الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: كتابتهم للحديث وعنايتهم بالصحف:
فهم إلى جانب الحفظ والعناية الفائقة بما تحملوه، كان أكثرهم يكتب الحديث في صحف، لكي تكون تلك الصحيفة المرجع الذي يرجع إليها المحدث، إن شك في حرف أو اختلف في لفظ مع الرواة الآخرين.
فهذا وكيع بن الجراح يخالف عبد الرحمن بن مهدي، وكلاهما إمام حافظ حجة، لكن العلماء قدموا ابن مهدي على وكيع، إن اختلف معه؛ لأن ابن مهدي أقرب عهدا بالكتاب.
قال وكيع عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال: سمعت مسلمة بن مخلد قال: (ولدت مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ومات وأنا ابن عشرة)(1).
وقال ابن مهدي عن موسى بن علي عن أبيه عن مسلمة أنه قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا ابن أربع سنين، ومات وأنا ابن أربع عشرة)(2).
فقدمت رواية ابن مهدي على رواية وكيع للسبب المتقدم.
(1) المحدث الفاصل: ص 192، وقارن بالكفاية ص 57.
(2)
المحدث الفاصل: ص 192، وقارن بالكفاية ص 57.
قال الإمام أحمد: (إذا اختلف وكيع وعبد الرحمن، فعبد الرحمن أثبت؛ لأنه أقرب عهدا بالكتاب).
وهذا الإمام يحيى بن معين يبحث عن حديث من رواية إسحاق الأزرق، في كتب إسحاق فلم يجده، فمن أجل ذلك أنكره.
قال ابن أبي حاتم قلت لأبي: (فما بال يحيى نظر في كتاب إسحاق فلم يجده؟) قال: (كيف! أنظر في كتبه كلها؟ إنما نظر في بعض، وربما كان في موضع آخر)(1).
فيلاحظ من هذه الحادثة وغيرها أن الكتاب كان حكما بين المحدثين في الحديث الذي اختلفوا فيه.
قال الإمام عبد الله بن المبارك: (إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم فيما بينهم)(2).
لذلك إذا كان الكتاب صحيحا يوصون به ويكونون حريصين على الكتابة منه.
قال الإمام الأوزاعي: (عليكم بكتب الوليد بن مزيد فإنها صحيحة)(3).
قال علي بن المديني: سألت عبد الرحمن بن مهدي عن يونس
(1) العلل لابن أبي حاتم: 1/ 137.
(2)
مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 1/ 271.
(3)
مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 1/ 205
الأيلي قال: (كان ابن المبارك يقول: كتابه صحيح).
قال عبد الرحمن - أي ابن مهدي -: وأنا أقول كتابه صحيح (1).
وهناك نصوص كثيرة تبين أن الكتاب هو الحكم بين المحدثين - كما قلت- إذا اختلفوا.
روى الخطيب بسنده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا حجاج بن محمد الترمذي عن ابن جريج قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن علي «أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات حمل إلى قبره على منسج الفرس» .
قال الإمام أحمد: (كان يحيى وعبد الرحمن أنكراه عليه- أي على حجاج - فأخرج إلينا كتابه الأصل، قرطاس. فقال: ها أخبرني محمد بن علي).
قال الحافظ الخطيب - معلقا على ما تقدم-:
(كان إخراج حجاج أصل كتابه حجة له على يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وزالت العهود عنه فيما أنكراه عليه.
وكذلك يلزم كل من روى من حفظه ما خولف فيه، وأنكر عليه أن يفعل إذا كان قادرا على الأصل، أو يمسك عن الرواية إذا تعذر ذلك عليه) (2).
(1) مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 1/ 272.
(2)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/ 38.
فكتابتهم للحديث في صحف، وحفظهم لهذه السنة لدليل واضح منهم على العناية بالسنة واهتمامهم بها، وأدائها كما سمعوها. وقد كانوا على قسمين في كتابة الحديث، فمنهم من يحفظ أولا ثم يكتب ما حفظه في صحيفة، لكي يرجع إليها عند الشك. ومنهم من قد كان يكتب أولا ثم يحفظه وبعد ما يحفظه، إما أن يمحو ما كتب، وإما أن يتركه لكي تكون وثيقة لمروياته، والشواهد على ذلك كثيرة، وسأكتفي ببعض الأمثلة.
قال طاوس: (كنت أنا وسعيد بن جبير عند ابن عباس يحدثنا، ويكتب سعيد بن جبير)(1).
