليه المحذوف، أي: لأي سبب ذلك، قال الطيبي (1): وقد أثبت في بعض نسخ (المصابيح) لفظ (شيء).
وقوله: (لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها) قد أثبت الأجنحة للملائكة في الكتاب والسنة، قالوا: ليس ذلك كما يتوهم من أجنحة الطير، ولكنها عبارة عن
(1)"شرح الطيبي"(12/ 363).
6274 -
[9] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ نَحْوِ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرنَا؟ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2217].
ــ
صفات الملائكة وقواهم، ولا يعرف إلا بالمعاينة، وليس طائر له ثلاثة أجنحة ولا أربعة، فكيف بست مئة مثلًا، وبالجملة لا بد من إثبات الأجنحة للملائكة والكف عن كيفيتها، وإضافة الملائكة إلى الرحمن إشارة إلى شمول الرحمة والرأفة على أهل الشام، ولعل المراد بهم الأبدال الذين يكونون بالشام أو يعم الكل، واللَّه أعلم.
6274 -
[9](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (من نحو حضرموت) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء والميم، غير منصرف، من بلاد اليمن مشهورة، وقد يضم الميم، وجاء بالتصغير حضيرموت، كذا في (القاموس)(1)، وقال في (المشارق) (2): وهذيل تقول: حضرموت بضم الميم، وقال التُّوربِشْتِي (3): يحتمل أن يكون رأى عين وهو الأصل، ويحتمل أنها فتنة عبر عنها بالنار، وقد مر ذكر نار تطرد الناس إلى محشرهم في أمارات الساعة، ويظهر أن تلك النار تسوقهم إلى الشام بلا اختيارهم، وهذا الحديث يدل على أمرهم باختيار السفر إلى الشام، فلعل الظاهر أن المراد فتنة عبر عنها بالنار.
(1)"القاموس"(ص: 340).
(2)
"مشارق الأنوار"(1/ 221).
(3)
"كتاب الميسر"(4/ 1357).
6275 -
[10] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٍ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ النَّاسِ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ". وَفِي رِوَايَةٍ: "فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ، تَقْذِرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ،
ــ
6275 -
[10](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (إنها ستكون هجرة بعد هجرة) قيل: أي ستكون هجرة إلى الشام بعد هجرةٍ كانت إلى المدينة، وعلى هذا المعنى كان الظاهر أن يقال: هجرة بعد الهجرة، لكن روعي المناسبة مع الأولى في التنكير، وقيل: المراد التكرير، وهو الأظهر من سياق الحديث، وذلك حين تكثر الفتن في البلاد ويستولي الكفرة، ويقل فيها القائمون بأمر اللَّه في دار الإسلام، وتبقى البلاد الشامية محروسة تسوسها العساكر الإسلامية ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال، فمن أراد المحافظة على دينه هاجر إليها، قال التُّوربِشْتِي: إنما أتى بها منكرة لتساوي الأولى في الصيغة.
وقوله: (فخيار الناس) تفصيل للمجمل المذكور، أي: هجرتهم، أو يهاجرون (إلى مُهَاجَر إبراهيم) بضم الميم وفتح الجيم موضع المهاجرة وهو الشام.
وقوله: (فخيار أهل الأرض) مبتدأ، و (ألزمهم) بصيغة اسم التفضيل خبر، و (مهاجر) نصب على الظرف لألزمهم لا مفعول به؛ لأن اسم التفضيل لا يعمل في الظاهر إلا في الفاعل في مسألة الكحل.
وقوله: (تلفظهم) أي: ترميهم وتقذفهم (أرضوهم) بفتح الراء جمع أرض بالواو والنون كأنها تستنكف عنهم.
وقوله: (تقذرهم) بكسر الذال، أي: تكرههم (نفس اللَّه) أي: ذاته تعالى من باب التمثيل المركب، أي: تبعدهم من مظان رحمته ومحل كرامته، وقد جاء إطلاق النفس
تَحْشُرهُمْ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 2482].
6276 -
[11] وَعَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً: جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ". فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ،
ــ
على دْات اللَّه كقوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]، وقالوا فيه: إنه من باب المشاكلة، وليس في الحديث المشاكلة.
وقوله: (تحشرهم) أي: تجمعهم (النار) أي: نار الفتنة التي هي نتيجة أفعالهم القبيحة (مع القردة والخنازبر)، والمراد إما حقيقتها أو معنى كونهم معهم كونهم متخلقين بأخلاقهم، أو المراد ناس سوء والكفرة الذين هم كالقردة والخنازير.
وقوله: (تبيت) أي: نار الفتنة (معهم إذا باتوا، وتقيل) من القيلولة وهو النوم في نصف النهار، والمراد ملازمة الفتنة إياهم ليلًا ونهارًا، يعني أنهم وإن انتقلوا من أرض إلى أرض خوفًا من الفتنة، لكن الفتنة لا تفارقهم لشمولها البلاد سوى البلاد الشامية، فمن هاجر إليها أسلم منها وحفظ دينه، فقوله:(تلفظهم)(تقذرهم)(تحشرهم) ثلاث جمل مستأنفة جاءت بغير عطف، قال الطيبي (1): ولعل الحديث إشارة إلى العصر الذي نحن فيه، أقول: فما حال عصرنا! نسأل السلامة والعافية.
6276 -
[11](ابن حوالة) قوله: (وعن ابن حوالة) بفتح الحاء المهملة مخففًا.
وقوله: (جنودًا مجندة) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد النون، أي: مختلفة،
(1)"شرح الطيبي"(12/ 365).
فَقَالَ: "عَلَيْك بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدَرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. [حم: 4/ 110، د: 2483].
ــ
وقيل: مجتمعة، كما في حديث:(الأرواح جنود مجندة)، و (الخيرة) بكسر الخاء وفتح الياء وقد تسكن، في (القاموس) (1): خار الشيء: انتقاه كتخيره، والاسم الخيرة بالكسر وكعنبة، وخار اللَّه في الأمر: جعل لك فيه الخير، وإذا أردت التفضيل، قلت: فلان خيرة الناس بالهاء.
وقوله: (فأما إن أبيتم) أي: امتنعتم ما اختاره اللَّه لكم من القصد إلى الشام، واخترتم بلادكم مسقط رأسكم، وأضاف اليمن إليهم لأن المخاطبين عرب واليمن من أرضهم، وهذا وقع معترضًا بين (عليك بالشام) وقوله:(واسقوا من غدركم) لأنه راجع إلى قوله: (عليك بالشام)، أي: لِيَسْبق كل من غديره الذي اختص به، فلا يزاحم غيره لا سيما أهل الثغور، لئلا يكون ذلك سببًا للاختلاف وتهيج الفتن، كذا قالوا، وأقول: أي دليل على تخصيص تعلقه بالشام؟ وظاهر العبارة أن يتعلق لقوله: (فعليكم بيمنكم) أو بالكل، وهذا حكم يشترك فيه الكل لاشتراك العلة، واللَّه أعلم. و (الغدر) بضمتين جمع غدير، وهو ما اجتمع من الماء يغادره السيل.
وقوله: (فإن اللَّه عز وجل توكل لي بالشام) قيل: هكذا في سائر نسخ (المصابيح)، والصواب: قد تكفل لي، وهذا إن كان من حيث الرواية فلا كلام، وإلا فالتوكل قد يراد به التكفل، فإن من توكل في شيء فقد تكفل القيام به، والمعنى أنه تعالى ضمن لي حفظها وحفظ أهلها من بأس الكفرة واستيلائهم.
(1)"القاموس"(ص: 351).