الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأثرها في الشباب وسبل استثمارها.
تؤكد هذه الدراسة بأن الشباب لا بد له من رعاية على أسس إسلامية، وهي روحية رئيسية، ومادية، تعكس المتطلبات الأساسية للشباب.
وأبرزت الدراسة أهمية وسائل التقنية في مجال التعليم والتربية، وأكدت الدراسة على القيم والمبادئ، والمصلحة الإيجابية للإنسان، ولن يفيد إلا التحصين الأخلاقي، والوازع الديني، وتعليم الشباب، وتثقيفهم، وإعانتهم، وتقديم الخبرة لهم، وتقويم سلوكهم، وتأمين عمل لهم، واحترامهم، والاعتراف بقدراتهم (1).
وتتفق جميع الدراسات السابقة مع هذه الدراسة على أهمية الاستقامة في الحياة وأهمية مرحلة الشباب، غير أن هذه الدراسة تتميز عن الدراسات السابقة بأنها ربطت بين ثلاثة محاور رئيسة وهي: الاستقامة، والشباب، والتحصين.
(1) الندوة العالمية للشباب الإسلامي، بحوث المؤتمر العالمي التاسع 1/ 159.
رابعا: طريق الاستقامة:
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (1).
قال البيضاوي في تفسيره (أي كما جعلناكم مهديين إلى
(1) سورة البقرة الآية 143
الصراط المستقيم، جعلناكم أمة وسطا، أي خيارا أو عدولا، مزكين بالعلم والعمل،. . ثم استعير للخصال المحمودة، لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط، كالجود بين الإسراف والبخل، والشجاعة بين التهور والجبن (1).
وقال ابن قيم الجوزية: (كلمة العدل هو الأخذ بالوسط)(2). وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: أي (عدلا خيارا، وما عدا الوسط، فالأطراف داخلة تحت الخطر فجعل هذه الأمة وسطا في كل أمور الدين)(3)، فطريق الإسلام؛ هو طريق الوسط، هو طريق الاستقامة، طريق الصراط المستقيم، قال تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (4).
قال ابن جرير في تفسير الصراط المستقيم: " أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه " إلى أن يقول: " والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي، أن يكون معنيا به: وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قول وعمل، وذلك هو
(1) البيضاوي، تفسير البيضاوي 1/ 91.
(2)
ابن قيم الجوزية، الفوائد ص141.
(3)
السعدي عبد الرحمن، تيسير الكريم الرحمن 1/ 75.
(4)
سورة الفاتحة الآية 6
الصراط المستقيم " (1).
وورد في المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي: أن الهدى يجيء بمعنى الإيمان في القلب، والهداية هي التي تقال في طرق الدنيا، وهي ضد الضلال، والصراط هو الطريق الواضح، وقد قيل عن الصراط إنه القرآن الكريم، وقيل هو الإسلام، وقيل كذلك إنه دين الله سبحانه وتعالى، الذي لا يقبل من العباد غيره، وأنه يجب على الإنسان أن يكون مع سنن المنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، ووجوب الالتزام بأحكام الشرع، أما المستقيم فهو الذي لا انحراف فيه، مستقيما على الحق، والغاية هي الفلاح (2).
وقال البيضاوي: إن تفسير قوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (3) أنه يراد بالمستقيم طريق الحق، وقيل: ملة الإسلام (4).
قال ابن قيم الجوزية: إن قول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (5) يتضمن أن الإنسان لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، وأن لا سبيل له إلى الاستقامة إلا
(1) الطبري، تفسير الطبري 1/ 75.
(2)
ابن عطية، المحرر الوجيز1/ 73 - 75
(3)
سورة الفاتحة الآية 6
(4)
البيضاوي، تفسير البيضاوي 1/ 10.
(5)
سورة الفاتحة الآية 6
بهداية ربه له (1).
وقال أيضا: (وذكر الصراط المستقيم مفردا معرفا تعريفين: تعريفا بإعلام، وتعريفا بالإضافة، وذلك يفيد تعينه، واختصاصه، وأنه صراط واحد)(2).
وقال: (ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب، وقبله أشرف المواهب، علم الله عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه، وتمجيده، ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان هامتان هي مطلوبهم، توسل بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء (3). وبالتالي فإن على المسلم لزوم الصراط المستقيم، حتى تتحقق له سعادته في الدنيا والآخرة، وطلب الهداية من الله عز وجل.
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (4) (أي دلنا، وأرشدنا، ووفقنا إلى الصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله وجنته، وهو معرفة الحق، والعمل به فاهدنا إلى الصراط،
(1) ابن قيم الجوزية، الفوائد ص19.
(2)
ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين 1/ 21.
(3)
المرجع السابق ص31.
(4)
سورة الفاتحة الآية 6
واهدنا في الصراط، فالهداية إلى الصراط لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا، فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك (1).
لأن الاستقامة هي اتباع الصراط المستقيم دون زيادة أو نقص، فلا يتشدد الإنسان ولا يتساهل أو يتكاسل عن الطاعة، فإذا رأى الشيطان ذلك رغب في التساهل والتكاسل، حتى يتحلل من الدين، فيترك الواجبات، ويفعل المحرمات، حتى يقطع صلته بالدين، أما إذا رأى الشيطان حرص الإنسان على الدين رغبة بالجور على النفس، ومجاوزة الاعتدال، فلا يزال يحثه ويحرضه حتى يخرجه عن الاستقامة (2).
والإنسان له جانبان: (جانب هو فيه منقاد بالفطرة من حيث حياته وموته وطوله ولونه، أو من حيث آيات الكون التي يحيا معها وتؤثر فيه من هواء، وسماء، وزرع، وثمار، وليل، ونهار، وإلى غير ذلك من مخلوقات يرتبط كيانه بوجودها، وتتوقف حياته على
(1) السعدي، تيسير الكريم الرحمن 10/ 16.
(2)
الفوزان، الخطب المنبرية ص 224.
قيامها. وجانب هو فيه مختار من حيث: سلوكه وعمله الذي هو نتيجة عزمه وإرادته، فإن التقى بسلوكه وعمله مع فطرته، أي إرادته تبعا لأمر ربه كان الصلاح، وإن انحرف بسلوكه وعمله عن فطرته، أي كانت إرادته تبعا لهواه كان الفساد (1).
وقد وردت كلمة المستقيم في آيات أخرى مثل قوله تعالى: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2) والصراط المستقيم هو الإسلام (3). وقوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (4) وهو الإسلام (5). وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (6) أي الإسلام (7).
وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (8) وهو الإسلام (9).
وقوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا} (10)(وهذا الذي أنت عليه يا محمد طريق ربك ودينه الذي ارتضاه لنفسه، مستقيما لا عوج فيه، وهو الإسلام)(11).
(1) محمد الراوي، الدعوة الإسلامية ص 84.
(2)
سورة يونس الآية 25
(3)
سورة يونس، الآية 25، البغوي 1/ 394.
(4)
سورة الحج الآية 54
(5)
سورة الحج، الآية 54، البغوي 2/ 625.
(6)
سورة المؤمنون الآية 73
(7)
سورة المؤمنون، الآية 73، البغوي 2/ 628.
(8)
سورة الشورى الآية 52
(9)
سورة الشورى، الآية 52، البغوي 2/ 841.
(10)
سورة الأنعام الآية 126
(11)
سورة الأنعام، الآية 126، البغوي 1/ 272.
وفي تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1).
قال ابن جرير: " قل يا محمد لهم: إنني أرشدني ربي إلى الطريق القويم، هو دين الله الذي ابتعثه به، وذلك الحنيفية المسلمة فوفقني له "(2).
قال ابن عطية الأندلسي في تفسيره لهذه الآية: هذا أمر من الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالإعلان بشريعته، والانتباه من سواها من الأضاليل، ووصف الشريعة بما هي عليه من الحسن، والفضل، والاستقامة (3).
أما الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى فيقول في تفسيره لهذه الآية: (يأمر الله سبحانه وتعالى النبي محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول ويعلن بما هو عليه من الهداية إلى الصراط المستقيم، الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة، والأعمال الصالحة، والأمر بكل حسن، والنهي عن كل قبيح، الذي عليه الأنبياء والمرسلون، خصوصا إمام الحنفاء، ووالد من يعيش من بعد
(1) سورة الأنعام الآية 161
(2)
الطبري، تفسير الطبري 3/ 392.
(3)
ابن عطية، المحرر الوجيز 2/ 368، 369.
موته من الأنبياء، خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو الدين الحنيف) (1).
الإشارة هنا بقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} (3) إلى الشرع الذي جاء محمد صلى الله عليه وسلم بجملته، وقال الطبري: الإشارة هي إلى هذه الوصايا التي تقدمت في سورة الأنعام (4).
وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: (أي هذه الأحكام وما أشبهها مما بينه الله في كتابه ووضحه لعباده، صراط الله الموصل إليه وإلى دار كرامته المعتدل، السهل، المختصر، فاتبعوه لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح)(5).
وفي الحديث: (عن عبد الله قال: «خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: " هذا سبيل الله مستقيما. قال: ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس فيها سبيل إلا عليه شيطان
(1) السعدي، تيسير الكريم الرحمن، 2/ 237.
(2)
سورة الأنعام الآية 153
(3)
سورة الأنعام الآية 153
(4)
المرجع السابق، ص233.
(5)
السعدي، عبد الرحمن، تيسير الكريم الرحمن 2/ 233.
يدعو إليه. ثم قرأ: (2)».
ومما تقدم يتضح الآتي:
1 -
يتميز الدين الإسلامي بالوسطية في كل أموره فهذه ميزة خاصة بالإسلام.
2 -
طريق الصراط المستقيم هو طريق الدين الإسلامي.
3 -
طريق الصراط المستقيم هو طريق القرآن الكريم والسنة النبوية.
4 -
سؤال الهداية من الله عز وجل من أجل المطالب؛ لذلك لا بد للمسلم أن يدعو ربه بأن يهديه إلى الصراط المستقيم.
5 -
يجب على المسلم أن يكون على هدي النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
6 -
يجب على المسلم الالتزام بأحكام الشرع.
7 -
طريق الصراط المستقيم هو طريق الاستقامة على الدين، وسلوك هذا الطريق لا يعد صعبا، إذا عزم الشاب وتوكل على الله، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«قل آمنت بالله ثم استقم (3)» .
(1) ابن حنبل 1/ 465.
(2)
سورة الأنعام الآية 153 (1){وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}
(3)
صحيح مسلم الإيمان (38)، سنن الترمذي الزهد (2410)، سنن ابن ماجه الفتن (3972)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 413)، سنن الدارمي الرقاق (2710).