الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الإجماع:
فقال ابن المنذر: وأجمعوا على أن صريح الظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي. وأجمعوا على أن ظهار العبد مثل ظهار الحر (1).
وأما حكمه الوضعي: فصحيح، وتترتب عليه آثاره وأحكامه، إذا توفرت فيه شروط صحته الآتي بيانها.
(1) الإجماع ص 105، ومراتب الإجماع لابن حزم ص 81، والإفصاح 2/ 63، وبداية المجتهد 2/ 105.
المبحث الأول: شروط صحة الظهار
وفيه مطالب:
المطلب الأول: شرط كون المظاهر زوجا
وعلى هذا فلا يصح الظهار من السيد لأمته. وهذا قول جمهور أهل العلم.
وحجة هذا القول:
1 -
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (1) فالله عز وجل
(1) سورة المجادلة الآية 3
أناط حكمه بالنساء، ومطلقه ينصرف إلى الزوجات، كقوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (1).
قال ابن عبد البر: وقد أجمعت الأمة أن ليس إيلاء الرجل من أمته بإيلاء، وأنها يمين لا حكم لها إلا الكفارة كسائر الأيمان.
2 -
ولأنه لفظ تعلق به تحريم الزوجة، فلا تحرم به الأمة كالطلاق (2).
3 -
أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية، فنقل حكمه، وبقي محله وهو الزوجة، فلما لم يصح طلاق الأمة لم يصح الظهار منها (3).
4 -
أنه لا يلحق الأمة طلاق، ولا إيلاء، ولا لعان، فكذلك لا يلحقها ظهار (4).
5 -
أن اليمين تقع على كل شيء، والظهار لا يقع على كل شيء، فكان في قسم ما يقع على الزوجات كالطلاق واللعان (5).
(1) سورة البقرة الآية 226
(2)
مغني المحتاج 3/ 352، ونهاية المحتاج 7/ 82.
(3)
أحكام القرآن للجصاص 3/ 422، الشرح الكبير مع الإنصاف 23/ 251.
(4)
الاستذكار 17/ 140، 140.
(5)
الاستذكار 17/ 140، 140.
القول الثاني: أنه يصح الظهار من السيد لأمته، إذا كانت مدبرة، أو أم ولد. بخلاف المبعضة، ومن علق عتقها على أجل، وكذا الأمة، فلا يصح الظهار منهن.
وهذا هو المشهور عن المالكية، وبه قال الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسعيد بن المسيب، وقتادة، ومجاهد (1).
(1) انظر: مصنف عبد الرزاق 6/ 442، والمحلي 10/ 50، والاستذكار 17/ 139.
وحجة هذا القول:
1 -
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} (1).
والأمة من نسائه، بدليل قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (2)، ولذلك حرمن؛ لأنهن أمهات أزواج قبل الدخول (3).
قال ابن العربي المالكي في قول مالك وأصحابه: بصحة الظهار من الأمة: وهي مسألة عسيرة علينا؛ لأن مالكا يقول: إذا قال لأمته: أنت علي حرام لا يلزم - أي يكون لغوا - فكيف يبطل فيها صريح التحريم، وتصح كنايته، ولكن تدخل الأمة في عموم قوله:{مِنْ نِسَائِهِمْ} (4) لأنه أراد من محللاتهم، والمعنى فيه: أنه لفظ يتعلق بالبضع دون رفع العقد، فصح في الأمة، أصله الحلف بالله تعالى.
ونوقش من وجوه:
الوجه الأول: قول ابن عبد البر: أما احتجاجهم بظاهر قول الله عز وجل: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (5) فإن النساء تحرم أمهاتهن بالعقد
(1) سورة المجادلة الآية 2
(2)
سورة النساء الآية 23
(3)
الاستذكار 17/ 140.
(4)
سورة المجادلة الآية 2
(5)
سورة النساء الآية 23
عليهن قبل الدخول، وليس كذلك الإماء؛ لأنهن لا تحرم أمهاتهن إلا بالدخول.
الوجه الثاني: قول الشافعي: وكذلك قال الله تبارك وتعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (1) فلو آلى من أمته لم يلزمه الإيلاء، وكذلك قال:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (2) وليست من الأزواج، فلو رماها لم يلتعن؛ لأنا عقلنا عن الله عز وجل أنها ليست من نسائنا، وإنما نساؤنا أزواجنا، ولو جاز أن يلزم واحدا من هذه الأحكام لزمها كلها؛ لأن ذكر الله عز وجل لها واحد (3).
الوجه الثالث: أنه لا يسلم أن الأمة من نسائه، بل من ماله.
2 -
ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يفتدى في الأمة، كما يفتدى في الحرة (4).
ونوقش من وجهين:
الأول: عدم ثبوته.
الثاني: عدم صراحته.
3 -
ولأنها مباحة، فصح الظهار منها كالزوجة (5).
ونوقش: بأن مقتضى هذا الدليل إلحاق الأمة بالزوجة، وقد سبق مناقشته في الدليل الأول.
(1) سورة البقرة الآية 226
(2)
سورة النور الآية 6
(3)
الأم 5/ 277.
(4)
في المدونة 2/ 297 ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(5)
المغني 11/ 65.
4 -
ولأنه لفظ يتعلق بتحريم البضع دون رفع العقد فصح في الأمة أصله اليمين بالله (1).
ونوقش: بالفرق بين اليمين والظهار كما في أدلة الجمهور.
قال ابن رشد: " سبب الخلاف معارضة قياس الشبه للعموم. . . عموم اللفظ يقتضي دخول الإماء، وتشبيهه بالإيلاء يقتضي خروجهن من الظهار "(2).
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ لقوة ما استدلوا به، ولظهور الفرق بين الزوجة والأمة.
الشرط الثاني: أن يكون الزوج يمكن وطؤه:
فإذا كان لا يمكن وطؤه كالمجبوب - وهو مقطوع الذكر - ونحوه، فلا يصح ظهاره.
وهو قول أصبغ، وسحنون من المالكية (3).
(1) الإشراف 2/ 146.
(2)
بداية المجتهد 2/ 118.
(3)
الشرح الكبير للدردير 2/ 441، 442.