الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسا: الأمر بالاستقامة
ورد الأمر بالاستقامة في القرآن الكريم، والسنة النبوية:
أ -
من آيات القرآن الكريم:
ورد الأمر بالاستقامة بكلمات متعددة منها: أقم، واستقم، واتبع، بصيغة المفرد والجمع على النحو التالي:
1 -
أقم: ورد الأمر بالاستقامة بكلمة: أقم في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1).
يقول ابن جرير في تفسير هذه الآية: " ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الدين الذي أمرتك يا محمد به بقولي - فأقم وجهك للدين حنيفا - هو الدين الحق دون سائر الأديان غيره "(2).
وقال البيضاوي في تفسير هذه الآية: (فقومه غير ملتفت، أو ملتفت عنه، وهو تمثيل للإقبال للاستقامة عليه والاهتمام به)(3).
وكذلك ورد الأمر بالاستقامة بكلمة: أقيموا؛ قال الله تعالى:
(1) سورة الروم الآية 30
(2)
الطبري، تفسير الطبري 6/ 104.
(3)
البيضاوي، تفسير البيضاوي 2/ 220.
{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (1).
قال البغوي في تفسير هذه الآية: (بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين، والألفة، والجماعة، وترك الفرقة والمخالفة)(2).
قال الشيخ السعدي في تفسيره لهذه الآية: أي أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين، أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (3).
2 -
استقم: ورد الأمر بكلمة استقم بصيغة المفرد والجمع حيث ورد بصيغة المفرد في آيتين:
الآية الأولى: قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (4). قال ابن جرير: أي فاستقم أنت يا محمد، على أمر ربك، والدين الذي ابتعثك به والدعاء إليه كما أمرك ربك " (5).
وهذا تأكيد بالأمر على طاعة الله عز وجل، واتباع الحلال
(1) سورة الشورى الآية 13
(2)
البغوي، مختصر البغوي 2/ 835.
(3)
السعدي، عبد الرحمن، تيسير الكريم الرحمن 7/ 96.
(4)
سورة هود الآية 112
(5)
الطبري، تفسير الطبري 4/ 316.
واجتناب الحرام، والتحذير من الكفر أو العصيان. والاقتداء بحياة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي على الاستقامة، حيث أشار لذلك ابن عطية الأندلسي أن الأمر بالاستقامة للنبي صلى الله عليه وسلم هو للدوام والثبات على الاستقامة، قال ابن عطية في تفسيره لهذه الآية:(أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالاستقامة، وهو عليها، وإنما هو أمر بالدوام والثبوت، وهذا كما تأمر إنسانا بالمشي والأكل ونحوه وهو ملتبس به. والخطاب بهذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين تابوا عن الكفر، ولسائر أمته بالمعنى)(1).
وبذلك يتضح أن الخطاب في هذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم بالثبات والدوام على الاستقامة ولعموم المسلمين، قال البيضاوي في تفسيره لهذه الآية: أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة مثلما أمر بها. وهي شاملة للاستقامة في العقائد والأعمال: من تبليغ الوحي، وبيان الشرائع كما أنزل، والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وإفراط.
ولا تطغوا: أي ولا تخرجوا عما هو لكم، فهو مجازيكم عليه، وهو في معنى التعليل للأمر والنهي، وفي الآية دليل على وجوب إتباع النصوص من غير انحراف (2).
(1) ابن عطية، المحرر الوجيز 3/ 211.
(2)
البيضاوي، أنوار التنزيل 1/ 472.
وهذا تأكيد على، وأن هذه الوسطية هي الطريق المستقيم، طريق الاستقامة التي يجب على المسلم ألا يخرج أو ينحرف عنها.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (1) أمر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع، ويعتقدوا ما أخبر الله به العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك يمنة ولا يسرة، ويداوموا على ذلك؛ ولا يطغوا بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة (2).
أما الآية الثانية التي فيها الأمر بالاستقامة بصيغة المفرد فهي: قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} (3).
خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بالاستقامة، وقد كان مستقيما أي مداوما على الاستقامة، وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به إنما معناه الدوام، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عيني النبي صلى الله عليه وسلم، ولها وقع شديد في نفسه؛ لأن
(1) سورة هود الآية 112
(2)
السعدي، عبد الرحمن، تيسير الكريم الرحمن 3/ 218.
