الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ارتفع) (1).، فالخليل قد استشهد للعلو والارتفاع بهذه الآية ولو كان معناها القصد أو نحوه لما ساغ الاستشهاد بها، هذه أقوال أهل العلم في تفسير الاستواء المعدى بإلى أنه العلو.
(فإن قيل: إذا كان الله لا يزال عاليا على المخلوقات. . . فكيف يقال: ثم ارتفع إلى السماء وهي دخان؟ أو يقال ثم علا على العرش؟
قيل: هذا كما أخبر أنه ينزل إلى السماء الدنيا ثم يصعد وروي ثم يعرج وهو سبحانه لم يزل فوق العرش فإن صعوده من جنس نزوله وإذا كان في نزوله لم يصر شيء من المخلوقات فوقه فهو سبحانه يصعد وإن لم يكن منها شيء فوقه) (2).
(1) العلو للذهبي 118، التمهيد لابن عبد البر 7/ 132.
(2)
الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 5/ 521.
الفصل الثاني:
المبحث الأول:
مذهب أهل السنة والجماعة في استواء الله على عرشه
.
مذهب أهل السنة في الاستواء كمذهبهم في سائر صفات الله عز وجل يثبتون لله عز وجل ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم وينفون عنه ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ويسكتون عما سكت الله عنه أو سكت عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وباعتصامهم بكتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم سلموا من التمثيل والتعطيل والتحريف والتكييف، فهم يجمعون بين الإثبات والتنزيه، إثبات ما أثبته الله عز وجل ونفي ما ينزه عنه الرب عز وجل من النقص والتمثيل بالمخلوقات، يحملون الصفات على الحقيقة التي تليق بجلال الله عز وجل، وقد حكى إجماعهم الحافظ ابن عبد البر فقال:(أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة)(1).
وعلى هذا المنوال مذهبهم في الاستواء: أن علوه جل وعلا على العرش كما يليق بجلاله عز وجل من غير تمثيل، وهذا متفق عليه عندهم ينقله المتأخر عن المتقدم ويقرره من بالمشرق ومن بالغرب وهم وإن تعددت مدارسهم الفقهية وتباعدت بلدانهم فقولهم فيه واحد.
وقد حكى اتفاقهم غير واحد من أهل العلم منهم:
1 -
إسحاق بن راهويه:
(1) التمهيد لابن عبد البر 7/ 145.
(قال: قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة) (2).
2 -
إسماعيل بن محمد الأصبهاني:
قال: (قال أهل السنة: الاستواء هو العلو)(3).
ومن أقوال أهل السنة في تفسير الاستواء:
أ- قول محمد بن إسحاق بن خزيمة: قال في كتاب التوحيد: (باب ذكر استواء خالقنا العلي الأعلى الفعال لما يشاء، على عرشه فكان فوقه وفوق كل شيء عاليا كما أخبر الله جل وعلا في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (4) وقال ربنا عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (5) وقال في تنزيل السجدة: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (6) وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (7)
(1) سورة طه الآية 5
(2)
درء تعارض العقل والنقل 2/ 34، العلو للذهبي 132.
(3)
الحجة في بيان المحجة 2/ 258.
(4)
سورة طه الآية 5
(5)
سورة الأعراف الآية 54
(6)
سورة السجدة الآية 4
(7)
سورة هود الآية 7
فنحن نؤمن بخبر الله جل وعلا: أن خالقنا مستو على عرشه، لا نبدل كلام الله ولا نقول قولا غير الذي قيل لنا، كما قالت المعطلة الجهمية: إنه استولى على عرشه لا استوى، فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم، كفعل اليهود لما أمروا أن يقولوا: حطة فقالوا: حنطة، مخالفين لأمر الله جل وعلا كذلك الجهمية) (1).
2 -
قول الحافظ ابن عبد البر إمام أهل الأندلس: والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه. وقال: الاستواء الاستقرار في العلو وإذا خاطبنا الله عز وجل وقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} (2) وقال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} (3). وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} (4). (5).
