المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: كتابتهم للحديث وعنايتهم بالصحف: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌سجدة (ص)

- ‌سجود التلاوة لا يشرع فيه التكبير في النهوض

- ‌تقدم ركعتا الطواف على صلاة الإشراق

- ‌صلاة التطوع قبل أذان المغرب

- ‌صلاة ركعتي الفجر بعده

- ‌صلاة الجماعة في المساجد

- ‌ قصر الصلاة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ رفع اليدين مع التكبيرات في صلاة الجنازة

- ‌من فاتته بعض تكبيرات صلاة الجنازة

- ‌ دخل مع الإمام وهو يصليصلاة الجنازة ظانا أنه يصلي الفريضة

- ‌تقدم صلاة الجنازةعلى الفرض

- ‌ حضر الجنازةفي مسجد وقد صلى الفرض في آخر

- ‌ الصلاة على الميت بعد دفنه

- ‌أقصى مدة يمكن الصلاة فيها على الميت بعد دفنه

- ‌حكم تكرار الصلاة على الميت

- ‌ الصلاة على القبر وقت النهي

- ‌ الصلاة على الميت في المغسلة

- ‌ الصلاة على الغائب

- ‌كيفية الصلاة على الغائب

- ‌ الصلاة على المنافق

- ‌الصلاة على أهل البدع

- ‌ الصلاة على المنتحر

- ‌الشهداء الذين ماتوا في المعركة لا تشرع الصلاة عليهم مطلقا

- ‌ الصلاة على من مات وعليه دين

- ‌ الصلاة على الجنين

- ‌الصلاة على الجنازة في المصلى أفضل من المسجد

- ‌ وضع الميت في غرفة حتى يصلى عليه

- ‌ دفن البهائية في مقابر المسلمين

- ‌ دفن ما بتر من إنسان

- ‌ اتباع الجنائز

- ‌تشييع الميت

- ‌حصول القيراطين لمن تبع جنازة ثم صلى عليها

- ‌ الإسراع بالجنازة

- ‌الجمع بين حديث النهي عن الصلاة والدفن في ثلاثساعات وحديث التعجيل بالجنازة

- ‌ المراد بالإسراع بالجنازة

- ‌ تأخير الجنازة في الثلاجة لعدة شهور

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ بعد أداء الصلاة الفريضة، الشروع في النافلة أم الاشتغال بالأذكار

- ‌ صلى العشاء قبل الأذان بعشر دقائق

- ‌ حكم التسبيح بالسبحة

- ‌ حكم من حدثه دائم

- ‌ حكم من يؤدي العمرة يوميا

- ‌ الأعمال المفضلة التي ينبغي أن أعملها ويكون أجرها لوالدي

- ‌ هل يجوز أن يكون ولي المرأة البكر جدها من أمها

- ‌ المرأة إذا قدمت للحج أو العمرة ووصلت إلى الميقات وهي حائض

- ‌ما تراه المرأة بعد الطهر من حيضها من الصفرة أو الكدرة

- ‌ الحامل، هل تحيض وهي حامل

- ‌الدم الذي يخرج من المرأة الحامل

- ‌ صيام المرأة وصلاتها وقت الحيض

- ‌ ماذا تفعل المرأة إذا جاءتها العادة الشهرية

- ‌ هل يحل للحائض دخول المسجد

- ‌ استعمال دواء لمنع الحيض في رمضان

- ‌ استعمال حبوب منع الحيض في رمضان والحج

- ‌وصف لها الطبيب حبوبا لجلب العادة الشهرية

- ‌ بعد وضع اللولب، أو استعمال الحبوب عند بعض النساء يتغير نظام دورة الحيض

- ‌ الدم الذي يخرج من المرأة من غير حيض ولا نفاس

- ‌ أحس كثيرا بخروج قطرات من ذكري في الصلاة وخارج الصلاة

- ‌ أصحاب السلس

- ‌ أتوضأ ثم يخرج البول فلا أحس به، وأقوم أصلي

- ‌ يخرج من الشخص ريح باستمرار فما يعمل وخاصة وقت الصلاة

- ‌ مصاب بالغازات وكثرة الرياح، ولا أستطيع أن أتوضأ إلا عند دخول الوقت

- ‌تفسير القرآن الكريمفي كتابات المستشرقين

- ‌توطئة:

