الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحرير، ولا شك أن الرسالة وكذا الرد أو على الأصح الرسائل التي بعث للمشايخ الثلاثة في المجمعة، ومن ثم ردودهم عليه، والتي ذكر في هذه الرسالة: أن هناك رسالتين سبقتا منه إليهم بعث هذه الرسالة، وقد يكون تلاها غيرهما؛ لأن الرابطة بينهم كانت وثيقة.
ولعل إسقاط التأريخ من الناقلين نسخا، لعدم اهتمامهم به، وإلا فهو عند الباحثين يعني قرائن ومقارنات بأحداث ووقائع (1). كل ذلك لو توفر الاطلاع عليه لفتح أفقا أوسع في تجلية الأمر.
(1) ينظر أيضا: مصباح الظلام للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ص 104 - 108. بإشراف سعد بن عتيق.
تكملة قرائن النفي:
مع هذا فإننا نستنتج من هذه الرسالة ما يلي: زيادة على ما ذكرناه سابقا من شواهد على تزكية الشيخ سليمان ونفي ما نسب إليه.
10 -
أن أسلوب الشيخ سليمان في هذه الرسالة، يميل إلى اللغة العامية في نجد، وهي اللهجة التي حرص الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يخاطب بها الناس، لأنها أقرب للفهم، وأدعى للإدراك، فهي عربية في النطق، ودارجة في التحدث باللسان. وأسلوبه هذا يخالف الرسائل المنسوبة إليه.
11 -
أن الذي يقرأ رسالة الشيخ سليمان، كأنه يقرأ رسائل الشيخ محمد؛ لأن هذا هو السائد في البيئة، وقد يكون الشيخ سليمان،
ممن يساعد أخاه محمدا في تحرير بعض الرسائل، أو لعله تأثر به، بحكم المخالطة ودوام العشرة خاصة وأنه قد ارتبط به منذ عام (1190هـ) في الدرعية، فلا بد أنه يحضر مجالسه.
12 -
كانت عودة الشيخ سليمان عن مخالفة أخيه مبكرة، وقبل أن يتسع محيط الدعوة، بدليل استجابة بعض العلماء منهم الشيخ العفالقي الذي نزل المدينة المنورة، واستجابة علماء المجمعة الثلاثة الذي كاتبهم الشيخ سليمان، لما بينهم وبينه من رابطة سابقة، وأنهم مثله كانوا نافرين من الدعوة في بداية أمرها، وهذا غير مستغرب في أي دعوة، بأن الناس لا يستجيبون دفعة واحدة، إلا بعد رؤية وجلاء للأمور، عن سلامة الداعي وصدقه، وصحة المدعو إليه وعدم تعارضه مع نص شرعي. والمجمعة وحرمة والزلفى، وما حولها من مناطق سدير ومنيخ، وأهل اليمامة في الخرج، كلهم لم يفدوا على الشيخ في الدرعية إلا ما بين سنتي 1190 - 1192هـ. والأولى هي السنة التي وفد فيها سليمان مع أهل الزلفي على أخيه بعدما استدعاه في الدرعية (1) كما ذكر ابن بشر، كما أن أهل القصيم لم ينقادوا إلا عام (1189هـ)(2).
13 -
أن المشايخ الثلاثة الذين كاتبهم الشيخ سليمان وهم من
(1) يراجع تاريخ ابن بشر (عنوان المجد) ج 1 حوادث عامي (1190 - 1191هـ) 1/ 128، 129.
(2)
يراجع تاريخ ابن بشر (عنوان المجد) ج 1 حوادث عام (1189 هـ) 1/ 127.
المجمعة، ذكروا في رسالتهم الجوابية للشيخ سليمان، والتي ستأتي بنصها فيما بعد: أنهم كانوا في جهل، وقاموا مع أهل الشرك ثلاثين عاما.
ولذا فإن من المحتمل أن الشيخ محمدا، لم يدعهم إلا بعدما استقر في الدرعية، واستجابت الرياض بعد هروب دهام بن دواس منها عام (1187هـ)، وتكون الاستجابة متقاربة مع وفود الشيخ سليمان على أخيه في الدرعية، أو بعده بقليل، خاصة وأن سليمان في تلك الفترة عندهم في سدير.
14 -
من يقارن بين أسلوب هذه الرسالة، وتركيباتها اللغوية واللفظية، وبين الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية، الذي طبع في القاهرة بتحقيق إبراهيم بن محمد البطاوي: الطبعة الأولى عام 1407هـ، يناير (1987م)، يرى بونا شاسعا بينهما، مما يوجب وضع علامة استفهام كبيرة من حيث:
- الأسلوب الإنشائي، فهذا الكتاب صياغة حديثة. والرسالة متناسبة مع عصرها.
- الألفاظ والتراكيب بينهما تباعد، كتباعد الزمنين، وما يقوله نقاد الأدب من خصائص كل عصر، وزيادة على ذلك ففكر كاتبها كأنه معنا في هذا الزمن، أي أنها من أسلوب عصر النهضة الحديثة.
- الصواعق الإلهية، جعلت بأنها الطبعة الأولى، بينما العجلاني يرى طباعتها قبل هذا الوقت بزمن، قدره بثمانين عاما.
- عبارة الوهابية، لم تكن معروفة في حياة الشيخ سليمان، بل
ولم يعرف أن أحدا في نجد أطلق هذا اللقب على دعوة الشيخ محمد لا من أنصار الدعوة، ولا خصومها.
- لو كان سليمان هو الذي ألفها لتبرأ منها في رسالته هذه، أو أشار إليها كما أشار إلى غيرها، مما يذكر به زملاءه، وما حصل لهم قبل الاستجابة للدعوة.
فهذه بعض القرائن التي تقوي النفي، خاصة وأنها وفصل الخطاب يوزعان مجانا، مما يبرهن على أن وراء ذلك مقصدا لا يختلف مساره الآن عن مسار الأول الذي صاحب الغزو ضد الدرعية.
والثاني: الذي صاحب دخول الملك عبد العزيز رحمه الله، مكة والمدينة، وما يحرك ذلك من عوامل وأهداف، حيث المقصود في ذلك هو الدين نفسه، وإبعاد الناس عن سلامة العقيدة المرتبطة بالله سبحانه، ونفي ما يعبد من دونه جل وعلا، وهذا ما لا يريده المبتدعة ولا أصحاب الأهواء، ولا أعداء الإسلام الذين يحركون في الخفاء.
15 -
أن الطريقة المتبعة في منطقة نجد، ذلك الوقت كما قلنا، وما تلاه إلى عهد قريب، أن المخالفة في الرأي أو العقيدة يتم التعبير عنها بالمشافهة، والمناظرة في المجالس، أو بالمراسلة لا
بالتأليف، والتأليف لا يتم إلا في نطاق ضيق- لعدم توفر وسائله - فعندما يصلهم كتاب فإنهم يردون عليه فقط بجزئيات قال: وقلنا كما نلمس هذا في رسائل الشيخ، ورسائل من يخالفونه.
والمراسلات تعني رابطة فكرية؛ وصلة علمية، وتناصحا بين المتراسلين.
ولذا كان الشيخ سليمان على صلة ببعض العلماء، كما بان من رسالته هذه مع علماء المجمعة، لتبادل وجهات النظر بالمخالفة، ثم بالموافقة والائتلاف، بعدما فتح الله عليهم.
16 -
ولو كانت الهوة بعيدة بين الشيخين الأخوين: محمد وسليمان، ومدة الخلاف طويلة؛ لطال معها الأخذ والرد، خاصة مع الأقران غير هؤلاء الثلاثة الذين راسلهم، ولكان للمخالفين - الذين زاد خلافهم خاصة في بدء الدعوة، واستمروا في مناوأة الشيخ ودعوته - ذكر له عندهم، ولربطوا مع الشيخ سليمان تقاربا وتبادل رسائل؛ لأن هذا مما يقوي مراكزهم ويفرحهم بهذا الخلاف الذي دخل طرفه أخو الشيخ محمد صاحب الدعوة، كخصم له، ولنوهوا على رده هذا، أو ردوده في رسائلهم نصرة لمخالفتهم الشيخ؟!
ولما لم نجد قرينة تؤصل هذا الأمر، قوي الترجيح بأن الخلاف مع الشيخ محمد من جانب أخيه سليمان من باب النفرة، وليس جوهريا، مثل ما يحصل عادة من الزعل والنفرة في البيت الواحد لأي سبب.