قال منصور بن المعتمر الكوفي قلت لإبراهيم النخعي: (سالم ابن أبي الجعد أتم حديثا منك!) قال: (إن سالما كان يكتب)(2).
والمراد من قوله: (أتم) أي يروي الحديث كاملا تاما بخلاف إبراهيم فقد يرويه أحيانا ناقصا؛ لأنه يروي من حفظه، فربما ينسى الحرف والكلمة.
وكانوا يصفون من يحدث من كتاب، صاحب كتاب (3) وإذا كان الراوي سيء الحفظ فلا يتحملون منه إلا إن حدث من كتابه، وذلك ليأمنوا خطأه (4).
(1) المحدث الفاصل ص 374.
(2)
المحدث الفاصل ص 374.
(3)
انظر سير أعلام النبلاء: 7/ 356 و 358، 407.
(4)
انظر العلل ومعرفة الرجال: 2/ 351.
وأستطيع أن أجزم، من خلال قراءتي لكثير من تراجم المحدثين، أن معظم المحدثين المتقدمين كانوا يكتبون الحديث في صحف.
إلى أن جاء أمر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بكتابة السنة، وتدوينها.
قال الحافظ ابن حجر: (وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد)(1).
ولا يفهم من هذا أن العلماء كانوا لا يكتبون، بل كان أكثرهم يكتب ما يسمع من غير ترتيب، لكن عندما جاء أمر عمر أخذ الصفة الرسمية، وأخذ التدوين أشكالا متعددة.
والدليل على ذلك أننا إذا قرأنا تراجم السلف قبل أن يأتي عمر بن عبد العزيز لوجدنا العبارات الكثيرة التي تثبت أنهم كانوا يكتبون ما يحفظونه في صحف حتى بعض الصحابة رضي الله عنهم.
(1) فتح الباري: 1/ 208.
كان الإمام الثقة محمد بن سيرين البصري المتوفى سنة عشر ومائة: لا يرى بكتابة الحديث بأسا، فإذا حفظه محاه (1).
وكان يفعل مثله غير واحد من العلماء كعاصم بن ضمرة وغيره (2).
أما الذين كانوا يحفظون أولا ثم يكتبون، فمنهم:
الإمام سليمان بن مهران المعروف بالأعمش؛ إذ كان يسمع من أبي إسحاق، ثم يجيء، فيكتبه في منزله (3).
قال هشيم: ما كتبت حديثا قط في مجلس كنت أسمعه، ثم أجيئ إلى البيت فأكتبه (4).
وكان يفعل مثله غير واحد من العلماء (5) وعندما كان عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة قبل استلامه الخلافة: (كتب عمر إلى أبي بكر بن محمد أن اكتب إلي من الحديث بما ثبت عندك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث
(1) المحدث الفاصل: ص 382.
(2)
المحدث الفاصل: ص 382.
(3)
المحدث الفاصل: ص 384.
(4)
المحدث الفاصل: 385.
(5)
المحدث الفاصل: 385.
عمرة) (1).
قال الحافظ الرامهزي: (والحديث لا يضبط إلا بالكتاب، ثم بالمقابلة، والمدارسة، والتعهد، والتحفظ، والمذاكرة، والسؤال، والفحص عن الناقلين، والتفقه بما نقلوه)(2).
أما الذين كانوا يمحون بعد الحفظ، أو يحرقون كتبهم قبل الموت، فلعدة أسباب:
1 -
منها أنهم يفعلون ذلك لكي لا يعتمدون على الكتاب، بل يعتمدون على الذاكرة والتعهد المستمر للحفظ.
2 -
ومنها أنهم كانوا يخشون أن تقع كتبهم بعد موتهم في أيد غير أمينة، فيزاد فيها أو ينقص.
قال سعد بن شعبة بن الحجاج: (أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه، فغسلتها)(3).
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: (هذا فعله غير واحد، بالغسل، وبالحرق، وبالدفن، خوفا من أن تقع في يد إنسان واه، يزيد فيها أو يغيرها)(4).
كما أن كثيرا من المحدثين كان يحدث من كتابه لكي لا يقع
(1) العلل ومعرفة الرجال:1/ 49
(2)
المحدث الفاصل: ص 385.
(3)
سير أعلام النبلاء: 7/ 213 و 11/ 376، 396.
(4)
سير أعلام النبلاء: 7/ 213 و 11/ 376، 396.
في غلط أو خطأ.
قال عبد الله ابن الإمام أحمد: (كتب إلي ابن خلاد قال: حدثني يحيى وذكر سفيان وشعبة، فقال: سفيان أقل سقطا؛ لأنه يرجع إلى كتاب)(1).
قال الإمام الذهبي: (الورع أن المحدث لا يحدث إلا من كتاب، كما كان يفعل ويوصي به إمام المحدثين أحمد بن حنبل رضي الله عنه (2).
وكان أيضا على مذهب الإمام أحمد علي بن المديني قال رحمه الله: (ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة)(3).
قال الحافظ الخطيب: (الاحتياط للمحدث والأولى به أن يروي من كتابه، ليسلم من الوهم والغلط، ويكون جديرا بالبعد من الزلل)(4) وهذه الصحف أو الكتب كانوا يحافظون عليها محافظة لا نظير لها، حتى أنهم لا يعيرونها لأحد.
قال الإمام أحمد: (قال أبو قطن - وكان ثبتا- ما أعرت كتابي أحدا قط)(5).
(1) العلل ومعرفة الرجال:2/ 224
(2)
السير: 9/ 383، وانظر مقدمة الجرح والتعديل: 1/ 295.
(3)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/ 12.
(4)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/ 10.
(5)
العلل ومعرفة الرجال: 1/ 137.
وكان وكيع بن الجراح ينهى عن استعارة الكتب.
قال الإمام أحمد سمعت وكيعا يقول: (نهيت أبا أسامة الكوفي أن يستعير كتب الناس)(1).
قال علي بن قادم سمعت سفيان يقول: (لا تعر أحدا كتابا)(2).
وذلك خشية أن يغير الكتاب من زيادة أو نقصان.
قال الحافظ الخطيب: (والذي عندي في هذا- يشير إلى إعارة الكتب- أنه من غاب كتابه ثم عاد إليه، ولم ير فيه أثر تغيير حادث من زيادة أو نقصان أو تبديل، وسكنت نفسه إلى سلامته جاز له أن يروي منه)(3).
قال حمزة الزيات المتوفى سنة ست أو ثمان وخمسين ومائة: يقال لا تأمن قارئا على صحيفة، ولا أعرابيا على جمل (4).
وكانت هذه الكتب تجد اهتماما لدى العلماء، إذ كانوا يصفون الكتاب بالصحة أو بغيرها.
قال الخليلي - بحق عبيد الله بن أبي زياد الرصافي -: (صحيح الكتاب، غير أن نسخته ليست مشهورة)(5).
(1) العلل ومعرفة الرجال: 1/ 275.
(2)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 24411.
(3)
الكفاية ص236.
(4)
العلل ومعرفة الرجال: 2/ 201
(5)
الإرشاد للخليلي: 1/ 200.
قال عبد الله ابن الإمام أحمد: (كتب إلي ابن خلاد قال سمعت يحيى - هو ابن سعيد القطان - يقول: كنا نسمي كتب ابن جريج كتب الأمانة)(1).
قلت: لضبطها وإتقانها.
ومن كان عنده كتاب ثم تصيبه آفة، كالحرق، أو الضياع، أو يزاد فيه من قبل آخرين، ثم يحدث منه صاحبه، فإن أهل الحديث يجرحونه، ويردون حديثه، كما صنعوا في ابن لهيعة وغيره (2).
وهذا أبو بكر القطيعي عندما غرقت كتبه جرحه العلماء.
قال الحافظ الخطيب: (كان بعض كتبه غرق فاستحدث نسخها من كتاب لم يكن فيه سماعه، فغمزه الناس، إلا أنا لم نر أحدا امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به)(3).
ثم قال: (له في بعض المسند- يريد مسند الإمام أحمد - أصول فيها نظر، ذكر أنه كتبها بعد الغرق).
ومن الأدلة الواضحة على دقتهم أنهم كانوا لا يكتفون بالكتابة بل لا بد من المقابلة.
قال هشام بن عروة قال لي أبي: (أكتبت؟ قلت: نعم!
(1) العلل ومعرفة الرجال: 2/ 225.
(2)
انظر التقريب ص319 ترجمة 3563.
(3)
تاريخ بغداد:4/ 73 - 74
قال: عارضت؟ قلت: لا! قال: لم تكتب شيئا) (1).
وهكذا كان غير واحد من المحدثين يتبع هذا المنهج (2).
ومن حدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارضه ويقابله بالأصل، جاز له أن يروي لكن بشرط أن يبين أنه لم يعارض، كما أفتى بذلك أبو بكر الإسماعيلي (3).
قال الحافظ الخطيب: (وهذا مذهب أبي بكر البرقاني، فإنه روى لنا أحاديث كثيرة، وقال فيها: أنا فلان- أي أخبرنا فلان- ولم يعارض بالأصل)(4).