- ‌مبحث تمهيدي

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم في تصورات المستشرقين

- ‌المطلب الثاني: بداية اهتمام المستشرقين بالتفسير

- ‌المطلب الثالث: أسباب اهتمام المستشرقين بالتفسير ودواعيه

- ‌المبحث الأول: منشورات المستشرقين المتصلة بدراسة التفسير

- ‌المطلب الأول: التفسير في التآليف الفردية الخاصة

- ‌المطلب الثاني: التفسير في الموسوعات الاستشراقية

- ‌المطلب الثالث: التفسير في المجلات والدوريات الاستشراقية

- ‌المبحث الثاني: موقف المستشرقين من التراث التفسيري المتراكم

- ‌المطلب الأول: وقوف مشاهير المستشرقين عند التفاسير المعاصرة

- ‌المطلب الثاني: إعلاء شأن التراث التفسيري المنحرف

- ‌المطلب الثالث: نقد المستشرقين لأمهات التفاسير عند أهل السنة

- ‌المبحث الثالث: المنهج المقترح للتفسير عند المستشرقين

- ‌المطلب الأول: دعوة المستشرقين إلى توثيق النص القرآني

- ‌المطلب الثاني: مطالبة المستشرقين بنقد التفاسير القديمة

- ‌المطلب الثالث: تبني المستشرقين الدعوة لإعادة تفسير القرآن

- ‌المبحث الرابع: تقييم كتابات المستشرقين عن التفسير

- ‌المطلب الأول: مصادر المستشرقين في الكتابة عن التفسير

- ‌المطلب الثاني: مميزات كتابات المستشرقين عن التفسير

- ‌المطلب الثالث: أسباب انحراف كتابات المستشرقين

- ‌خاتمة الدراسة:

- ‌صفة الاستواء لله عز وجل

- ‌الفصل الأول:

- ‌المبحث الأول: ورود الاستواء في القرآن:

- ‌المبحث الثاني: معنى الاستواء في اللغة

- ‌الفصل الثاني:

- ‌المبحث الأول:مذهب أهل السنة والجماعة في استواء الله على عرشه

- ‌المبحث الثاني: شرح ما نقل عن الإمام مالك في الاستواء:

- ‌المبحث الأول: مذهب المخالفين لأهل السنة في الاستواء

- ‌المبحث الثاني: الرد على المخالفين

- ‌الخاتمة

- ‌رسالة في ذم البدعة وأهلها

- ‌المقدمة:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌التحقيق

- ‌الباب الأول: في البدعة

- ‌اهتمام المحدثين ومنهجهم في حفظ السنة النبوية

- ‌المبحث الأول: السن التي كانوا يخرجون فيها لطلب الحديث:

- ‌المبحث الثاني: الصيغة التي يستعملونها لأداء الحديث:

- ‌المبحث الثالث: نشرهم للحديث:

- ‌المبحث الرابع: طريقتهم في التحديث:

- ‌المبحث الخامس: كتابتهم للحديث وعنايتهم بالصحف:

- ‌المبحث السادس: رحلتهم في طلب الحديث:

- ‌المبحث السابع: تحذيرهم من الصحفي:

- ‌الخاتمة:

- ‌الاعتداد بخلاف الظاهريةفي الفروع الفقهية

- ‌المبحث الأول: تحرير محل النزاع في المسألة

- ‌المبحث الثاني: سبب الخلاف في المسألة:

- ‌المبحث الثالث:‌‌ خلاف أهل العلم في المسألة، وأدلتهم، والترجيح

- ‌ خلاف أهل العلم في المسألة

- ‌المبحث الرابع: أمثلة تطبيقية على خلاف الظاهرية

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف الشرط في اللغة، والاصطلاح:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الظهار في اللغة والاصطلاح:

- ‌المطلب الثالث: حكمه وأدلته:

- ‌المبحث الأول: شروط صحة الظهار

- ‌المطلب الأول: شرط كون المظاهر زوجا

- ‌المطلب الثاني: شرط الإسلام

- ‌المطلب الثالث: شرط الحرية

- ‌المطلب الرابع: أن يكون عاقلا

- ‌المطلب الخامس: شرط البلوغ

- ‌المطلب السادس: شرط الاختيار

- ‌المطلب السابع: شرط الزوجة التي يمكن وطؤها

- ‌المطلب الثامن: كون المشبه به محلا للاستمتاع عادة

- ‌المبحث الثاني: تأقيت الظهار

- ‌المبحث الثالث: تعليق الظهار

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌المبحث الخامس: كتابتهم للحديث وعنايتهم بالصحف:

‌المبحث الخامس: كتابتهم للحديث وعنايتهم بالصحف:

فهم إلى جانب الحفظ والعناية الفائقة بما تحملوه، كان أكثرهم يكتب الحديث في صحف، لكي تكون تلك الصحيفة المرجع الذي يرجع إليها المحدث، إن شك في حرف أو اختلف في لفظ مع الرواة الآخرين.

فهذا وكيع بن الجراح يخالف عبد الرحمن بن مهدي، وكلاهما إمام حافظ حجة، لكن العلماء قدموا ابن مهدي على وكيع، إن اختلف معه؛ لأن ابن مهدي أقرب عهدا بالكتاب.

قال وكيع عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال: سمعت مسلمة بن مخلد قال: (ولدت مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ومات وأنا ابن عشرة)(1).

وقال ابن مهدي عن موسى بن علي عن أبيه عن مسلمة أنه قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا ابن أربع سنين، ومات وأنا ابن أربع عشرة)(2).

فقدمت رواية ابن مهدي على رواية وكيع للسبب المتقدم.

(1) المحدث الفاصل: ص 192، وقارن بالكفاية ص 57.

(2)

المحدث الفاصل: ص 192، وقارن بالكفاية ص 57.

ص: 274

قال الإمام أحمد: (إذا اختلف وكيع وعبد الرحمن، فعبد الرحمن أثبت؛ لأنه أقرب عهدا بالكتاب).

وهذا الإمام يحيى بن معين يبحث عن حديث من رواية إسحاق الأزرق، في كتب إسحاق فلم يجده، فمن أجل ذلك أنكره.

قال ابن أبي حاتم قلت لأبي: (فما بال يحيى نظر في كتاب إسحاق فلم يجده؟) قال: (كيف! أنظر في كتبه كلها؟ إنما نظر في بعض، وربما كان في موضع آخر)(1).

فيلاحظ من هذه الحادثة وغيرها أن الكتاب كان حكما بين المحدثين في الحديث الذي اختلفوا فيه.

قال الإمام عبد الله بن المبارك: (إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم فيما بينهم)(2).

لذلك إذا كان الكتاب صحيحا يوصون به ويكونون حريصين على الكتابة منه.

قال الإمام الأوزاعي: (عليكم بكتب الوليد بن مزيد فإنها صحيحة)(3).

قال علي بن المديني: سألت عبد الرحمن بن مهدي عن يونس

(1) العلل لابن أبي حاتم: 1/ 137.

(2)

مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 1/ 271.

(3)

مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 1/ 205

ص: 275

الأيلي قال: (كان ابن المبارك يقول: كتابه صحيح).

قال عبد الرحمن - أي ابن مهدي -: وأنا أقول كتابه صحيح (1).

وهناك نصوص كثيرة تبين أن الكتاب هو الحكم بين المحدثين - كما قلت- إذا اختلفوا.

