الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورد عن بعض السلف رحمهم الله أدعية أخرى (1).
قال ابن قدامة: ومهما قال من ذلك ونحوه فحسن (2).
وقال النووي: وإن قال فيه ما يقول في سجود الصلاة جاز (3).
قلت: والأحرى بالمسلم أن يتقيد بما ورد وصح عن رسول الله صلى الله عله وسلم ففيه الخير وفضل الاتباع.
(1) انظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 20، 21.
(2)
المغني 2/ 362.
(3)
المجموع 4/ 64.
الفصل الثاني: توجيهات آيات السجود
وفيه خمسة عشر مبحثا:
المبحث الأول: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُون}
(1).
صلة الآية بما قبلها: لما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الله عز وجل وهو خطاب لأمته من بعده صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (2)(3). ذكر الله عز وجل أن له عبادا مستديمين لعبادته، مواظبين لذكره، ملازمين لخدمته وهم الملائكة، لتعلموا أن الله لا يريد أن يتكثر بعبادتكم من قلة، ولا ليتعزز بها من ذلة، وإنما يريد
(1) سورة الأعراف الآية 206
(2)
سورة الأعراف الآية 205
(3)
سورة الأعراف، الآية 205. وانظر أحكام القران لابن العربي، 2/ 829.
نفع أنفسكم (1).
وفيه أيضا أن الله عز وجل لما أمر بذكره ورغب فيه لبني آدم ذكر حال الملائكة ومن هم في الشرف والمكانة عند الله ومع ذلك لا يفترون عن عبادة ربهم وذكره ليتأسى بهم المسلم وهو المحتاج إلى رحمة ربه وعفوه (2).
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} (3)
أجمع المفسرون أن المقصود بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} (4) أنهم الملائكة (5)، وعندية الملائكة عند ربهم عندية ارتفاع وعلو، ولوازمها القرب والمكانة (6)، كما قال تعالى عن الشهداء {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (7).
وأبان ابن القيم رحمه الله في نونيته هذه العندية أوضح بيان بقوله:
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لابن سعدي، 3/ 140.
(2)
انظر التفسير الكبير للرازي، 15/ 110.
(3)
سورة الأعراف الآية 206
(4)
سورة الأعراف الآية 206
(5)
انظر الجامع لأحكام القرآن 7/ 356.
(6)
انظر المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات، للمغراوي، 1/ 400.
(7)
سورة آل عمران الآية 169
هذا وعاشرها اختصاص البعض من
…
أملاكه بالعند للرحمن
وكذا اختصاص كتاب رحمته بعن
…
د الله فوق العرش ذو تبيان
ولو لم يكن سبحانه فوق الورى
…
كانوا جميعا عند ذي السلطان
ويكون عند الله إبليس وجب
…
ريل هما في العند مستويان
وتمام ذاك القول أن محبة ال
…
رحمن غير إرادة الأكوان
وكلاهما محبوبه ومراده
…
وكلاهما هو عنده سيان
إن قلتم عندية التكوين فال
…
ذاتان عند الله مخلوقان
أو قلتم عندية التقريب تق
…
ريب الحبيب وما هما عدلان
فالحب عندكم المشيئة نفسها
…
وكلاهما في حكمها مثلان
لكن منازعكم يقول بأنها
…
عندية حقا بلا روغان
جمعت له حب الإله وقربه
…
من ذاته وكرامة الإحسان
والحب وصف وهو غير مشيئة
…
والعند قرب ظاهر التبيان (1)
ولا عجب أن تخضع الملائكة لربها وتسبحه لأنها عرفت عظمة ربها وجلاله عز وجل والقرآن الكريم يعرض بعضا من خضوع الملائكة لربها وتسبيحها له من مثل قوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (2)،
(1) القصيدة النونية للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، 63.
(2)
سورة النساء الآية 172
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (1)، وقوله تعالى:{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} (2) وقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} (3){لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (4)، وقوله تعالى:{عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (5).
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (6)، اشتمل على ثلاثة أعمال جليلة، أولها: عدم الاستكبار. وثانيها: تسبيح الله. وثالثها: السجود لله.
وهذه الأعمال تشترك في أدائها الأعضاء والجوارح. وغلب كل عمل منها بجارحة من الجوارح، فعدم الاستكبار الغالب عليها أنها عمل قلبي (7)، وتسبيح الله عمل اللسان، والسجود لله عمل الأركان الظاهرة.
والكبر خلق ذميم وصفة مستكرهة لا يحبها الله من أحد،
(1) سورة النحل الآية 49
(2)
سورة الزمر الآية 75
(3)
سورة الأنبياء الآية 26
(4)
سورة الأنبياء الآية 27
(5)
سورة التحريم الآية 6
(6)
سورة الأعراف الآية 206
(7)
انظر إحياء علوم الدين، للغزالي، 3/ 343، 344
وتوعد من اتصف بها بالنار، وفي التنزيل الحكيم:{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} (1)، وقال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (2)، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر (3)» ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار (4)» .
والتواضع والإخبات لله صفة ملائكة الله الأطهار ورسله الكرام صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (5)، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} (6).
(1) سورة النحل الآية 23
(2)
سورة غافر الآية 60
(3)
صحيح مسلم، باب تحريم الكبر وبيانه، 1/ 93، وسنن أبي داود كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر 4/ 351. وسنن ابن ماجه كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع. صحيح ابن خزيمة 2/ 405.
(4)
سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر 4/ 350. وسنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع. صحيح ابن ماجه 2/ 405.
(5)
سورة النساء الآية 172
(6)
سورة الأعراف الآية 206
والعمل الثاني الذي وصف الله به ملائكته الكرام في الآية التي نحن بصددها هو التسبيح. والتسبيح من ذكر الله وهو تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي له أن يوصف به (1). وهو أفضل الذكر وفي الحديث الصحيح: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده (2)» .
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله. فقال: سبحان الله وبحمده (3)» .
وتسبيح الملائكة لله دائم لا ينقطع، لا في الليل ولا في النهار:{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (4).
ولكثرة تسبيحهم فإنهم هم المسبحون في الحقيقة، وحق لهم أن يفخروا بذلك:{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} (5){وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} (6)(7).
(1) انظر لسان العرب، لابن منظور 3/ 1914.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل سبحان الله وبحمده 4/ 2093.
(3)
صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل سبحان الله وبحمده 4/ 2093.
(4)
سورة الأنبياء الآية 20
(5)
سورة الصافات الآية 165
(6)
سورة الصافات الآية 166
(7)
انظر: عالم الملائكة الأبرار، للدكتور / عمر الأشقر، ص 35.
بل التسبيح صفة كل شيء في هذا الكون الفسيح: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (1).
وقال عز من قائل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (2).
والعمل الثالث الذي وصف الله به ملائكته الكرام: السجود لله عز وجل وأصل السجود: التطامن والتذلل (3)، وكل من ذل وخضع لما أمر به فقد سجد، ومنه سجود الصلاة وهو وضع الجبهة على الأرض، ولا خضوع أعظم منه. وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون. إن السماء أطت (5)» .
(1) سورة الإسراء الآية 44
(2)
سورة النور الآية 41
(3)
بصائر ذوي التمييز، للفيروز أبادي، 3/ 188.
(4)
مسند الإمام أحمد، 5/ 173، صحيح سنن الترمذي، كتاب الزهد باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم، 2/ 268. وصحيح سنن ابن ماجه، واللفظ له، كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء 2/ 407.
(5)
(4)، وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله