الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحكم فيما بينكم.
تحصين الشباب:
يقول الإمام الشافعي رحمه الله فيما نسب إليه:.
كل العداوة قد ترجى مودتها
…
إلا عداوة من عاداك في الدين
والعدو مهما أبدى جانب المسكنة والتودد، فإنه كالنار تحت الرماد، إذا تهيأت لهم الفرصة، تسلطوا لتحقيق مآربهم، ومن حقيقة ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القول:«ونصرت بالرعب مسيرة شهر (1)» ، وقوله عليه الصلاة والسلام:«سألت ربي ثلاثا، فأعطيت اثنتين ومنعت الثالثة: سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة، كما أهلكت الأمم من قبل، فأعطيت إياها، وسألت ربي ألا يسلط عليهم عدوا من غير أنفسهم فأعطيت إياها (2)» .
من هذا فإن من حماية الشباب، ووقايتهم من كل عمل يؤثر في أفكارهم:
(1) جزء من حديث رواه البخاري ومسلم والنسائي عن جابر بن عبد لله (جامع الأصول 8: 529).
(2)
حديث صحيح جاء بروايات، وهذه رواية الموطأ.
- الاهتمام بتحصين الشباب في الجامعات، ضد ما يطرح أمامهم من غزو فكري، وشبهات وتحديات تبلبل الأفكار، وتشغل أذهان الشباب، المنفتح على المعرفة، والمقبل على تحمل المسئولية نحو نفسه، فإنه يجب على الشباب وعلى من يهتم بتوجيهه، إدراك قاعدتين هامتين في الإعانة على تحصينه، في المعركة الفكرية مع عدوه وعدو دينه، وذلك بالإعانة على الخير وتوسيع دائرته، وعلى الشر بمحاربته وإدراك منبعه والتصدي له؛ لأن الخير والشر يتصارعان، فإذا قويت حجة العدو بما يطرح من غزو وتحديات، فإنه يطمع بعلو مكانة الشر الذي سعى إليه، واتساع دائرته في أذهان الشباب الإسلامي شيئا فشيئا.
وهذا لن يكون إلا بتخاذل أهل الخير، ووهنهم؛ لأنه حق قدره الله سبحانه، يجب إدراكه، لأهل الإيمان، أن لا يعلو الكافرون عليهم، كما قال سبحانه:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (1). هذه الحقيقة يجب تمكينها.
فالخير من الله ويؤيده الله سبحانه وينصره أهله، والشر من الشيطان، ورمز لأولياء الشيطان، ولن تعلو كفته على الخير، وعلى الشباب إدراك هذه الحقيقة، وتنميتها بمسبباتها في نفوسهم وثقافاتهم، والتتبع لذلك علميا، مع الاهتمام بالتطبيق،
(1) سورة النساء الآية 141
وطرح الشواهد التي تمكن هذه الحقيقة من قلوبهم، حسب الواقع الإسلامي في مسيرته.
فالحسنة التي هي من الله، وتوفيق الله، خير هيأه الله للمسلم بحسن اتباعه.
والسيئة التي هي من الإنسان، قاده إليها تخاذله في فعل الخير، وعقاب من الله جنته عليه نفسه؛ لبعده من الخير، وميوله إلى الشر ودعاته، ألم يقل سبحانه:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (1).
ولذا فإن الشباب، يجب أن يتحصنوا ضد التيارات الموجهة نحوهم بسلاحين، وفق القاعدتين المهمتين المشار إليهما من قبل:
1 -
شرعي: قاعدته دينية راسخة من مصدري التشريع في شريعة الإسلام: كتاب الله وسنة رسوله، وما سار عليه السلف الصالح من هذه الأمة، في نظرتهم للأمور، ومعالجتهم ما مر عليهم مع الأمم السابقة، وأهل الأهواء.
2 -
فكري: يقارع به فكر بفكر، من باب مخاطبة الناس بما يعرفون، لا يميل في مساره عن مقصد الأمر الشرعي؛ لأن العقل وإدراكه، لا يختلف عن الشرع، إذا كان المأخذ سليما. . وما مال عن المدلول الشرعي العقدي، فهو فكر لا يصح الاستدلال به؛
(1) سورة النساء الآية 79
لعدم سلامته.
فالمحور الأول: أو السلاح الأول: هو الاستدلال الشرعي، الذي هو عن الله، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يجب أن يهتم به الشباب دراسة وفهما، ويرعاه معلموهم تفهيما وشرحا.
ففي كتاب الله سبحانه، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من النصوص ما يقوي العزيمة، ويثبت الجنان، ويلهم من تطرح أمامه نفثات الأعداء؛ ليجد الجواب المريح للنفس، والمطمئن للمجتمع.