روى الخطيب بسنده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا حجاج بن محمد الترمذي عن ابن جريج قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن علي «أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات حمل إلى قبره على منسج الفرس» .

قال الإمام أحمد: (كان يحيى وعبد الرحمن أنكراه عليه- أي على حجاج - فأخرج إلينا كتابه الأصل، قرطاس. فقال: ها أخبرني محمد بن علي).

قال الحافظ الخطيب - معلقا على ما تقدم-:

(كان إخراج حجاج أصل كتابه حجة له على يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وزالت العهود عنه فيما أنكراه عليه.

وكذلك يلزم كل من روى من حفظه ما خولف فيه، وأنكر عليه أن يفعل إذا كان قادرا على الأصل، أو يمسك عن الرواية إذا تعذر ذلك عليه) (2).

(1) مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 1/ 272.

(2)

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/ 38.

ص: 276

فكتابتهم للحديث في صحف، وحفظهم لهذه السنة لدليل واضح منهم على العناية بالسنة واهتمامهم بها، وأدائها كما سمعوها. وقد كانوا على قسمين في كتابة الحديث، فمنهم من يحفظ أولا ثم يكتب ما حفظه في صحيفة، لكي يرجع إليها عند الشك. ومنهم من قد كان يكتب أولا ثم يحفظه وبعد ما يحفظه، إما أن يمحو ما كتب، وإما أن يتركه لكي تكون وثيقة لمروياته، والشواهد على ذلك كثيرة، وسأكتفي ببعض الأمثلة.

قال طاوس: (كنت أنا وسعيد بن جبير عند ابن عباس يحدثنا، ويكتب سعيد بن جبير)(1).

قال منصور بن المعتمر الكوفي قلت لإبراهيم النخعي: (سالم ابن أبي الجعد أتم حديثا منك!) قال: (إن سالما كان يكتب)(2).

والمراد من قوله: (أتم) أي يروي الحديث كاملا تاما بخلاف إبراهيم فقد يرويه أحيانا ناقصا؛ لأنه يروي من حفظه، فربما ينسى الحرف والكلمة.

وكانوا يصفون من يحدث من كتاب، صاحب كتاب (3) وإذا كان الراوي سيء الحفظ فلا يتحملون منه إلا إن حدث من كتابه، وذلك ليأمنوا خطأه (4).

(1) المحدث الفاصل ص 374.

(2)

المحدث الفاصل ص 374.

(3)

انظر سير أعلام النبلاء: 7/ 356 و 358، 407.

(4)

انظر العلل ومعرفة الرجال: 2/ 351.

ص: 277

وأستطيع أن أجزم، من خلال قراءتي لكثير من تراجم المحدثين، أن معظم المحدثين المتقدمين كانوا يكتبون الحديث في صحف.

إلى أن جاء أمر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بكتابة السنة، وتدوينها.

قال الحافظ ابن حجر: (وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد)(1).

ولا يفهم من هذا أن العلماء كانوا لا يكتبون، بل كان أكثرهم يكتب ما يسمع من غير ترتيب، لكن عندما جاء أمر عمر أخذ الصفة الرسمية، وأخذ التدوين أشكالا متعددة.

والدليل على ذلك أننا إذا قرأنا تراجم السلف قبل أن يأتي عمر بن عبد العزيز لوجدنا العبارات الكثيرة التي تثبت أنهم كانوا يكتبون ما يحفظونه في صحف حتى بعض الصحابة رضي الله عنهم.

(1) فتح الباري: 1/ 208.

ص: 278

كان الإمام الثقة محمد بن سيرين البصري المتوفى سنة عشر ومائة: لا يرى بكتابة الحديث بأسا، فإذا حفظه محاه (1).

وكان يفعل مثله غير واحد من العلماء كعاصم بن ضمرة وغيره (2).

