المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌تفسير أصل الإسلام- التوحيد

- ‌الجهل بأصل الإسلام ومضرته

- ‌الدعوة إلى التوحيد قبل الدعوة إلى الفروع

- ‌كما تجب الدعوة إلى التوحيد يجب النهي عن ضده

- ‌تعليم أصول الدين لعامة الناس

- ‌مع إظهار الإسلام لا تجب الهجرة

- ‌الرقى والتمائم ونحوها

- ‌النفث في الماء من الرقى الجائزة:

- ‌كتابة آيات قرآنية في إناء يغسله ثم يشربه

- ‌الرقية في الملح،وإذا تأخر استعماله الرقية، أو لم تكن لمعين، أو كانت من تربة يعتقد فيها

- ‌ الرقية باللسان الأعجمي

- ‌ أكل الحية لئلا تلدغه

- ‌منع تعليق التمائم ولو من القرآن

- ‌اتخاذ المصحف تميمة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ التعاون بالجهر أفضل أم بالسر

- ‌ التعاون على البر والتقوى في البيت

- ‌لا إكراه في قبول الإسلام

- ‌ التثبت في الفتوى

- ‌ النيل من شباب الصحوة بحجة أن فيهم تطرفا

- ‌ هداية الناس ثمرة لانتشار العلم الشرعي

- ‌ أحب الدعوة إلى الله ومتحمس لها، ولكن ليس عندي أسلوب حسن

- ‌ تشجيع الدعاة وطلبة العلم على إقامة الدروس والمحاضرات

- ‌مرئيات حول مستقبل الإسلام

- ‌ حكم من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يستطيع ذلك

- ‌أسئلة وأجوبتها حول الدعوة إلى الله

- ‌ثقافة الداعية

- ‌أسلوب الدعوة فيمن تأثر بثقافة معينة

- ‌تهيئة الفرصة أمام المرأة للدعوة إلى الله عز وجل

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحكمة المقصودة فيه

- ‌ الحملة الإعلامية من كثير من الصحف على الدعاة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌حكم الإسبال

- ‌البدعة وحكمها

- ‌تجاوز الميقات ويريد العمرة

- ‌الحكمة من الإسراء والمعراج

- ‌حكم إيداع المال في المصارفوأخذ الفائدة عليها

- ‌ التصدي لمواقع الإنترنت المشبوهة

- ‌حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية

- ‌الجمعة لا يدركها المسبوق إلا إذا أدرك ركعة

- ‌الدعاء للمسافر

- ‌حصر الورثة في المحكمة

- ‌ الشروط التي وضعها الإسلام لكي تكون التجارة حلالا

- ‌ حكم الشرع في الزوجة التي لم يدخل بها

- ‌ التسمية على الذبيحة

- ‌ هل يجب الدلك للتطهر من الجنابة

- ‌ لبس البنطلون بالنسبة للمرأة أمام زوجها والنساء الأجنبيات

- ‌الذهاب للكوافير للتزين

- ‌الزكاة للداخل أم للخارج

- ‌قراءة القرآن أعظم فضلا

- ‌الأموال المأخوذة بغير حق

- ‌ الرقص والغناء في ليلة الزفاف والضرب على الدف والطبول والتصفيق

- ‌ الثبات على الحق

- ‌حكم العلاقة بين الجنسين

- ‌صل أباك وناصحه

- ‌اختر صديقك والهجر لا يجوز

- ‌السكن مع العوائل الكافرة

- ‌الإحسان العام جائز

- ‌ قراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بعد قراءة الإمام

- ‌تحريم تفضيل الأولاد بعضهم على بعض

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ توضأ الإنسان ونسي فرضا

- ‌ تذكر بعد وضوئه أو شك في أنه نسي ركنا من أركان الوضوء

- ‌ الزيادة في الوضوء

- ‌ توضأ قبل أن يستنجي وبعد أن توضأ استنجى

- ‌ مسح الرقبة عند الوضوء

- ‌ تجفيف اليدين أو مسح الماء عنهما بعد الوضوء

- ‌ النتر بعد البول

- ‌ المسح على الشرابين

- ‌ المسح على الجوربين

- ‌ تخليل اللحية

- ‌ المسح على الجوارب إذا كان بها ثقوب أو شفافة

- ‌ غسل الرجل رجله اليمنى ثم يلبس بعد ذلك الجورب قبل أن يغسل رجله اليسرى

- ‌ صاحب جرح يخشى عليه من عدم البرء؛ هل يمسح على الجرح أم يتيمم

- ‌ المسح على العمامة إذا لم يكن هناك عذر

- ‌ لبس الرجل خفين ومسح عليهما وقتي الصبح والظهر ووقت العصر، وبعدما مسح عليهما لصلاة العصر خلعهما

- ‌ تيقن خروج الحدث

- ‌ الشخص متوضئا فسمع داخل بطنه صوت رياح

- ‌ هل الرائحة يجب بعدها استنجاء

- ‌الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم

- ‌مقدمة المحقق:

- ‌القسم الأول: التعريف بالمؤلف وبالكتاب:

- ‌المبحث الأول: التعريف بالمؤلف:

- ‌المبحث الثاني: التعريف بالكتاب ووصف المخطوطتين:

- ‌القسم الثاني تحقيق الكتاب:

- ‌(مقدمة المؤلف):

- ‌قول الله قديم:

- ‌(إذا لم يكن القرآن كلام الله فأين كلام الله

- ‌(بطلان دعوى الكلام النفسي):

- ‌ أن الله تعالى وصفه بأنه عربي

- ‌(الأمر بترتيل القرآن):

- ‌(إبطال زعم المشركين في القرآن):

- ‌(القرآن سور وآيات وحروف وكلمات)

- ‌(دلالة السنة على أن القرآن حروف):

- ‌(ثواب قراءة القرآن):

- ‌(أسماء السور توقيفية):

- ‌(الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ أتم التبليغ):

- ‌(فضل قراءة القرآن):

- ‌(الإجماع على عد السور والآيات):

- ‌(القول بخلق القرآن ضلال وجهل):

- ‌(الكلام لا يكون إلا بصوت وحرف):

- ‌(سبب تسمية الكلام كلاما):

- ‌(شبهات وجوابها):

- ‌(تأويل بيت الشعر المنسوب إلى الأخطل):

- ‌(كلام الله تعالى لا يشبه كلام الآدميين):

- ‌(صفة الكلام ليست من المتشابه):

- ‌(القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر):

- ‌(أسماء الله قديمة):

- ‌(كلام الله تعالى لموسى):

- ‌(كلام الله تعالى بصوت يسمع):

- ‌(القرآن غير مخلوق):

- ‌(النزاع في شأن الحرف والصوت):

- ‌(القرآن الكريم هو الكتاب العربي الموجود في المصاحف):

- ‌الترويح في العصر النبويأهدافه ووسائله

- ‌مقدمة:

- ‌مدخل:

- ‌المبحث الأول: تعريف الترويح وخصائصه:

- ‌المبحث الثاني: الترويح في الإسلام:

- ‌المبحث الثالث: ضوابط الترويح في المجتمع المسلم:

- ‌أولا: ضوابط تتعلق بالنشاط الترويحي ذاته:

- ‌ثانيا: ضوابط تتعلق بالمشاركين في الترويح:

- ‌ثالثا: ضوابط تتعلق بوقت الترويح:

- ‌رابعا: ضوابط تتعلق بمكان الترويح:

- ‌خامسا: ضوابط تتعلق بزي الترويح:

- ‌سادسا: ضوابط عامة:

- ‌المبحث الرابع: الترويح في العصر النبوي:

- ‌أولا: أهداف الترويح في العصر النبوي:

- ‌ثانيا: نماذج من الترويح في العصر النبوي:

- ‌ المسابقة بالأقدام:

- ‌ الفروسية والمسابقة بالإبل:

- ‌ المصارعة:

- ‌ الرمي:

- ‌ السباحة:

- ‌حمل الأثقال:

- ‌ وسائل ترويحية أخرى:

- ‌ ألعاب خاصة بالأطفال:

- ‌الخاتمة:

- ‌سليمان بن عبد الوهاب الشيخ المفترى عليه

- ‌سبب الافتراء:

- ‌الحق لا يتبع الهوى:

- ‌التوقف لا يعني المعاداة:

- ‌قرائن النفي:

- ‌الغاية تبرر الوسيلة:

- ‌من وسائل الدفاع عنه:

- ‌تكملة قرائن النفي:

- ‌أحكام السواك

- ‌المبحث الأول: في تعريف السواك لغة واصطلاحا:

- ‌المبحث الثاني: في مشروعية السواك وفضله:

- ‌المبحث الثالث: في أن السواك خصلة من خصال الفطرة:

- ‌المبحث الرابع: في حكم السواك:

- ‌المبحث الخامس: في أوقات تأكد السواك:

- ‌المبحث السادس: في حكم السواك للصائم

- ‌المبحث السابع: في الاستياك أمام الناس:

- ‌المبحث الثامن: فيما يستاك به وما لا يستاك به:

- ‌المبحث التاسع: في صفة السواك:

- ‌المبحث العاشر: في فوائد السواك:

- ‌الإسراف والتبذير

- ‌ مفهوم الإسراف والتبذير:

- ‌أسباب الإسراف والتبذير:

- ‌نماذج من الإسراف والتبذير:

- ‌الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير:

- ‌الإسراف والتبذير في واقع الناس:

- ‌معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير:

- ‌بيان في لباس المرأة عند محارمها ونسائها

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءبشأن المجلات الخليعة ومخاطرها

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير:

اللامبالاة، كفر النعمة. . . ما هذه إلا بعض آثار، لا شك أنها تتولد من السلوك الشرائي غير المنضبط، ومن الإدمان الاستهلاكي غير المتزن، ومن الإنفاق البذخي غير الرشيد.

إن صناديق القمامة تشهد أكياسا من الزبالة وألوانا من النفايات المنزلية أشبه بالتلال نتيجة الاستهلاك المنزلي الشره، وصدق من قال إن الاستهلاك هو طوفان التلوث القادم.

فإذا أضفنا إلى ما سبق شيوع أخلاقيات الأنا والجسد والجشع والمباهاة والتقليد وكسر قلوب الفقراء والمساكين والمحتاجين واختلال الميزانيات الأسرية والاستدانة. . . فإن هذا كله يستلزم أن نقف في وجه الوحش الاستهلاكي والغول الشرائي والإدمان الإنفاقي والهوس التسوقي من أجل أن تغلق وبشكل نهائي الملف الأسود للاستهلاك في كل بيت، وعند كل أسرة وداخل كل مجتمع وفي أي دولة.

إننا لو جمعنا كل ما ينفق على الأمور التافهة في صندوق موحد، ثم أنفق هذا على إزالة أسباب المأساة من حياة الكثيرين، لصلحت الأرض وطاب العيش فيها.

وإذا تمثلت أعمالنا بالتدبير وحسن التصرف فإننا نستطيع التخلص من النقيضين وهما الإفراط في الإنفاق والاستهلاك، وحالات العوز والفقر، إذ يمكن للأول سد حاجات الثاني، بحيث يقترب النقيضان إلى معدل معقول.

ص: 364

‌معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير:

إن الاعتدال هو جوهر الإسلام في كل الأنشطة البشرية، فالإسلام ينهى عن التقتير كما ينهى عن الإسراف وعن الاستهلاك

ص: 364

حبا في الظهور.

وقد حدد القرآن الكريم والسنة النبوية استهلاك المسلم بما لا يوصف بالإسراف والتبذير، بحيث تتناول الخريطة الاستهلاكية على مستوى الأفراد:(المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والزينة، ووسائل التنقل، وتكاليف الزواج، وأجور العمال. . .)، وبحيث تنضبط بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة.

