الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني أنه يصح الظهار من الزوجة، وإن كان لا يمكن وطؤها.
وهذا هو مذهب الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
وحجة هذا القول:
1 -
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} (5)، وهذا عام يشمل الزوجة التي يمكن وطؤها، والتي لا يمكن وطؤها.
2 -
أنها زوجة يصح طلاقها، فصح الظهار منها كغيرها (6).
الترجيح:
يترجح - والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من عدم اشتراط إمكان الوطء؛ لعموم الآية.
(1) بدائع الصنائع 3/ 233.
(2)
المدونة 2/ 303، والشرح الكبير للدردير وحاشية 2/ 443، وجواهر الإكليل 3/ 115.
(3)
روضة الطالبين 8/ 261، مغني المحتاج 3/ 353، ونهاية المحتاج 7/ 82.
(4)
المغني 11/ 57، والمبدع 8/ 41.
(5)
سورة المجادلة الآية 2
(6)
الشرح الكبير مع الإنصاف 23/ 250.
المطلب الثامن: كون المشبه به محلا للاستمتاع عادة
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تشبيه الزوجة بظهر ذكر
مثل أن يقول الزوج لزوجته: أنت علي كظهر أبي، أو ابني، أو غيرهما من الرجال. فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يكون ظهارا.
وهذا مذهب الحنفية (1)، والشافعية (2)، ورواية عن الإمام أحمد (3).
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (4).
وظهر الأب والابن ليس أما ولا في معناها.
2 -
أنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع، فأشبه ما لو قال: أنت علي كمال زيد (5).
القول الثاني: أنه ظهار.
وهو مذهب المالكية (6)، والحنابلة (7).
وحجة هذا القول: أنه شبهها بظهر من تحرم عليه على التأبيد أشبه الأم (8).
(1) بدائع الصنائع 3/ 231، وفتح القدير 4/ 85، والدر المختار 3/ 467.
(2)
الأم 5/ 278، وإعانة الطالبين 4/ 37، ومغني المحتاج 3/ 354.
(3)
الشرح الكبير مع الإنصاف 23/ 238، والفروع 5/ 492، وشرح المنتهى 3/ 199.
(4)
سورة المجادلة الآية 2
(5)
المغني 11/ 63.
(6)
التفريع 2/ 94، والإشراف 2/ 147، وأحكام القرآن للقرطبي 17/ 275، والشرح الصغير 1/ 485.
(7)
المغني 11/ 63، والشرح الكبير مع الإنصاف 23/ 237، والمبدع 8/ 33.
(8)
المغني 11/ 63.
ونوقش هذا الاستدلال: بالفرق؛ إذ الأم محل للاستمتاع، دون الأب ونحوه.
الترجيح:
يترجح - والله أعلم - قول من قال بأنه ليس ظهارا.
قال الشنقيطي: رحمه الله: " الذي يظهر جريان هذه المسألة على مسألة أصولية، فيها لأهل الأصول ثلاثة مذاهب، وهي في حكم ما إذا دار اللفظ بين الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية على أيهما يحمل؟ والصحيح عند جماعات من الأصوليين: أن اللفظ يحمل على الحقيقة الشرعية أولا إن كانت له حقيقة شرعية، ثم إن لم تكن شرعية حمل على العرفية، ثم اللغوية، وعن أبي حنيفة (1): أنه يحمل على اللغوية قبل العرفية؛ لأن العرفية وإن ترجحت بغلبة الاستعمال، فإن الحقيقة اللغوية مترجحة بأصل الوضع.
والقول الثالث: أنه لا تقدم إحداهما على الأخرى، بل يحكم باستوائهما، فيكون اللفظ مجملا لاستواء الاحتمالين فيها، فيحتاج إلى بيان المقصود من الاحتمالين بنية أو دليل خارج، وإذا علمت ذلك فاعلم: أن قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أبي مثلا لا ينصرف في الحقيقة العرفية إلى الاستمتاع بالوطء أو مقدماته؛ لأن العرف ليس فيه استمتاع بالذكور فلا يكون فيه ظهار، وأما على تقديم الحقيقة اللغوية فمطلق تشبيه الزوجة بمحرم ولو ذكرا يقتضي
(1) ينظر: بدائع الصنائع 3/ 36، 40.
التحريم فيكون بمقتضى اللغة له حكم الظهار " (1).
وعلى هذا فإن نوى بهذا اللفظ الظهار، أو لم ينو شيئا، فكفارة يمين، وإن نوى الطلاق، فطلقة؛ لما تقدم في المطلب السابق.
المسألة الثانية: تشبيه الزوجة بظهر بهيمة
كأن يقول لزوجته: أنت علي كظهر البهيمة، أو دابتي.
فللعلماء في ذلك قولان:
القول الأول: أنه لا يكون ظهارا.
وهو قول جمهور أهل العلم.
وحجة هذا القول:
1 -
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (2).
2 -
أن ظهر البهيمة ليس محلا للاستمتاع، فلم يكن تشبيه الزوجة به ظهارا.
القول الثاني: أنه ظهار.
وهو مذهب المالكية (3).
(1) أضواء البيان 6/ 522.
(2)
سورة المجادلة الآية 2
(3)
التفريغ 2/ 94.
وحجته: أن حقيقة الظهار تشبيه ظهر بظهر، والموجب للحكم منه تشبيه ظهر محلل بظهر محرم.
ونوقش: بعدم التسليم أن الظهار مجرد تشبيه ظهر بظهر، بل تشبيهه بظهر مخصوص، فلا يشمل كل ظهر (1).
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - قول جمهور أهل العلم؛ إذ ظهر البهيمة ليس محلا للاستمتاع.
فرع:
ولا يشترط تكليف الزوجة، ولا إسلامها، ولا حريتها، ولا طهارتها، ولا الدخول بها. فيصح الظهار من الصغيرة، والمجنونة، والكتابية والأمة، وغير المدخول بها. وكذا الحائض، والنفساء. وكذا يصح الظهار من الرجعية، والمحرمة بحج أو عمرة.
ودليل ذلك: ما تقدم من الدليل على صحة الظهار من كل زوجة أمكن وطؤها، أم لا.
فرع: في ظهار الأخرس:
يصح الظهار من كل زوج يصح طلاقه.
(1) انظر: ص 366.