أما الذين كانوا يحفظون أولا ثم يكتبون، فمنهم:

الإمام سليمان بن مهران المعروف بالأعمش؛ إذ كان يسمع من أبي إسحاق، ثم يجيء، فيكتبه في منزله (3).

قال هشيم: ما كتبت حديثا قط في مجلس كنت أسمعه، ثم أجيئ إلى البيت فأكتبه (4).

وكان يفعل مثله غير واحد من العلماء (5) وعندما كان عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة قبل استلامه الخلافة: (كتب عمر إلى أبي بكر بن محمد أن اكتب إلي من الحديث بما ثبت عندك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث

(1) المحدث الفاصل: ص 382.

(2)

المحدث الفاصل: ص 382.

(3)

المحدث الفاصل: ص 384.

(4)

المحدث الفاصل: 385.

(5)

المحدث الفاصل: 385.

ص: 279

عمرة) (1).

قال الحافظ الرامهزي: (والحديث لا يضبط إلا بالكتاب، ثم بالمقابلة، والمدارسة، والتعهد، والتحفظ، والمذاكرة، والسؤال، والفحص عن الناقلين، والتفقه بما نقلوه)(2).

أما الذين كانوا يمحون بعد الحفظ، أو يحرقون كتبهم قبل الموت، فلعدة أسباب:

1 -

منها أنهم يفعلون ذلك لكي لا يعتمدون على الكتاب، بل يعتمدون على الذاكرة والتعهد المستمر للحفظ.

2 -

ومنها أنهم كانوا يخشون أن تقع كتبهم بعد موتهم في أيد غير أمينة، فيزاد فيها أو ينقص.

قال سعد بن شعبة بن الحجاج: (أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه، فغسلتها)(3).

قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: (هذا فعله غير واحد، بالغسل، وبالحرق، وبالدفن، خوفا من أن تقع في يد إنسان واه، يزيد فيها أو يغيرها)(4).

كما أن كثيرا من المحدثين كان يحدث من كتابه لكي لا يقع

(1) العلل ومعرفة الرجال:1/ 49

(2)

المحدث الفاصل: ص 385.

(3)

سير أعلام النبلاء: 7/ 213 و 11/ 376، 396.

(4)

سير أعلام النبلاء: 7/ 213 و 11/ 376، 396.

ص: 280

في غلط أو خطأ.

قال عبد الله ابن الإمام أحمد: (كتب إلي ابن خلاد قال: حدثني يحيى وذكر سفيان وشعبة، فقال: سفيان أقل سقطا؛ لأنه يرجع إلى كتاب)(1).

قال الإمام الذهبي: (الورع أن المحدث لا يحدث إلا من كتاب، كما كان يفعل ويوصي به إمام المحدثين أحمد بن حنبل رضي الله عنه (2).

وكان أيضا على مذهب الإمام أحمد علي بن المديني قال رحمه الله: (ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة)(3).

قال الحافظ الخطيب: (الاحتياط للمحدث والأولى به أن يروي من كتابه، ليسلم من الوهم والغلط، ويكون جديرا بالبعد من الزلل)(4) وهذه الصحف أو الكتب كانوا يحافظون عليها محافظة لا نظير لها، حتى أنهم لا يعيرونها لأحد.

قال الإمام أحمد: (قال أبو قطن - وكان ثبتا- ما أعرت كتابي أحدا قط)(5).

(1) العلل ومعرفة الرجال:2/ 224

(2)

السير: 9/ 383، وانظر مقدمة الجرح والتعديل: 1/ 295.

(3)

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/ 12.

(4)

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/ 10.

(5)

العلل ومعرفة الرجال: 1/ 137.

ص: 281

وكان وكيع بن الجراح ينهى عن استعارة الكتب.

قال الإمام أحمد سمعت وكيعا يقول: (نهيت أبا أسامة الكوفي أن يستعير كتب الناس)(1).

قال علي بن قادم سمعت سفيان يقول: (لا تعر أحدا كتابا)(2).

وذلك خشية أن يغير الكتاب من زيادة أو نقصان.

قال الحافظ الخطيب: (والذي عندي في هذا- يشير إلى إعارة الكتب- أنه من غاب كتابه ثم عاد إليه، ولم ير فيه أثر تغيير حادث من زيادة أو نقصان أو تبديل، وسكنت نفسه إلى سلامته جاز له أن يروي منه)(3).

قال حمزة الزيات المتوفى سنة ست أو ثمان وخمسين ومائة: يقال لا تأمن قارئا على صحيفة، ولا أعرابيا على جمل (4).

وكانت هذه الكتب تجد اهتماما لدى العلماء، إذ كانوا يصفون الكتاب بالصحة أو بغيرها.

قال الخليلي - بحق عبيد الله بن أبي زياد الرصافي -: (صحيح الكتاب، غير أن نسخته ليست مشهورة)(5).

(1) العلل ومعرفة الرجال: 1/ 275.

(2)

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 24411.

(3)

الكفاية ص236.

(4)

العلل ومعرفة الرجال: 2/ 201

(5)

الإرشاد للخليلي: 1/ 200.

ص: 282

قال عبد الله ابن الإمام أحمد: (كتب إلي ابن خلاد قال سمعت يحيى - هو ابن سعيد القطان - يقول: كنا نسمي كتب ابن جريج كتب الأمانة)(1).

قلت: لضبطها وإتقانها.

ومن كان عنده كتاب ثم تصيبه آفة، كالحرق، أو الضياع، أو يزاد فيه من قبل آخرين، ثم يحدث منه صاحبه، فإن أهل الحديث يجرحونه، ويردون حديثه، كما صنعوا في ابن لهيعة وغيره (2).

وهذا أبو بكر القطيعي عندما غرقت كتبه جرحه العلماء.

قال الحافظ الخطيب: (كان بعض كتبه غرق فاستحدث نسخها من كتاب لم يكن فيه سماعه، فغمزه الناس، إلا أنا لم نر أحدا امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به)(3).

ثم قال: (له في بعض المسند- يريد مسند الإمام أحمد - أصول فيها نظر، ذكر أنه كتبها بعد الغرق).

ومن الأدلة الواضحة على دقتهم أنهم كانوا لا يكتفون بالكتابة بل لا بد من المقابلة.

قال هشام بن عروة قال لي أبي: (أكتبت؟ قلت: نعم!

(1) العلل ومعرفة الرجال: 2/ 225.

(2)

انظر التقريب ص319 ترجمة 3563.

(3)

تاريخ بغداد:4/ 73 - 74

ص: 283

قال: عارضت؟ قلت: لا! قال: لم تكتب شيئا) (1).

وهكذا كان غير واحد من المحدثين يتبع هذا المنهج (2).

ومن حدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارضه ويقابله بالأصل، جاز له أن يروي لكن بشرط أن يبين أنه لم يعارض، كما أفتى بذلك أبو بكر الإسماعيلي (3).

قال الحافظ الخطيب: (وهذا مذهب أبي بكر البرقاني، فإنه روى لنا أحاديث كثيرة، وقال فيها: أنا فلان- أي أخبرنا فلان- ولم يعارض بالأصل)(4).

فهذه الدقة المتناهية، وهذا التحري العجيب لا نظير له، كل ذلك من أجل المحافظة على السنة النبوية.

كما أنهم كانوا يهتمون بضبط الكلمة وتنقيطها، حتى لا يقع فيها تصحيف، وذكروا أن الراوي الذي يعتني بالتشكيل والتنقيط لدليل على دقته وصحة كتابه.

وقد حث غير واحد من أهل الحديث على التنقيط والضبط.

(1) المحدث الفاصل ص 544.

(2)

انظر الكفاية ص 237 وما بعدها.

(3)

انظر الكفاية ص 239.

(4)

انظر الكفاية ص 239.

ص: 284

قال حماد بن سلمة لأصحاب الحديث: (ويحكم! غيروا، يعني قيدوا واضبطوا)(1).