(3)
سورة الشورى الآية 15
تحتها جميع الطاعات، وتكاليف النبوة (1).
وقال البيضاوي في تفسير هذه الآية: ادع إلى الاتفاق على الملة الحنيفية، واستقم على الدعوة كما أمرك الله تعالى، ولا تتبع أهواءهم الباطلة، وقل آمنت بجميع الكتب المنزلة، ليس كالكفار الذين آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعضها (2).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: ادع إلى الدين القويم والصراط المستقيم الذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله، أو استقم بنفسك استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط، بل امتثالا لأوامر الله واجتنابا لنواهيه (3).
وورد الأمر بالاستقامة بصيغة الجمع قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} (4).
فاستقيموا إليه: (توجهوا إليه بالطاعة، ولا تميلوا عن سبيله)(5). وأيضا: استقيموا على محجة الهدى، وطريق الشرع
(1) ابن عطية، المحرر الوجيز 5/ 30.
(2)
البيضاوي، تفسير البيضاوي 2/ 361.
(3)
السعدي، عبد الرحمن، تيسير الكريم الرحمن 7/ 98.
(4)
سورة فصلت الآية 6
(5)
البغوي، مختصر البغوي، 2/ 826.
والتوحيد (1).
وقال البيضاوي في تفسير هذه الآية: لا أدعوكم لما تنبو عنه العقول والأسماع، وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل، وقد يدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل، فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه، أو فاستووا إليه بالتوحيد، والإخلاص في العمل، واستغفروا مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل، ثم هددهم على ذلك فقال:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} (2) من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله فالاستقامة هي طاعة الله عز وجل، وعدم الخروج عن الصراط المستقيم.
أما الشيخ السعدي رحمه الله تعالى فقال: (أي اعترفوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم علما وعملا، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)(3).
3 -
اتبع: حيث ورد بصيغة الأمر، كقول الله تعالى:{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (4)، قال ابن جرير " اتبع، يا محمد، ما أمرك به ربك في وحيه الذي أوحاه إليك، فأعمل به، وازجر عما
(1) ابن عطية، المحرر الوجيز 5/ 4.
(2)
سورة فصلت الآية 6
(3)
السعدي عبد الرحمن، تيسير الكريم الرحمن 7/ 84.
(4)
سورة الأنعام الآية 106
زجرك عنه فيه " (1).
وقال البغوي في تفسيره لهذه الآية: (يعني القرآن اعمل به)(2).
أما صيغة الجمع في فعل: اتبع، قال الله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3).
(قال ابن مسعود: إن الله جعل طريقا مستقيما، طرفه محمد عليه السلام، وشرعه، ونهايته الجنة، وتتشعب منه طرق، فمن سلك الجادة نجا، ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلي النار.
وورد في شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز أن سبب خلاف الفرق وأمثالهم هو عدولهم عن الصراط المستقيم، الذي أمرنا
(1) الطبري، تفسير الطبري 3/ 327.
(2)
البغوي، مختصر تفسير البغوي 1/ 266.
(3)
سورة الأنعام الآية 153
(4)
ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز 2/ 364، ورد الحديث في مسند الإمام أحمد 1/ 465.
الله باتباعه في هذه الآية، حيث وحد لفظ صراطه وسبيله وجمع السبل المخالفة له، ومن هنا اضطرار سؤال الله هداية الصراط المستقيم فوق كل ضرورة (1).
وفي تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى لهذه الآية: أي هذه الأحكام مما بينه الله في كتابه ووضحه لعباده صراط الله الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المعتدل، السهل، المختصر، فاتبعوه لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح، ولا تتبعوا الطرق المخالفة فتضلكم عنه، وتفرقكم يمينا وشمالا، فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم فليس ثم إلا طرق توصل إلى الجحيم (2).
وفي صيغة الجمع: قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (3).
قال ابن جرير أي " اتبعوا أيها الناس، ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى، واعملوا بما أمركم به ربكم، ولا تتبعوا شيئا من دونه "(4).
وقال ابن عطية: هذا (أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم
(1) ابن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية ص 525.
(2)
السعدي، عبد الرحمن 2/ 233.
(3)
سورة الأعراف الآية 3
(4)
الطبري، تفسير الطبري 3/ 400.