الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لذلك لا عجب أن نرى فشل العديد من البرامج والأنشطة الترويحية التي يخطط لها في عالمنا الإسلامي، وما ذلك إلا بسبب النقل الحرفي لأنماط غريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية، ودونما مراعاة لخصوصية المجتمعات التي نقلت منها هذه البرامج الترويحية، أو التي نقلت إليه هذه البرامج؛ فقد يفضل البرنامج الترويحي نفسه الذي نجح نجاحا كبيرا في مجتمع آخر والعكس صحيح، وهذا يعود إلى التباين في المنطلقات العقدية، والخلفية الثقافية للمجتمعات المنقول منها أو المنقول إليها.
ومما لا شك فيه أن المجتمع المسلم المعاصر يواجه سيلا من الأشكال والأساليب الترويحية، وهي على قسمين: أحدها وفد لها من خارج أرضها وفي بعضها ما يخالف قيم المجتمع المسلم وأعرافه وتقاليده. والآخر نابع من داخل المجتمع ومنطبع بقيمه وتقاليده وأعرافه. وتتزايد تلك الأشكال والأساليب الترويحية يوما بعد يوم، وهذا يحتم وضع قواعد عامة وضوابط محددة تقاس عليها تلك الأنشطة والبرامج الترويحية؛ لمعرفة مدى مناسبتها للمجتمع من عدمه. وحتى يحقق الترويح دوره كاملا من جميع الجوانب في المجتمع المسلم، ينبغي مراعاة عدد من الضوابط الشرعية والأخلاقية العامة، ويمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: ضوابط تتعلق بالنشاط الترويحي ذاته:
قبل ممارسة النشاط الترويحي لا بد من التعرف على الحكم الشرعي فيه، إذ توجد بعض الأنشطة الترويحية محرمة في الإسلام ابتداء، ومن ذلك:
أ- النشاط الترويحي الذي يصاحبه أو يكون فيه سخرية بالآخرين، أو لمز، أو ترويع لهم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1).
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا ومن أخذ عصا أخيه فليردها (2)» . وورد عنه قوله: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما (3)» .
ب- النشاط الترويحي الذي يصاحبه أذية بقول أو فعل للآخرين، أو ضرر بدني أو معنوي للآخرين، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (4). وللحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (5)» .
ج- النشاط الترويحي المحتوي على الكذب والافتراء؛ لحديث
(1) سورة الحجرات الآية 11
(2)
سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح، ج 2، ص 483.
(3)
سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح، ج 2، ص 484.
(4)
سورة الأحزاب الآية 58
(5)
صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ج 1، ص 13. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ج 1، ص 209.
الرسول صلى الله عليه وسلم: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له (1)» .
د- الأنشطة الترويحية القائمة على المعازف أو الموسيقى؛ لورود الأدلة على عدم جوازها، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (2)» .
هـ- المسابقات القائمة على اتخاذ الحيوانات غرضا يرمى؛ للحديث المتفق عليه الذي يرويه ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا (3)» .
والترويح القائم على التحريش بين البهائم، كما يحدث عند تنظيم مسابقة المناطحة بين البهائم، أو المناقرة بين الديوك، وذلك للحديث الذي يرويه ابن عباس رضي الله عنهما:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التحريش بين البهائم (4)» . والتحريش هو: إغراء
(1) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في التشديد في الكذب، ج 2، ص 481.
(2)
صحيح البخاري، كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، ج5، ص 2123.
(3)
صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة، ج هـ، ص 2100. وصحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب النهي عن صبر البهائم، ج هـ، ص 94.
(4)
المعجم الكبير، الطبراني، تحقيق: حمدي السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، بدون تاريخ، ج11، ص 84.
وتحريض البعض على الآخر.
ز- المسابقات التي يستخدم فيها أدوات ورد النص الصريح بتحريمها، مثل النرد؛ للحديث الذي يرويه سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من لعب بالنرد شير (2)» . وفي الموطأ أن عائشة رضي الله عنها بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها وعندهم نرد، فأرسلت إليهم: لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري. وأنكرت ذلك عليهم. كما روى مالك - رحمه - في الموطأ: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا وجد أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها (3).
(1) صحيح مسلم كتاب الشعر، باب تحريم اللعب بالنردشير، ج 5، ص 416. وكذلك: سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في النهي عن اللعب بالنرد، ج 2، ص 470.
(2)
(1) فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه
(3)
موطأ الإمام مالك، مالك بن أنس، إعداد: أحمد عرموش دار النفائس، بيروت، 1404 هـ ص 682.