ومن ثم، فينبغي على المسلم الالتزام داخل هذه الخريطة الاستهلاكية بما يلي:

1 -

الناحية الاقتصادية لا تملك المؤمن بل يواجهها بعقيدته وبخلقه.

2 -

الاستهلاك في حدود الوسط والاعتدال.

3 -

تجنب الفخر والخيلاء.

4 -

الابتعاد عن الحرام.

5 -

ترشيد وتنظيم الاستهلاك.

6 -

تناول المنتجات الاستهلاكية وادخارها عند اليسر والرخاء.

كما أن المستهلك المسلم يتحرك داخل مناطق استهلاكية محددة شرعا، تتراوح ما بين الإباحة والحرمة.

أولا: منطقة القوام (الوسطية والاعتدال): وهي منطقة مباحة، إذ هي وسط بين الإسراف والتقتير، ووسط بين الزينة والورع، وأكثر الناس لا يأخذ بها، إذ هم يميلون غالبا إلى الزينة، ويتجاوز بعضهم إلى الترف والسرف والتبذير. وأصل هذه المنطقة قوله

ص: 365

تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (1). وقوله عليه السلام: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة (2)» حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي.

ثانيا: منطقة الزينة (الطيبات وإظهار الغنى): وهي منطقة مباحة. يقول تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (3). ويقول عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (4). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده (5)» حديث حسن، أخرجه الترمذي. ومن هذه المنطقة التحدث بالنعم والرفاهية، على ألا يخرج المستهلك المسلم إلى منطقة الترف المنهي عنه.

ثالثا: منطقة الورع (التقشف والزهد): وهي منطقة مباحة، ورغم أنها منطقة محمودة، بيد أن الذين يستطيعون المكث فيها قلة من الناس. ويأتي على رأس هذه المنطقة الأنبياء عليهم السلام، والزهاد الأوائل، وقليل من المتأخرين. إذ في هذه المنطقة كثير من التضحية بالدنيا ومباهجها، وإيثار الآخرين على النفس. ولو تيسر ذلك لأمكن حل المشكلات الاقتصادية. وأصل هذه المنطقة قوله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (6).

رابعا: منطقة التقتير (البخل والشح): وهي منطقة محرمة،

(1) سورة الفرقان الآية 67

(2)

سنن النسائي الزكاة (2559)، سنن ابن ماجه اللباس (3605)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 182).

(3)

سورة الضحى الآية 11

(4)

سورة الأعراف الآية 31

(5)

سنن الترمذي الأدب (2819).

(6)

سورة الحشر الآية 9

ص: 366

فالبخيل عدو لله وعدو لنفسه وعدو لكل ما ينفع الناس، حتى لو وصلت به الحال إلى الزهد الأعجمي وحرمان نفسه من الضروريات.

وأصل هذه المنطقة قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} (1). وقوله عليه السلام: «إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالفجور ففجروا (2)» حديث صحيح على شرط مسلم كما عند الحاكم في المستدرك، أخرجه أبو داود.

خامسا: منطقة الإسراف (التبذير والترف): وهي منطقة محرمة. قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (3). وقال عز وجل: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (4){إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} (5). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب، فيتشدقون بالكلام» . حديث صحيح، أخرجه أحمد والحاكم.

والتبذير أشد من الإسراف، فهو مغالاة وتجاوز للحد المعروف، وتوسع في الإنفاق المحرم، وعلى المعاصي والشهوات المنكرة.

كما أن الترف أشد من التبذير إذ يتوسع المرء المترف في ملاذ الدنيا وشهواتها.

(1) سورة محمد الآية 38

(2)

سنن أبو داود الزكاة (1698)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 195).

(3)

سورة الأنعام الآية 141

(4)

سورة الإسراء الآية 26

(5)

سورة الإسراء الآية 27

ص: 367

وإذا انتشر الترف في الأمة أودى بها إلى الفناء. ومن هذه المنطقة إضاعة المال. والرسول الكريم نهى عن إضاعة المال، كما روى ذلك الشيخان.

وانسجاما مع أسلوب ومنطقة الاعتدال والقوام، وبعدا عن أسلوب ومنطقة الإسراف والتبذير، وضع الإسلام قيودا نوعية وكمية وقعد قواعد حاكمة للعملية الاستهلاكية. ومن ذلك:

1 -

النهي عن حياة الترف: والترف هو المبالغة في التنعم، والمترف هو المتنعم المتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها. والإسلام لا يحبذ الترف بل يعده سلوكا غير سوي، وسببا في نزول العذاب وهلاك الأمم ودمارها، ومؤشرا على الابتعاد عن الطريق القويم، وعلامة على تخلخل كيان المجتمع واهتزازه، قال تعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (1).

2 -

النهي عن الإسراف والتبذير والسفه: والإسراف - كما بينا - هو تجاوز القصد والاعتدال في الإنفاق، وهو ما دون الترف. أما التبذير فيعني إنفاق المال وتفريقه إسرافا في غير ما ينبغي. والسفه ضد الرشد. وقد نهى الشرع عن الإسراف والتبذير لما ينطوي عليهما من تبديد غير واع لموارد الفرد والمجتمع.

3 -

الأمر بالاعتدال في الإنفاق: بحيث يكون المسلم متوازنا بين مصالح الدين والدنيا والروح والمادة. فالنهي عن الترف والإسراف والتبذير، لا يعني الدعوة إلى البخل والشح والتقتير،

(1) سورة الإسراء الآية 16

ص: 368

إنما يعني الدعوة إلى الاعتدال. لما لذلك من آثار إيجابية على الفرد والمجتمع، فإذا كان البخل يقود إلى نقص الميل للاستهلاك، فإن الترف والإسراف يقودان إلى تبديد الموارد وإتلافها، وكلاهما آفة.

4 -

الابتعاد عن استهلاك المنتجات المحرمة والضارة: ويعني هذا أن تكون المنتجات من الطيبات المتصفة بالحسن والنقاء والطهارة، فقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث. والقاعدة الفقهية تقول:" لا ضرر ولا ضرار ".

5 -

عدم المباهاة والخيلاء: إذ الإسلام ينظر إلى الإنفاق الاستهلاكي باعتباره قوام المجتمعات، ومن الواجبات الاجتماعية. ومن ثم، فينبغي أن يحذر المسلم من أن يداخل إنفاقه مباهاة أو خيلاء. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (1).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء (2)» متفق عليه.

6 -

تذليل النفس البشرية بالجوع: لتضييق مجاري الشيطان. فالنفس البشرية إذا شبعت تحركت وجالت وطافت على أبواب الشهوات، وإذا جاعت سكنت وخشعت وذلت.

وقد ورد عن جمع من العلماء والفقهاء أن في الجوع فوائد

(1) سورة البقرة الآية 264

(2)

صحيح البخاري المناقب (3665)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2085)، سنن الترمذي اللباس (1730)، سنن النسائي الزينة (5335)، سنن أبو داود اللباس (4085)، سنن ابن ماجه اللباس (3569)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 147)، موطأ مالك الجامع (1696).

ص: 369

جمة، ومن ذلك:

أ - صفاء القلب ونفاذ البصيرة.

ب - زوال البطر والأشر.

جـ - تذكر بلاء الله وعذابه.

د - كسر شهوات المعاصي.

هـ - المواظبة على العبادة.

والإيثار والتصدق بالفضل.

7 -

التربية الاقتصادية: وذلك على حسن الإنتاج والكسب، وحسن الاستهلاك والإنفاق، وحسن التوزيع. وفي هذا المقام يمكن أن نستأنس بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه عليه، ومن ذلك:

أ - التربية على أن الغنى غنى النفس: جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم له:«أترى كثرة المال هو الغنى؟ قال أبو ذر: نعم. وترى قلة المال هو الفقر؟ قال أبو ذر: نعم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب حديث صحيح» . ومعنى ذلك عدم تقبل المال من كل سبيل، وعدم إنفاقه في كل سبيل وبأي مقدار.

