الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: وقاية الماء والطعام من التلوث
.
المبحث الأول: وقاية الماء من التلوث
.
الماء عصب الحياة ولا يمكن أن تقوم حياة بدونه، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (1).
ولهذا حرص الإسلام على وقاية مصادره من التلوث حماية لصحة الإنسان، وهذه وقاية للمجتمع عامة؛ إذ حماية مصدر المياه وينابيعه هي حماية للمجتمع كافة، وتتلخص أوجه تلك الحماية فيما يلي:
النهي عن التبول والتبرز في موارد المياه:
يعد التبول والتغوط من أخطر وأشد مسببات تلوث الماء حيث تنتقل كثير من الأمراض بسبب ذلك كمرض الكوليرا، وحمى التيفوئيد، وشلل الأطفال، والتهاب الكبد، والتهاب الأمعاء والبلهارسيا، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق والظل (2)» .
ويؤكد الأطباء أن البول والغائط من أخطر مسببات التلوث
(1) سورة الأنبياء الآية 30
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها 1/ 7 من طريق أبي سعيد الحميري عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، والإمام أحمد في مسنده من طريق ابنه هبيرة عن ابن عباس بنحوه.
ونقل الأمراض السالفة الذكر وخاصة الالتهاب الكبدي.
2 -
النهي عن التبول في الماء الراكد:
تنتشر البلهارسيا عند تبول الآدمي في الماء حيث تنتقل طفيليات هذا المرض، وتنتشر في الماء وخاصة الماء الراكد الذي لا يجري حيث تكتمل أطوارها حتى تصبح يرقة ذات ذنب تسبح في الماء حتى تجد جسما فتخترقه وبمرور أربع وعشرين ساعة تكون قد وصلت إلى الدم منهية دورتها في الكبد حيث تبدأ حياتها وتتزاوج ثم تنتقل إلى المثانة أو الأمعاء فتبيض وتخرج مرة أخرى عن طريق البول متهيئة للانتقال إلى شخص آخر ومثلها أيضا الدوسنتاريا التي تنتقل عن طريق البراز والديدان الشصية " ديدان الأمعاء "، التي تطرح ديدانها عن طريق البراز أيضا (1).
لهذا جاء النهي النبوي في قوله عليه السلام: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه (2)» .
(1) الإسلام والوقاية من الأمراض د. عز الدين فراج ص85، وهل هناك طب نبوي للدكتور محمد علي البار.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب الماء الدائم 1/ 65 من طريق عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة، ومسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد 1/ 235 من طريق جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى أن يبال في الماء الراكد".
فيما سبق يتبين لنا الوقاية العامة لمصادر المياه. وكما أولى الإسلام المجتمع حماية عامة في هذا الشأن كذلك أولى الأفراد والأسرة حماية خاصة، يتمثل ذلك فيما يلي:
3 -
نهي المستيقظ من النوم غمس يده في الماء:
ومن طرق وقاية الماء من التلوث، نهي المستيقظ من وضع يده في الإناء إلا بعد غسلها ثلاثا، أخرج البخاري في صحيحه من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده (1)» .
وهذا النهي إجراء وقائي في منع اليد التي تتلوث بمجرد ملامستها لعضو من أعضاء الجسم أثناء النوم أو ملامستها للشرج فتسبب نقل الجراثيم أو الديدان الخيطية التي يقول عنها الدكتور محمد زكي سويدان: " هي ديدان رفيعة طولها سنتيمتر واحد تعيش في الأمعاء الغلاظ وتخرج منها كثيرا أثناء النوم فتطوف حول الشرج وتضع بويضتها الخاصة، ويظل المريض يعاني من الهرش في هذه المنطقة أثناء النوم. . . وعندما يهرش المصاب حول الشرج تعلق البويضات بأظافره فتدخل من جديد إلى أمعائه عند تناول الطعام، أو
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب الاستجمار وترا 1/ 48.
قد يتلوث طعام الآخرين من يديه وبرازه فتصيبهم العدوى وقد يعدي الآخرين حتى بمصافحتهم " (1).
4 -
تغطية آنية الشرب:
حث الإسلام على تغطية الآنية حفظا لصحة وسلامة الإنسان من التلوث، أخرج مسلم في صحيحه من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن القعقاع بن حكيم عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء (2)» .
قال ابن القيم: وهذا مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم وقد عرفه من عرفه من عقلاء الناس بالتجربة. قال الليث بن سعد أحد رواة الحديث: " الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في السنة في كانون الأول منها "(3).
وأخرج مسلم في صحيحه من طريق جابر بن عبد الله عن
(1) الصلاة صحة ووقاية وعلاج (83).
(2)
صحيح مسلم في كتاب الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء 3/ 1596.
(3)
كتاب الطب النبوي للإمام ابن قيم الجوزية ص 181. صحيح مسلم بشرح النووي 13/ 15.
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله، فليفعل (1)» . . . الحديث (2).
وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم تغطية الإناء لاتقاء نزول الوباء الذي يمرض الإنسان والنهي عن الشرب إلا مما تمت تغطيته.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا إلا فيما أوكئ عليه (3)» .
5 -
النهي عن التنفس في الإناء:
التنفس في إناء الشرب يتسبب في تلوثه وانتقال المرض، ولهذا جاء النهي النبوي عن التنفس في الإناء.
أخرج مسلم في صحيحه من طريق عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى أن يتنفس في الإناء (4)» .
6 -
النهي عن الشرب من في السقاء:
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء
(1) صحيح مسلم الأشربة (2012)، سنن ابن ماجه الأشربة (3410)، موطأ مالك الجامع (1727).
(2)
صحيح مسلم في كتاب الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء 3/ 1596
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/ 72.
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب كراهة التنفس في الإناء 3/ 1602.