حتى أن العلماء جعلوا الكتاب الذي فيه تغيير وإلحاق وإصلاح علامة الصحة.

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح، فاشهد له بالصحة)(2).

وقد كان أصحاب الحديث على قسمين:

منهم من يشكل جميع الكلام.

ومنهم من يشكل الذي يحتاج إلى شكل.

قال الرامهرمزي: (قال أصحابنا أما النقط فلا بد منه؛ لأنك لا تضبط الأسامي المشكلة إلا به،. . . وقالوا: إنما يشكل ما يشكل، ولا حاجة إلى الشكل مع عدم الإشكال).

وقال آخرون: (الأولى أن يشكل الجميع، وكان عفان وحيان من أهل الشكل والتقييد)(3).

ومن أجل أهمية الضبط نرى المحدثين إذا شك أحدهم في كلمة يسأل عنها أهل العربية.

(1) الكفاية ص 242.

(2)

الكفاية ص 242.

(3)

المحدث الفاصل: ص 608.

ص: 285

قال عبد الله بن المبارك: (إذا سمعتم عني الحديث فاعرضوه على أصحاب العربية، ثم أحكموه)(1).

سأل الإمام أحمد رجل، فقال: يا أبا عبد الله! الرجل يكتب الحرف من الحديث، لا يدري أي شيء هو إلا أنه قد كتبه صحيحا، يريه إنسانا فيخبره؟ فقال:(لا بأس به)(2).

لذلك قال غير واحد من المحدثين: إن المحدث إذا شك في حرف سأل أهل النحو، ومن الأمثلة على ذلك:

قال الأصمعي - عبد الملك بن قريب - المتوفى سنة ست عشرة ومائتين: (كنت في مجلس شعبة، فقال: - أي شعبة- فيسمعون جرش طير الجنة).

فقلت: جرس الطير، إذا سمعت صوت منقاره على شيء يأكله، وسميت النحل جوارس من هذا؛ لأنها تجرس الشجر، أي تأكل منه.

والجرس: الصوت الخفي، واشتقاق الجرس من الصوت والحس (3).

فيلاحظ من هذه الحادثة أن شعبة أخطأ في حرف، فيصحح له

(1) الكفاية ص255.

(2)

الكفاية 256، وتصحيفات المحدثين: 1/ 1 / 32 وما بعدها.

(3)

الكفاية 256، وتصحيفات المحدثين: 1/ 1 / 32 وما بعدها.

ص: 286

الخطأ إمام أهل اللغة في زمانه، بأن الكلمة هي (جرس) بالسين المهملة، وليست بالشين المعجمة، وسرعان ما يرجع شعبة إلى قوله. قال الحافظ الخطيب: - بعد أن ذكر حديث جابر مرفوعا: (إذا أرفت الحدود فلا شفعة).

قال: قال لي القاضي أبو الطيب الطبري: سمعت أبا محمد البارقي يقول: (ذكر لنا الداركي هذا الحديث في تدريسه في كتابه الشفعة، فقال: إذا أزفت الحدود).

فسألت عثمان بن جني النحوي المتوفى سنة اثنين وتسعين وثلاث مائة عن هذه الكلمة، فلم يعرفها، ولا وقف على صحتها.

فسألت المعافى بن زكريا النهرواني المتوفى سنة تسعين وثلاث مائة عن هذا الحديث وذكرت له طرقه، فلم أستتم المسألة حتى قال:(إذا أرفت الحدود) والأرف: المعالم، يريد: إذا بينت الحدود وعينت المعالم، ميزت فلا شفعة.

فهذه الواقعة تدل على مدى اهتمام المحدثين بدراية الحديث، وتحديد المطلوب، وتدل أيضا على أمانة أهل اللغة؛ إذ لم يتكلم فيها إمام أهل اللغة في زمانه ابن جني رحمه الله تعالى.

ص: 287