17 -
وهذا مما يقوي احتمال أن التوقف مبدئيا، لا يعتبر خلافا - بمفهومه العام - يوجب مثل هذا الرد، والتباعد بين الأخوين في المنهج والعقيدة التي هي محور الأعمال، ولكن ما تم بينهما - ما هي إلا حيرة تدعو لإجالة الفكر، والتبصر، وتتبع الأمور والمشاورة مع الأقران؛ لأن موافقة العالم لا تتم في الغالب، إلا بعد القناعة، وجلاء الأمور، عن كل شيء يثير التساؤلات حيث تتم بعد ذلك القناعة، ومن هنا ندرك أثر المكاتبات بين الشيخ سليمان، وهؤلاء العلماء الثلاثة، الذين وصل إلينا خبرهم، حيث الجميع يبحثون عن الحقيقة، ويتلمسون الصواب، لينحازوا إليه.
وهذا ما يتبادر من سطور رسائلهم المتبادلة. التي هي نموذج يطرح أمام القارئ، ممثلة من جانب الشيخ سليمان بالرسالة السابقة منه إليهم، ومن جانبهم في ردهم عليه، والتي سنوردها فيما بعد، كما ندرك من هاتين الرسالتين، صدق النوايا، وحسن الاستجابة؛ لأن المقصد الوصول للحقيقة، والمرجع في ذلك كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ما درج عليه سلف الأمة؛ لأن:(ما رآه المؤمنون حسنا فهو حسن، وما رآه المؤمنون قبيحا فهو قبيح). يقول الشيخ
سليمان في رسالته: وأذكركم ما من الله به علينا وعليكم، من معرفة دينه، ومعرفة ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده، وبصرنا من العمى، وأنقذنا من الضلالة.
ثم يذكرهم بعدما جاءوا إلى الدرعية، لمقابلة الشيخ والعلماء بابتهاجهم وثنائهم على الله تعالى، الذي أنقذهم. . . ثم في دأبهم في سائر مجالسهم في الدرعية، وبعد عودتهم إلى المجمعة، حيث يصل الثناء عليهم. ويقولون هم في ردهم على الشيخ سليمان: فنحمد الله الذي فتح علينا، وهدانا لدينه، وعدلنا عن الشرك والضلال، وأنقذنا من الباطل والبدع المضلة. وبصرنا بالإسلام الصرف، الخالي عن شوائب الشرك، فلقد من الله علينا وعليكم، فله الفضل والمنة، بما نور لنا من اتباع كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فنسأله أن يتوب علينا وعليكم، ويزيدنا من الإيمان، فلقد خضنا فيما مضى بالعدول عن الحق، ودحضناه جهلا منا وتقليدا لمن قبلنا، فحق علينا أن نقوم مع الحق قيام صدق، أكثر مما قمنا مع الباطل.
18 -
أن خوض الشيخ سليمان في بداية الأمر، مع من خاض، حول دعوة الشيخ، كان جهلا وتقليدا كغيره، وليس عنادا ومكابرة، ولما تمحص هو ورفاقه الأمور، ودققوا في جوانب ما يدور، وتشاور هو ومن يشاكله مع ذوي العلم، تبين لهم الرشد، وظهرت أمامهم الحقيقة، واستبان لهم الطريق السوي، فحرصوا على السير فيه، والدعوة إليه. وعدم المكابرة والتشدد في المخالفة.
19 -
ومن قناعة الشيخ سليمان، والعلماء الثلاثة الذين تواصل معهم في الرأي والمشورة، رأيناهم جميعا يخصون الشيخ محمدا رحمه الله. وأولاده وأسرتهم بالسلام، وتبادل المودة. ذلك أن السلام ومشروعيته في الإسلام يعني: الألفة والمحبة، وعدم الضغينة، كما جاء في الحديث الصحيح:«إذا التقى المسلمان وتصافحا تحاتت خطاياهما، كما يتحات ورق الشجر (1)» .
وفي الحديث الآخر توضيح للخيرية بين المسلمين: بأن خيرهما من يبدأ بالسلام.
