الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبلبلة العقول، ولراغب الفائدة العودة إلى مجلة المنار لمحمد رشيد رضا. وصحف أهل الحديث، وأخبار محمدي، وزميندار بالهند وغيرها.
فقد صاحب قيام الملك عبد العزيز رحمه الله بتوحيد المملكة، أشياء كثيرة، من هذا النوع، لا تقل عما حصل أيام الدولة السعودية الأولى. بتكرار الأكاذيب السابقة. وبزيادات يقصد منها الحماسة ضد الملك عبد العزيز رحمه الله بعدما دخل مكة عام (1343هـ)، حتى بلغ من شدة العداء استعداء الدول الأجنبية ضده رحمه الله.
ولما كان صدى هذه الدعوة، في دورها الأول، قد تعدى محيطها المحدود، بعدما بدأت في التوسع من الجهات الأربع، ودخلت العراق والشام، مما خوف الخلافة العثمانية، وتناقلت صحف الغرب الحديث عنها، وجند من يستقصي أخبارها، فجاءت كتابات مؤيدة، من مفكري ومستشرقي الغرب في فرنسا وألمانيا، وبلجيكا وسويسرا، وهولندا وغيرها.
الغاية تبرر الوسيلة:
وبعد دراسة أصحاب المصالح، والمستعمرين لكثير من ديار المسلمين ذلك الوقت، من دول الغرب، لما ينجم عليهم من خسارة عندما تنتشر هذه الدعوة التي هي صحوة إسلامية، ودعوة للسير على المنهج الأول وتعاليمه.
خاصة وأن الحجاج الذين أعجبوا بها، قد بدءوا ينقلونها لبلادهم، وينشرون الطريقة المثالية في الدعوة، لتجديد ما اندثر من تعاليم الإسلام، ومحاربة البدع والأضاليل المنسوبة للإسلام.
شعر أولئك بهذا المد الجديد، الذي سيقضى على مصالح المستعمرين والمنتفعين، من جراء تلقي العامة، وفهمهم تعاليم الإسلام الصافية النقية الخالية من البدع والمحدثات، لأنها وفق ما جاء في كتاب الله، أو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أيده الصحابة والتابعون لهم بإحسان.
ورأوا أن تسمية هذه الدعوة، التي ساندها الأئمة من آل سعود، وتوسعت دائرة انتشارها حتى أصبحت قوية، بعد أن بدأ نجمها يسطع سريعا باسم: المحمدية، تقوية لها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بها من عند ربه اسمه محمد، وهذا يزيدها تمكينا عند المسلمين. أو باسم الدعوة الجديدة فهذا لا يحقق الغرض المقصود في استثارة العامة والجهال، وهم الدهماء في المجتمع الإسلامي، ولا يحققان تأليب العداء عليها، وعلى القائمين عليها.
وخوفا من أن يؤثر رأي الدارسين المنصفين في بلاد الإسلام أو بلاد الغرب. فقد تفتقت الحيلة على إيجاد رأي معاكس يخدم الغرض، ويؤلب على هذه الدعوة ورجالها، فقالوا عن الشيخ وعن أتباعه أنهم خوارج، وأنهم قرامطة، وأن مذهبهم خاص أو خامس، وأنهم جاءوا بدين جديد، وأنهم يكفرون غيرهم، فكانت هذه الأقوال متضاربة ومتباينة.
فوجدوا بغيتهم في اسم الوهابية، لما فيه من إثارة وشمولية، مقرونة بالفتاوى القديمة الصادرة عن هذه الملة في الأندلس وشمال أفريقيا، منذ القرن الثاني الهجري.
وأن في اسم سليمان بن عبد الوهاب ومخالفته لأخيه محمد في
دعوته، ما يعزز ذلك علاوة على المبرر القوي الذي يضفي الشرعية على ما وصفوا الدعوة به، لوجود الفتاوى التي تبرز للعامة، فيتلقفها أصحاب المصالح والأهداف التي تخدم ما في نفوسهم.
يدعم ذلك الأكاذيب التي ألصقت بالشيخ محمد ورجال الدعوة معه، حيث تكونت الأرضية المناسبة لهذا العمل المناوئ للدعوة.
وعندما تجمعت هذه المبررات أمامهم، ووجدوا طريقا ممهدا لتحريك الجيوش، وتشجيع المرتزقة والمتحمسين ضد الوهابية القديمة، جردت الحملات لمحاربة الخوارج كما يزعمون، الذين وصفوهم بالكفار الوهابية.
ووفق هذه التسمية، حيث نفضوا الغبار عن ذلك اللقب الكامن في سجلات التاريخ، فقد وجدوا في اسم سليمان الأخ الشقيق للشيخ محمد مكسبا يعزز مطلبهم، ولكي يقوى هذا السلاح في أيديهم، جاءت فكرة التأليف باسمه، ردا كتابيا يوزع في البلاد التي أشيعت فيها الردود على الشيخ محمد، ليكون في رد سليمان ركيزة قوية في تهيئة النفوس للاستجابة لما هدفوا إليه.
فبدأ إرهاق الناس بالضرائب- كما يقول الجبرتي في تاريخه: (عجائب الآثار) - وإجبار الناس على الإنفاق والبذل، والإغداق على بعض قبائل الجزيرة لتسهيل المهمة، مع إغرائهم بالذهب والفضة، حتى أن أهل مصر صار تعاملهم (بالنيكل). إلى جانب الأموال السرية من الغرب، والمستشارين في حملته منهم، لتقوية إبراهيم باشا حتى يحقق مآربهم في القضاء على هذه الدولة الجديدة.
كل هذا مع تذكية العداوة بالحماسة للقتال بالنفس، لمن لا يقدر على الإنفاق، والجبرتي رحمه الله ممن عاصر الأحداث، حتى قيل إن إبراهيم باشا أوعز بقتله عام (1238هـ) رحمه الله، لما ثبت له من آرائه حول الدعوة السلفية في نجد، المصاحبة لقيام الدولة السعودية الأولى. فقد استنكر رحمه الله الحملة، واستنكر تكبر إبراهيم باشا وتعاظمه على العلماء، الذين جاءوا للسلام عليه بعد عودته من حملته على الدرعية، واستهجانه تسميتهم لأهل نجد بالكفار، نموذج ذلك ما ذكره عن حوادث عام (1235 هـ)، وخاصة في شهر صفر (1).
- هذا الأسلوب الذي عملوه في استغلال اسم الشيخ سليمان بن عبد الوهاب، والأكاذيب عليه، وعلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب له نظائر في أعمالهم ضد الدعوة الإصلاحية وحماتها، نورد منها اثنين فقط.
الأول: ما تزعمته صحيفة (المقطم) ضد الملك عبد العزيز رحمه الله، من أنه مصاب بمرض السل، ومن أمور أخرى فندها صاحب مجلة المنار، ورد أكاذيبهم، ومنها ما قالوه عن تمرد البادية ورجوع البلاد للفوضى، والدعوة إلى توقف المسلمين عن الحج.
الثاني: همفر الذي قيل عنه بأنه جاسوس بريطاني له علاقة بالشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما جاء في المذكرات التي سميت باسم: مذكرات همفر.
ومقصد الأول: خدمة من دفع له، ليدافع باسمهم وعن مآربهم.
(1) يراجع الجزء الرابع من (عجائب الآثار) للجبرتي، حوادث عام 1235هـ.