الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هكذا جاءت أقوال المخالفين مضطربة متناقضة عارية من الدليل الصحيح مع زعمهم أنهم يستدلون بالبراهين اليقينية والأدلة القطعية وكل صاحب قول يزعم أن الأدلة والبراهين القطعية معه، ولقائل أن يقول: الدليل القطعي مع من؟
هل مع صاحب القول الأول أو الثاني أو. . .؟
والعجب منهم أنهم إذا استدل عليهم بالقرآن أو بالسنة قالوا: ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات العقلية (1).
ويقولون عن السنة: أخبار آحاد لا تفيد العلم (2).
وكثير منهم كما سبق يستدلون بقول الشاعر قد استوى بشر. . . فهل هذا البيت مقطوع بثبوته عندهم؟
ولم لا يكون ظنيا وهو نقلي كما قالوا في القرآن والسنة؟
وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حينما قال:
قبحا لمن نبذ القرآن وراءه
…
وإذا استدل يقول قال الأخطل (3)(4)
(1) انظر: المواقف 272، شرح المقاصد 4/ 50.
(2)
الإرشاد للجويني 150.
(3)
غياث بن غوث التغلبي النصراني الشاعر المعروف بالأخطل. السير 4/ 589.
(4)
اللآلئ البهية في شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية ص 60.
المبحث الثاني: الرد على المخالفين
يجاب عن القول الأول:
1 -
بأن أهل اللغة قد أنكروا هذا التفسير فلا يعرف في لغة العرب أن
استوى على الشيء بمعنى استولى عليه وبينوا أن معناه علا، قال داود بن علي: كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) فقال: هو على عرشه كما أخبر عز وجل فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه إنما معناه استولى، فقال: اسكت ما أنت وهذا لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد فإذا غلب أحدهما قيل: استولى أما سمعت النابغة:
ألا لمثلك أو من أنت سابقه
…
سبق الجواد إذا استولى على الأمد (2)
وقال محمد بن أحمد بن النضر: (كان أبو عبد الله ابن الأعرابي جارنا وكان ليله أحسن ليل، وذكر لنا أن ابن أبي دؤاد سأله: أتعرف في اللغة استوى بمعنى استولى فقال: لا أعرفه)(3).
قال الخطابي: (ولو كان الاستواء هاهنا بمعنى الاستيلاء
(1) سورة طه الآية 5
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/ 399، تاريخ بغداد 5/ 284، لسان العرب 14/ 414.
(3)
تاريخ بغداد 5/ 283.
لكان الكلام عديم الفائدة؛ لأن الله تعالى قد أحاط علمه وقدرته بكل شيء وكل قطر وبقعة من السماوات والأراضين وتحت العرش، فما معنى تخصيصه العرش بالذكر، ثم إن الاستيلاء إنما يتحقق معناه عند المنع من الشيء فإذا وقع الظفر به قيل: استولى عليه فأي منع كان هناك حتى يوصف بالاستيلاء بعده) (1).
قال ابن القيم بعد ذكره للمعاني الصحيحة للاستواء: (هذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم ليس فيها معنى استولى ولا نقله أحد من أئمة اللغة الذين يعتمد قولهم، وإنما قاله متأخرو النحاة ممن سلك طريق المعتزلة والجهمية)(2).
فالمعنى الصحيح للاستواء عند أهل اللغة أنه العلو كما قال ابن الأعرابي: هو على عرشه كما أخبر، وقال الأخفش موضحا معناه:(استوى أي: علا، ويقول: استويت فوق الدابة وعلى ظهر الدابة أي علوته)(3).
2 -
(أنه لو كان الاستواء بمعنى الملك والقهر لجاز أن يقال: استوى على ابن آدم وعلى الجبل وعلى الشمس والقمر وعلى البحر والشجر والدواب وهذا لا يطلقه مسلم)(4).
(1) مختصر الصواعق المرسلة 307.
(2)
مختصر الصواعق المرسلة 306.
(3)
تهذيب اللغة 13/ 125.
(4)
مختصر الصواعق 315.
3 -
أن هذا التأويل يوجب أنه عز وجل قبل خلق السماوات والأرض لم يكن مستوليا على العرش وهذا باطل (1).
وأما احتجاجهم ببيت الشاعر فالجواب عنه:
1 -
أنه بيت منحول لم يعرفه أهل اللغة المتقدمون ولم يذكروه في كتبهم (2)، ولذا أنكره غير واحد من أهل العلم.
قال الخطابي: زعم بعضهم أن معنى الاستواء هاهنا الاستيلاء ونزع فيه إلى بيت مجهول لم يقله شاعر معروف يصح الاحتجاج بقوله (3).
قال ابن الجوزي: " والبيتان لا يعرف قائلهما كذا قال ابن فارس اللغوي) (4).
قال ابن القيم: غير معروف في شيء من دواوين العرب وأشعارهم التي يرجع إليها (5)، وقد نسب هذا البيت إلى الأخطل، نسبه ابن كثير في البداية والنهاية (6)، وبحثت عنه في ديوان
(1) انظر: أصول الدين للبغدادي 112.