فعندما يقول سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (1)، وقوله سبحانه:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2)، وقوله جل وعلا:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (3).
فإن من التعمق في الدلالة الكريمة، أن الله جل وعلا، يؤكد في كل آية، بالمؤكدات المعروفة لغويا، ويجعل سبحانه على نفسه حقا تفضل به، بأن ينصر المؤمنين، ويثبت أقدامهم، ويطمئن قلوبهم. .
لكن هذا التأييد مقترن بشرط تحقيق الإيمان، وهو التصديق
(1) سورة غافر الآية 51
(2)
سورة الروم الآية 47
(3)
سورة محمد الآية 7
بالقلب، والعمل بالجوارح. . ذلك أن الإيمان، ليس بالتحلي ولا بالتمني. . ولكن له حقيقة يجب أن ترسخ في القلب، وتؤكد هذه الحقيقة الجوارح بالعمل.
وحديث جبريل عليه السلام، الذي جاء ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم عدة أسئلة، على هيئة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه من الصحابة أحد، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه راوي الحديث، وأنه جاء ليعلم الصحابة دينهم.
كان أول ما سأل عنه الإسلام: فأجابه رسول الله عليه الصلاة والسلام: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا (1)» .
ثم سأل عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وبملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره (2)» . ثم سأل عن الإحسان: فقال له «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فاعلم أنه يراك (3)» . إلى آخر الحديث الذي رواه البخاري ومسلم.
وما ذكرناه منه، هي مراتب عقيدة هذا الدين، الذي يبدأ بالإسلام وكل أركانه الخمسة، ظاهرة وبينة عند التطبيق، إما
(1) صحيح مسلم الإيمان (8)، سنن الترمذي الإيمان (2610)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4990)، سنن أبو داود السنة (4695)، سنن ابن ماجه المقدمة (63)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 27).
(2)
صحيح مسلم الإيمان (8)، سنن الترمذي الإيمان (2610)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4990)، سنن أبو داود السنة (4695)، سنن ابن ماجه المقدمة (63)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 53).
(3)
صحيح البخاري الإيمان (50)، صحيح مسلم الإيمان (9)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4991)، سنن ابن ماجه المقدمة (64)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 426).
بالقول، وتلفظ اللسان كالشهادتين، أو عملية بدنية يبرز أثرها على المطبق وهي الأربعة الباقية.
أما الإيمان الذي تؤكده كثيرا آيات من كتاب الله، ومنها النموذج المذكور، فهو وجداني محله القلب، مما يبرهن على أن حقيقته مغالبة النفس، وقهرها من أجل رضا الله، وتمكين دلالة هذه الأركان الستة العظيمة، حتى يصدق العمل والقول.
وتعلو مرتبة العقيدة بعد ذلك؛ لتزداد تمكينا من قلب العارف بالله، والمهتم بتطبيق أمره في المرتبتين السابقتين: الإسلام والإيمان، إلى أن يكون عمل الإنسان الظاهر، وإحساسه الباطن تحوطه الرقابة الذاتية: ومحاسبة النفس عن سلامة هذا العمل: ظاهرا أو باطنا، بأن من لا تخفى عليه خافية سبحانه مطلع عليه، وأنه يعلم الدقيقة والجليلة من عبده، مما يدعوه إلى الإخلاص والصدق فيه، وإجادته بقلب حاضر، وهيئة متكاملة. وهذا أمكن في المراقبة.
وهذا ما يجب أن يؤصل عند الشاب في المرحلة الجامعية، بالذات؛ لأن السلم الهرمي في الإدراك، والقدرة على الاستيعاب متكاملة، والتهيئة إلى أن تناط به مسئولية رد الشبهات، بارتباط شرعي، من المصدرين اللذين أوصى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، وأخبر أنهم لن يضلوا ما تمسكوا بهما.
فواجب الموجهين للشباب في هذا السن، تمكين هذا المفهوم،
حتى تتسع مداركهم لإدراك الأسرار الكامنة، والكنوز النفيسة، في تشريعات دينهم، الذي عليهم حمل همه بالدفاع عنه، وبيانه للآخرين، وتفنيد شبهات الخصوم برد مقنع، وحجة دامغة:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} (1).
وإن من مرتبة الإحسان، تقوى الله، هذه الخصلة إذا تمكنت من عقل المسلم: شابا أو كبيرا، فإنها تعطيه راحة في القلب، واطمئنانا في الوجدان، وفتحا لمغاليق الأمور، ألم يقل سبحانه:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (2)، ويقول:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (3){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (4)، ويقول جل وعلا:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (5).