ب - التربية على العمل وكسب العيش: جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال:«ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله (1)»

(1) صحيح البخاري الزكاة (1469)، صحيح مسلم الزكاة (1053)، سنن الترمذي البر والصلة (2024)، سنن النسائي الزكاة (2588)، سنن أبو داود الزكاة (1644)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 94)، موطأ مالك الجامع (1880)، سنن الدارمي الزكاة (1646).

ص: 370

رواه البخاري. ومعنى ذلك أن الوسائل النفسية المهمة: التعفف، والاستغناء، والصبر.

أما الوسيلة المادية فهي العمل، كما في حديث:«لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه (1)» . رواه البخاري. ولهذا كان أهل مكة يعملون في التجارة في مكة، وبالزراعة في المدينة.

ب - التربية على الاعتماد الذاتي والاكتفاء بالدخل الشخصي. جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قول رسول الله:«فراش للرجل وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان (2)» رواه مسلم. ومعنى ذلك تقليل المصروفات، حتى لا يحتاج المرء إلى الاستدانة من الآخرين، وليكتفي ذاتيا بما عنده.

د - التربية على العطاء. جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة (3)» رواه مسلم. ومعنى ذلك رفع المستوى الاقتصادي للمجتمع، بحيث يكثر فيه المعطون، ويقل فيه الآخذون.

هذه أهم معالم التربية الاقتصادية التي نشأ رسول الله أصحابه عليها، ورباهم على الأخذ بها، ودعاهم إلى سلوكها، فآتت ثمارها على الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى المجتمع المسلم، وكان لها صداها في مجال الدعوة إلى الإسلام.

(1) صحيح البخاري الزكاة (1471)، سنن ابن ماجه الزكاة (1836)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 164).

(2)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2084)، سنن النسائي النكاح (3385)، سنن أبو داود اللباس (4142)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 293).

(3)

صحيح البخاري الزكاة (1429)، صحيح مسلم الزكاة (1033)، سنن النسائي الزكاة (2533)، سنن أبو داود الزكاة (1648)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 152)، موطأ مالك الجامع (1881)، سنن الدارمي الزكاة (1652).

ص: 371

وحري بنا نحن أن نقتدي برسولنا ونمتثل تلك المعالم التربوية سلوكا واقعيا وعمليا.

إن على المسلمين أن يحجموا عن أي نمط سلوكي يدمر هذه القيم والمعالم والآداب. فأي نفقة بنية التباهي أو إظهار الأبهة أو الخيلاء، لا بد وأن يكون من شأنها توسيع الهوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء في المجتمع المسلم الواحد.

إن نمط الإنفاق السليم والمتفق مع الآداب الشرعية هو ذلك الذي يحكي البساطة والتواضع والاعتدال. ولا يعني ذلك عزوف المسلمين عن الاستفادة من دخلهم، أو من الموارد التي امتن الله بها عليهم، لسد حاجاتهم أو عن تزويد أنفسهم بأسباب الراحة.

لكن الإسلام يتطلب إعطاء الاستهلاك جدوى وجودة أعظم. كما يأمر بتجنب أسلوب الحياة القائم على الغرور والخداع، لإشباع الميل الشديد إلى تقليد الآخرين.

إن المنافسة غير الصحية على رموز الأبهة والمصحوبة بعدد من العادات، ولا سيما بمناسبات الزواج، إنما تؤدي إلى الإنفاق المفرط الذي يتم تمويله إما بتعطيل استثمار ما سبق ادخاره أو بمنع ادخار المستقبل.

ولا تلبث العدوى أن تصيب كل المناخ الاجتماعي. إن المسلم مطالب بالاعتدال والتوازن والابتعاد عن كل مظاهر الفساد والترف والإسراف والتبذير، آفات المجتمعات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين.

ص: 372