(2)
انظر: العين للخليل بن أحمد 7/ 325، وتهذيب اللغة للأزهري 13/ 124.
(3)
مختصر الصواعق المرسلة 307، طبقات الشافعية لابن الصلاح 1/ 470.
(4)
زاد المسير لابن الجوزي 3/ 213
(5)
مختصر الصواعق المرسلة 312.
(6)
البداية والنهاية 9/ 273.
الأخطل المطبوع بشرح إيليا سليم الحاوي فلم أجده.
2 -
ومن أهل العلم من يرى أن: هذا البيت محرف وإنما هو بشر قد استولى على العراق (1).
3 -
ولو صح هذا البيت وسلم من التحريف فليس فيه دلالة على ما يزعمون وإنما المراد أن بشر بن مروان علا على عرش العراق كما هي عادة الملوك ونوابها أن يجلسوا فوق سرير الملك فيكون هذا المعنى مطابقا لما ورد في اللغة وفي كتاب الله تعالى مثل قوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} (2) وقوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} (3).
(1) مختصر الصواعق 312.
(2)
سورة الزخرف الآية 13
(3)
سورة هود الآية 44
ولا يصح تفسيره بالاستيلاء لأن الذي استولى على العراق هو عبد الملك بن مروان وليس بشرا (1).
وأما الجواب عن تفسيرهم العرش بالملك فيقال: هناك نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تبطل تفسير العرش بالملك منها قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (2)، وقوله:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش (4)» .
قال ابن الجوزي: (وقد شذ قوم فقالوا: العرش بمعنى الملك. وهذا عدول عن الحقيقة إلى التجوز مع مخالفة الأثر، ألم يسمعوا قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (5) أتراه كان الملك على الماء (6).
وقال الذهبي: (فالقرآن مشحون بذكر العرش، وكذلك الآثار بما يمنع أن يكون المراد به الملك، فدع المكابرة والمراء فإن المراء في القرآن كفر)(7).
4 -
لو صح تفسير العرش بالملك في موضع فلا يلزم أنه في المواضع
(1) انظر: مختصر الصواعق 312.
(2)
سورة الحاقة الآية 17
(3)
سورة هود الآية 7
(4)
صحيح البخاري كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء.
(5)
سورة هود الآية 7
(6)
زاد المسير لابن الجوزي 3/ 213.
(7)
العلو للذهبي 58.
الأخرى كذلك فإذا صح في هذا الموضع فلا يصح في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (1) وقوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن (3)» .
وأما الجواب عن القول المنسوب إلى أبي الحسن الأشعري أنه فعل فعله في العرش، فيقال:
1 -
هذا التفسير لا يعرف في الشرع ولا في اللغة ولهذا لم يستدل له قائله بشيء من هذا.
2 -
مما يوضح بطلانه وعدم صحته عدول أصحاب أبي الحسن الأشعري والمنتسبين له عنه فلا نجد من يأخذ به ممن ينتمي للأشعري، وأما الجواب عن قولهم: إنه صفة لله بنفي الاعوجاج عنه فيقال: هذا التفسير باطل ليس عليه دليل من الكتاب ولا من السنة ولا من لغة العرب، هذه أقوال العلماء والمعتنين ببيان مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيها أن استواء الله عز وجل على عرشه: أنه صفة لله بنفي الاعوجاج وكذلك أقوال أهل اللغة ليس فيها هذا التفسير، وأما الجواب عن تفسيرهم الاستواء بأنه أقبل على خلق. . . وهذا باطل من وجوه:
1 -
أن الاستواء المعدى بعلى في جميع المواضع التي وردت في القرآن
(1) سورة الحاقة الآية 17
(2)
سورة هود الآية 7
(3)
صحيح البخاري كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء.
وفي لغة العرب لا يحتمل إلا العلو ولا يصح تفسيره بهذا، مثل قوله تعالى:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} (1) وقوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} (2)
فأين الموضع الذي يصح تفسيره بأنه أقبل أو عمد في القرآن أو في لغة العرب؟
2 -
أن معنى هذا أن العرش خلق بعد السماوات والأرض (وهذا لم يقله أحد من أهل العلم أصلا وهو مناقض لما دل عليه القرآن والسنة وإجماع المسلمين أظهر مناقضة، فإنه تعالى أخبر أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام وعرشه حينئذ على الماء وهذه واو الحال أي: خلقها في هذه الحال فدل على سبق العرش والماء للسماوات والأرض)(3).
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (4)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(وهذا الوجه من أضعف الوجوه ة فإنه قد أخبر أن العرش كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض، وكذلك ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض (5)».
(1) سورة هود الآية 44
(2)
سورة الزخرف الآية 13
(3)
مختصر الصواعق المرسلة 309.
(4)
سورة هود الآية 7
(5)
صحيح البخاري كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء.