الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأجل ترويجه بأخطائه المعرفية والمنهجية المتعمدة.
المطلب الثاني: مميزات كتابات المستشرقين عن التفسير
انطبعت هذه الكتابات بمجموعة من المميزات ناتجة بالخصوص عن سببين اثنين:
الأول: يتعلق بالمنطلقات المنهجية التي ابتدأ منها اهتمام المستشرق بالتفسير، وتشكل تبعا لها تصوره عن القرآن وتفسيره لهذا الكتاب.
السبب الثاني: الأغراض والغايات التي لأجلها وقع هذا الاهتمام، فهي ليست بالضرورة أغراض دعوية أو غايات هدائية. .
اعتبارا لتلك المنطلقات والأغراض وجدنا كتابات المستشرقين عن التفسير تنحو دائما في اتجاه واحد وإن اختلفت سبلها.
ففي بداية القرن العشرين اتجه المستشرقون إلى تأصيل الاتجاهات المنحرفة في التفسير ضمن تاريخ هذا العلم باعتبارها إسهامات قديمة سابقة حتى يفتحوا الطريق لإضافة هرطقاتهم أيضا لعلم التفسير؛ ولا زال بعضهم يسعى لهذا التأصيل.
وفي منتصف هذا القرن- لما فشلت المحاولة الأولى- اتجهت جهود المستشرقين لتبني بدعة مستحدثة، وهي الدعوة إلى إعادة تفسير القرآن اعتمادا على معطيات العلوم الإنسانية بالغرب بخاصة (علم
دراسة المجتمعات البدائية).
وحين نرجع لمختلف كتاباتهم عن موضوع التفسير نجدها قد انطبعت بمجموعة من المميزات ظهرت بجلاء رغم تمسك بعضهم بإضفاء الطابع العلمي المجرد على هذه الكتابات.
1 -
الميزة الأولى لكتابات المستشرقين عن التفسير هي (الانتقائية)، والأصل أن الدراسات والبحوث الإنسانية جمعاء تعتمد على التتبع، ثم الجمع، ثم الاستقراء واستخلاص النتائج؛ أما كتابات المستشرقين عن التفسير، فهي تنطلق من تصور اقتنع به المستشرق أو أراده، ثم يسعى جاهدا من أجل تقريره وتدعيمه حتى يصبح (حقيقة علمية)، وفي سعيه لذلك يلجأ لأي معطيات يقع عليها حتى ولو كانت لا أصل لها.
2 -
الميزة الثانية (الذاتية)، ومردها إلى تأثير الخلفية الدينية للمستشرق في كتاباته، فمعتقد المستشرقين أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، فيكتبون عنه باعتباره أثرا من الآثار الأدبية العربية، ولو وقع أن نظر المستشرق في القرآن بعد أن تجرد من خلفيته اليهودية أو النصرانية، لحصل له مثل ما كان يحدث لأهل مكة الذين لم يعمهم التعصب زمن النبوة، فقد كان تجردهم يبصرهم بحقيقة القرآن، هذا بطبيعة الحال مع اعتبار جهل المستشرقين باللسان العربي المبين.
3 -
الميزة الثالثة (السطحية)، أي فقدان أي عمق علمي أو
معرفي، وقد برزت هذه السطحية على مستوى مضمون كتابات المستشرقين عن التفسير وعلى مستوى المنهج.
فعلى مستوى المضمون لا تكاد هذه الكتابات تخفي فقرها المعرفي، وتجاهلها لبدهيات العلم، هذا دون الكلام عن إهمالها الرجوع إلى المصادر المتراكمة باللغة العربية.
أما على مستوى المنهج فقد كرس هذه السطحية حرص المستشرقين على (دراسة) تفسير القرآن بمناهج غريبة عن هذا العلم استعاروها من خارج التراث العلمي الذي يهتمون به، فكان من نتيجة ذلك أنهم لم يستوعبوا علم التفسير، ولم يستطيعوا أن يفهموا مناهج وطرق المفسرين.
4 -
الميزة الرابعة (الانقطاع)، ويظهر ذلك من خلال مختلف المشروعات التي يطرحها المستشرق، (أو لفيف من المستشرقين)؛ فرغم اتفاقهم في المرحلة الأخيرة على إعادة تفسير القرآن اعتمادا على مختلف العلوم الإنسانية، إلا أن السبل تشعبت بهم بعد ذلك بسبب
تعدد هذه العلوم واختلاف مجالاتها ثم توسعها الكبير خلال العقود الأخيرة، واعتبارا لهذا التوسع فإن الكلام عن تفسير يعتمد معطيات هذه العلوم هو ضرب من الخيال ومحاولة متعمدة لدفع تفسير القرآن إلى فضاء التيه حتى يغدو كتاب الله محتملا لكل ضلال.
وقد تجلت ميزة (الانقطاع) بوضوح من خلال مختلف كتابات المستشرقين، فلو قدر لنا اليوم أن نجمع مختلف ما نشره هؤلاء عن الموضوع فسنجد أنفسنا أمام سديم من (الإنشائيات) التي لا يجمع بينها شيء، خلا تلك الدعوة إلى إعادة النظر في التفسير. . هذا بإجمال أهم ما ميز كتابات المستشرقين عن التفسير، وإذا نظرنا إليه بعين الإنصاف ألفينا المميزات السابقة نقائص أو سلبيات أثرت على القيمة العلمية لهذه الكتابات، فكان حريا بها تبعا لذلك أن تظل محصورة في دوائر وأكاديميات المستشرقين وأذنابهم من المسلمين الذين لم نتعرض لهم، واليوم لا نصادف في العالم الإسلامي أثرا لتلك الدعوة التي انطلقت قبل نصف قرن من أجل تفسير يعتمد