الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا ثبت هذا لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه موسى إلا صوتا وحرفا فإنه لو كان معنى في النفس، وفكرة وروية لم يكن ذلك تكليما لموسى ولا موسى يسمع، ولا يتعدى الفكر، ولا يسمى مناداة، فإن قالوا: نحن لا نسميه صوتا مع كونه مسموعا، قلنا الجواب من وجوه:
أحدها: أن هذا مخالفة في اللفظ مع الموافقة في المعنى، فإننا لا نعني بالصوت إلا ما كان مسموعا.
(كلام الله تعالى بصوت يسمع):
الثاني: أن لفظ الصوت قد جاءت به الأخبار (1) والآثار، فإن في قصة موسى عليه السلام أنه لما رأى النار هالته وفزع منها فناداه ربه يا موسى فأجاب سريعا استئناسا بالصوت فقال: لبيك لبيك، أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ قال: أنا فوقك وأمامك ووراءك وعن يمينك وعن شمالك فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: فكذلك أنت يا إلهي فكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى (2)، وقال بنو إسرائيل لموسى: بما شبهت صوت ربك؟
(1) في ب (الأحاديث).
(2)
الإمام أحمد في الزهد ص (79، 80).
قال: إنه لا شبه له، وروي أن موسى عليه السلام لما سمع كلام الآدميين مقتهم لما وقر في مسامعه من كلام الله تعالى.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء (1)» ، وروي ذلك موقوفا على ابن مسعود، وروي عن عبد الله بن أحمد، قال: سألت أبي فقلت: يا أبه إن الجهمية يزعمون أن الله لا يتكلم بصوت؟ فقال: كذبوا إنما يدورون على التعطيل، ثم قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي، قال: حدثني الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود، قال:(إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء)(2).
وقال السجزي: وما في رواة هذا الخبر إلا إمام مقبول (3)، وحديث عبد الله بن أنيس: «. . . إن الله تعالى يجمع الخلائق في صعيد واحد ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا
(1) الحديث صحيح مرفوعا وموقوفا: المرفوع أخرجه أبو داود (5/ 105) ح (4738)، وابن خزيمة في التوحيد ص (145) وغيرهما، راجع الصحيحة (1293) والموقوف عن عبد الله بن مسعود: صحيح أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (146)، وذكره البخاري معلقا في كتاب التوحيد باب (32) في تفسير قول الله تعالى: ولا تنفع الشفاعة عنده (4/ 400).
(2)
السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 281) ح (536 - 537).
(3)
الرد على من أنكر الحرف والصوت (رسالة السجزي إلى أهل زبيد) للسجزي ص (166 - 167).