الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو قول جمهور أهل العلم.
واحتجوا بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} (1) وهذا يشمل الحر والرقيق.
2 -
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ} (2) فقوله تعالى: منكم يقتضي صحة الظهار من العبد خلافا لمن منعه (3).
3 -
أنه مكلف يصح طلاقه فيصح ظهاره كالحر.
4 -
أن الظهار تحريم، والرقيق من أهل التحريم (4).
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وهو صحة الظهار من الرقيق؛ للعمومات، ولأنه من جملة المسلمين، وأحكام النكاح في حقه ثابتة.
(1) سورة المجادلة الآية 2
(2)
سورة المجادلة الآية 2
(3)
أحكام القرآن لابن العربي 4/ 1750.
(4)
بدائع الصنائع 3/ 230.
المطلب الرابع: أن يكون عاقلا
وهذا باتفاق الأئمة.
وعلى هذا فلا يصح ظهار المجنون، والنائم، والمغمى عليه، والمعتوه.
ودليل ذلك:
حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ (1)» .
(1) أخرجه أحمد في مسنده 6/ 101، 144، والنسائي في الكبرى 3/ 360، وأبو داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق (ح 4398)، وابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه (ح 2041)، والدارمي 2/ 225، وابن حبان 1/ 355، وابن الجارود 1/ 149، والحاكم 2/ 59، وأبو يعلى 7/ 366، والترمذي في العلل الكبير ص 225، والبيهقي في الكبرى 6/ 84، والطحاوي في المشكل 10/ 151، عن عفان بن مسلم، وعبد الرحمن بن مهدي، وشيبان بن فروخ، وروح بن عبادة، والحسن بن موسى، ويزيد بن هارون، وأبي داود الطيالسي، وموسى بن إسماعيل، ومحمد بن أبان. كلهم عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، والحديث تفرد به حماد بن أبي سليمان، وأيضا في رواية حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان كلام، لكن قال الترمذي:" سألت محمدا - أي البخاري - عن هذا الحديث؟ فقال: أرجو أن يكون محفوظا، قلت له: روى هذا غير حماد؟ قال: لا أعلمه ". وقال الحافظ في الفتح 12/ 124 بعد أن ذكر حديث علي وابن عباس وعائشة: " وهذه طرق يقوي بعضها بعضا "، وقال الزيلعي في نصب الراية 4/ 162:" ولم يعله الشيخ في الإمام بشيء، وإنما قال: هو أقوى إسنادا من حديث علي ". فهو حديث ثابت وله شواهد منها حديث علي، وابن عباس، وأبي رافع، وأبي هريرة، وشداد، وثوبان. (انظر: نصب الراية 4/ 164).
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده (1)» .
فقوله: «لا يدري أين باتت يده (2)» يدل على عدم مؤاخذة النائم، لتغطية عقله، فدل ذلك على اعتبار العقل.
ولأن خطاب التحريم لا يتناول من لا يعقل (3).
قال ابن قدامة: " ومن لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره كالطفل، والزائل العقل بجنون، أو إغماء، أو نوم، أو غيره، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا "(4).
(1) أخرجه البخاري في الوضوء / باب الاستجمار وترا (162)، ومسلم في الطهارة باب كراهة عمس المتوضئ. . (278).
(2)
أخرجه البخاري في الوضوء / باب الاستجمار وترا (162)، ومسلم في الطهارة باب كراهة عمس المتوضئ. . (278).
(3)
بدائع الصنائع 3/ 230.
(4)
المغني 11/ 57.
وأما السكران:
فإن كان معذورا بسكره كأن جهل كونه مسكرا، لم يصح ظهاره باتفاق الفقهاء (1)؛ لما يأتي من الأدلة على عدم اعتبار أقوال السكران.
وأما إن كان غير معذور بسكره، فاختلف العلماء في صحة ظهاره بناء على الاعتداد بأقواله على قولين:
القول الأول: أنه لا يعتد بأقواله فلا يعتد بظهاره:
وهو رواية عن الإمام أحمد (2)، وهو مذهب الظاهرية (3) واختاره شيخ الإسلام، وابن القيم (4).
وحجة هذا القول:
1 -
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (5). فجعل سبحانه قول السكران غير معتبر.
2 -
ما رواه بريدة رضي الله عنه في «قصة ماعز رضي الله عنه، قال: يا رسول الله طهرني، قال: مم أطهرك؟ قال: من الزنا،
(1) حاشية الدسوقي 2/ 439، وروضة الطالبين 8/ 62، 261، وفتح الوهاب 2/ 93، 143.
(2)
زاد المعاد 5/ 211.
(3)
المحلي 1/ 208.
(4)
الاختيارات ص 254، وزاد المعاد 5/ 211.
(5)
سورة النساء الآية 43
فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: أشرب خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد ريح خمر، فقال النبي صلى الله وسلم: أزنيت؟ قال: نعم فأمر به فرجم (1)».
وهذا ظاهر في أن السكر يمنع من ترتب الحكم على من اتصف به.
3 -
حديث علي رضي الله عنه، في «قصة حمزة لما عقر شارفي علي رضي الله عنه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه يلومه فصعد فيه النظر وصوبه وهو سكران، ثم قال: هل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فنكص النبي صلى الله عليه وسلم على عقبيه (2)» .
قال ابن القيم رحمه الله: " وهذا القول لو قاله واحد غير سكران لكان ردة وكفرا، ولم يؤخذ بذلك حمزة ".
4 -
حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (3)» .
(1) أخرجه مسلم في الحدود، باب حد الزنا (ح 1695).
(2)
أخرجه البخاري في المغازي، باب شهود الملائكة بدرا (ح 4003).
(3)
أخرجه الإمام أحمد 6/ 27، وأبو داود في الطلاق، باب الطلاق على غلط (ح 2193)، وابن ماجه في الطلاق، باب طلاق المكره والناسي (ح 2046)، وابن أبي شيبة 5/ 49، والحاكم 2/ 198، الطحاوي في المشكل 2/ 278، وأبو يعلى (ح 4444)، والدارقطني 4/ 36، والبيهقي 7/ 357، من طريق ابن إسحاق عن ثور بن يزيد عن محمد بن عبيد عن صفية بنت شيبة عن عائشة، وفيه محمد بن عبيد ضعيف كما في التهذيب للمنذري (ح 2107). وأخرجه البيهقي عن زكريا بن إسحاق ومحمد بن عثمان عن صفية به، قال ابن أبي حاتم في العلل (ح 1292، 1300) بعد أن ذكره من طريق ابن إسحاق: " ورواه محمد بن عبيد، عن عطاء عن عائشة، قال: حديث صفية أشبه ". وأخرجه الدارقطني عن قزعة عن زكريا ومحمد بن عثمان به، وفي التعليق المغني 4/ 36:" قزعة، قال البخاري: ليس بذاك، وقال أحمد: ذاهب الحديث ".
قال شيخ الإسلام: " وحقيقة الإغلاق: أن يغلق على الرجل قلبه، فلا يقصد الكلام، أو لا يعلم به، كأنه انغلق عليه قصده وإرادته، ويدخل في ذلك طلاق المكره، والمجنون، ومن زال عقله بسكر، أو غضب، وكل من لا قصد له، ولا معرفة له بما قال ".
5 -
قول عثمان رضي الله عنه: " ليس لمجنون ولا سكران طلاق ".
وقال ابن عباس: " طلاق السكران، والمستكره ليس بجائز "(1).
القول الثاني: أنه يصح ظهار السكران:
وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
وحجة هذا القول ما يلي:
1 -
عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (2).
ونوقش هذا الاستدلال: بتخصيص السكران من هذا العموم؛
(1) علقه البخاري بصيغة الجزم 9/ 388 (فتح).
(2)
سورة المجادلة الآية 3
لما تقدم من أدلة الرأي الأول.
2 -
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (1)، فخطاب السكران يدل على تكليفه.
