الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (1) أي أن الله يفعل في خلقه ما يشاء من مثل إهانة من أراد إهانته، وإكرام من أراد كرامته؛ لأن الخلق خلقه، والأمر أمره، والحكم حكمه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (2)(3) نسأل الله عز وجل أن يكرمنا بمنه وفضله ورحمته.
والحكمة من السجود هنا - والله أعلم - طاعة لله عز وجل وتأسيا بأكرم خلق الله، ومخالفة لمن أراد الله لهم الهوان بإعراضهم عن السجود لله فاستحقوا العذاب المهين، جزاء فعلهم المشين.
(1) سورة الحج الآية 18
(2)
سورة الأنبياء الآية 23
(3)
انظر: تفسير الطبري 17/ 131.
المبحث السابع: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1).
صلة الآية بما قبلها: لما ذكر سبحانه ضعف من عبد من دون الله، وأن الله هو القوي العزيز (2)، والإله الحق الذي له الملك والأمر، ومن أمره إرسال الرسل إلى خلقه ليبينوا لهم طريق العبادة
(1) سورة الحج الآية 77
(2)
كما في قوله تعالى: " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له " الآيات، 73 - 76.
وسبيل الفلاح (1).
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (2) أمر بإقامة الصلاة المفروضة، والركوع والسجود خصهما هنا؛ لأنهما أعظم أركان الصلاة وفيهما كمال الخضوع والعبودية لله (3).
قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} (4) بخضوعكم له وطاعة أوامره (5) قال الراغب: العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل. ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى (6).
قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} (7) أمر بإسداء الخير إلى الناس (8)، قال أبو حيان:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} (9) قال ابن عباس: صلة الأرحام ومكارم الأخلاق. ويظهر في هذا الترتيب أنهم أمروا أولا بالصلاة، وهو نوع من العبادة، وثانيا بالعبادة وهي نوع من فعل الخير، وثالثا بفعل الخير وهو أعم من العبادة، فبدأ بخاص ثم بعام ثم بأعم (10).
قوله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (11) أي إذا فعلتم هذه كلها رجوتم الفلاح (12)، وهو الظفر وإدراك البغية في الدنيا والآخرة (13).
(1) انظر: البحر المحيط 7/ 539، ونظم الدرر 13/ 99.
(2)
سورة الحج الآية 77
(3)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 12/ 98، والتحرير والتنوير 17/ 346.
(4)
سورة الحج الآية 77
(5)
انظر: تفسير الطبري 17/ 204.
(6)
مفردات ألفاظ القرآن 542.
(7)
سورة الحج الآية 77
(8)
انظر: التحرير والتنوير 17/ 346.
(9)
سورة الحج الآية 77
(10)
انظر: البحر المحيط 7/ 539.
(11)
سورة الحج الآية 77
(12)
انظر: فتح القدير 3/ 470.
(13)
انظر: مفردات ألفاظ القرآن 644.
قال أبو القاسم الأنصاري: لعل كلمة للترجية، فإن الإنسان قلما يخلو في أداء الفريضة من تقصير، وليس هو على يقين من أن الذي أتى به هل هو مقبول عند الله تعالى، والعواقب أيضا مستورة (1).
وأما ما يستلزمه الرجاء من تردد الراجي في حصول المرجو فذلك لا يخطر بالبال لقيام الأدلة التي تحيل الشك على الله تعالى (2).
والسجود المذكور في هذه الآية هو سجود الصلاة لا سجود التلاوة، ومع ذلك يشرع سجود التلاوة هنا لما ورد في الأحاديث والآثار، من ذلك ما رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:«قلت: يا رسول الله، أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: نعم. فمن لم يسجد بهما فلا يقرأهما (3)» وعن أبي الجهم أن عمر سجد سجدتين في الحج، وهو بالجابية، وقال: إن هذه فضلت بسجدتين.
قال ابن القيم: فإرادة سجود الصلاة بآية السجدة لا تمنع من كونها سجدة، بل تؤكدها وتقويها. يوضحه أن مواضع السجدات في القرآن نوعان: إخبار، وأمر. فالإخبار خبر من الله تعالى عن
(1) التفسير الكبير 23/ 72، 71.
(2)
التحرير والتنوير 17/ 346.
(3)
مسند الإمام أحمد 4/ 151، وسنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب السجود، وكم سجدة في القرآن 2/ 120، 121.