فهذه الدقة المتناهية، وهذا التحري العجيب لا نظير له، كل ذلك من أجل المحافظة على السنة النبوية.
كما أنهم كانوا يهتمون بضبط الكلمة وتنقيطها، حتى لا يقع فيها تصحيف، وذكروا أن الراوي الذي يعتني بالتشكيل والتنقيط لدليل على دقته وصحة كتابه.
وقد حث غير واحد من أهل الحديث على التنقيط والضبط.
(1) المحدث الفاصل ص 544.
(2)
انظر الكفاية ص 237 وما بعدها.
(3)
انظر الكفاية ص 239.
(4)
انظر الكفاية ص 239.
قال حماد بن سلمة لأصحاب الحديث: (ويحكم! غيروا، يعني قيدوا واضبطوا)(1).
حتى أن العلماء جعلوا الكتاب الذي فيه تغيير وإلحاق وإصلاح علامة الصحة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح، فاشهد له بالصحة)(2).
وقد كان أصحاب الحديث على قسمين:
منهم من يشكل جميع الكلام.
ومنهم من يشكل الذي يحتاج إلى شكل.
قال الرامهرمزي: (قال أصحابنا أما النقط فلا بد منه؛ لأنك لا تضبط الأسامي المشكلة إلا به،. . . وقالوا: إنما يشكل ما يشكل، ولا حاجة إلى الشكل مع عدم الإشكال).
وقال آخرون: (الأولى أن يشكل الجميع، وكان عفان وحيان من أهل الشكل والتقييد)(3).
ومن أجل أهمية الضبط نرى المحدثين إذا شك أحدهم في كلمة يسأل عنها أهل العربية.
(1) الكفاية ص 242.
(2)
الكفاية ص 242.
(3)
المحدث الفاصل: ص 608.
قال عبد الله بن المبارك: (إذا سمعتم عني الحديث فاعرضوه على أصحاب العربية، ثم أحكموه)(1).
سأل الإمام أحمد رجل، فقال: يا أبا عبد الله! الرجل يكتب الحرف من الحديث، لا يدري أي شيء هو إلا أنه قد كتبه صحيحا، يريه إنسانا فيخبره؟ فقال:(لا بأس به)(2).
لذلك قال غير واحد من المحدثين: إن المحدث إذا شك في حرف سأل أهل النحو، ومن الأمثلة على ذلك:
قال الأصمعي - عبد الملك بن قريب - المتوفى سنة ست عشرة ومائتين: (كنت في مجلس شعبة، فقال: - أي شعبة- فيسمعون جرش طير الجنة).
فقلت: جرس الطير، إذا سمعت صوت منقاره على شيء يأكله، وسميت النحل جوارس من هذا؛ لأنها تجرس الشجر، أي تأكل منه.
والجرس: الصوت الخفي، واشتقاق الجرس من الصوت والحس (3).
فيلاحظ من هذه الحادثة أن شعبة أخطأ في حرف، فيصحح له
(1) الكفاية ص255.
(2)
الكفاية 256، وتصحيفات المحدثين: 1/ 1 / 32 وما بعدها.
(3)
الكفاية 256، وتصحيفات المحدثين: 1/ 1 / 32 وما بعدها.
الخطأ إمام أهل اللغة في زمانه، بأن الكلمة هي (جرس) بالسين المهملة، وليست بالشين المعجمة، وسرعان ما يرجع شعبة إلى قوله. قال الحافظ الخطيب: - بعد أن ذكر حديث جابر مرفوعا: (إذا أرفت الحدود فلا شفعة).
قال: قال لي القاضي أبو الطيب الطبري: سمعت أبا محمد البارقي يقول: (ذكر لنا الداركي هذا الحديث في تدريسه في كتابه الشفعة، فقال: إذا أزفت الحدود).
فسألت عثمان بن جني النحوي المتوفى سنة اثنين وتسعين وثلاث مائة عن هذه الكلمة، فلم يعرفها، ولا وقف على صحتها.
فسألت المعافى بن زكريا النهرواني المتوفى سنة تسعين وثلاث مائة عن هذا الحديث وذكرت له طرقه، فلم أستتم المسألة حتى قال:(إذا أرفت الحدود) والأرف: المعالم، يريد: إذا بينت الحدود وعينت المعالم، ميزت فلا شفعة.
فهذه الواقعة تدل على مدى اهتمام المحدثين بدراية الحديث، وتحديد المطلوب، وتدل أيضا على أمانة أهل اللغة؛ إذ لم يتكلم فيها إمام أهل اللغة في زمانه ابن جني رحمه الله تعالى.