الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير أصل الإسلام
- التوحيد
ومعناه إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة: بأن لا يدعى إلا هو، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرجى ولا يخاف إلا هو، ولا يذبح ولا ينذر إلا له، إلى غير ذلك من أنواع العبادة وهي كثيرة، فإن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
ومجرد الإقرار بتوحيد الربوبية من أن الله هو الخالق الرازق المدبر وحده لا يكفي في عصمة الدم والمال، ولا يكون به الرجل مسلما حتى يوحد الله تعالى في العبادة، فإن المشركين الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، كما قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (1)، والآيات في هذا المعنى كثيرة. وكانوا مع إقرارهم بذلك كفارا مشركين حلال الدم والمال، لشركهم بالله في العبادة.
وشرك هؤلاء المشركين الذين نزل القرآن بكفرهم وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أكثر من جعلهم الوسائط بينهم وبين الله تعالى، يدعونهم مع الله، ويذبحون لهم، ونحو ذلك، يزعمون أنهم يشفعون لهم عند الله ويقربونهم إلى الله زلفى، قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2)
(1) سورة يونس الآية 31
(2)
سورة يونس الآية 18
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (1)، وقال تعالى عن صاحب يس:{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (2){أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ} (3){إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (4){إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} (5)، وقال تعالى:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} (6)، وقال تعالى:{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (7).
وهذا التوحيد هو مدلول الكلمة العظيمة لا إله إلا الله، فإنها اشتملت على أمرين هما ركناها: النفي، والإثبات. فشطرها الأول وهو (لا إله) نفي، وشطرها الآخر وهو (إلا الله) إثبات، فالنفي المحض ليس بتوحيد، كما أن الإثبات المحض ليس بتوحيد، وإنما التوحيد في مجموع الأمرين: نفي الألوهية -التي بحق- عن غير الله نفيا عاما كما تفيده (لا) النافية للجنس الداخلة على النكرة. وإثبات جميع أنواع الألوهية لله وحده كما تقتضيه (إلا) الإيجابية.
(1) سورة الزمر الآية 3
(2)
سورة يس الآية 22
(3)
سورة يس الآية 23
(4)
سورة يس الآية 24
(5)
سورة يس الآية 25
(6)
سورة الأنعام الآية 94
(7)
سورة الأحقاف الآية 28
إذ معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، كما قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (1).
وقد جاء تفسير لا إله إلا الله مبينا في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} (2){إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} (3){وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (4).
والمراد بالكلمة المذكورة في هذه الآية لا إله إلا الله، فإن المعنى أن إبراهيم عليه السلام جعل {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} (5){إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} (6) كلمة باقية في عقبه أي ذريته يدين بها منهم من لا يشرك بالله شيئا، ومن المعلوم عند العلماء من المفسرين وغيرهم أن الكلمة التي ترك إبراهيم عليه السلام في عقبه هي لا إله إلا الله، فكان معبرا عنها في هذه الآية الكريمة {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} (7){إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} (8) فاتضح بذلك أن هذا هو معنى لا إله إلا الله.
ومما يفسر لا إله إلا الله ويوضح معناها أيضا قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (9). فإنه لا كلمة يدعو إليها النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب وغيرهم سوى كلمة الإخلاص لا إله إلا الله، وجاءت هذه الكلمة مفسرة في هذه الآية، يقول الله عز وجل:{أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} (10) وهذا من أبين شيء في تفسير لا إله إلا الله.
(1) سورة الحج الآية 62
(2)
سورة الزخرف الآية 26
(3)
سورة الزخرف الآية 27
(4)
سورة الزخرف الآية 28
(5)
سورة الزخرف الآية 26
(6)
سورة الزخرف الآية 27
(7)
سورة الزخرف الآية 26
(8)
سورة الزخرف الآية 27
(9)
سورة آل عمران الآية 64
(10)
سورة آل عمران الآية 64
هذا ما نعتقده وندين الله به.
وإني إذ أقرر هذه الأصول العظيمة الواجبة الاتباع أستنهض همم إخواني المسلمين في داني الأرض وقاصيها وأستثير عزائمهم إلى التمسك بذلك والاعتناء به، وأدعوهم إلى أن يرجعوا إلى ربهم في سرهم وعلانيتهم، ويصدقوا فيما بينهم، وأن تتصافى قلوبهم وتتوحد كلمتهم وتجتمع صفوفهم، ويكون الهدف والقصد واحدا وهو تحكيم الشرع الشريف ورفض القوانين الوضعية التي عزل بها الكتاب والسنة. فبذلك يقوم لنا مجدنا، ونكون السباقين إلى كل خير، المنصورين في كل حلبة. قال الله تعالى:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1).
وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (2).
هذا وإني قد فتحت الباب على مصراعيه لمن يريد المذاكرة معي في أي شيء مما يراد به الحق ونصرة الإسلام والمسلمين.
وختاما أوصي إخواني المسلمين باغتنام بقية هذا الشهر الشريف وأن يختموه بتوبة نصوح ويتعرضوا فيه لنفحات رحمة المولى تبارك وتعالى، فإن لله في أيام الدهر نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فمن أصابته سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وأحرى الأيام بها أيام هذا الشهر العظيم. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:«شهر رمضان أوله رحمة، وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار» .
(1) سورة آل عمران الآية 139
(2)
سورة آل عمران الآية 103