الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزاد هؤلاء المشركين قول القائل لهم: اسجدوا للرحمن من إخلاص السجود لله، وإفراد الله بالعبادة بعدا مما دعوا إليه من ذلك فرارا (1).
وفي قوله تعالى: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (2) دليل على أن هناك نفورا سابقا من الإيمان والإذعان قبل سماع اسم الرحمن (3).
والحكمة من السجود هنا - والله أعلم - إظهار مخالفة المشركين إذ أبوا السجود للرحمن، وفي المخالفة للمشركين بالفعل مبالغة في المخالفة لهم (4)
(1) تفسير الطبري 19/ 29.
(2)
سورة الفرقان الآية 60
(3)
انظر: التحرير والتنوير 19/ 63.
(4)
انظر: التحرير والتنوير 19/ 63.
المبحث التاسع: قال تعالى: {أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (1){اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (2).
صلة الآية بما قبلها: هذا من تتمة قول الهدهد لنبي الله سليمان عليه السلام عن حال قوم سبأ في عبادتهم الشمس من دون الله تعالى، كما قال تعالى:{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} (3){إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} (4)
(1) سورة النمل الآية 25
(2)
سورة النمل الآية 26
(3)
سورة النمل الآية 22
(4)
سورة النمل الآية 23
الآيات.
قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} (1) قرأ أكثر القراء بالتشديد على معنى: وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا، أي: فصدهم لئلا يسجدوا. وقرأ الكسائي وغيره {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} (2) مخففة على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فيضمر هؤلاء.
قوله تعالى: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (3) الخبء: المستتر، وهو من خبأت الشيء: إذا أخفيته، والمخبوء في السماوات والأرض مثل المطر والنبات والأقوات والأرزاق وغيرها (4).
قال ابن كثير: وهذا مناسب من كلام الهدهد الذي جعل لله فيه من الخاصية ما ذكره ابن عباس وغيره، من أنه يرى الماء يجري في تخوم الأرض ودواخلها.
(1) سورة النمل الآية 25
(2)
سورة النمل الآية 25
(3)
سورة النمل الآية 25
(4)
انظر: تفسير الطبري 19/ 150، وتفسير أبي السعود 5/ 282.
قوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (1) أي يعلم ما يخفيه العباد، وما يعلنونه من النيات والأقوال والأفعال وغيرها (2) وهذا كقوله تعالى:{أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} (3) وقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} (4).
وقال حكاية عن خليله إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} (5).
قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (6) أي: لا معبود بحق إلا الله عز وجل، ولا تصلح العبادة إلا له (7).
قال ابن رجب: وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله، يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يطاع
(1) سورة النمل الآية 25
(2)
انظر: تفسير الطبري 19/ 150، وتفسير القرآن العظيم 6/ 198.
(3)
سورة البقرة الآية 77
(4)
سورة الأنعام الآية 3
(5)
سورة إبراهيم الآية 38
(6)
سورة النمل الآية 26
(7)
انظر: تفسير الطبري 19/ 150، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن 18، 19.
فلا يعصى هيبة له وإجلالا، ومحبة وخوفا ورجاء، وتوكلا عليه، وسؤالا منه، ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل (1).
قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (2) في هذه الآية تعريض بأن عظمة عرش ملكة سبأ لا تقارب عظمة عرش الرحمن ولا تدانيها، ففرق بين عرش المخلوق وعرش الخالق، ومهما قيل عن عظمة عرش ملكة سبأ (3) فهو لا شيء بالنسبة لعرش الرحمن جل جلاله وتقدست أسماؤه (4)، قال تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (5) قال ابن كثير: ولما كان الهدهد داعيا إلى الخير، وعبادة الله وحده والسجود له نهي عن قتله، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد (6)»
(1) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها 23.
(2)
سورة النمل الآية 26
(3)
انظر: زاد المسير 6/ 165.
(4)
انظر: التحرير والتنوير 19/ 255.
(5)
سورة البقرة الآية 255
(6)
الصرد: طائر ضخم الرأس والمنقار، انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 21.