الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلوكه يختل. . وقد تبين من خلال دراسة ميدانية (1) عن المشكلات الاقتصادية التي تواجه الشباب أن معظم التعبيرات الحرة من أفراد عينة البحث كانت تعبر عن التبذير والإسراف في غير مكانه بنسبة 2.8 %. ومن نماذج تعبيراتهم الحرة: إنني مبذر أذهب إلى المحل وأنا لا أحدد ما سأشتري، عدم التوازن في النفقات وعدم تنظيم الصرف، أحيانا أضع مالا في غير مكانه الصحيح، عدم قدرتي على حفظ نفسي من صرف المال. هذه التعبيرات تبرز حاجة الشباب خاصة إلى المنهج الإسلامي في معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير وإنفاق المال في كل ما هو شرعي وغير ضار.
(1) وليد شلاش شبير (مشكلات الشباب) 9 مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409 هـ ص 280.
نماذج من الإسراف والتبذير:
يذكر الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله صورا من الإسراف فيقول: " من الإسراف الأكل فوق الشبع، ومن الإسراف الاستكثار من المباحات والألوان، ومن الإسراف أن يضع على المائدة من الطعام فوق ما يحتاج إليه للأكل، ومن الإسراف أن يأكل وسط الخبز ويدع حواشيه، أو يأكل ما انتفخ من الخبز كما يفعله بعض الجهال يزعمون أن ذلك ألذ، ومن الإسراف التمسح بالخبز عند الفراغ من الطعام من غير أن يأكل ما يتمسح به، ومن الإسراف إذا سقط من يده لقمة أن يتركها. . . ثم يقول رحمه الله. وأمر اللباس
نظير الأكل في جميع ما ذكرناه. . . " (1).
ويذكر أبو الحسن الماوردي رحمه الله نماذج من التبذير فيقول: " من التبذير أن ينفق ماله فيما لا يجدي عليه نفعا في دنياه ولا يكسبه أجرا في أخراه، بل يكسبه في دنياه ذما ويحمل إلى آخرته إثما كإنفاقه في المحرمات وشرب الخمر وإتيان الفواحش وإعطائه السفهاء من المغنين والملهين والمساخر والمضحكين. ومن التبذير أن يشغل المال بفضول الدور التي لا يحتاج إليها وعساه لا يسكنها أو يبنيها لأعدائه ولخراب الدهر الذي هو قاتله وسالبه. ومن التبذير أن يجعل المال في الفرش الوثيرة والأواني الكثيرة الفضية والذهبية التي تقل أيامه ولا تتسع للارتفاق بها. . . "(2) ثم يقول: " وكل ما أنفقه الإنسان مما يكسبه عند الله أجرا ويرفع له إليه منزلة، أو يكسب عند العقلاء وأهل التمييز حمدا فهو جود وليس بتبذير وإن عظم وكثر. وكل ما أنفقه في معصية الله التي تكسبه عند الله إثما وعند العقلاء ذما فهو تبذير وإن قل ونزر "(3).
وليس واقع العالم الإسلامي ببعيد عن هذه النماذج وتلك
(1) محمد بن الحسن الشيباني (الكسب) ص 79 - 83.
(2)
أبو الحسن الماوردي (نصيحة الملوك) تحقيق خضر محمد خضر، مكتبة الفلاح، الكويت 1403 هـ ص 36.
(3)
أبو الحسن الماوردي (نصيحة الملوك) ص 36.
الصور. ونذكر فيما يلي نماذج أخرى من التبذير والتبديد، وأشكالا من الإسراف والسفه، وألوانا من الهدر والضياع، نتيجة السلوك الاستهلاكي غير الرشيد في واقع العالم الإسلامي، من ذلك:
1 -
الخمور والمخدرات والدخان: هذه صنوف استهلاكية ضارة من شأن الإنفاق عليها، أن يستنفذ جانبا من القوة الشرائية العامة، هذا الجانب يعد ضياعا، بمعنى أنه كان سينصرف على الضروريات لو لم يصرف عليها. ونجد العالم الإسلامي يستهلك مواد مخدرة بمئات الملايين من الدولارات. وقد أوضحت الدراسات التي شاركت فيها منظمة الصحة العالمية أنه في الوقت الذي بدأ فيه
التدخين يقل في بعض أجزاء العالم المتقدم بفضل زيادة الوعي الصحي في هذه البلدان، فأنه من المؤسف أن تعاطى التبغ مثلا ازداد في البلدان النامية ومنها العالم الإسلامي وبلغت نسبة الزيادة في آسيا 30%، أما في أفريقيا فقد زادت نسبة تعاطي التبغ بدرجات كبيرة بلغت 170% (1).