ونوقش: بأن الخطاب هنا يجب حمله على الذي يعقل الخطاب؛ إذ مخاطبة الذي لا يعقل لا فائدة منه، وأنه نهي عن السكر عند إرادة الصلاة.
3 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: «كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه، والمغلوب على عقله (2)» .
وكذا الظهار.
ونوقش: بعدم ثبوته، وأيضا لو ثبت لكان في المكلف.
وجواب ثالث: أن السكران الذي لا يعقل، إما معتوه، وإما ملحق به.
4 -
أن الصحابة رضي الله عنهم أوقعوا طلاق السكران، فمن
(1) سورة النساء الآية 43
(2)
أخرجه الترمذي في الطلاق، باب ما جاء في طلاق المعتوه (ح 1191)، عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن أبي خالد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذي:" لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن عجلان وهو ضعيف ذاهب الحديث ". وأخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 2003 في ترجمة عطاء بن عجلان، وروي في ترجمته عن يحيى بن معين قوله:" عطاء بن عجلان كوفي ليس بشيء، كذاب كان يوضع له الحديث فيحدث به ". وقال ابن حبان في المجروحين 2/ 129: " يروي الموضوعات عن الثقات ".
ذلك ما رواه أبو لبيد (1): " أن رجلا طلق امرأته وهو سكران، فرفع إلى عمر بن الخطاب، وشهد عليه أربع نسوة، ففرق عمر بينهما "(2).
وروى سعيد بن المسيب: " أن معاوية أجاز طلاق السكران "(3).
ويلحق الظهار بالطلاق.
ونوقش: بأن الصحابة رضي الله عنهم مختلفون في إيقاع طلاق السكران.
5 -
أن الصحابة رضي الله عنهم أقاموا السكران مقام الصاحي في كلامه، فقال:" إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون ".
لكن لا يثبت قال ابن حزم: " وهو خبر مكذوب قد نزه الله عليا وعبد الرحمن بن عوف منه، وفيه من المناقضة ما يدل على بطلانه،
(1) لمازة بن زيار، الأزدي، البصري، صدوق، ناصبي. (تقريب التهذيب 2/ 138).
(2)
المحلي 10/ 209، وسنن البيهقي 7/ 359. (رجاله ثقات).
(3)
المحلى 10/ 209. (رجاله ثقات).
فإن فيه إيجاب الحد على من هذى، والهاذي لا حد عليه " (1).
6 -
أنه مكلف، ولهذا يؤاخذ بجناياته.
ونوقش: قال ابن القيم: " باطل؛ إذ الإجماع منعقد على أن شرط التكليف العقل، ومن لا يعقل ما يقول، فليس بمكلف. وأيضا: لو كان مكلفا لوجب أن يقع طلاقه إذا كان مكرها على شربها، أو غير عالم بأنها خمر، وهم لا يقولون به ".
وأما إلزامه بجناياته فمحل نزاع لا محل وفاق، فقال عثمان البتي: " لا يلزمه عقد ولا بيع، ولا حد إلا حد الخمر فقط، وهذا إحدى الروايتن عن أحمد: أنه كالمجنون في كل فعل يعتبر له العقل. والذين اعتبروا أفعاله دون أقواله فرقوا بفرقين:
أحدهما: أن إسقاط أفعاله ذريعة إلى تعطيل القصاص، إذ كل من أراد قتل غيره، أو الزنا، أو السرقة، أو الحراب سكر، وفعل ذلك، فيقام عليه الحد إذا أتى جرما واحدا، فإذا تضاعف جرمه بالسكر كيف يسقط عنه الحد؟ هذا مما تأباه قواعد الشريعة وأصولها.
والفرق الثاني: أن إلغاء أقواله لا يتضمن مفسدة؛ لأن القول المجرد من غير العاقل لا مفسدة فيه بخلاف الأفعال، فإن مفاسدها لا يمكن إلغاؤها إذا وقعت، فإلغاء أفعاله ضرر محض، وفساد منتشر بخلاف أقواله فإن صح هذان الفرقان بطل الإلحاق. . " (2).
(1) المحلى 10/ 209.
(2)
زاد المعاد 5/ 212.