الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سجود مخلوقاته له عموما أو خصوصا، فسن للتالي والسامع وجوبا أو استحبابا أن يتشبه بهم عند تلاوة آية السجدة أو سماعها. وآيات الأوامر بطريق الأولى. وهذا لا فرق فيه بين أمر وأمر، فكيف يكون الأمر بقوله:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (1) مقتضيا للسجود دون الأمر بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (2) فالساجد إما متشبه بمن أخبر عنه، أو ممتثل لما أمر به، وعلى التقديرين يسن له السجود في آخر الحج كما يسن له السجود في أولها، فلما سوت السنة بينهما سوى القياس الصحيح والاعتبار الحق بينهما، وهذا السجود شرعه الله ورسوله عبودية عند تلاوة هذه الآيات واستماعها، وقربة إليه، وخضوعا لعظمته، وتذللا بين يديه، واقتران الركوع ببعض آياته مما يؤكد ذلك ويقويه لا يضعفه ويوهيه. والله المستعان (3)
(1) سورة النجم الآية 62
(2)
سورة الحج الآية 77
(3)
إعلام الموقعين عن رب العالمين 2/ 408، 409.
المبحث الثامن: قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}
(1).
صلة الآية بما قبلها: لما ذكر بعض صفاته العظيمة من الحياة والخلق وغيرهما ختم ذلك بقوله: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (2) ثم أمر تبارك وتعالى بالسجود والخضوع والإذعان له وحده لا
(1) سورة الفرقان الآية 60
(2)
سورة الفرقان الآية 59
شريك له.
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} (1) أي إذا قيل للمشركين الذين يعبدون ويخضعون لغير الله (2){اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} (3) أي اعبدوا الله واخضعوا له وحده لا شريك له، وعبر بالسجود عن العبادة لأنه رمز الخضوع والتذلل ومن سجد فقد عبد (4).
قوله تعالى: {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} (5) منكرين له (6)، قال الماوردي: فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن العرب لم تكن تعرف الرحمن في أسماء الله تعالى، وكان مأخوذا من الكتاب، فلما دعوا إلى السجود لله تعالى بهذا الاسم سألوا عنه مسألة الجاهل به فقالوا:{وَمَا الرَّحْمَنُ} (7)
الثاني: أن مسيلمة الكذاب كان يسمى الرحمن، فلما سمعوا هذا الاسم في القرآن حسبوه مسيلمة، فأنكروا ما دعوا إليه من السجود له.
والثالث: أن هذا قول قوم كانوا يجحدون التوحيد، ولا يقرون بالله تعالى، فلما أمروا أن يسجدوا للرحمن ازدادوا نفورا مع هواهم بما دعوا إليه من الإيمان (8).
والأقرب من هذه الأقوال القول الثالث، لأن ادعاء أن العرب
(1) سورة الفرقان الآية 60
(2)
انظر: تفسير ابن كثير 6/ 129.
(3)
سورة الفرقان الآية 60
(4)
انظر: التحرير والتنوير 19/ 62.
(5)
سورة الفرقان الآية 60
(6)
الجامع لأحكام القرآن 7/ 64.
(7)
سورة الفرقان الآية 60
(8)
انظر النكت والعيون 4/ 152، 153، وانظر: التفسير الكبير 23/ 105.
لا تعرف اسم الرحمن غير مسلم به (1)، قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (2)، وقوله تعالى:{الرَّحْمَنُ} (3){عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (4).
وأما ذكر أن مسيلمة كان يسمى رحمن اليمامة، فهذا بعد ظهور الإسلام في مدة الردة (5).
قال الشيخ الشنقيطي: وقد قدمنا أيضا أنهم يعلمون أن الرحمن هو الله، وأن تجاهلهم له تجاهل عارف (6).
قوله تعالى: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} (7) قرأ عامة قراء المدينة والبصرة بتاء المخاطبة بمعنى: أنسجد نحن يا محمد لما تأمرنا أنت أن نسجد له. وقرأ عامة قراء الكوفة بالياء (8)، أي أنسجد لما يأمرنا به محمد (9) وهذا الاستفهام للإنكار والامتناع، أي لا نسجد لشيء تأمرنا بالسجود له (10).
قوله تعالى: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (11) قال ابن جرير الطبري:
(1) انظر النكت والعيون 4/ 153، وأضواء البيان 6/ 345.
(2)
سورة الإسراء الآية 110
(3)
سورة الرحمن الآية 1
(4)
سورة الرحمن الآية 2
(5)
انظر: التحرير والتنوير 19/ 62.
(6)
أضواء البيان 6/ 345.
(7)
سورة الفرقان الآية 60
(8)
انظر: تفسير الطبري 19/ 28، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد 466.
(9)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 13/ 64.
(10)
انظر: التحرير والتنوير 19/ 62، 63.
(11)
سورة الفرقان الآية 60