وفي دراسة أخرى أعدها أحد الباحثين أوضح فيها أن حجم الأموال التي تنفق على عمليات الاتجار بالمخدرات في الوطن العربي تجاوز مبلغ 50 مليار دولار سنويا.
2 -
الإفراط في الطعام: إن الإنسان إذا أكثر من الطعام، لم يستطع له هضما، حيث يصاب بالتخمة وعسر الهضم، وقد يحدث أن تصاب المعدة بالاتساع والتمدد نتيجة الإفراط في تناول الطعام فيفقد المرء شهيته للأكل وإن تناول طعاما لم يستطع له هضما، فقد يصاب نتيجة لذلك بالإسهال أو الإمساك، كما أن الإسراف في الطعام يؤدي إلى البدانة، ومن ثم يتعرض الإنسان لأمراض القلب وارتفاع الضغط وأمراض الكلى والسكر.
ولا تقتصر مشكلة الإسراف في الطعام على استهلاكه، بل تمتد لتشمل بعض السلوكيات المرتبطة به. وفي هذا الصدد تشير
(1) مجلة النور (الاستعمار السجائري)، تحقيق، الكويت، ع 72، صفر 1410 هـ، ص 6 - 10.
بعض الدراسات التي أجريت في الكويت أن ما يلقى ويتلف من مواد غذائية ويوضع في صناديق القمامة كبير إلى الحد الذي قد تبلغ نسبته في بعض الحالات 45% من حجم القمامة. وفي مدينة الرياض أظهرت دراسة أعدتها أمانة مدينة الرياض عن نفايات المدينة أن كمية النفايات اليومية لكل فرد من نفايات المواد الغذائية تبلغ 1060 جراما. والملاحظ في دول الخليج العربي أن كمية المواد الغذائية التي تلقى في القمامة كبيرة جدا بالمقارنة مع غيرها من دول العالم (1).
3 -
الإعلان والعادات الشرائية الخاطئة: من أهم مظاهر الضياع في الاستهلاك، الخسارة الاقتصادية الناجمة عن الجهل والخرافة في شراء الضروريات. فالعادات الشرائية تميل لأن تكون ثابتة مهما كانت خاطئة، وغالبا ما يقوم استهلاك الفرد على أساس عشوائي مرتجل لا على أساس رشيد، إذ هو يستند على عادات شرائية غالبا ما تكون خاطئة، ويستمر الفرد في أدائها؛ لأنه وجدها هكذا أو بدافع التقليد للغير. ومن أوضح الأمثلة للعادات الشرائية الخاطئة: أن الناس يشترون التفاح للونه الأحمر وليس لقيمته الغذائية، كما يفضلون الخبز الأبيض والأرز المقشور على الخبز الأسمر والأرز غير المقشور وهما الأفضل من الوجهة الغذائية. فإذا أمكننا بآية طريقة تعليم المستهلك والأصناف التي تعطي قيمة غذائية قصوى أقل نفقة لاقتصدنا الكثير من العمل الإنتاجي، وهذا ما تناوله بالتفصيل هنري
(1) محمد عبد القادر (الإسراف وتأثيره على البيئة)، ص 55، 56.
هاراب (1) في كتابه (تعليم المستهلك). ويعد الإعلان مسئولا إلى حد كبير عن تكوين مثل هذه العادات الشرائية الخاطئة.
فقد يعمد المعلنون إلى تشكيك الناس في سلع قديمة أو سلع جديدة في حوزتهم لم تبل أو تستنفذ بعد، لينصرفوا عنها إلى شراء سلع جديدة، وهذا أيضا يمثل ضياعا في المواد الاستهلاكية.
