الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس " (1).
وعليه، فإن الإسراف والتبذير بينهما علاقة عموم وخصوص، تخضع لقاعدة " إذا اجتمعا اتفقا، وإذا افترقا اختلفا ".
(1) الراغب الأصفهاني (الذريعة إلى مكارم الشريعة) مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1393 هـ ص 216.
أسباب الإسراف والتبذير:
وللإسراف والتبذير أسباب وبواعث توقع فيه، وتؤدي إليه، ونذكر منها:
1 -
جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، فلو كان المسرف مطلعا على القرآن الكريم والسنة النبوية لما اتصف بالإسراف الذي نهي عنه:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} (1)، فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (2)، وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} (3){فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} (4){وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} (5){لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} (6){إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} (7).
(1) سورة الأعراف الآية 31
(2)
سورة الإسراء الآية 29
(3)
سورة الواقعة الآية 41
(4)
سورة الواقعة الآية 42
(5)
سورة الواقعة الآية 43
(6)
سورة الواقعة الآية 44
(7)
سورة الواقعة الآية 45
ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن وسيطرة الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي مما يؤدي به إلى الإسراف، جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله:" إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنهما مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فأنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف. . . ".
2 -
النشأة الأولى: فقد يكون السبب في الإسراف إنما هي النشأة الأولى، أي الحياة الأولى، ذلك أن الفرد قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي. ولعلنا بهذا ندرك شيئا من أسرار دعوة الإسلام وتأكيده على ضرورة اتصاف الزوجين والتزامهما بشرع الله وهديه. قال تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (1).
(1) سورة النور الآية 32
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك (1)» .
3 -
الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون، وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون، ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحدة.
والواجب يقتضي أن نضع النعمة في موضعها، وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة إلى وقت آخر.
4 -
السعة بعد الضيق: وقد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، ذلك أن كثيرا من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر، فإذا هم صابرون محتسبون، وقد يحدث أن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تماما، فيكون الإسراف والتبذير.
5 -
صحبة المسرفين: وقد يكون السبب في الإسراف إنما هو صحبة المسرفين ومخالطتهم، ذلك أن الإنسان غالبا ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، إذ أن المرء كما قال صلى الله عليه وسلم: «على دين خليله، فلينظر
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح. ينظر: البخاري: صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، تركيا، توزيع مكتبة العلم، جدة، 1981 م، 7/ 9.
أحدكم من يخالل (1)».
6 -
حب الظهور والتباهي (2): وقد يكون الإسراف سببه حب الشهرة والتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم، فيظهر لهم أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاع أمواله وارتكب ما حرم الله.
7 -
المحاكاة والتقليد: وقد يكون سبب الإسراف محاكاة الغير وتقليدهم حتى لا يوصف بالبخل، فينفق أمواله كيفما كان من غير تبصر أو نظر في العاقبة التي سينتهي إليها (3).
8 -
الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير: وقد يكون السبب في الإسراف والتبذير إنما هو الغفلة عن الآثار المترتبة عليهما، ذلك أن للإسراف آثارا ضارة، وللتبذير عواقب مهلكة.
ولقد عرف من طبيعة الإنسان أنه غالبا ما يفعل الشيء أو يتركه، إذا كان على ذكر من آثاره وعواقبه، أما إذا غفل عن هذه الآثار، فإن
(1) أخرجه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن غريب وأحمد، والحاكم وقال: صحيح، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني، ينظر: الألباني (صحيح الجامع الصغير) وزيادته (الفتح الكبير) رقم 3539.
(2)
جريدة المدينة (الإسراف والتبذير في المناسبات)، تحقيق، ع 8979، 9/ 6 / 1412 هـ. ص 2.
(3)
مجلة الدعوة (الإسراف والتبذير من المسؤول)، تحقيق ع 1250، 27/ 12 / 1410 هـ، ص 20 - 23.