الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معطيات علوم الإنسان بالغرب اللهم بعض النتف في تلك الرسائل الجامعية الموبوءة التي تم احتضانها بأكاديميات وجامعات المستشرقين في الغرب.
المطلب الثالث: أسباب انحراف كتابات المستشرقين
درج العلماء على تقسيم مختلف ما ألف عن تفسير القرآن إلى إسهامات مقبولة وهي المنضبطة علميا، وكتابات منحرفة وهي التي تكون ناتجة جهل بالعلم أو هادفة إلى تقرير مذهب فاسد، وهذا التقسيم إنما وضعوه حين أرادوا الكلام عن اتجاهات التفسير وبدعه، والهدف منه تمييز تراث المبتدعة المنسوب إلى علم تفسير القرآن عن التفسير العلمية السليمة المنهج، فاختصت مؤلفات أهل البدع بمصطلح (التفسير بالرأي المذموم) كما عرفت تفاسير غيرهم بمصطلح (التفسير بالرأي المحمود) وهذا عندما يكون الكلام عن التفسير بالاجتهاد وإعمال العقل. .
وحين نرجع إلى كتابات المستشرقين عن التفسير وعن معالم منهجه اليوم كما يتصورون ذلك، نصادف بأنهم لا يكادون يختلفون في مسلكهم ودعوتهم عن نزغات أهل البدع قديما، فقد قصدوا إلى التسور على العلم بغية هدمه وركبوا لتلك الغاية كل صعب وذلول، وإذا كان العلماء قديما قد حددوا أسباب انحراف تفسير أهل البدع، فإن انحراف كتابات المستشرقين عن التفسير في العصر الراهن يرجع إلى عدة أسباب يمكن إجمالها في الآتي:
السبب الأول: فساد المعتقد، وهذا يلتقون فيه مع أسلافهم من المبتدعة قديما، ومرد هذا الفساد تعصبهم لمللهم ونحلهم، لذلك عميت بصائرهم عن إدراك دلائل ربانية القرآن، من ثم نظروا إلي هذا الكتاب باعتباره جزءا من تراث الأمة التي تدين به لربها. .
السبب الثاني: سوء القصد، فالمعروف لدى طالب علم التفسير ودارسه أن من أهم الآداب التي يجب توفرها في المفسر والدارس لكتاب الله (سلامة القصد)، وأهم أسباب ضلال المبتدعة قديما هو أنهم أرادوا تأصيل نزعاتهم من خلال التأليف في التفسير وتضمينه تلك الأهواء فضلو وأضلوا، والمستشرقون حديثا ولجوا ميدان التفسير ولم يبتغوا الحق، بل منهم من قصد إلى إضفاء تصورات نحلته عليه، ومنهم من قصد هدم هذا العلم أصلا بشتى الوسائل وهذا مما لا يخفى في كتبهم.
السبب الثالث: فوضى المنهج، يعرف المنهج اختصارا بأنه الطريقة التي يسلكها الدارس والباحث من أجل الوصول إلى حقيقة علمية سواء كانت تلك الطريقة تعتمد الاستقراء والتتبع أو كانت تعتمد التحليل والتقويم أو التجريب والملاحظة. . . وغياب المنهج في أي مجال من مجالات البحث يؤدي إلى ما يمكن أن نصطلح عليه (بفوضى
المناهج)، وقد أدت هذه الفوضى في مجال (أصول الدين) قديما إلى ظهور شتى الفرق والطوائف المتنافرة، كما أدت هذه الفوضى في مجال التفسير بالرأي إلى ظهور مختلف (التفاسير المذهبية). .
وظهرت هذه الفوضى في كتابات المستشرقين عن التفسير لما اعتبروا القرآن تراثا أدبيا تجرب عليه كل المناهج التي عرفتها البيئة الغربية، سواء كانت مناهج مادية أو وضعية، وسواء كان مجالها دراسة الأساطير أو دراسة الوقائع، وسواء كانت مناهج تاريخية أو كانت فلسفية. . لينتهي المطاف بالمستشرقين إلى فتح مجال التفسير لشتى (المناهج) التي عرفت في ميدان العلوم الإنسانية بالغرب بتناقضاتها وتضاربها وإخفاقاتها أيضا.
السبب الرابع: الجهل بالعلم، المعارف البشرية جميعها يتوقف استيعابها على الإحاطة بكلياتها وفروعها، ولا يوجد فرع منها يمكن تحصيله بدون طلب، والحرص على الطلب مع المواظبة والاستمرار يورث العلم، ثم إن جميع العلوم لها أصول وقواعد، والطريق الذي سلكه العلماء كيفما كانوا هو أولا التحصيل من مصادره ومظانه ثم الانضباط لقواعد العلم وأصوله. .
فالذي لم يسلك طريق التحصيل أولا جاهل ولو ادعى خلاف ذلك.
والذي لا ينضبط لقواعد العلم وأصوله وآدابه مخالف لمقتضى العلم - وإن سبق له تحصيل - فلا يؤمن أن يخلد إلى هواه.
وحين نرجع إلى كتابات المسشرقين عن التفسير نجد بأنه اجتمع فيها الجهل بالتفسير والجهل بما يقتضيه هذا العلم، أما الأول فمظهره تجلى من خلال ترديد الأجيال المتعاقبة من المستشرقين لتراث متقدميهم وأسلافهم فقط، وأما الجهل بمقتضى العلم فأول مظاهره عدم اكتراثهم بآداب وقواعد علم التفسير حيث تقرر في أوساطهم منذ عقود أن تفسير كتاب الله يمكن أن يزاوله حتى من يكفر بربانية القرآن أو من يبحث عن (دلائل) نسبته إلى البشر. .
السبب الخامس: الجهل باللغة العربية وعلومها وآدابها، إذ أن مشاهيرهم لا يحسنون الحديث بالعربية ولا يستطيعون الحوار بهذه اللغة ولا استظهار شيء مكتوب بها، رغم أنهم عاشوا بين المتكلمين بالعربية خلال عهد الاستعمار، أما غير هؤلاء المشاهير فإن
القطيعة بينهم وبين اللسان العربي لا جدال فيها إطلاقا، ذلك أن متأخري المستشرقين تم تكوينهم بلغاتهم الأصلية ولم ينتقلوا أو يعيشوا في وسط الناطقين بالعربية. .
وأن من يراجع نظم التعليم العالي في الغرب يصادف ذلك الإصرار على محاربة جميع أشكال المنافسة للغة الوطنية أو القومية، ففي فرنسا - على سبيل المثال لا الحصر- يفرض على الباحث المتخصص في الآداب الإنجليزية أو الأسبانية أو غيرهما أن يحرر ويناقش أطروحته بالفرنسية رغم مجافاة ذلك للبحث العلمي، ونفس الشيء يفرض على المتخصص في فرع من فروع الدراسات الشرقية، ويتأزم أمر الباحث حين يكون موضوعه (تحقيق) مخطوط معين. .؛ والخلاصة التي نصل إليها أن تكوين المستشرق مهما بلغ لا يرفع عنه الجهل باللغة العربية التي دونت بها كتب التفسير، وما دام حاله كذلك فلن يصل إلى مرحلة الاستفادة من هذه المصادر، فيظل تبعا لذلك متوقفا عند تكرار تلك (الإنشائيات)