ومن خلال الدراسات والتحقيقات التي أجريت تبين أن الإعلانات التجارية تمارس دورا كبيرا في خداع المستهلك، وفي دفعه إلى المزيد من الشراء لأشياء كثيرة لا حاجة به إليها فعلا، وهذا هو الإسراف بعينه، بل وتمارس الإعلانات دورا في تقلب البواعث الوجدانية كالتقاليد وحب التميز والزهو والطموح والدهشة وما إلى ذلك من خلجات النفس التي تسعى الإعلانات لإثارتها في الإنسان.
4 -
جنون الأزياء وتعدد أنماط المنتجات: إن تغيرات الأزياء والنماذج المتعددة إن هي إلا تقلبات مفتعلة لحمل المستهلكين على الشراء، مع أنها لا تعكس رغباتهم، وقد تتنافر مع أذواقهم إلى حد كبير. وهم إذ يقبلون عليها فإنما يفعلون ذلك تحت تأثير الحملات
(1) H. Harrap - The Education Of The Consumer Mc Graw - Hill New York 1950 P. . 60 - 85.
الإعلانية الواسعة النطاق التي تولد في نفوسهم شعورا بأنهم يكونون متأخرين إذا لم يقبلوا عليها. وتبدو هذه الظاهرة بوضوح في أزياء النساء، كما امتدت أيضا إلى السيارات وأجهزة المذياع والتلفزيون والأثاث وبعض السلع التموينية؛ إذ أصبح الأغنياء يغيرون هذه الأشياء سنويا ليتمشوا مع الطراز الحديث. والمستهلك قد يترك بعض السلع قبل أن يحصل على الفائدة المرجوة منها، أو قبل أن تصبح غير صالحة للاستعمال. وهذا ما يعبر عنه اقتصاديا بنقص في جملة الإشباع العام، وهو ولا شك من أبرز نواحي الضياع في النظام الاقتصادي.
5 -
المبالغة في الإنفاق العسكري: وهو من أهم مظاهر الضياع في الموارد الاستهلاكية؛ وذلك لاستنفاذه لجانب كبير من ميزانيات الدول، كان سيعود على الجميع بالنفع الكثير، لو أنفق على المشروعات والخدمات العامة لرفع مستوى المعيشة.
وإن كان هذا الإنفاق العسكري قد يتمخض عنه اكتشاف فن إنتاجي يفيد في القطاع المدني خاصة في الدول النامية، كما أننا مطالبون بالاستعداد العسكري استجابة لقوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (1).
غير أن من السمات الرئيسية للدول النامية ومنها الدول الإسلامية وجود العديد من بنود الإنفاق الحكومي التي تتسم بالضخامة والتبذير والضياع، ولا تتحقق التنمية إلا بضغط بنود الاستهلاك الحكومي التي تتسم بالإسراف والتبذير.
إن الإنفاق العسكري المتصاعد يعني ضمنا افتقارا عاما إلى الاقتناع بإبقاء حجم القوات والترسانات العسكرية عند حجم ثابت، ناهيك عن تخفيضه.
(1) سورة الأنفال الآية 60
وثمة تناقض آخر بين الطلب المتزايد على الموارد من أجل التنمية والمخصصات المتزايدة لتلك الموارد للأغراض العسكرية.
وأستعرض فيما يلي بعضا من المتناقضات الواقعة بين الأولويات العسكرية والاجتماعية والبيئية ومن ذلك:
1 -
أنفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة وعلى مدى عشر سنوات (450) مليون دولار، أي ما يعادل أقل من خمس ساعات من الإنفاق العسكري العالمي.
2 -
بلغ إجمالي قيمة المساعدات الإنمائية الرسمية السنوية المقدمة إلى البلدان النامية (35) مليار دولار، أي ما يعادل (15) يوما من الإنفاق العسكري العالمي.
3 -
يمكن استخدام (6 - 7 ساعات من الإنفاق العسكري العالمي 700 مليون دولار) للقضاء على الملاريا، ذلك المرض القاتل الذي يفتك بأرواح مليون طفل سنويا.
4 -
يعادل (يوم واحد من حرب الكويت 1991 م 5، 1 مليار دولار) برنامج عالمي مدته خمسة أعوام لتحصين الأطفال ضد ستة أمراض قاتلة، والحيلولة دون وفاة مليون طفل سنويا.
والجدول التالي (رقم 1) يبين حجم الإنفاق العسكري وأثره على محاولات التعليم والصحة وغيرها من الخدمات: