الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن قد وجد من بعض الرواة الضعفاء المتروكين أنه يستعير كتابا، ثم يحدث به عن شيخ الذي استعار منه الكتاب، كما فعل مطرف بن مازن الصنعاني، المتوفى سنة إحدى وتسعين ومائة.
قال هشام بن يوسف الصنعاني المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة:
(استعار كتبي على أن ينسخها ويسمعها مني، فنسخها ورواها عن شيوخي ابن جريج وغيره، انظروا في كتبه، فإنها توافق كتبي)(1) فنلاحظ أن العلماء قد بينوا أمر مطرف، وهكذا يبينون كل من سلك سبيله وفعل مثله.
(1) الإرشاد للخليلي: 1/ 280 وقارن بالميزان:4/ 126.
المبحث الثالث: نشرهم للحديث:
كان أولئك الأئمة لا يحدثون بالحديث كل أحد، بل كانوا يحدثون من كان حافظا لكتاب الله تعالى.
وممن كان يذهب هذا المذهب سليمان بن مهران المعروف بالأعمش والمتوفى سنة سبع وأربعين ومائة.
قال حفص بن غياث الكوفي المتوفى سنة أربع أو خمس وتسعين ومائة: " أتيت الأعمش، فقلت: حدثني! قال: أتحفظ القرآن؟ قلت: لا! قال: اذهب فاحفظ القرآن، ثم هلم أحدثك).
قال: فذهبت فحفظت القرآن، ثم جئته، فاستقرأني، فقرأته، فحدثني (1).
وقد عقد القاضي عياض بابا خاصا في الأمور التي ينبغي لطالب الحديث أن يتحلى بها قبل سماع الحديث (2).
وكان يذهب هذا المذهب الإمام عبد الله بن المبارك المتوفى سنة إحدى وثمانين ومائة (3)، وسعيد بن أبي مريم المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين وغيرهما.
قال عثمان بن سعيد الدارمي السمار: كنا عند سعيد بن أبي مريم بمصر، فأتاه رجل فسأله كتابا ينظر فيه، أو سأله أن يحدثه بأحاديث فامتنع عليه، وسأله رجل آخر في ذلك فأجابه، فقال: فقال له الأول: سألتك فلم تجبني، وسألك هذا فأجبته، وليس هذا حق العلم! أو نحوه من الكلام.
قال: فقال ابن أبي مريم: إن كنت تعرف الشيباني من السيباني، وأبا جمرة من أبي حمزة، وكلاهما عن ابن عباس، حدثناك وخصصناك كما خصصنا هذا) (4).
(1) المحدث الفاصل: 203.
(2)
انظر الإلماع له: ((باب في آداب طالب السماع وما يجب أن يتخلق به)) ص 45.
(3)
انظر المحدث الفاصل: ص 203.
(4)
المحدث الفاصل: ص 274، وسير أعلام النبلاء:10/ 329
والأمثلة على هذا كثيرة، فهذا دليل واضح أنهم كانوا في الغالب لا يحدثون إلا من كان فطنا حافظا لكتاب الله ملتزما شرع الله تعالى.
كما أنهم كانوا لا يحدثون إلا من كان راغبا في سماع الحديث وتحمله، إلى جانب ما تقدم من بعض الأمور التي ينبغي لطالب الحديث أن يتصف بها، قال الإمام مسروق بن الأجدع المتوفى سنة اثنتين وستين:(لا تنشر بزك إلا عندما يبغيه)(1).
قال الإمام أحمد: يعني الحديث.
ولا يخفى على أحد أن العلم إذا أعطي للزاهد فيه، فإنه سرعان ما ينساه، وحينئذ سيكون ضرره أكثر من نفعه.
قال أبو قلابة المتوفى سنة أربع ومائة: (لا تحدث بالحديث من لا يعرفه، يضره، ولا ينفعه)(2).
لذا نجد غير واحد من المحدثين يحذر من أن يعطى هذا الحديث لغير أهله.
قال الإمام ابن شهاب الزهري الفقيه الحافظ المتوفى سنة خمس وعشرين ومائة: إن للحديث آفة ونكدا وهجنة، فآفته نسيانه، ونكده الكذب، وهجنته نشره عند غير أهله) (3).
(1) العلل ومعرفة الرجال: 1/ 92.
(2)
المحدث الفاصل: ص 571
(3)
المحدث الفاصل. وانظر لسان العرب: 13/ 434 مادة: هجن.
والمراد بقوله: (وهجنه) أي تقبيحه.
وقال الأعمش: (آفة الحديث النسيان، وإضاعته أن تحدث به غير أهله)(1).
وقال أيضا: (انظروا إلى هذه الدنانير، لا تلقوها على الكنايس)(2) يعني الحديث.
ومن شدة حرصهم وعنايتهم بالسنة النبوية أنهم كانوا يطلبون إعادة الحديث من المحدث لكي يحفظه.
قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة: (لقيت ابن شهاب يوما في موضع الجنائز، وهو على بغلة له، فسألته عن حديث فيه طول، فحدثني به. قال: فأخذت بلجام بغلته، فلم أحفظه، قلت: يا أبا بكر، أعده علي، فأبى. فقلت: أما كنت تحب أن يعاد عليك الحديث، فأعاده علي)(3).
فنجد الإمام مالكا رحمه الله يصر على الإمام الحافظ الزهري؛ ليحدثه الحديث ثانية، لكي يتمكن من حفظه، مما يدل على حرص هؤلاء الأئمة على حفظ السنة وأدائها من غير زيادة أو نقصان. فمن المعروف أن الأحاديث الطوال لا يستطيع الراوي أن يحفظها من
(1) المحدث الفاصل: ص 572
(2)
المحدث الفاصل ص 573.
(3)
العلل ومعرفة الرجال 1/ 261