الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواهر"، ضمن مختارات معهد الدومنيكان للدراسات الشرقية.
وبعد جويمير جاء المستشرق ج. بالجون فألف بالإنجليزية كتابه عن " تفسير القرآن في العصر الحديث "، وصدر الكتاب في ليدن عام 1961م، وهذا المؤلف في جوهره عبارة عن بحث وصفي لما اعتبره الكاتب " مناهج التفسير في زماننا الراهن".
والذي يبدو من تتبع هذه الكتابات الاستشراقية أن أصحابها كان يعوزهم فهم اللغة العربية التي ألفت بها التفاسير السابقة، ففضلوا تبعا لذلك الاحتماء بالتفاسير المعاصرة، لسهولة أسلوبها ووضوح عباراتها، والخلاصة التي يمكن للمتتبع الانتهاء إليها، هي أن المستشرقين حتى الآن عجزوا عن التعامل مع مناهج المفسرين المتقدمين، فاختاروا الوقوف عند تفاسير بعض المعاصرين التي لم يستطيعوا إلا وصفها.
المطلب الثاني: إعلاء شأن التراث التفسيري المنحرف
كان كتاب " مذاهب التفسير الإسلامي " بعد صدوره عن مكتبة بريل في ليدن عام 1920م قد وضع للمستشرقين أصول المنهج
والطريقة التي يجب أن يتعاملوا بها مع التراث التفسيري؛ واعتبارا لشخصية جولد تسيهر وأسبقية كتابه، فقد أضحى " مذاهب التفسير " مصدرا للدراسات الاستشراقية عن القرآن وتفسيره. . .، فهو منهل المستشرقين المتأخرين يقتبسون منه المادة، ويقتفون أثره في المنهج، والغريب أنه رغم فقر الكتاب ومحدودية قيمته العلمية- إذا نظرنا إليه من خلال التراث التفسيري الذي بين أيدينا اليوم - ورغم إغراقه في التعصب. . .، إلا أن هذا الكتاب ظل يلهم مختلف المستشرقين الذين يكتبون عن التفسير حتى في نهاية القرن العشرين للميلاد (1).
وحين نرجع إلى هذا المؤلف الذي تجاوزه الزمن- على الأقل من الناحية العلمية الصرف- نجده- كما سلف- يظهر اهتماما وتعاطفا واضحا مع مختلف الاتجاهات المنحرفة، التي شهدها تاريخ تفسير القرآن الكريم.
والمطلع على فهرس موضوعات الكتاب- وإن لم يقرأه- يرى كيف أن التفسير بالمأثور لم يستغرق كله إلا سبعا وأربعين صفحة، كلها طعن في هذا الاتجاه، في حين أن تفسير المبتدعة من معتزلة وباطنية وشيعة - رغم محدودية هذا التراث- استغرق مائتين وسبع عشرة صفحة.
(1) منهم على سبيل المثال كلود كايو الذي حرر آخر مادة عن "التفسير" للموسوعة الكونية
والسبب في اهتمام تسيهر بهذا التراث المنحرف، يرجع إلى ما يراه من أن تفسير هذه الطوائف خضع للتأثير الأجنبي، بخاصة تأثير عقائد أهل الكتاب.
ففي معرض كلامه عن تفسير المعتزلة، قال مشخصا ذلك التأثير:" وقد أمكن في وقت مبكر إثبات أن الأنظار والمسائل العقدية التي كانت محل الاعتبار في القرنين الأولين عند علماء الكلام الإسلاميين، قد برزت تحت تأثير النشاط العقدي داخل الكنائس، والفرق المسيحية الشرقية، لا سيما في سوريا التي تعد المرحلة الأولى في طريق هذا الاحتكاك ".
وقال جولد تسيهر في كلامه عن الباطنية: "والحق أن مبادئ ونظريات المتصوفة وإخوان الصفا مشتركة بين كلتا الدائرتين، ومشتركة كذلك من بعض الجوانب. والوسائل التي يجعلون الإنسان بواسطتها يطمح إلى هدف الكمال أو الخبر الأعلى. . .، وإنما كان ذلك مشتركا بينهما؛ لأن جذورهما جميعا تمتد إلى الأفلاطونية المحدثة وإلى الغنوصية (1).
امتدادا لما درج عليه جولد تسيهر من إعطاء مختلف تفاسير المبتدعة أهمية واضحة؛ وجدنا المستشرقين من بعده في سبيل إدراج
(1) تسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي ص 229.
هذا التراث المنحرف الباطل ضمن تاريخ التفسير، ثم تقديمه على أنه النموذج الأمثل لتفسير القرآن، وفي سبيل تلك الغاية وجدنا الدهاء الاستشراقي الماكر بلغ أوجه مع المستشرق بلاشير الذي أجهد نفسه كثيرا من أجل إثبات ما رآه أصلا من أصول التفسير، قرر فيه "أن التفسير في مبدئه بالذات يقر بالقيمة النسبية للشروحات، خاصة عندما تتعلق هذه الشروحات بمقاطع شديدة الغموض، ولقد قبلت التفسيرات المتعددة، كما قبلت القراءات المتعددة، شرط أن تنال هذه التفسيرات تأييد الإجماع. هنا نجد موقفا فكريا، يمدنا بمفاهيم غير متناهية لفهم القرآن في ضوء التطور التاريخي"(1)، وانطلاقا من هذه الرغبة الجامحة في إعلاء التراث التفسيري المنحرف اهتمت دراسات المستشرقين ببعث آثار المبتدعة المنسوبة إلى التفسير، وليس من قبيل المصادفة أن يكتب المستشرق جويدي ت 1946م عن " شرح المعتزلة للقرآن "، ويكتب نوييا عن " التفسير القرآني واللغة
(1) بلاشير، القرآن: نزوله وتدوينه. . ص 113.