الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم- عبد الله بن عباس 68 هـ- رضي الله عنهما على أن هذا النوع من الدراسة التفسيرية يتطلب منا أن نطرح من جديد السؤال عن العلاقة بين ما هو واقعي حقيقي، وما كان من إبداع المخيلة، كما سبق أن طرح ذلك في مجال دراسة المجتمعات البدائية (الأنثروبولوجيا)، والتاريخ الوسيط والقديم بالغرب.
انطلاقا من هذا الموقف الاستشراقي الذي لا يكاد يخفي فساد طويته وخلفياته، يدرك الدارس الموضوعي أن الهدف النهائي من عملية نقد التفسير عند المستشرقين هو الطعن في جانب من السنة المشرفة (أحاديث التفسير)، والنيل من عدالة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يفتح الباب على مصراعيه من أجل تبني هرطقات المبتدعة المنسوبة للتفسير، وهذا بحق هو جوهر الدراسة الاستشراقية للتفسير، كما سيأتي توضيحه في المطلب اللاحق.
المطلب الثالث: تبني المستشرقين الدعوة لإعادة تفسير القرآن
تفسير القرآن علم له قواعده وآدابه وأصوله، ولا يمكن أن نجد
علما من العلوم- سواء كان يهتم بالدين أو لا علاقة له بموضوعه يخرج عن هذا الأصل العام في المعارف الإنسانية قاطبة.
كما أنه لا يوجد مجال في هذه الدراسة للإلماح إلى أصول علم التفسير وقواعده، لذلك نكتفي بالتأكيد والتذكير بهذه الأصول التي تطلب في مظانها المختلفة.
والحركة الاستشراقية المعاصرة حين أرادت الخوض في تفسير القرآن لم تكن تغفل هذا الموضوع، لكنها أرادت أن تتجاوزه ظهريا عن طريق الالتواء على هذه الأصول العلمية بدعوى الاستفادة - بدلا من ذلك- من معطيات العلوم الإنسانية بالغرب، وتبعا لهذه الدعوى تأسس منهج تفسير القرآن عند المستشرقين ابتداء من منتصف القرن العشرين على هذه المعطيات التي سبق للدوائر العلمانية، (والتيارات اللادينية) في الغرب أن أخضعت لها تراثها الديني المحرف.
"إن تطور الدراسات القرآنية بالغرب في أواسط القرن العشرين قد حدث تحت تأثير التقدم الملحوظ في تفسير (الكتاب المقدس)، وتأثير النظريات الأدبية، إن أثر العلوم الإنسانية، وبخاصة علم دراسة المجتمعات البدائية (الأنثروبولوجيا)، وعلم تاريخ الأديان
بدأ ذلك الأثر يظهر في مجال تفسير القرآن بالغرب: مثل البحث عن دور الشعارات والرموز الدينية، ودور الوجدان الديني، ودور الأساطير المرتبطة بالدين. . .، ويمكننا أن نميز بين اتجاهين حديثين ظهرا في ميدان التفسير: الأول اهتم بتاريخ المصحف وتكوينه وجمعه وتحريره.
الاتجاه الثاني: اهتم بإعادة تفسير القرآن عن طريق الاستفادة من الآليات التي توفرها مختلف العلوم الإنسانية، كما يتمسك هذا الاتجاه أيضا بالدراسة النقدية لأمهات التفاسير القديمة، هذه الأخيرة التي تعتبر شاهدا على الطريقة التي تم بها التفاعل مع النص القرآني من أجل تشكيل الوجدان (التصور) الإسلامي في مراحل عدة من التاريخ، وهذا يعني أن الدراسة النقدية لهذه التفاسير تهدف إلى معرفة الطريقة التي تم بها تصور الإسلام، وكيف جاء هذا الدين، وأخيرا كيف تم تخيله في تصور المسلمين ووجدانهم (1).
والذي يظهر من خلال هذا النص أن المعتقد الذي يسعى المستشرقون لأجل تكريسه من خلال منهجهم المقترح لإعادة تفسير كتاب الله ينبني على ما يلي:
أولا: أن القرآن الكريم إنما هو مجرد تلفيق من مصادر عدة استقى منها محمد صلى الله عليه وسلم ما جاء به أمته، وفي بحث المستشرقين عن الكيفية التي جاء بها هذا الكتاب ومصدره، تشعبت
(1) Gilliot، les recherches contemporaines، in Ency. Uni. Cor 6. P 547. .
بهم الأراجيف، ولم يتفقوا على مصدر بعينه (1).
ثانيا: أن أحكام القرآن إنما هي مجموعة من التشريعات أدرجها فقهاء الإسلام ضمن تفاسيرهم دون أن تكون لها علاقة به، ومن ثم وجد ذلك التصور الذي ينظر إلى دلالة الآيات على أنها أحكام ملزمة، وهي في التصور الاستشراقي غريبة عن القرآن كما ظهر ذلك في كتابات جوزيف شاخت ت 1969م الذي أنفق عمره لهذه الغاية.
ثالثا: أن ما يعتقده المسلمون، ويتصورونه بخصوص موضوع القرآن وتفسيره إنما تم تكريسه بواسطة تلك الأحاديث المسندة التي تنتهي إلى طائفة من الصحابة الذين اختلقت لكل واحد منهم سيرة أسطورية تسمو به في نظر المسلمين.
والكتابات الاستشراقية عن التفسير تريد أن تسقط عدالة الصحابة رضي الله عنهم حتى يسهل عليها الطعن في إسناد أحاديث التفسير، كما تبحث- عبثا- عن وسيلة لقطع الصلة بين القرآن وأحكامه، هذا- بطبيعة الحال- بعد إنجاز الخطوة الأولى التي هي إعادة النظر في تشكيل وجمع المصحف نفسه!!!
(1) سبق أن جمعت مختلف أراجيفهم في الموضوع ضمن دراسة توثيقية يسر الله نشرها قريبا