فمن ارتوى من الشباب، من مناهل القرآن العذبة، وتشبع من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصحيحة الصافية هيأ الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه العلم والفهم، وقوى عزمه في المقارعة والمجادلة بالتي هي أحسن.
أما المحور الثاني، أو السلاح الثاني: فهو الحوار الفكري،
(1) سورة النساء الآية 87
(2)
سورة البقرة الآية 282
(3)
سورة الطلاق الآية 2
(4)
سورة الطلاق الآية 3
(5)
سورة الطلاق الآية 4
لمنازلة أصحاب الغزو الفكري الموجه لشباب المسلمين بوسائل الإعلام المتعددة: من مسموع ومرئي ومقروء.
فإن الإمام سفيان الثوري يروى عنه رحمه الله قوله: هم رجال ونحن رجال، ولهم عقول وعندنا عقول. . وأمكن من ذلك قول الله سبحانه:{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} (1). ونحن معاشر المسلمين ديننا لم يترك العقل والفكر، جانبا بل له جانب كبير في المخاطبة ورد الأباطيل، وخاصة فيما نلمس في القرآن الكريم، في رد شبهات الكفار، وفي محاورة أهل الكتاب في حججهم وشبهاتهم، حيث نجد تكرار ما يتعلق بالفكر في مثل: لآيات لقوم يعقلون، لقوم يتفكرون، لأولي الألباب، ألهم قلوب لا يعقلون بها. . . إلخ.
وهذا كثير جدا في القرآن الكريم، مما يبين أهمية مقارعة الحجة، بدليل أقوى، ومناقشة الغزو ببرهان أمكن، واللغة هي السبيل المبين في مخاطبة العقول بما تدركه، مع الإتيان بما يمكن القول بالشواهد المقربة للأمر.
فالجدال والمناقشة أمر مطلوب في النواحي العقلية، لكن ينبغي
(1) سورة النساء الآية 104
تأديب الشباب بآداب هذا الدين القويم، لما وراء ذلك من مصالح في مثل:
- عدم الاستفزاز عندما يحاور الشاب غيره، يقول سبحانه:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (1).
- أن يكون الجدال بالتي هي أحسن؛ لأنه أدعى إلى التقبل والتقارب، وأن يكون عن علم ومعرفة؛ لأن ذلك أقوى للحجة، فمن حفظ حجة على من لم يحفظ.
- عدم الغضب والسب، حتى لا يحفز الأمر الجانب الثاني، إلى سب الله عدوا بغير علم، وسب ديننا.
- التوسع في الثقافة، بحيث يرد عليهم بأقوال مقبولة لديهم، كالمنصفين من بني جنسهم.
- الحرص على ضرب الأمثال والاستشهاد بالنظائر المقربة للفهم، والمزيلة للبس.
- وأقوى شيء يرد غزوهم الفكري، اقتناص نصوص من مصادرهم، أو مقتطفات من مفكريهم، من باب مخاطبة الناس بما يعرفون، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(1) سورة آل عمران الآية 159
ولا يغرب عن البال: أن أعداء الإسلام، في عالم الشرق والغرب، قديما وحديثا، من أصحاب الديانات والنزعات والأهواء المختلفة، وهم قد حاربوا الإسلام في الظاهر، وناصبوه العداء في الباطن، قد أدركوا مع هذا العداء للإسلام وأهله، دور الشباب في عصور الإسلام الأولى، ومكانتهم في التصدي لتحدياتهم؛ لأن نفوسهم قد تشبعت بتعاليم الإسلام، وشرائعه غرست فيهم بذور الخير منذ نعومة أظفارهم، فكانوا مسددين في التصدي لخصوم دينهم، وموفقين بالردود الصائبة، التي من أثرها انجذاب كثير من الخصوم، بعدما بانت لهم الحقائق المقنعة، والحجج الملامسة لأوتار القلوب. إلى دخولهم الإسلام، فكانوا مدافعين عنه، بدل أن كانوا مهاجمين له. . ونريد من شباب اليوم السير على ذلك المنهج.
ودور الشباب في تاريخ دولة الإسلام، يحسن بشباب اليوم معرفته، ليتشبهوا بهم من حيث:
- التمثيل بالأخلاق الحسنة التي دعا إليها الإسلام.
- عدم الركون إلى الذين ظلموا أو محبتهم، أو التشبه بهم.
- تأصيل المحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي، والالتحام مع ولاة الأمر بالطاعة والسمع لهم، بدون معصية لله.