وهذا التفسير للاستواء معروف عنهم ومشهور منذ زمن متقدم لم يظهر نتيجة لخلاف أهل الأهواء، وممن روي عنه مجاهد بن جبر أحد
(1) التوحيد 1/ 321.
(2)
سورة الزخرف الآية 13
(3)
سورة هود الآية 44
(4)
سورة المؤمنون الآية 28
(5)
التمهيد 7/ 131.
أعيان التابعين ومشاهيرهم وأحد تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه، فقد جاء في صحيح البخاري قال مجاهد: استوى: علا على العرش (1)، ومن معتقد أهل السنة أن الاستواء من الصفات الاختيارية التي يفعلها من شاء فهو جل وعلا شاء الاستواء بعد أن خلق السماوات والأرض كما جاء في الآيات السابقة.
(فإن قيل: فإذا كان إنما استوى على العرش بعد أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام فقبل ذلك لم يكن على العرش؟
قيل: الاستواء علو خاص فكل مستو على شيء عال عليه وليس كل عال على شيء مستويا عليه، ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليا على غيره: إنه مستو عليه واستوى عليه ولكن كل ما قيل فيه: إنه استوى على غيره فإنه عال عليه. والذي أخبر الله أنه كان بعد خلق السماوات والأرض: الاستواء لا مطلق العلو مع أنه يجوز أنه كان مستويا عليه قبل خلق السماوات والأرض لما كان عرشه على الماء ثم لما خلق هذا العالم كان عاليا عليه ولم يكن مستويا عليه فلما خلق هذا العالم استوى عليه فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى. بمشيئته وقدرته ولهذا قال فيه:{ثُمَّ اسْتَوَى} (2) ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر.
(1) صحيح البخاري كتاب (التوحيد) باب (وكان عرشه على الماء).
(2)
سورة الأعراف الآية 54
وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع) (1).
وما يروى عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) على جميع بريته فلا يخلو منه مكان فهو باطل، قال الحافظ ابن عبد البر:(فالجواب عن هذا أن هذا حديث منكر عن ابن عباس ونقلته مجهولون ضعفاء " (3)، ويوافق أهل السنة في تفسير الاستواء المعدى بعلى بالعلو بعض المتقدمين من الكلابية والأشعرية قال البيهقي: (وذهب أبو الحسن علي بن محمد الطبري في آخرين من أهل النظر إلى أن الله تعالى في السماء فوق كل شيء مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه ومعنى الاستواء الاعتلاء كما يقول: استويت على ظهر الدابة واستويت على السطح بمعنى علوته واستوت الشمس على رأسي واستوى الطير على قمة رأسي بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي.
وقال: وحكى الأستاذ أبو بكر بن فورك هذه الطريقة عن
(1) الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 5/ 522، 523.
(2)
سورة طه الآية 5
(3)
التمهيد لابن عبد البر 7/ 132.
بعض أصحابنا أنه قال: استوى بمعنى علا) (1).
وقال عبد القاهر بن طاهر التميمي: (. . . ومنهم من قال: إن استواءه على العرش كونه فوق العرش بلا مماسة وهذا قول القلانسي وعبد الله بن سعيد ذكره في كتاب الصفات)(2)، وهؤلاء وإن وافقوا أهل السنة في تفسير الاستواء إلا أنهم يرونه صفة لازمة لا تتعلق بالمشيئة ولهذا يقولون: الاستواء صفة ذات (3)، وهذا خلاف مذهب أهل السنة القائلين بأن الاستواء صفة اختيارية يفعلها الله متى شاء فهي عندهم متعلقة بالمشيئة.
(1) الأسماء والصفات 517، 518.
(2)
أصول الدين 113.
(3)
انظر: الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 5/ 410، وفتح الباري 13/ 417.