الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوى لي على الحق، ومن هنا فإن الترويح يمكن أن يكون له بعد تعبدي إذا احتسبه الإنسان قربة لله، أو ليتقوى به على الطاعة.
وعلى ذلك يمكن أن تكون جميع جوانب حياة المسلم تعبدية إذا اقترنت بالنية الصالحة، فهو في العمل، أو الفكر، أو الجد، أو القتال، أو اللهو، أو الأكل، أو النوم، أو العلم، وغيرها من الأعمال التي تخطر على البال في عبادة، حتى في الجماع مع الزوجة؛ فلقد ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«. . . وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر (1)»
فكل أفعال الإنسان المسلم ونشاطاته عبارة عن تنويعات تدور حول حقيقة واحدة، هي العبادة، ويصح الاختلاف بينها في الهيئة ليس إلا، وفي المظهر وليس الجوهر. فليس في التصور الإسلامي نشاط إنساني لا ينطبق عليه معنى العبادة، أو لا يطلب فيه تحقيق هذا الوصف، فالمنهج الإسلامي غايته تحقيق العبودية لله أولا وآخرا.
(1) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب كل معروف صدقة، ج 3، ص 76. وكذلك: المسند، أحمد بن حنبل مسند الأنصار، حديث 20508.
المبحث الثالث: ضوابط الترويح في المجتمع المسلم:
يتصف كل مجتمع بخاصية تميزه عن غيره من المجتمعات
الأخرى، وتنبع تلك الخاصية من روافد عدة، أهمها وأبرزها الدين الذي يعتنقه ذلك المجتمع، وغالبا ما تتشكل بناء عليه العديد من العادات والتقاليد والأعراف التي تتكون على آماد طويلة، لتصبح جزءا لا يتجزأ من كيان المجتمع ونسيجه الخاص به، وبالتالي يقوم أفراد المجتمع بممارستها وتبنيها والدفاع عنها.
ومن هنا لا يمكن أن ننظر للجميع بمعزل عن هذه الخصوصية التي يتميز بها، كما لا يمكن تجاهلها حين التعامل مع الظواهر الاجتماعية التي يزخر بها، وغالبا ما يكون لعقيدة المجتمع دور في تحديد خصوصية المجتمع، فهناك عملية تفاعل متبادلة بين عقيدة المجتمع وبين الأنشطة الترويحية التي تمارس في أوقات الفراغ داخل المجتمع، وتعد الأنشطة الترويحية التي يمارسها أفراد المجتمع ظاهرة اجتماعية، تتأثر-كغيرها من الظواهر الاجتماعية الأخر- بقيم المجتمع العقدية، وثقافته، وأفكاره، وعاداته، وتقاليده، وغالبا ما تكون الأنشطة الترويحية السائدة في المجتمع نابعة منها أو متأثرة بها.
وعلى ذلك فإن الترويح إذا لم يستمد وسائله من البيئة التي يوجد فيها فإنه يصبح عاجزا عن العطاء، وعاجزا عن تحقيق الأهداف التي يسعى إليها المجتمع، ويقصد بالوسائل التي ينبغي أن
يستمدها الترويح: - الوسائل المادية مثل الموارد المتاحة من البيئة الطبيعية.
- الوسائل غير المادية المتأثرة بالبعد: العقدي، والثقافي، والفكري للمجتمع.
ومن هنا فلا يمكننا أن نتعامل مع أنشطة وقت الفراغ في أي مجتمع من المجتمعات بمعزل عن تلك الخصوصية التي يتميز بها المجتمع، وبخاصة عند وضع الخطط للأنشطة الترويحية فيه، أو رسم برامجها، أو تصميم المنشآت التي تمارس فيها الأنشطة الترويحية. وتؤكد العديد من الدراسات على ضرورة مراعاة خصوصية كل مجتمع وعدم التصادم معها عند التخطيط.
إننا عندما نراعي قيم المجتمع الذي نخطط برامجه الترويحية، ونضع ذلك في اعتبارنا حين تصميم منشآت البرامج والأنشطة الترويحية، ونأخذ بالاعتبار العادات، والقيم، والأعراف السائدة في المجتمع، فإننا نضمن النجاح التام لها، بالإضافة إلى تحقيق أقصى فاعلية في الإنتاجية الاستثمارية لتلك البرامج والأنشطة الترويحية. وبغير ذلك فإن الأمر لا يعدو أن يكون هدرا ماليا وبشريا دونما تحقيق الحد الأدنى من النجاح.