20 -
أن الجميع بعدما اقتنعوا بهذه الدعوة، وسلامة الداعي وصدقه فيما يدعو إليه، وورعه وأمانته العلمية أخذوا من تعاليم الإسلام، أحسن ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو النصح لكل منهم، والدعوة إلى تبيين الحق، وإبانة ما يجب على المسلم نحو نفسه، ونحو إخوانه المسلمين من نبذ الشرك وتحقيق كلمة التوحيد: قولا وعملا، ومراقبته لله في السر والعلن، والدعوة لضال المسلمين بالهداية، وحسن الاستقامة، وتوضيح ما أوجب الله، من أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وبعد عما يخالف ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
- وفيما يلي نورد واحدة، من رسائل علماء المجمعة الثلاثة، في ردهم على رسالة الشيخ سليمان بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا- حسبما أوردها الشيخ فوزان السابق- رحمه الله في كتابه: (البيان
(1) رواه أبو داود في الأدب 142.
والإشهار في الرد على الحاج مختار) حيث يقول:
فأجابوه برسالة، ينبغي أن تذكر هنا، ونصها:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد المرسلين، من كاتبيه الفقيرين إلى الله: أحمد بن محمد التويجري، وأحمد بن عثمان بن شبانة، وأخيه محمد إلى من من الله علينا وعليه باتباع دينه، واقتفاء هدي محمد صلى الله عليه وسلم نبيه وأمينه. الأخ سليمان بن عبد الوهاب، زادنا الله وإياه بالتقوى والإيمان، وأعاذنا وإياه من نزغات الشيطان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته: بعد إبلاغ الشيخ وعياله، وعبد الله وإخوانه السلام وبعد: فوصل إلينا نصيحتكم، جعلكم الله من الأئمة الذين يهدون بأمره، الداعين إليه، وإلى دين نبيه صلى الله عليه وسلم. فنحمد الله الذي فتح علينا، وهدانا لدينه، وعدلنا عن الشرك والضلال، وأنقذنا من الباطل والبدع المضلة، وبصرنا بالإسلام الصرف، الخالي عن شوائب الشرك، فلقد من علينا وعليكم الله، فله الفضل والمنة، بما نور لنا من اتباع كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدلنا عن سبيل من ضل بلا برهان، ونسأله أن يمن علينا وعليكم بالتوبة، ويزيدنا من الإيمان.
فلقد خضنا فيما مضى بالعدول عن الحق ودحضناه، وارتكبنا الباطل ونصرناه، جهلا منا وتقليدا لمن قبلنا، فحق علينا أن نقوم مع الحق قيام صدق، أكثر مما قمنا مع الباطل، على جهلنا وضلالنا، فالمأمول والمبتغى منا ومنكم وجميع إخواننا: التبيين الكامل الواضح، لئلا يغتر بأفعالنا الماضية من يقتدي بجهلنا، وأن نتمسك بما اتضح وابلولج من نور الإسلام، وما بين الشيخ من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد
حاربنا الله ورسوله، واتبعنا سبل الغي والضلال، ودعونا إلى سبيل الشيطان، وتنكبنا كتاب الله تعالى وراء ظهورنا، جهلا منا وعداوة، وجاهدنا في الصد عن دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واتبعنا كل شيطان، تقليدا وجهلا، فلا حول ولا قوة إلا بالله:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1)، {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (2).
فالواجب منا، لما رزقنا الله تعالى معرفة الحق: أن نقوم معه أكثر وأكثر من قيامنا مع الباطل، ونصرح بالتبيين للناس، بأنا كنا على باطل فيما فات، ونقوم له مثنى وفرادى، ونتوكل على الله، عسى أن يتوب علينا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأن يهدينا سبل السلام، ويجعلنا من الداعين إلى الهدى، لا من الدعاة إلى النار، فنحمد الله الذي لا إله إلا هو حيث من علينا بهذا الشيخ في آخر هذا الزمان، وجعله بإذنه وفضله هاديا للتائه الحيران، نسأل الله العظيم، أن يمتع به المسلمين، ويعيذه من شر كل حاسد وباغ، ويبارك في أيامه وأن يجعل جنة الفردوس مأواه وإيانا، وأن ينفعنا بما بينه.
- فلقد بين دين نبيه صلى الله عليه وسلم، رغم أنف كل جاحد، وصار علما للحق حين طمس، ومصباحا للهدى حيث درست أعلامه ونكس، وأطفأ الله به الشرك بعد ظهوره، حتى عبدت الأوثان صرفا، بلا رمس، ولما
(1) سورة الأعراف الآية 23
(2)
سورة الأنبياء الآية 87
من الله عليه برضاه، صار ينادي أيها الناس هلموا إلى دين نبيكم الذي بعث به، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ثم لم ينقموا منه وعليه، إلا أنه يقول: أيها الناس اعبدوا ربكم، وأعطوه حقه الذي خلقكم لأجله، وخلق لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه.
إن الله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2)، وقال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3)، وقال:{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} (4).
وفسر إسلام الوجه بالقصد في العبادة، فإذا دعا غير الله، أو نذر لغير الله، أو استغاث بغير الله، أو توكل على غير الله، أو التجأ إلى غير الله، فهذه عبادة لمن قصد بذلك.
هذا والله الشرك الأكبر، وإنا نشهد بذلك، وقمنا مع أهله ثلاثين سنة، عادينا من أمر بتجريد التوحيد، العداوة البينة، التي ما بعدها عداوة.
فالواجب علينا اليوم: نصر الله ودينه، وكتابه ورسوله، والبراءة من الشرك وأهله، وعداوتهم، وجهادهم، باليد واللسان، لعل الله أن يتوب علينا، ويرحمنا ويستر مخازينا.
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
سورة النحل الآية 36
(3)
سورة الجن الآية 18
(4)
سورة آل عمران الآية 20
وأكبر من هذا البدو الذين لا يدينون دين الحق، لا يصفون ولا يزكون ولا يورثون ولا لهم نكاح صحيح، ولا حكم عن الله ورسوله يدينون به صريح، ونقول: هم إخواننا في الإسلام، سبحانك هذا بهتان عظيم، ومكابرة لما جاء به رسول رب العالمين.
فنقول: لا خلاف أن التوحيد، لا بد أن يكون بالقلب، واللسان والعمل، فإن اختل من هذا شيء لم يكن الرجل مسلما.
فإن من عرف التوحيد، ولم يعمل به، فهو كافر معاند، كفرعون وإبليس، وإن عمل بالتوحيد ظاهرا، وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه، فهو منافق، شر من الكافر، أعاذنا الله وإياكم من الخزي يوم تبلى السرائر.
فالواجب علينا، وعلى من نصح نفسه: أن يعمل العمل الذي يحصل به فكاك نفسه، وأن يعبد الله ولا يعبد معه غيره، فالعبادة حق الله على العبيد، ليس لأحد فيها شرك، ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلا عن السفلة والشياطين.
وحق الله علينا، أن نجأر إليه بالليل والنهار، والسر والعلانية، في الخلوات والفلوات عسى أن يتوب علينا، ويعفو عنا ما فات، ويعيذنا من مضلات الفتن، فالحق بحمد الله وضح وابلولج، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. انتهى (1).
وقد أوردت الرسالتين؛ ليتمعن القارئ ما فيهما من معان
(1) انظر: (البيان والإشهار في الرد على الحاج مختار) لفوزان السابق ص 76 - 78.
وندم، وحمية للدين الحق، ودفاع عنه، وليكون حكمه عن علم ودراية بنفسه لنفسه.
لأن هؤلاء المشايخ كان عندهم ما عند الشيخ سليمان في البداية، من نفور عن الدعوة، تقليدا وجهلا ولم يعرف أو يزور عليهم رد على الشيخ محمد، كما عمل بالنسبة لأخيه سليمان، كما بان صراحة من كلامه وجوب تبيين الحق، أكثر مما قاموا به مع الباطل، كما جاء في الرسالتين، ففي رسالتهم قالوا:(فلقد خضنا فيما مضى بالعدول عن الحق، ودحضناه، وارتكبنا الباطل ونصرناه، جهلا منا وتقليدا لمن قبلنا، فحق علينا أن نقوم مع الحق قيام صدق، أكثر مما قمنا مع الباطل، على جهلنا وضلالنا، فالمأمول والمبتغى منا ومنكم، وجميع إخواننا: التبيين الكامل الواضح، لئلا يغتر بأفعالنا الماضية من يقتدى بجهلنا).
ولذا فلو صحت الكتيبات المنسوبة للشيخ سليمان، لبرز منه، ردود تنفي ما سبق منه وكذا رفقاؤه، وفقا لهذا الالتزام منهم، كما أن في رسالته أيضا التزام مماثل.
وهذا من أداء الأمانة، والوفاء بالعهد الذي التزم به، ولكن نأخذ من عدم توفر ذلك النفي، عدم وجود الرد أصلا، فكيف بإيجاد أكثر من رد منسوب للشيخ سليمان ضد أخيه، خاصة وأن عدم وجود الفرع برهان، على عدم وجود الأصل.
ولا يمكن أن يلتزم الشيخ سليمان بالإبانة وينكص، لو كان رد على أخيه، كما أن مشايخ المجمعة لما بينهم وبينه، لو علموا له ردا في
كتاب أو كتب مستقلة لتابعوه، ليرد بالنفي، ولكنهم اكتفوا بالإبانة منه ومنهم، بهذه المراسلة التي تنفي الماضي، والتوبة عن ذلك، والدعوة إلى القيام مع الحق ونصرته، أكثر من القيام مع الباطل، مع وجوب التبيين حتى لا يغتر بأفعالهم الماضية، من يقتدي بجهلهم. وهذا أمر حرصوا عليه، وتواصوا به، وهو برهان على أن الأمر توقف، حتى تتضح الرؤية، وكلمة:(خضنا فيما مضى) دلالة على تتبع الشكوك، والكلام مع المتكلمين، وليست دليلا على التأليف.
- ولم يكن هذا التوقف قاصرا على الشيخ سليمان ورفقائه الثلاثة، كما بينا، وظهر من رسائلهم المتبادلة التي وصل إلينا علمها، لكن الأمر على المستوى العام للمنطقة، فهذا الشاعر حميدان، الذي اعتبره الدكتور: عبد الله الفوزان في كتابه عنه، الذي نعته بالصحفي، رئيس التحرير حميدان، أنه بشعره الذي يقوم مقام الصحافة اليوم، يتحدث عن قيام الإمامين: محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن سعود رحمهما الله، بهذه الدعوة، وحماستهما لنشرها والدفاع عنها بثلاث قصائد نسبت إليه.
الأولى: تنكر لها، كما تنكر وتوقف كثيرون.
الثانة: تبرز مرحلة الشك عنده، ويراوح فيها بين الإيجاب، والابتعاد.
الثالثة: تتزامن مع مرحلة استجابة العلماء، ووفودهم على الدرعية، بعد هروب دهام بن دواس، ودخول أهالي الرياض ومعكال والبنية ومقرن وغيرها، مما يدخل حاليا في محيط مدينة الرياض، في مظلة هذه الدعوة.
1 -
فيقول في قصيدته الأولى ينتقدها وينكرها ويهاجمها:
الدين الدين اللي بين
…
بين كالشمس القيضيه (1)
الدين
بعير خرج اربع
…
والخامس دين الباضيه
ما همي ذيب في الباطن
…
همي ذيب بالدرعيه
قوله حق وفعله باطل
…
وسيوفه كتب مطويه
2 -
ثم ها هو ينتقل إلى مرحلة الشك في الدعوة فيقول:
شفت جملين في العارض
…
زبدها فوق غواربها
حطوا الدين لهم سلم
…
ولا أدري وش مآربها (2)
(1) يريد بالقيضية: شمس الصيف التي لا غيوم تغطيها؛ لأنهم يسمون فصل الصيف بالقيض.
(2)
وش: كلمة عامية بمعنى ما هي مآربها: أي مقاصدها.
ولا ادري وش هي تبغي
…
ولا ادري عن مطالبها
إن كان باطنها مثل ظاهرها
…
يا ويلك ياللي محاربها
وإن كان ظاهرها مخالف باطنها
…
فهي تقرا عقاربها
يعلق الدكتور على هذه الأبيات بقوله: الذي أظنه أن حميدان، لم يستوعب أهداف دعوة الشيخ محمد وحقيقتها عندما وصلته الأخبار الأولى عنها، خاصة أن الأخبار الأولى، في عصر مثل حميدان تكون أحيانا مصحوبة بالأكاذيب والمبالغات، ويرجح هذا ما تعرض له الشيخ في بداية دعوته من إيذاء وإخراج من مقره الأول العيينة، فقد يكون هذا المناخ الذي حصل فيه إخراج الشيخ من العيينة، مماثل في دوافعه وأهدافه للمناخ الذي أوصل الأخبار الأولى لقيام الدعوة لبلدان نجد، أو بعضها على الأقل. وهذا هو الذي جعل حميدان - ربما- ينكر الدعوة إنكارا شديدا، وينظم قصيدته الأولى التي انتقدها فيها وهاجمها، لكنه بعد ذلك - كأمر طبيعي- بدأ يتأمل الأمر، ويتلقى المزيد من الأخبار فتحول من الإنكار الشديد، إلى مرحلة تالية هي الشك، فنظم قصيدته الثانية -
وهي التي منها هذه الأبيات- التي تضمنت شكه في مقاصد الدعوة وأهدافها.
ومع مرور الوقت ونتيجة للتأمل المستمر، ووصول الأخبار الصحيحة المتواترة، انتقل إلى المرحلة الأخيرة، التي هي مرحلة الرضا والتسليم، واليقين والتأييد الكامل، فنظم قصيدته الثالثة التي أيد فيها الدعوة، ونصح أفراد المجتمع، باتباع نصائح الإمام الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (1).
3 -
وقصيدته الثالثة تبلغ 27 بيتا (2)، نورد منها، بعض الأبيات، التي تفيد قناعته بدعوة الشيخ محمد رحمه الله وتأييده لها، ودعوته الراغبين في جنة الله التي وعد بها المتقين، فما عليه إلا اتباع ما قاله الشيخ والابتعاد عن غيرها، حيث يقول:
النفس إن جت لمحاسبها
…
فالدين خيار مكاسبها
إن كانك للجنة مشتاق
…
تبي النعيم بجانبها
فاتبع ما قال الوهيبي
…
وغيره بالك تقربها
(1) المصدر السابق، ص 62.
(2)
لمن يريد القصيدة المصدر السابق ص 152 - 154.
- وإيرادنا للمراحل الثلاث التي مرت بالشاعر حميدان، كما ذكر الدكتور عبد الله الفوزان، برهان على أن الكل في المنطقة مروا بمثل هذا الموقف، رغبة في التثبت، والروية حتى تنجلي الحقيقة، والشيخ سليمان بن عبد الوهاب، مر بمرحلة مماثلة لهذه المراحل، ومعه الشيخ ابن عفالق، والمشايخ الثلاثة من المجمعة، كما بان من الرسالتين المتبادلتين بينهم وبين الشيخ سليمان، حيث انجلت الشبهة، وبان الأمر فاستجابوا وندموا على ما فات.
وهذه سنة الله في الأمم مع أنبيائهم، حيث يتوقف أقوام، يستجيب من أراد الله له الخير، بعد زمن قد يطول أو يقصر، ويصر ويعاند من لم يرد الله هدايته.
ولعل أبرز العوامل لاستجابة كثير من المتوقفين أو المحايدين، ما حققته هذه الدعوة من انتصارات، وخاصة على دهام بن دواس حاكم الرياض، حيث عرف هروبه بدون سبب أو سابق إنذار، أو حتى التزود بالماء والطعام للطريق بـ (رجفة دهام بن دواس). وصار الناس إلى هذا الوقت يدعون بها على خصومهم، وكان ذلك في عام 1187هـ (1).
وحتى قيل إن من أراد اللحاق به من شيعته لما هرب، لحقوا به على عجل، ولم يكن لديهم من الوقت ما يتأهبون به للسفر، ولا بقليل من الماء، مع أن هروبهم من الرياض، كان في حمارة القيض فماتوا عطشا في شعب من الشعاب شرقي مدينة الرياض، وسمي هذا الشعب بـ: شعيب أبا (2) الناس؛ لأنه صار مقبرة لهم بعدما ماتوا، وقد امتد بنيان الرياض إلى ذلك الشعب.
(1) انظر: (تاريخ ابن بشر) حوادث عام 1187هـ جـ 1 ص 119.
(2)
لم تصرف أبا، لأنها على الحكاية، وقد أصبحت علما للشعب المذكور.