الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى ما اعتبروه منهجا علميا جديدا لتفسير القرآن، يعتمد على معطيات العلوم الإنسانية كما هي بالغرب. تبعا لذلك فإن تصورات المستشرقين وآراءهم في علم التفسير تشمل جانبين:
الأول: جانب هدمي يقصد إلى نقض علم التفسير جملة وتفصيلا.
الثاني: إنشائي أو تأسيسي يقصد إلى ابتداع طريقة جديدة في التفسير، تتناسب مع مؤهلاتهم المعرفية، وأهدافهم من وراء الدراسات الإسلامية.
المبحث الثاني: موقف المستشرقين من التراث التفسيري المتراكم
تحكمت في توجيه كتابات المستشرقين عن مختلف التفاسير عدة عوامل، فهناك أولا تعاطفهم مع مختلف الفرق المنحرفة التي شهدها تاريخ الفكر الإسلامي، ثم هناك معاداة جمهورهم لأهل السنة والجماعة، ولأئمة الإسلام الذين ينتسبون إليهم، ثم هناك تعصبهم الأعمى لنصرانيتهم أو يهوديتهم، هذا فضلا عن عامل آخر لا يقل أهمية هو غلبة الجهل باللسان على الأغلبية الساحقة من دارسي القرآن العربي المبين منهم.
المطلب الأول: وقوف مشاهير المستشرقين عند التفاسير المعاصرة
سبقت الإشارة إلى أن اهتمام المستشرقين بدراسة مناهج التفسير واتجاهات المفسرين توسع في النصف الثاني من القرن العشرين، أما قبل ذلك، فمن النادر أن نجد مستشرقا يلتفت لهذا الموضوع، أو يفرده بالكتابة خلا اجنتس جولد تسهير ت 1921م
وبعض من اقتبس كلامه من المستشرقين.
وحين نرجع إلى " مذاهب التفسير الإسلامي " لجولد تسيهر نجده خصص المبحث الأول عن " المرحلة الأولى للتفسير" للكلام عن القراءات والطعن فيها، وجمع طائفة من المغالطات بشأنها، لينتقل بعد ذلك إلى المبحث الثاني عن " التفسير بالمأثور"، فلم يأت فيه بشيء على الإطلاق؛ لأن غرضه هدم هذا التفسير لطغيان الروايات الواهية عليه، ثم انخرط جولد تسيهر في تفصيل الكلام عن الاتجاهات المنحرفة في التفسير، ويظهر من خلال اهتمامه بها وتوسعه في دراستها أنها كانت مبتغاه الذي لأجله ألف كتابه.
فأفرد فصلا لما اصطلح عليه " التفسير في ضوء العقيدة " أدرج فيه الكلام عن تفسير المعتزلة - أهل الرأي- ثم تفاسير الباطنية قديما وحديثا، سواء كان هؤلاء الباطنية من غلاة المنسوبين إلى التشيع (الإسماعيلية)، أو من " ملاحدة المتصوفة ". . .
ثم خصص فصلا آخر لما أسماه: "التفسير في ضوء الفرق الدينية"، تكلم فيه عن التفسير عند الشيعة الإمامية والإسماعيلية، وأتى فيه بافتراءات كثيرة وافتراضات ساذجة، وخلط بين مقالات وآراء الإمامية والإسماعيلية بطريقة ماكرة. . .
أما الفصل الأخير فقد عنونه ب " التفسير في ضوء التمدن الإسلامي "، وفيه توسع في الكلام عن التفسير عند محمد عبده وتلاميذه الذين سماهم:" المعتزلة المحدثين "، والذي يقرأ هذا الفصل
يرى كيف تتبع تسيهر في صبر وأناة مختلف القضايا التي خالفت فيها مدرسة المنار جمهور أهل السنة في الاعتقاد والفروع، كما يستشف القارئ تلك العاطفة التي غلبت على هذا المستشرق وهو يحرر هذه الفصل، بل إن الملاحظ أن تفسير القرآن الحكيم (المنار)، هو أكثر كتب التفسير ورودا في إحالات جولد تسيهر، هذه الإحالات التي تشمل أجزاء تفسير المنار من الأول حتى الرابع عشر حسب الطبعة القديمة.
ولما جاء المستشرقون المتأخرون وجدوا جولد تسيهر مهد لهم طريق " البحث والدراسة "، ووجدوا في " مذاهب التفسير الإسلامي " دليلا يتبعونه في مجال كتاباتهم عن التفسير، لكنهم زهدوا في التراث التفسيري القديم، الذي اكتفى منه جولد تسيهر بأسماء الكتب، إذ لم يبحث عن غير ذلك، وتوقف هؤلاء المتأخرون عند التفاسير المعاصرة التي لم يعجبهم منها إلا تراث " مدرسة المنار"، فعمد المستشرق جاك جويمير ( J. JOMIER) من رهبان الدومنيكان إلى تسجيل موضوع أطروحته للدكتوراة في السربون في موضوع " مدرسة محمد عبده في تفسير القرآن "، وبعد ذلك نشر بباريس عام 1954م كتابا عن " تفسير القرآن عند مدرسة المنار"(1) * ثم نشر عام 1958م دراسة عن " الطنطاوي جوهري وتفسيره
(1) J. JOMIER، e commentaire coranique du Manar، G. P، maisonneuve Paris 1954