الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا مخالف لهما من الصحابة فيما علمت، وليس قول من أوجبها بشيء، والفرائض لا تجب إلا بحجة لا معارض لها، وبالله التوفيق.
وقال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الرجل يقرأ السجدة في الصلاة فلا يسجد؟ فقال: جائز أن لا يسجد. وإن كنا نستحب أن يسجد فإن شاء سجد. واحتج بحديث عمر: ليس علينا إلا أن نشاء. قيل له: فإن هؤلاء يشددون - يعني أصحاب أبي حنيفة -، فنفض يده وأنكر ذلك (1).
(1) التمهيد 19/ 133.
المبحث الثالث: صفة سجود التلاوة
ويدخل في هذا المبحث الأمور التالية وهي:
أ - هل يشترط لسجود التلاوة الطهارة؟
ب - هل يكبر عند السجود والرفع منه؟
ج - هل يسلم من سجود التلاوة؟
وسوف نبحث كل سؤال بشكل مختصر - إن شاء الله تعالى -.
أ - هل يشترط لسجود التلاوة - الطهارة؟
ذهب جمهور العلماء رحمهم الله من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن سجود التلاوة تشترط له الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر (1). وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما،
(1) انظر: بدائع الصنائع 1/ 186. والمغني 2/ 358. والمجموع 4/ 62. والجامع لأحكام القرآن 7/ 358.
والنخعي والثوري وإسحاق بن راهويه (1). وأخرج البيهقي بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر.
وذهب ابن حزم وابن تيمية وابن حجر وغيرهم رحمهم الله إلى عدم اشتراط الطهارة لسجود التلاوة.
وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما (2)، والشعبي، وأبي عبد الرحمن السلمي (3).
والأقرب - والله أعلم - عدم اشتراط الطهارة لسجود التلاوة مع أن الأفضل السجود على طهارة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا السجود - أي سجود التلاوة - لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر له بالطهارة، بل ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم سجد معه المسلمون والمشركون، والجن والإنس (4).
(1) أنظر: الأوسط 5/ 284.
(2)
انظر: فتح الباري 2/ 553، 554.
(3)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 15، 14، والأوسط لابن المنذر 5/ 284.
(4)
مر هذا الحديث في سجدة سورة النجم.
وسجد سحرة فرعون على غير طهارة (1)، وثبت عن ابن عمر أنه سجد للتلاوة على غير وضوء، ولم يرو عن أحد من الصحابة أنه أوجب فيه الطهارة (2).
وقال في موضوع آخر: فلا تشترط لها شروط الصلاة، بل تجوز على غير طهارة، كما كان ابن عمر يسجد على غير طهارة، لكن هي بشروط الصلاة أفضل. . . (3)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: الصواب أنه لا يشترط له الطهارة - أي في سجود التلاوة - ولا غيرها من شروط الصلاة كما قال ابن حزم.
ب- هل يكبر عند السجود، والرفع منه؟
ذهب الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يشرع عند سجود التلاوة التكبير للسجود، والتكبير عند الرفع منه، في الصلاة وخارج الصلاة.
(1) كما في قوله تعالى: (وألقي السحرة ساجدين) سورة الأعراف: الآية 120 وغيرها.
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 194، 195.
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية 23/ 165.
وعند الشافعية زيادة تكبيرة الإحرام خارج الصلاة قبل تكبيرة السجود (1).
واختلف عن الإمام مالك في التكبير خارج الصلاة (2).
قال ابن قدامة رحمه الله: وبه قال ابن سيرين، والحسن، وأبو قلابة، والنخعي، ومسلم بن يسار، وأبو عبد الرحمن السلمي. . . (3)
وظاهر كلام الخرقي الحنبلي رحمه الله أن تكبيرة السجود واحدة عند السجود خارج الصلاة.
وقال ابن تيمية رحمه الله: والمروي فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم تكبيرة واحدة، فإنه لم ينتقل من عبادة إلى عبادة (4).
وذهب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: إلى أن السجود للتلاوة في الصلاة يكبر فيه عند الخفض والرفع، أما خارج الصلاة فتكبيرة واحدة للسجود (5).
(1) انظر: المجموع 4/ 63.
(2)
انظر: المدونة الكبرى 1/ 111. والاستذكار لابن عبد البر 8/ 112.
(3)
المغني: 2/ 359.
(4)
مجموع فتاوى ابن تيمية 23/ 172. وهو قول ابن القيم رحمه الله. انظر: زاد المعاد 1/ 362.
(5)
انظر: التبيان 40/ 41.
مما سبق يتضح أن سجود التلاوة في الصلاة لا خلاف في التكبير فيه عند السجود والرفع منه؛ لما ثبت في صحيح البخاري «عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم (1)» .
أما التكبير خارج الصلاة فورد فيه ما أخرجه أبو داود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه» قال عبد الرزاق: كان الثوري يعجبه هذا الحديث. قال أبو داود: يعجبه لأنه كبر.
قال ابن حجر رحمه الله: رواه أبو داود بسند فيه لين.
وعلى هذا هل يكبر في سجود التلاوة حال السجود فقط دون الرفع منه أم يكبر للسجود والرفع؟
الأمر في ذلك واسع والحمد لله.
(1) فتح الباري 2/ 269.
قال ابن القاسم رحمه الله راوي المدونة الكبرى عن الإمام مالك رحمه الله لما ذكر اختلاف مالك في التكبير خارج الصلاة، قال: وكل ذلك واسع (1).
ج- هل يسلم من سجود التلاوة؟
ذهب الأحناف والمالكية والرواية الأخرى عند الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يسلم من سجود التلاوة. قال الإمام أحمد: أما التسليم فلا أدري ما هو (2). وذهب الشافعية والحنابلة في رواية المذهب إلى السلام لسجود التلاوة (3).
والأقرب- والله أعلم - أن سجود التلاوة لا تسليم له؛ لأنه ليس صلاة فيشرع له ما يشرع في الصلاة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم في سجود التلاوة، أما ما استدل به من قال بالسلام لسجود التلاوة من قوله صلى الله عليه وسلم:«تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم (4)» فهذا في حق الصلاة المعروفة، ولا
(1) المدونة الكبرى 1/ 111.
(2)
الأوسط 5/ 279.
(3)
انظر: المغني 2/ 362، 363، والمجموع 4/ 65.
(4)
انظر: مسند الإمام أحمد 1/ 123. وسنن أبي داود: كتاب الطهارة، باب فرض الوضوء 1/ 50، 49. وسنن الترمذي: كتاب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور. انظر: صحيح الترمذي للألباني 1/ 4.